الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

العام الجديد "2011"... هل يحمل المزيد من الأحلام العربية؟!

2010-12-29
جريدة الشرق

فرحة استضافة أحد أصغر الدول العربية في المساحة والسكان المونديال العالمي
الصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات تعصف بالحاضر والمستقبل
الأحلام السعيدة لا تزال صعبة المنال في العالم العربي

الصدفة وحدها جعلتنا نتوقف في باريس الفرنسية بعد مغادرة نيويورك الأمريكية في الطريق إلى لندن البريطانية، عندما تم إلغاء رحلتنا المقرر الصعود عليها. وفي المطار لفتت انتباهنا تلك الزهور البلاستيكية الحمراء الجميلة المعلقة على صدور المسافرين في المطارات الثلاثة وهي على شكل زهرة الخشخاش "Poppy Flowers". والزهرة التي تعلق على الملابس في الشهور الأخيرة من السنة تعتبر رمزا يمثل ضحايا الحروب والصراعات التي عصفت بالعالم في الحرب العالمية الأولى والثانية، لكنها رمز أيضا في التعلم من الماضي وأهواله من عدم استخدام العنف واللجوء إلى الحروب والدماء وتكرارها مرة أخرى. والتخلص من ارث الصراعات التي مازالت تدور رحاها في بقية أرجاء العالم وتحصد أرواح طاهرة وبريئة. والزهرة التي سرعان ما تذبل بمجرد تفتحها، عبر عنها في قصيدة جميلة بعنوان "في حقول فلاندرز "In Flanders Fields"، وتحكي القصيدة قصة الجنود الذين سقطوا ضحايا في حقول "فلاندرز" الفرنسية على الشكل التالي: "في حقول فلاندرز تتفتح أزهار الخشخاش، وتتمايل بين الشواهد وصفوف القبور، الطيور ما تزال تغني وتطير بشجاعة، وهديلها لا يكاد يسمع، في ضجة أصوات القنابل، نحن الموتى.. كنا أحياءً منذ أيام، لقد عشنا وأحسسنا ببزوغ الفجر، ووهج الغروب، كنا عشاقا، وكنا معشوقين، ولكننا الآن ممددين في حقول فلاندرز". ولقد استعان بها كصورة مجازية ليمان فرانك (Lyman Frank Baum) في الرواية العالمية " ساحر أوز الغريب " "The Wonderful Wizard of Oz" حيث تحول حقول الخشخاش السحرية كل من يدوس عليها إلى كائن نائم لا يستطيع الاستيقاظ. وفي الرواية قضية مصيرية أيضا تشغل بال الشخوص الرئيسية حيث إن فزاعة الطيور ترغب في الحصول على عقل كي تستطيع التفكر. وحارس الغابة يتمنى قلبا تملأه المشاعر والحب والعواطف والأحاسيس. والأسد الجبان يأمل أن يصبح شجاعا حتى يستطيع مواجهة المخاطر. أما "دوروثي" تتمكن من إقناعهم بأن ساحر أوز يمكن أن يساعدهم على تحقيق أمانيهم وتحويلها إلى واقع؟! لقد تداعت إلى ذاكرتي زهرة الخشخاش هذه السنة بعد أن قامت عصابة في مصر بسرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان الهولندى العالمى فان جوخ "Vincent van Gogh"، وعلى أي الحال فهو ليس الشيء الوحيد الذي تمت سرقته في أم الدنيا؟!
في العودة حملتني الطائرة إلى الخليج لكي أقضي ما تبقى من إجازة نهاية السنة، ورأيت البكاء والدموع مختلطة بالدماء على الوجوه والأجساد والمشاهد الحزينة المؤلمة تتجسد في احتفالات تتجاوز ألف عام في مراسم عاشوراء، شاهدت الحزن والسواد، وخروج مواكب الحزن والعزاء والضرب والتطبير، ولكني لم جد زهرة الخشاش لم استشعر الأمل والعزيمة من التعلم من الماضي وليس العيش فيه، وأخذ العبر والدرس منه وليس التماهي معه واجتراره وتجييريه لخدمة أيديولوجيات خاصة. وان اختفت زهرة الخشاش في مواسم الأموات والعزاء في الخليج "العربي "؟! فهي تظهر في وسط حقل كبير في ضواحي لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند الجنوبية في أفغانستان، وهناك يعمل أكثر من 2 مليون أفغاني وباكستاني. وبعد صلاة الفجر التي عاد ما يقيمها هؤلاء القوم جماعة، يبدأ موعد الزراعة والفلاحة وانتظر الحصاد بعدها. وهناك فالزهرة الخشخاش استخدامات أخرى غير بريئة أهمها التجارة بالمواد المخدرة الممنوعة، وتجارة المخدرات ما زالت تمول حركة طالبان وغيرها من الحركات المسلحة، وتنتج أفغانستان أكثر من 90 بالمائة من هيروين العالم وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات ومنع الجريمة، وينتج إقليم هلمند وحده أكثر من 35 بالمائة من أفيون البلاد.
ومن حقول الأفغانية المزروعة بحقول الخشخاش التي إذا ما داس عليها الإنسان قتلته، نصطدم بالحقول الملغومة والمتفجرة في منطقتنا، فالصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات والإخفاقات تعصف بالحاضر والمستقبل. من قضيتنا الأزلية الفلسطينية منذ ما يقارب النصف قرن ويزيد. إلى الجار في العراق وخلافات التهديد والتقسيم. إلى المواجهات المفتوحة والاشتباكات المسلحة في اليمن. والدعوات الانفصالية في السودان التي سيتقرر مصيره في شهر يناير "2011"، من أن يخشى أن يكون قاب قوسين أو أدنى من انفصال الجزء الجنوبي وتجدد الحركات الانفصالية في دارفور والشرق والشمال وحتى الوسط؟! إلى الصومال والتمزيق والتفتيت والحرب الأهلية والمتاجرة بالشعارات الدينية المتناحرة ومنها الإسلامية وهو بريء منهم ومما يفعلون. الخوف على لبنان وإشعال المعركة بين الشعب الواحد، والأطياف السياسية، والأديان المسيحية والإسلام، والمذاهب الشيعية والسنية بعد قرار المحكمة الدولية القريب القادم. إلى النزاع المتجدد بين الصحراء في المغرب والجزائر وهو نزيف يتجاوز ثلاثة عقود وفي التطورات الأخيرة اتهمت بعض دول الخليج في تأجيج النزاع ومساعدة طرف في معركته ضد الآخر؟!
ولكن ما الحل وأحوالنا وأوضاعنا تتدهور سنة بعد الأخرى رغم الأخبار القليلة الباعثة على الأمل مثل استضافة احد اصغر الدول العربية في المساحة والسكان وهي قطر المونديال الرياضي العالمي "2022"؟ هل سننتظر لمئات السنين حتى يصل المنتظر أو المخلص الذي يخلصنا من آلامنا وأوجاعنا وعذاباتنا؟ هل نلجأ إلى القائد الملهم والديكتاتور المستبد العدل لينقذنا من المستنقع الذي نعيش فيه، هل نعيد عصر الخلافة والخلفاء لكي نعيد تاريخنا وأمجادنا؟! أو نلجأ إلى "ساحر أوز" لنطلب منه المساعدة في أن يعطينا عقلا نفكر به ونستعين فيه لمعالجة قضايانا المصيرية قبل أن تقتلنا؟، ويزودنا بقلب عامر بدفء المشاعر والأحاسيس والعواطف والحب بين بعضنا البعض وان اختلفت جنسياتنا وأعراقنا وأفكارنا وأدياننا ومذاهبنا وملتنا! ويمنحنا الشجاعة لنقول كفى ونوقف هذا العبث بأوطاننا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا!. أم أننا لا نحتاج إلى أحد سوى أنفسنا فكل ذلك يسكن في داخلنا ولكن؟!ّ الأكيد أن الأحلام السعيدة مازالت صعبة المنال في العالم العربي.
كعادتي قبل أن تنتهي رزنامة عام "2010" التي تشبه شكل أعواد الثقاب "أعواد الكبريت" (Matches Calendar)، مرسوم عليها كل أيام السنة، وفي كل يوم يجب أن تقطع عوداً أو ترميه حتى يظهر اليوم الذي بعده، سارعت إلى المكتبة المجاورة لبيتي في بلاد الغربة لأحصل على رزنامة العام القادم وفي خاطري لا يزال يجول السؤال ذاته هل ستكون الرزنامة العربية "2011" أفضل، أو وضعها مماثلا، أو ستكون أسوأ؟.. وهل كل عام أنتم بخير؟!

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

لماذا يقدمون على تفجير أنفسهم والآخرين؟

جريدة الشرق
2010-12-22

كم عدد الذين سيتحولون إلى متطرفين خلال السنوات المقبلة؟
لماذا تحول المعالج الفيزيائي والطبيب النفسي والمحلل المالي إلى إرهابيين؟
جذور العنف تعود إلى عوامل التفاعل في المجموعة البشرية

تبعد مدينة لوتن (Luton) عن المدينة التي أعيش فيها حوالي ساعة ونصف الساعة تقريبا عن طريق قيادة السيارة أو بالقطار وهي قدرنا أن نقف فيها كمحطة رئيسية كلما أردنا الذهاب إلى لندن عاصمة الضباب والتلوث، فالهواء الملوث في العاصمة البريطانية يؤدي إلى وفاة «الآلاف» سنويا. وتحوي مدينة لوتن العديد من الجاليات المسلمة اغلبها باكستانية وهندية وبنغالية وآسيوية، وفيها أيضا العديد من الطلاب العرب من الخليج السعودية وقطر والإمارات، ومن ليبيا ومصر والمغرب والدول العربية الأخرى. في الأيام الأخيرة احتلت المدينة عناوين أخبار وسائل الإعلام العالمية لأنها كانت المكان الذي عاش فيه، "انتحاري ستوكهولم" تيمور عبدالوهاب الذي قام بتفجير نفسه وسيارة مفخخة بالغاز والمسامير في قلب العاصمة السويدية، وفشلت المحاولة ولم تقتل سواه. المدينة أصبحت مادة للدراسات العلمية والسيكولوجية في محاولة لمعرفة الظواهر المحيطة بالعنف والتشدد والتزمت وقتل النفس وتفجير الآخرين، ولمعرفة ظروف "انتحاري ستوكهولم" الشاب المتعلم من حيث متى ولماذا وكيف تحولت أفكاره إلى متطرفة وعنيفة وراديكالية؟ وهل هناك الكثير غيره! وكيف يمكن تغيير أفكارهم من الرغبة في الموت إلى الإيمان بقيمة الحياة؟!
"انتحاري ستوكهولم" عرف انه عراقي الأصل سويدي الجنسية، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، جامعي ولديه وظيفة محترمة وهو معالج فيزيائي، ولم يأبه بالسياسة ولم يكن متدينا عندما أقام في السويد، وأن تطرفه جاء بعد انتقاله إلى بريطانيا. وكان يحتسي البيرة مع أصدقائه ويرتاد الملاهي الليلية، بل كان حتى لديه صديقة إسرائيلية؟! فهل كان كل ذلك جزءا من التخفي في شخصية أخرى حتى يأتي عليه الدور ويقوم بكشف شخصيته الحقيقية المتطرفة ويفجر نفسه ليصبح شهيدا ويدخل الجنة ويتزوج من حور العين؟! لقد تحول تيمور إلى مسلم متشدد اثر اتصاله بإمام مصري في مسجد لوتن، وهو كتب في رسالة الكترونية قبل دقائق معدودة من الانفجارين في ستوكهولم، وهي موجهة إلى أهله "كان من المستحيل أن أقول لكم من انا فعليا. لم يكن من السهل علي أن أعيش خلال السنوات الأربع الأخيرة وأنا احمل هذا السر أي أن أكون كما تقولون إرهابيا". عقب الانفجار الفاشل عثر على رسالة أخرى تقول "إن معركة ستوكهولم هي بداية حقبة جديدة في جهادنا ستصبح فيها أوروبا ساحة لمعاركنا."
قبلها كانت قصة مشابهة بطلها الطبيب النفسي نضال مالك حسن، الضابط بالجيش الأمريكي ذو الجذور العربية من أصل فلسطيني من منطقة تقع بالقرب من مدينة القدس، الذي قام بإطلاق النار على عدد من زملائه الجنود، متسببا في مقتل 13 منهم وإصابة أكثر من 40 آخرين،. وقد قال عنه جده انه إن حفيده "يحب أمريكا" وإن الفضل يعود للولايات المتحدة لما هو عليه الآن كطبيب نفسي عسكري حصل على الوظيفة بعد انخراطه في الجيش أواخر التسعينات ومتابعته دراسات ممولة من الجيش. وهو ترفع في عام 2003 إلى رتبة نقيب "كابتن" ثم إلى رائد "ميجر" عام 2009، وحصل على وسام الدفاع الوطني، ووسام الحرب على الإرهاب. ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن احد الشيوخ أن نضال لم يتطرق معه إلى قضايا سياسية وكان الحديث يقتصر دائما على شؤون دينية لا علاقة لها بالجدل ولا تمت بصلة إلى التطرف. وكان مسلما معتدلا يمارس دينه ويحضر صلاة الجمعة في مركز والتر ريد الطبي التابع للجيش الأمريكي قبل أن يقوم بإطلاق النار على زملائه؟!
حكاية فيصل شاه زاد مقاربة أيضا وهو حاول تفجير سيارة في "تايمز سكوير" في نيويورك، وهو من مواليد بابي في إقليم كشمير في الشمال الغربي من باكستان، حصل على شهادة جامعية في الكمبيوتر وأخرى في إدارة الأعمال وحاصل على شهادة ماجستير أيضا، وعمل شاه زاد بعد تخرجه في القطاع المالي، ولم يكن في حياته أي شيء يثير القلق أو يجذب انتباه السلطات الأمنية. واكتسب الجنسية الأمريكية عام (2009) مما يعني انه أصبح مواطناً أمريكياً كامل الحقوق، بات بإمكانه استضافة أفراد عائلته من باكستان، وأن يصوت في الانتخابات، وأن يتمتع بجميع الحقوق المدنية والدستورية الأمريكية، ما عدا الترشح لمنصبي الرئيس أو نائب الرئيس، اللذين يقتصران على المولودين في الولايات المتحدة. والمفاجأة أن هذا الشاب الطموح والودود، بعد عام من حصوله على الجنسية، اعتقل بتهمة الإرهاب ومحاولة الهجوم على نيويورك، التي يعاقب عليها القانون الأمريكي بالسجن مدى الحياة. وشاه زاد متزوج وله طفلان ويعتقد أن زوجته وطفليه مازالوا يعيشون في باكستان. وفي التفاصيل حول أسباب تطرفه أبدى إعجابه بأنور العولقي، المتهم بالتحريض على الإرهاب. وبالإضافة إلى أفكارهما المتطرفة، وما يربط شاه زاد والعولقي هو حملهما الجنسية الأمريكية، وسهولة تحركهما في البلاد قبل اتهامهما بقضايا إرهاب. وتفيد تقارير بأن شاه زاد «تطرف تدريجيا».
ما هي الأسباب الحقيقية والظروف القاهرة التي جعلت المعالج الفيزيائي، والطبيب النفسي، والمحلل المالي وخبير الكمبيوتر والذين على شاكلتهم وهم يعيشون في الدول الغربية المتقدمة حياة لا تقارن مع اقرأنهم في الدول التي تعود أصولهم إليها، يتحولون إلى متطرفين وإرهابيين؟! الدراسة التي قام بها عالم الإناسة الأمريكي (سكوت آتران) وترجمها وائل السواح تلقي الضوء على بعض الأمور المستعصية على الفهم. دكتور اترون يؤمن بأنّ الإرهابيين هم كائنات اجتماعية، يتأثّرون بالصلات والقيم الاجتماعية التي تبدو مألوفة لنا جميعا. إنهم أعضاء في نواد مدرسية، أو فرق رياضية أو منظمات اجتماعية؛ وقد يكونون آباء متباهين أو مراهقين صعاب المراس. وهم لا يموتون، كما يحاجج سكوت آتران، من أجل قضية ولكنهم يموتون من أجل بعضهم البعض. بعض الدراسات تشير إلى أن الجهاد لا قادة له، وإن عملية الردكلة (التحول الراديكالي) نفسها هي التي كانت مهمة. فالإرهابيون ليسوا مجانين، ولا يوجد دليل على وجود درجة عالية من المرض النفسي بينهم؛ وهم ليسوا فقراء، والرابط بينهم وبين الفقر — إن وجد — هو على الأقل رابط غير مباشر؛ ولا هم يشعرون بالضرورة بالإذلال. على العكس، فإن آتران يثبت من خلال بحثه أن الإذلال الشخصي، كمثل ذلك الذي يعانيه الفلسطينيون عند نقاط التفتيش الإسرائيلية، إنما يخفض في الحقيقة احتمال أن يقوم أيّ فرد بعمل عنفيّ. وبالمقابل فإن الشعور بإذلال الآخرين الذين يشعر المرء بارتباط كبير معهم يمكن أن يكون دافعا جبارا للفعل، حسب ما يرى آتران. وبرأيه فإن جذور العنف تعود إلى عوامل التفاعل في المجموعة البشرية، سواء أكانت شلّة من الأصدقاء، أو الأمة الإسلامية برمتها. ويقول آتران مثلا إن تفجيرات بالي (إندونيسيا) عام 2002 "كانت قد خُطِّط لها ونُفِّذت بواسطة شبكة من الأصدقاء، من أفراد العشيرة، من الجيران ورفاق المدرسة الذين ساعد واحدهم الآخر على التحول الراديكالي إلى أن غدا الجميع يتوقون لقتل أناس غرباء عنهم تماما من أجل قضية مجردة". ويضيف آتران أن شبكات الإرهاب "لا تختلف في عمومها عن الشبكات الاجتماعية العادية الأخرى التي تقود الناس في بحثهم عن وظائفهم المستقبلية. إن مهنة الإرهاب بحد ذاتها هي التي يجدر اعتبارها استثنائية، وليس الأفراد العاديين الذين يصبحون إرهابيين". ويعدد آتران أربعة عناصر لما يسميه "الفوضوية المنظمة" والتي يرى أنها تمثل الفعالية الجهادية الإسلامية المعاصرة. وهذه العناصر هي: أولا، الأهداف هي دائما غامضة ومتضاربة؛ ثانيا، أساليب العمل يتم تقريرها بشكل براغماتي واعتمادا على سياسة المحاولة والخطأ أو اعتمادا على فَضْلَة ما خبروه من تجارب سابقة؛ ثالثا، غالبا ما تتغير تخوم المجموعة بشكل مستمر؛ ورابعا، تتغير درجة التزام الأعضاء بالجماعة عبر الزمن. والنتيجة أنه لا وجود لمنظمة إرهابية مركزية وتراتبية، ولكن لشبكة غير مركزية ومتطورة بشكل دائم وتعتمد على تكيف ظرفي لأحداث لا يمكن التنبؤ بها.
لقد دخلنا في حوارات ومناقشات عديدة مع مجموعة من العرب والمسلمين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا من الذين يعيشون في الغرب وغالبا ما لحظنا أن هناك رؤية متطرفة مغالية سوداوية (رغم أن وضعهم أفضل من أصحاب البلاد الأصليين) في النظر إلى أوضاعهم ومعيشتهم، وفي النظر إلى أوضاع المنطقة التي تعود أصولهم إليها والمحملة غالبا بالصراعات والمواجهات والاحتقانات. والسؤال كم عدد هؤلاء المرشح أن يتحولوا إلى متطرفين وإرهابيين خلال السنوات المقبلة؟!

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

طريق التغيير... يبدأ من المنتديات والمدونات الالكترونية؟!

جريدة الشرق
15 ديسمبر 2010

المواقع والمدونات مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني؟!
محاولات لتشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي.
هل يستطيع التدوين إدخالنا عصر الأنوار العربي ؟!

في التاريخ لحظات زمنية، تتقرر فيها المواجهة بين الأطراف المتباينة تلك التي تتمسك بتراث وتلابيبه وتعتقد جازمة أن الفلاح والنجاح في أتباع سدنة الهيكل وأفكارهم شبرا بشبر وذرعا بذراع؟! وبين أولئك الذين يسعون من التحرر من الماضي وشخوصه، وهم غالبا ما يكون قلة ولكن كتب لها أن تصنع التاريخ وتغيير الواقع والى الأبد؟! اليوم من بد الأزمان، في عالم العربان بدأت تتشكل ملامح التغيير وان كانت بطيئة وحذرة، تراها في قلة من الصحف وان كانت متواضعة وفي بعض وسائل الإعلام، ولكنها في المنتديات والمواقع الالكترونية نشيطة وفاعلة بقدر الإمكان، تحول توصيل أرائها وأفكارها ومواجهة المتزمتون والمتشددون والتكفيريون والأيدلوجيون والمنتفعون وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل ما أوتيت من قوة وحجج وبرهان.
يخطى من يظن أن الحرية أتت في دول العالم المتقدمة وبالتحديد في أوروبا على طبق من فضة، أو بين ليلة وضحاها عن طريق رغبة ملك أو أمير أو قائد رباني ملهم، أو حاكم "المستبد العادل" كم هو خطاب الواهمون (العدل لا يجتمع مع الاستبداد)؟! كان كل من يجرءا على التفكير والتعبير والكتابة بطريقة مختلفة لا توافق أهواء السلطة الدينية الكنسية والسلطة السياسية الملكية الإقطاعية يرسل إلى المحرقة ويعتبر مهرطق خارج عن ملة القوم. لقد عاش كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين خارج أوطانهم منفيين و هاربين من بلد أوربي إلى آخر، وكانت وكتبهم ومؤلفاتهم ورسائلهم تنشر بأسماء مزيفة و مستعارة حتى وبدون أسماء خوفاً من مقصلة الرقابة والجواسيس والملاحقة والقتل.
كان الإيمان والعمل على بزوق فجرا جديد مغاير يملى السمع والأبصار والأفئدة لتلك العصبة المؤمنة من القوم وهو ما بدد ساعات الظلمة ودشن عصر الأنوار والتنوير، وهي تذكرني بمقولة رائعة كانت شعار فيلم روبن هود (Robin Hood)، بطولة رسل كرو (Russell Crowe)، الذي لا يزال يعرض في دور السينما في بريطانيا وبالتحديد في مدينتة نوتنجهام (Nottingham) وقد زرت المدينة في الأسبوع الماضي، وهي تقول (ثابر و ثابر من جديد حتى يتحول الحملان اسود), ومن ابرز هؤلاء النفر يأتي فولتير ورسائله المشهورة، الرسائل التي أرست أسس النضال من أجل الحريات الثقافية والدينية السياسية، النضال من أجل العقل والفكر والتعبير، ومن أجل حقوق الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ومعتقداته. فولتير صاحب المقولة الرائدة : "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك"، احد الكبار الذين خاضوا المعارك الكبرى، ووقفوا في وجه التعصب والتزمت، وهي التي أطلق عليها "الوحش الضّاري"، ليدافع عن أسرة "كالاس" البروتستانتيّة إذ تعرّضت إلى الاضطهاد والتّنكيل بسبب انتمائها المذهبيّ من قبل الغالبية الكاثوليك.
عصر الأنوار كما يشير إلى ذلك د.صادق محمد نعيمي في كتابه (الإسلام وعصر التنوير)، محاولة للإجابة عن السؤال: من أين يأتي النور الذي يعرف المرء به الخير من الشرّ ويرشده إلي الصواب والأخلاق؟ فقد كان الفكر التقليدي المتراكم من العصور الوسطى والمدعوم من الملكيات الحاكمة ومن الطبقتين المميّزتين (النبلاء ورجال الدين) يرى أنّ ما يأتي من تعليم ثيولوجية عقائدية مذهبية هي مصدر النور الذي يهدي الإنسان في هذه الحياة، في حين أنّ اتجاها فكريا، نابعا خصوصا من أبناء الطبقة البرجوازية الناشئة، بدأ في بثّ آراء ترى أنّ العقل هو الأساس الذي ينبغي للمرء أن يتبعه لمعرفة الخير من الشرّ، ولتحديد مفهوم الأخلاق. كان التيّار الأوّل هو الغالب، بحكم أنّه يستمدّ قوّته من السلطتين الزمنية الحاكمة والروحية الدينية، بسبب توافق مصلحتهما مع هذا الرأي الذي يرى في الثيولوجية المصدر الوحيد للأخلاق، ولمعرفة الحسن من السيّئ. وكان التيّار التنويريّ، كما سوف يطلق عليه لاحقا، يبحث عن رؤى جديدة للكون وللعالم وللدين وللأخلاق يحاول أن يجد له طريق وسط هذه السلطة الطاغية لعادات وتقاليد أنتجتها الثقافة الموروثة وجعلت من موافقتها أو من مخالفتها معيارا للصواب والخطأ. كان لكلّ من التيارين منتجه من آداب وفنون، يسعى الاتّجاه الأوّل لتكريس الوضع القائم من قبل أصحاب السلطتين السياسية الدينية، والثاني يأمل في إيجاد عالم بديل للخروج من عادات وتقاليد بالية ارتكس فيها الغرب بسبب تحالف الإقطاع مع الكنيسة الكاثوليكية، ولتحرير النفس الأوربية من أزمة الضمير على حد تعبير بول أزار، أزمة ناشئة عن التعارض بين الموروث والجديد بين رؤى قروسطية للحياة وللأخلاق وللكون وللدين وللإنسان، وبين تطلّع لاحترام العقل ومعطياته. بدأ التيار الأخير ضعيفا مضطهدا لأنّ ثمّة أصحاب مصالح يوظفون المورث والتقاليد لاستمرارية مصالحهم، ولكنّه كان في كلّ يوم يكتسب أتباعا جددا راغبين في أن ينفضوا عن أنفسهم وعن عقولهم غبار التقاليد الجاثمة على أرواحهم. وكان أسلحتهم تتمثل في الحوار والكتابة والتعبير الحر ونشر وطباعة المقالات والصحف واصدرا وتأليف الكتب. وكل ذلك أصبح متوفر اليوم من خلال كبسة زر تسمح بالدخول إلى عالم المدونات والمنتديات الالكترونية.
الدول العربية ليست استثناء في التاريخ، وكما نجح التنوير في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول أسيوية وافريقية و أمريكا اللاتينية، سيجنح وسيحقق انجازاته الحضارية من خلال المؤمنون بالتغيير في العالم العربي، اليوم هناك مواجهة مفتوحة على الانترنت المواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية مع القيم والمعتقدات والأفكار والتصورات التي ولدت وترعرعت في عقول الإنسان الذي يعيش في العالم العربي بلا هدى و كتاب منير. المواقع الاجتماعية والمدونات كما بينت رسالة الماجستير للباحثة فاطمة الزهراء مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني التي فقدت فاعليتها، حيث طرحت نفسها كبديل فاعل في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به، حتى اكتسبت مصداقية عالية وحصلت على ثقة الجمهور، وباتت تنظم الحملات وتتابع حالات الحراك السياسي وتثير الأحداث التي لا تحظ باهتمام إعلامي كافٍ لتلفت الرأي العام إليها. لقد ازداد في الأيام الأخيرة عدد المدونين الذين تم القبض عليهم لمجرد التعبير عن رأيهم، والدعاوى الكثيرة المرفوعة ضدهم، وتعمد بعض المثقفين التقليل من المدونات وإطلاق أحكام عامة عليهم دون تحديد. كما قام الإعلام الحكومي في تشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي. ولم يكن في الحسبان أن تنجرف محطة الجزيرة مع الموجة وهي التي تعاونت مع موقع "ويكيليكس" في نشر الوثائق السرية الأمريكية ويقارب عددها أربع مئة ألف وثيقة تلاها ربع مليون وثيقة في التسريبات الأخيرة، وتقوم باتهام موقع إخباري قطري باختراق موقع الجزيرة، والحصول على وثائق رسمية ونشرها في الموقع، وذلك بالتعاون مع جهة مجهولة؟! ممل يدل على استمرار سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الداخلية. وماذا عن شعار حريات النشر وضمان حق المعرفة والميثاق الصحفي، كما آن مركز الدوحة لحرية الإعلام ظل يتفرج من بعيد وكان القضية لا تعنيه إطلاقا! وهل ممكن الاعتقاد في عصر الفضاء المفتوح والعولمة انه يمكن منع الرأي العام والمؤسسات المدنية في المعرفة والمحاسبة والمساءلة؟!
من أجمل الكلمات التي جعلها جفار (Che Guevara) شعار له ( أنا لست محررا ، والمحررين لا وجود لهم ، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها)؟!

Scientific discoveries change the view of world around us

The Peninsula News Paper
Wednesday, 08 December 2010 00:58

Online forums in the Gulf were ignited in the past few weeks over a story connecting mankind with the other world. The story tells of an alleged “genie” who a court judge claims instigated him to undertake theft and embezzlement of nearly $200m. The defendant’s counsel asked for permission to bring the “genie” to court for a hearing or prosecution. It is strange that there are many who believe in and promote these stories in our part of the world, and even calling those who challenge them “infidels”. At the same time, they deny any scientific discoveries or facts, old or new.

According to conventional scientific methods, there are three revolutions that shook the world — the Copernican, Darwinism, and Freudian revolutions. Today, however, those cannot even compare to the facts and information reached by the tools of modern science and knowledge, which reflect the renewal, growth, and continuous development of scientific knowledge itself.

Salon Magazine states that half of the clinics in the US can now clone human beings and nothing prevents them from doing so except for moral constraints. Only four states are not prevented from such constraints and they are Michigan, Missouri, California and Rhode Island, which are undertaking human cloning experiments. Meanwhile, some private institutions in other states offer intervention services in the inheritance gene. The publication adds that scientists in South Korea announced that they have succeeded in cloning a human cell but stopped the experiment temporarily, most likely due to secret fear of controversy surrounding it, and will probably formally announce their success after a few years in order to be the first to achieve this scientific discovery.

For its part, my alma mater, the University of Leicester, just celebrated the pioneering of a new scientific advancement in January 2010, indicating that the analysis of genes of generations of Europeans has shown that their roots trace back to the Fertile Crescent. The results showed that 4 out of every 5 Europeans of the Caucasian race have genetics tracing to the Near East, while the return of DNA passed from mother to daughter, traces to southern Europe. The study notes that the migration of men the Fertile Crescent who are well known for farming and agriculture came in the Stone Age or after the Ice Age around 10,000 years ago, and settled in Europe. People during that time were dependent on fishing and fruit picking.

The Fertile Crescent is described as a crescent shaped area in South-West Asia. Its history begins within the area of the Mediterranean Sea, stretching between the Tigris and Euphrates, and ending at the Arabian Gulf. In this area, the Sumerians established the first civilizations of the world about 5,500 years ago. James Breasted, an American archaeologist, came up with the name “Fertile Crescent” for the region because the Sumerians and those who came after them in the region made agricultural land irrigated and fertile.

Perhaps several months after that report, the Daily Mail published a quotation pointing out that after nearly 65 years since the death of Nazi leader Adolf Hitler, the results of his DNA tests were revealed, tracing his ancestry back to descendants from Jewish and African origins. The reports showed that DNA samples obtained from the relatives of the former German leader that he is linked to the biology of the very people who he sought to destroy. Reports indicate that Hitler is the descendant of Jewish-Moroccan origin from the Arabian Peninsula and has relatives in Morocco, Tunisia, Algeria, Libya, Austria, Denmark, and even Israel.

Several months ago, in Saudi Arabia, a team of researchers from the University of Michigan discovered pieces of a skull from 29 million years ago that all primates may have descended from, as well as homo sapiens. The discovery shows that old world monkeys took only different hereditary paths and only began doing so millions of years later than scientists had thought of before. The scientists derived the name of this old monkey from the word “Hijaz monkey” derived from Latin name “Saadanius Hijazensis”, in research published in Nature magazine. Dr. William Sanders, who led that research, stated that it is “a wonderful discovery because the old world skull characteristics are common to all apes, but it is close to a group that evolved and led to our creation.” The study indicates that primates descended from the old “Garda World” 29 million years ago, instead of 30 to 35 million, as previously thought.

The biggest shock was ignited by the famous British physicist, Stephen Hawking, in his next book, which is due for release shortly before the end of 2010. The British newspaper, The Times, monopolised a series of extracts from the forthcoming book where Hawking declares the death of philosophy as a science, and suggests that physics is now close to writing the “theory of everything” or “theory of comprehension” as it is in a position to explain the properties of all natural things. Such a theory has been the dream of physicists for a very long time - since the time of Einstein, in fact - but the problem has been the reconciliation between quantum theory and gravity, which explains how objects overlap on a global scale. Hawking says that M-theory is located between the so-called “string theory” that will achieve this goal. He writes, “M-theory is a unified theory, which is what Einstein hoped to find. There is a great victory in the fact that we, human beings, who are just collections of molecules that are essential in nature - are able to come to this proximity to understanding the laws that govern us and control the universe around us “.

Where does the Arab world stand with all of these revolutions? Numbers indicate that Arab scientific publications contribute to no more than 0.7 percent of world production, and this rate is less than seven times the proportion of Arabs to the world’s population, while the share Israeli scientific publication is ten times the share of the world’s population. That is the main reason for the list of the 500 best universities in the world is free of the name of any Arab university. In terms of printing and publishing, the proportion of Arabic publications as a share of the world’s publications do not exceed 1 percent. With all of these challenges and emerging information and facts, it is dire for the Arab world to absorb every movement and change wrought by science and the tools around us.

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مونديال "2022" في قطر.. موعد مع صناعة التاريخ

2010-12-08

* ضرورة توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة
* ما السر القطري الذي استطاع أن يتفوق على الآخرين؟!
* اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين

حتى أكبر المتشائمين ما كان يتوقع أن تخرج دول عظمى مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان واستراليا من استضافة نهائيات كأس العالم بهزيمة ساحقة. وتحظى باحتضان اكبر تظاهرة كروية في العالم بعد اثني عشر عاماً دولة صغيرة موجودة في الشرق الأوسط منطقة الصراعات والاحتقانات السياسية والضربات العسكرية المحتملة، وتقع على ضفاف بحر الخليج الذي لا يزال يتم الصراع على تسميته بالفارسي أو العربي، كان آخرها في افتتاح الألعاب الآسيوية في الصين؟! ولكنها كرة القدم التي تستطيع أن تنتصر فيها الفرق والدول والمنتخبات الصغيرة على الدول ذات الأحجام والسكان والمساحات الكبيرة. ويلعب فيها التخطيط والتكتيك والمهارات والظروف والحظوظ دورا كبيرا في الفوز وذلك ما يفسر عظمة هذه اللعبة واحتلالها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وهي ليست مجرد لعبة رياضية فقط؟!
عبرت صحيفة واشنطن بوست" الأمريكية (Washington Post) تحت عنوان "قطر تهزم الولايات المتحدة الأمريكية" عن دهشتها في قولها "حطمت واحدة من أصغر الدول على كوكب الأرض الأحلام الكبيرة للولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي تصويت تاريخي جرى بزيوريخ الخميس منح (الفيفا) استضافة كأس العالم لدولة شرق أوسطية أصغر من ولاية (كونيتيكت)، بعدما وعدت بخطط لملاعب كرة قدم مبتكرة يتم تكييف الهواء فيها، وموارد مالية ضخمة". كما أن ردة الفعل المعبرة لخيبة الأمل تمثلت في تصريح رئيس الولايات المتحدة، لذا اقترح توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة على الرغم من أن اوباما لن يكون في البيت الأبيض ساعتها؟! الجدير بالذكر أن عملية الاختيار للملف القطري تمت بطريقة ديمقراطية، وبالاقتراع الحر، وبناء على وقائع ومعطيات وملفات مفتوحة عن استعدادات وبنى تحتية رياضية وخبرة تنظيمية.
ما السر القطري الذي استطاع ان يتفوق على الآخرين؟! خلف الحربي في جريدة الجريدة الكويتية يشير الى انه لكي لا نقع ضحية للأوهام فإن علينا أن ندرك أن المسألة لا تتعلق بالأموال فقط، فكل الخليجيين يملكون المال وهم لا يترددون في إنفاقه دون حساب على كرة القدم، كما أن المسألة لا تتعلق بالدعم السياسي، فكل القيادات السياسية في الخليج تدعم الرياضة، ولكن السر القطري يكمن في أن القطريين اليوم أصبحوا قادرين على مخاطبة العالم باللغة التي يحبها ويقدرها، وإذا كان ثمة بلد عربي استطاع أن يدرك تحولات عصر العولمة ويحل ألغازها المعقدة فهو بلا شك قطر. لقد أدرك القطريون مبكرا أن مقاييس العولمة لا تعتمد على المساحة وعدد السكان بقدر ما تعتمد على الانفتاح والتأثير الإعلامي وتوظيف الأموال بالشكل الصحيح من أجل خدمة الأهداف السياسية الطموحة، لذلك لم يفوتوا الفرصة كي يمنحوا بلدهم مساحتها اللامعة في خرائط العولمة.
هل بإمكان دولة قطر الصغيرة التي لا يتعدى عدد سكانها 1،6 مليون نسمة تنظيم هذا المونديال الضخم؟ الإجابة جاءت في مقال لصحيفة فرانكفورتر الجماينا الالمانية في أن أحدا لم يكن قبل عشرين سنة يستطيع أن يحلم أن البحرين أو الإمارات ستتمكن من تنظيم مسابقات الفورمولا 1. كما نبهت الصحافة الألمانية الى أن هذه الدولة الصغيرة لا يتهددها خطر الإرهاب وعقدت مقارنة سريعة مع جنوب أفريقيا التي استضافت المونديال السابق والبرازيل التي ستستضيف المونديال المقبل، مؤكدة أن قطر هي الأكثر أمنا من كل تلك الدول التي تنتشر الجريمة المنظمة على أراضيها، أما مشكلة الحرارة الشديدة في قطر فإن التغلب عليها أمر ممكن في ظل تكييف الملاعب. رئيس لجنة التقييم "هارولد ماين نيكولز" يرد على المزاعم التي ترى قطر أنها دولة صغيرة قد لا تستطيع الوفاء بتعهداتها من أجل إقامة هذا الحدث الكبير قائلا: يجب عدم الخوف وعدم عقد مقارنة بين الدول المنظمة للبطولة، فأول بطولة في المونديال التي جرت في الاورجواي لم يكن هناك إلا ملعبان فقط وعشرة فرق والمسافة الزمنية التي تفصل بين قطر وأول مونديال في الاورجواي هي 80 سنة تغير فيها العالم كثيرا وأصبحت التقنيات خارقة في إنجاز ما لم يكن يعتقد أنه سينجز.
هل ستتغير الصورة النمطية المأخوذة عن المنطقة؟ أشارت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية (Financial Times) الى ان مفاجأة فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 أدت لتوحيد العرب بالفرحة العارمة فى المنطقة التى تشتهر بالانقسامات والخلافات. وأعربت عن املها أن تمثل استضافة قطر للبطولة فرصة للتخلص من ربط المنطقة العربية بالتشدد الإسلامي والسجل السيئ لحقوق الإنسان والحكم الاستبدادي. الجالية العربية المقيمة في ميونيخ ترى في تقرير نشرته "ايلاف" أن هذا الاختيار رغم تكلفته الكبيرة لدولة قطر الصغيرة إلا أنه سيكون فرصة للغرب والعالم ليتعرف على العرب وعلى الإسلام بشكل أكثر واقعية وبعيدا عن وسائل الإعلام الغربية التي طالما أججت مشاعر الكراهية بين الطرفين، وإن اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين ولكن بشكل إيجابي هذه المرة ويقول يجب أن يقف العرب متضامنين مع قطر وألا يصابوا بعقدة الحسد والمنافسة ويتسببوا في إفشالها كما فعلوا مرات عديدة بسبب قناة الجزيرة. لقد تغيرت أوضاع المنطقة بالتأكيد في السنوات الأخيرة ولم تعد تمثل تلك الصورة السوداوية التي تشكلت في وسائل الإعلام الدولية خصوصا بعد أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتمثل شعوبا تعيش على أساس عرقي، ديني، طائفي، وتشعل الحروب من أجلها. من شاهد بطولة كأس الخليج لا حظ التنوع من لاعبين ومنظمين وجمهور وعشاق ومناصرين من قبل أصحاب الأديان والمذاهب والأعراق والملل. كان هناك المسلم الشيعي والسني الأباضي والزيدي والمسيحي واليهودي، العربي والأعجمي والكردي والفارسي الأصل والبلوشي والبدون وأجانب يحملون جنسيات عربية وغربية وغير ذلك. ومع المونديال ستشهد المنطقة نقطة تحول تاريخية مغايرة ستعصف بالعقليات والأفكار والتصورات السائدة فيها وعنها، وسيتعرف العالم كله وهو يشاهدنا عن قرب على حقيقة الأرض والإنسان الذي يعيش فيها وهو اختبار كبير أتمنى أن ننجح جميعا في تحقيقه.
عن فوائد المونديال العالمي تشير دراسة نشرتها وسائل الإعلام العالمية في نهاية مونديل 2010 في جنوب أفريقيا إلى تزايد فخر بلاد قوس قزح بهذا المحفل العالمي. وبالإضافة إلى نجاحها الكبير، كان لها دور كبير ومهم في تعزيز الإحساس بالوحدة الوطنية. وعندما سئل الجنوب أفريقيون سنة 2008 ما إذا كانوا يعتقدون أن من شأن كأس العالم أن تعزز شعورهم بالوحدة، أجاب 75%أن ذلك احتمال وارد. وقد أفادت نتائج الأبحاث التي أجريت عقب تنظيم الحدث أن العرس العالمي عزز فعلاً من ذلك الشعور؛ فقد أكد 91% أن البلد أصبح متحداً أكثر من قبل. كما أظهرت نتائج الأبحاث ارتفاعاً في مستوى الثقة الوطنية، حيث أكد تسعة من أصل كل عشرة مواطنين أنه، بعد تنظيم البطولة، أضحى بلدهم يتمتع بإحساس أقوى من حيث الثقة في إمكاناته؛ وصرح 87% بأنهم يشعرون بثقة أكبر في إمكانات بلدهم وقدراته. كما أشاد 98% من الذين شملتهم الدراسة بالجو السائد في جنوب أفريقيا. الزوار عادوا إلى بلدانهم بذكريات طيبة عن هذا البلد. فقد كانت آراء 84% من الضيوف الأجانب أكثر إيجابية عن البلد بعد تنظيم البطولة من قبل. كما أن نسبة الجنوب أفريقيين الذين كانوا يظنون أن الجريمة قد تشكل تهديداً بالنسبة للبطولة تراجعت من 66% التي سُجلت قبل تنظيم البطولة لتبلغ 27% بعد نهايتها.
مبروك للشعب القطري والعربي تنظيم العرس الكروي العالمي 2022، وصدق بن فطيس "قبل أمس كان الحلم بالخوف محفوفا.. واليوم صار الحلم.... بين كفوفنا" لكن هل القصة تنتهي هنا أم هي مجرد بداية مع تاريخ جديد تصنع قطر لنفسها؟!.

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

قضايا حقوق الإنسان في قطر.. حوار من الداخل

2010-12-01

حقوق الإنسان أصبحت هاجسا عالميا كبيرا ولم تعد ترفا
ضرورة السماح بإنشاء مؤسسات مدنية أهلية تهتم بالمجتمع

حوار مميز أجرته الشرق مع رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وصف بأنه الأكثر جرأة وصراحة على المستوى الداخلي، وهو كذلك، لأنه أعاد لنا الذكريات عن الزمن الجميل الذي كانت تلعب فيه الصحافة دورا مهما في تنوير الرأي العام بالقضايا المصيرية التي تجرى في مجتمع، زمن اللقاءات والتحقيقات التي تستضيف الوزراء وكبار المسئولين في الدولة وتناقش وتحاكم برامجهم وخططهم وسياساتهم، زمن المقالات والأعمدة والكتابات الجريئة الناقدة من كبار الأقلام الصحفية، وكانت تلعب فيها الأقلام النسائية الدور الأكبر، والتي حيرت الكثير في دول الخليج والدول العربية عن مدى هامش الحرية المتاح في الصحف ووسائل الإعلام في مجتمعنا. زمن البرامج الإذاعية الصباحية والمذيعين الذين ماتزال الذاكرة تحتفظ لهم بذكرى عطرة كانت تدعونا إلى أن نصحو باكرا لنستمع لهموم الوطن وغيومه وأوجاعه وأفراحه وأتراحه لتتحول في الوقت الراهن إلى برامج (وطني الحبيب الله بالخير)، زمن الحوارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفارقة التي تجبرنا على متابعة التلفزيون وضيوفه على المائدة المستديرة وتكون مدار أحاديثنا وأسمارنا في مجالسنا لأسابيع وشهور (مَن يصدق أن التلفزيون الخاص الذي ينطلق من الكويت ودبي والرياض ويتناول المواضيع المصيرية المشابهة لمجتمعنا يستأثر باهتماماتنا أكثر من تلفزيون قطر المحسوب علينا)؟، اليوم نستشعر أن جميع قضايا العالم بتفاصيلها المملة في الصحف والإذاعة والتلفزيون والإعلام الداخلي والخارجي القطري، لكن القضايا المصيرية للوطن تظل بعيدة عن التناول والخوض فيها. ودعونا نقولها بصراحة إننا نحصد ما نزرع، لقد تغير الحال فتغيرت الأحوال، لقد استطعنا أن نسبق غيرنا في دول الخليج والدول العربية منذ 20 سنة مضت، ونعجز اليوم عن اللحاق بهم، بل ونتراجع في التقييمات والتقارير الدولية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير والصحافة ووسائل الإعلام سنة بعد الأخرى!.
التوقيت الذي نشرت فيه (الشرق) الحوار يستحق الإشادة أيضا فهو متزامن مع صدور التقارير الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، منظمة هيومن رايتس ووتش، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التي تتناول نشر التقارير والتصنيفات العالمية لوضع الدول المختلفة فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان فيها من ناحية العدالة والمساواة وعدم التمييز ونبذ الكراهية ومدى احترام الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في تشريعاتها الوطنية وممارساتها القانونية، بالإضافة إلى وضعية المؤسسات والمنظمات الخاصة بالمجتمع المدني. لقد أشار رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى عدد من الإشكاليات والملفات المطروحة ولنستخدم مصطلح أدق (مفتوحة) متعلقة بالمواطنين من قانون التجنيس، مرورا بقضايا الإسكان والتعليم والصحة والتوظيف وصولا إلى السجون والمؤسسات العقابية وانتهاء بقضية أبناء القطريات. لقد تحدث عن أوضاع سجن المتابعة والإبعاد، وقانون حماية المجتمع الذي يتيح الإبقاء على أي متهم قيد الحجز من 6 أشهر إلى سنة رغم تبرئته من قبل النيابة العامة، وعن الأخطاء الطبية والإهمال، وعدم الاهتمام بمدمني المخدرات، واستغرابه من تقديم الجمعيات الخيرية مساعدات تعليمية تقدر بحوالي 30 مليونا في ظل مجانية التعليم. وعن قضية تجنيس أبناء القطريات، وعن مطالبات الدول في العديد من القرارات بإنشاء مؤسسات وطنية شبيهة باللجنة لتكون منطقة وسط بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من جانبه لم يخبرنا عن الأرقام والإحصائيات وهي الملاحظة ذاتها التي طالبته بتوفيرها في عدة مقالات نشرتها في الشرق في العام الماضي. لماذا تغيب الإحصائيات والأرقام ولدينا إحدى أكبر المؤسسات الحكومية المختصة بهذا المجال وهو جهاز قطر الإحصائي، لماذا لا يوجد هناك تنسيق بين الجهاز واللجنة في إحصاء ودراسة المشكلات والقضايا والحالات المتأزمة في المجتمع؟ فإذا كان مهما معرفة انخفاض ظاهرة تعدد الزوجات في قطر والخليج بشكل عام وهو من التقارير الأخيرة التي نشرها الجهاز في وسائل الإعلام، فالأجدى معرفة ودراسة وتقييم وتناول الملفات التي تؤخذ علينا في تقارير المؤسسات والمنظمات الإنسانية والحقوقية والمحافل الدولية؟! غياب الإحصائيات الدقيقة من الداخل يجعل الأرقام والمؤشرات التي تنشر في التقارير الخارجية صحيحة وان كانت غير ذلك، ويتم اعتمادها والتعامل معها على أنها حقائق موجودة على الأرض والمحاولات المتأخرة لتعديلها والتعامل معها تُفسَّر على أن هناك مَن يحاول أن يخفيها ويقلل من قيمتها أو يتلاعب بها.
إذا كانت كل هذه الملفات موجودة ومطروحة ومفتوحة، لماذا لا يتم التعامل معها بكل وضوح وشفافية وتقام لأجلها الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التثقيفية والتوعوية والإرشادية، ولماذا تتعمد بعض الصحف ووسائل الإعلام تجاهلها وعدم الإشارة إليها بل تهاجمها وتسفهها وتقلل من قيمتها وخطورتها وانعكاسها السلبي على المجتمع وصورته في الداخل والخارج. أريد أن أكرر ما قلته في السابق من أن التعامل مع ملفات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والتقارير الدولية المتعلقة بهذه الجوانب غدا يمثل هاجسا كبيرا ويحظى باهتمام متزايد، فهي لم تعد ترفا في زمن العولمة، الذي أصبحت فيه القضايا التي تتناول حقوق الإنسان المشروعة من أهم أولويات المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية على المستوى الدولي، والحكمة العالمية التي يتم التعارف عليها تقول (قل لي عن وضع حقوق الإنسان في بلدك، أقل لك مَن أنت). إن سياسة النكران، والتحايل، وتزييف الحقائق، والادعاءات الباطلة، والتذرع بالتدخل الخارجي، وخصوصية الداخل، والتحدث عن نظرية المؤامرة، ومهاجمة المؤسسات والمنظمات الحقوقية والانتقاص من قدرها لا يزيد الطين إلا بله، ولا يردم الحفرة بل يزيدها عمقا، ولا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا. ومن الأفضل العمل بكل شفافية ومصداقية واتباع أسلوب المواجهة بالأدلة والحقائق والأرقام في الرد والتعليق، ونشر التقارير الدورية عن الأوضاع التي تتناول انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وعدم الانتظار أن تأتي مباغتة من الخارج؟!.
نتقدم بالشكر على الجهود التي تقوم بها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ونرجو التوفيق في المهمة الإنسانية لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في العقول والقلوب، لتصبح الثقافة السائدة، ونطالبهم بالمزيد أيضا فنحن مانزال في بداية الطريق ولم نبدأ الاختبارات الحقيقية بعد، كما ندعو إلى أن يتم السماح بإنشاء مؤسسات حقوقية مدنية أهلية تهتم بالمجتمع وحقوق الإنسان فيه.

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الاتجاه نحو مفهوم مغاير في العمل الخيري

2010-11-24

34 مليارديرا في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان
رجل أعمال قطري يطلق مبادرة تهتم بالإقراض الأصغر
الدولة مطالبة بإنشاء "بنوك تمويل خاصة" تساعد الأسر والعائلات المحتاجة

نشرت منذ مدة مقالا بعنوان (اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي) يتناول مقارنة بين رجال الأعمال في العالم العربي وبقية العالم، وقد أشار المقال إلى أن عدد الأثرياء العرب يقدر بحوالي 34 مليارديرا، بمجموع ثروات تقدّر بنحو (115.8) مليار دولار، يعيش اغلبهم في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان. وعرجت على إعلان بيل غيتس (Bill Gates) الأخير فيما يقارب عدد 40 من أغنى أثرياء الولايات المتحدة قد قرروا تحويل نصف ثرواتهم لصالح المحتاجين والفقراء" منهم الملياردير المشهور وارن بافيت (Warren Buffett)، وقد طالبت الدول الغنية الخليجية والأثرياء العرب القيام بخطوة مقاربة على الأقل ولا أقول مشابهة، من خلال توظيف أموالهم واستثمارها في المشاريع الإنتاجية في الدول العربية أو في دولهم والمناطق الهامشية والفقيرة فيها، حتى يمكن أن يتم ردم فجوة نقص الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للحياة.
لقد انفرجت أساريري بعدها بأيام معدودة عندما علمت بخبر قيام رجل أعمال قطري بتخصيص مبلغ يقدر بحوالي (100 مليون ريال) لإنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر من أجل مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل في دولة قطر والدول العربية والإسلامية على إقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل تمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم معيشيا وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. وهي المبادرة التي وصفت بأنها الأولى من نوعها على مستوى دولة قطر، وأكبر مشروع فردي في تاريخ جمعية قطر الخيرية التي تقوم على المبادرة. والمبادرة تؤسس مفهوما مغايرا عن العمل الخيري والإنساني الذي اعتدنا عليه في ديارنا والذي يدور في رؤية محددة وضيقة لا تغني ولا تسمن من جوع، محصورة غالبا في جمعيات وأفراد يقومون على جمع التبرعات والصدقات والمعونات والمساعدات وتوزيعها على المستحقين، وهي تزيد من عدد الفقراء والمحتاجين ولا تنقص من عددهم، لأنها تطعمهم سمكا، ولا تعلمهم كيف يصطادونه؟! المبادرة التي بدأها رجل أعمال قطري تعيدنا إلى التجربة الملهمة التي قام بها الحائز على جائزة نوبل البروفيسور محمد يونس (Muhammad Yunus) في عام 2006، من خلال نظامه البنكي المعروف باسم جرامين (Grameen Bank)، في تقديم القروض لأكثر من 7 ملايين من فقراء العالم، وأغلبهم في بنجلاديش التي تعد واحدة من أفقر دول العالم. ونجاحه فاق التوقعات وصار مصدر إلهام للدول النامية في أنحاء العالم. وكان أول قرض قد قدمه من جيبه الخاص لمجموعة من النساء.
الفكرة يجب أن يتسع مداها وتشمل القطاع العام بدخول الراعي الأكبر وهو الدولة ممثلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، فعلى دول الخليج أن تقوم بدورها بإنشاء (بنوك تمويل خاصة) تستهدف الأسر والعائلات الفقيرة والمحتاجة بقروض صغيرة (ميكروبية) لمساعداتهم للانخراط بنشاطات منتجة أو لتنمية مشاريعهم متناهية الصغر، على غرار البحرين التي قامت بتأسيس بنك "الإبداع" العام الماضي برأس مال يبلغ نحو 5 ملايين دولار تحت رعاية قرينة ملك البحرين ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة. ويهدف بنك "الإبداع" إلى تقديم القروض الصغيرة للمواطنين الفقراء الراغبين في تحسين ظروفهم المعيشية، ويتوقع المؤسسون أن يستفيد ألف مواطن في السنة الأولى من عمل البنك، ويرتفع إلى خمسة آلاف مستفيد بنهاية السنة التشغيلية الثانية في نهاية العام الحالي 2010. وأيضا في اليمن الذي قام بإنشاء “بنك الأمل للإقراض الأصغر“ واستطاع البنك تقديم الخدمات المالية “إقراض صغير، ادخار، تأمين“ كأول بنك في الشرق الأوسط يقدم هذه الخدمات المتكاملة. وقد بلغت نسبة النساء المقترضات 90%. ولا يخفى الدور الذي تقوم به منظمة «أجفند» الخليجية الخاصة والتي عملت على تأسيس مصارف للفقراء في الكثير من الدول العربية والنامية، منها المبادرتيان المذكورتان في الأعلى، إضافة إلى البنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة في الأردن، مصرف سورية للمشروعات الصغيرة، بنك الرجاء في لبنان، بنك الفقراء في المغرب وموريتانيا وجيبوتي إلى جانب صندوق لتمويل مشروعات الفقر في السودان.
وصلتني قصة معبرة على البريد الكتروني من احد الزملاء، قام بنشرها الكاتب الصحفي احمد الصراف في مقال له بالتصرف من خلال النقل والترجمة من الإنترنت، وهي حقا تستحق التفكير والتأمل وإعادة النشر واستخلاص العبر منها، والمقالة تحكي قصة السيدة هيلدي باك (Heldi Back) وهي امرأة سويدية تبلغ الثمانين، قتل والداها في أحد معسكرات الاعتقال النازية، وتمكن شخص مجهول من إنقاذ حياتها ونقلها إلى السويد. وفي يوم ما، واستجابة لإعلان تلفزيوني، قررت هيلدي وهي كانت تعمل معلمة مدرسة بالتبرع بمبلغ من المال لدعم تعليم طفل كيني لا تعرف عنه شيئا. وعلى الرغم من أنها تبادلت معه على مدى سنوات بضع رسائل، إلا أن الاتصال بينهما انقطع بعدها. وبعد 15 سنة تقريبا طلبت منها الجهة المعنية بمساعدة الطلبة الفقراء التوقف عن الدفع لانتفاء الحاجة، بعد أن تخرج من كانت تصرف على تعليمه في الجامعة وبدأ يعمل.
الطفل الكيني، الذي تلقى مساعدة هيلدي على مدى سنوات لم يكن غير كريس أمبورو(Chris Mburo) المحامي الكيني المعروف في منظمة العفو الدولية، ورئيس قسم مناهضة التمييز العنصري التابع للأمم المتحدة، والذي لم يكن ليحقق شيئا من أحلامه من دون الدفعات المنتظمة التي كانت ترد من هيلدي سنة وراء أخرى، والتي مكنته في نهاية الأمر من إنهاء تعليمه الجامعي والحصول على إجازة في الحقوق من جامعة هارفارد الأميركية العريقة. في عام 2003 عاد كريس إلى قريته، وعرفانا بجميل هيلدي عليه وعلى أسرته والمجتمع الدولي، قام بتأسيس صندوق خيري للصرف على التعليم، أطلق عليه اسم «هيلدي باك للتعليم» (The Hilde Back Education Fund)، الذي يستفيد منه آلاف الطلبة الفقراء، ويعتبر برنامجه الأكثر نجاحا في أفريقيا. وخلال الفترة ذاتها وحتى قبل شهر لم يتوقف كريس عن البحث عن هيلدي، وبعد جهود مضنية توصل إلى عنوانها وقام بالاتصال بها ودعوتها إلى زيارة كينيا لترى نتيجة عملها الخيري، وكان لقاء ذا شجون. وعند سؤالها عما دفعها، وهي اليهودية التي لم يعرف عنها الثراء، لأن تتبرع بالصرف على طفل مسيحي لا تعرف عنه شيئا، قالت إن عمل الخير يشبه رمي حصاة على سطح الماء، حيث تتشكل من ذلك دائرة صغيرة ثم دائرة أكبر فأكبر، وإنها مدينة بحياتها لإنسان لا تعرفه قام قبل سبعين عاما بإنقاذ حياتها، ولا تتذكر حتى ملامحه، ولم يحاول أن يعرف نفسه لها، فلم يهتم، مثلها، بصغائر الأمور، فقد قامت بتقديم خدمة لطفل محتاج بصرف النظر عن لونه، جنسه أو دينه، وما يفعله الآن كريس من خلال صندوق التعليم يصب في الاتجاه نفسه، وسيأتي مستقبلا من سبق أن استفاد من معونة الصندوق ليقوم بعمل مماثل وهكذا تتكاثر وتكبر دوائر الخير.. شكرا مرة أخرى إلى رجل الأعمال القطري وأتمنى من كل قلبي أن تكبر دائرة الخير وتشمل 34 مليارديرا ومئات المليونيرات في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان.

الخميس، 18 نوفمبر 2010

الاكتشافات العلمية تغير نظرتنا إلى أنفسنا والعالم من حولنا

2010-11-18
جريدة الشرق
من حكايات الجني ابن الجنية إلى استنساخ الخلايا البشرية
جينات أوروبية تعود جذورها إلى أصول خليجية عربية وشرق أوسطية
المستقبل يعلن موت الفلسفة كعلم ويدشن عصر الفيزياء

المجالس والمنتديات الخليجية شغلت في الأيام الماضية بحكاية تربط بين الإنسان والعالم الآخر، وهي تتحدث عن الجني الذي حرض قاضي محكمة على سرقة واختلاس ما يقارب 200 مليون دولار؟ وطالب محامي الدفاع من جانبه إحضار (الجني ابن الجنية) إلى المحكمة لسماع أقواله، أو مقاضاته إن لم يثبت الحقيقة! والغريب أن هناك الكثير ممن يصدق هذه القصص والحكايات في ديارنا ويروج لها ويكفر من يطعن فيها، وينكر في الوقت نفسه أي اكتشافات أو حقائق علمية قديمة أو جديدة؟!
ومن العالم الآخر السفلي في ديارنا، إلى الأرضي والفضائي في بقية العالم، والاكتشافات العلمية الأخيرة التي ستغير مفاهيمنا التي عرفناها بشكل يشلنا حتى عن التدبير والتفكير، فهل نحن على استعداد للتعاطي والتعامل معها أم كالعادة نصحو على المفاجآت والصدمات المروعة؟! حسب المنهج العلمي المتعارف عليه هناك ثلاث ثورات هزت العالم وهي الثورة الكوبرنيكية والداروينيه والفرويدية. ولكن اليوم لا نستطيع حتى أن نقارنها بالحقائق والمعلومات التي توصل لها العلم الحديث وأدواته المعرفية، مما يدل على تجدد المعرفة العلمية نفسها ونموها وتطورها باستمرار.
مجلة "سالون ماغازين" وتصدر في سان فرانسيسكو، اعتبرت أن نصف العيادات الأمريكية بمقدورها في الوقت الراهن استنساخ كائنات بشرية، ولم يعد يحول دون قيامها بذلك سوى العوائق الخلقية. ولم تمنع سوى أربع ولايات أمريكية هي ولايات ميتشيغان وميسوري وكاليفورنيا ورود اسلاند تجارب الاستنساخ البشري، بينما بدأت بعض المؤسسات الخاصة في ولايات أخرى عرض خدمات التدخل في الموروث الجيني، كما أن العلماء في كوريا الجنوبية أعلنوا أنهم نجحوا في استنساخ خلية بشرية، بيد أنهم أوقفوا التجربة مؤقتاً واحتمال انهم يقومون بها سرا خوفا من إثارة الجدل من حولها، على أن يتم إعلان نجاحها واستمراريتها بعد سنوات بشكل رسمي حتى يحصلوا على السبق العلمي.
من ناحيتها احتفلت جامعتنا البريطانية التي درسنا فيها وهي جامعة ليستر (University of Leicester)، بسبق علمي جديد في يناير (2010)، يشير إلى أن تحليل الجينات لمجموعة عديدة من الأوروبيين أثبتت أن جذورهم تعود إلى منطقة الهلال الخصيب، وأظهرت النتائج أن 4 من كل خمسة من الأوروبيين من الجنس الأبيض لديهم أصول وراثية تعود إلى الشرق الأدنى، بينما يعود الحامض النووي الذي ينتقل من الأم للبنت، إلى أمهات من جنوب أوروبا، وتذكر الدراسة ان الهجرة لرجال منطقة الهلال الخصيب الذين اشتهر عنهم الفلاحة والزراعة جاءت في العصر الحجري او بعد العصر الجليدي حوالي (10.000) سنة مضت، واستوطنوا في أوروبا التي عرف عن اهلها حينها انهم كانوا يعتمدون في حياتهم على الصيد والتقاط الثمار، ومنطقة الهلال الخصيب المعنية عبارة عن منطقة على شكل الهلال في جنوب غربي آسيا. وتبدأ هذه المنطقة التاريخية من البحر الأبيض المتوسط، وتمتد ما بين نهري دجلة والفرات، وتنتهي عند الخليج العربي. وفي هذه المنطقة أنشأ السومريون أولى حضارات العالم منذ حوالي 5،500 سنة، أطلق عالم الآثار الأمريكي جيمس برستد على المنطقة اسم الهلال الخصيب لأن السومريين ومن جاء بعدهم من الشعوب، جعلوا من المنطقة أرضا زراعية مروية وخصبة، بعدها ربما بعدة شهور نشرت وسائل الإعلام العالمية تقريرا منقولا عن صحيفة الدايلي ميل تشير فيه الى ان بعد مرور ما يقارب 65 عاما على وفاة الزعيم النازي أدولف هتلر، كشفت نتائج اختبارات خاصة بالحمض النووي أنه ينحدر من أصول يهوديّة وافريقية. وقد أظهرت تقارير عينات الحمض النووي التي تم الحصول عليها من أقرباء الزعيم الألماني أنه يرتبط بيولوجيا بالأجناس التي سعى إلى إبادتها. وتشير التقارير الى أن هتلر ينحدر من سلالة يهودية مغربية أصلها من شبه الجزيرة العربية وله أقرباؤه في المغرب وتونس والجزائر وليبيا والنمسا والدانمارك وحتى إسرائيل!
قبل عدة شهور اكتشف باحثون في المملكة العربية السعودية مع فريق بحثي تابع لجامعة ميتشيغان الأمريكية أن أشلاء جمجمة عمرها 29 مليون سنة قد تكون لكائن انحدرت منه كل القردة والقردة العليا (الرئيسيات) ومن بينها الإنسان. ويبين الاكتشاف أن قردة العالم القديم افترقت واتخذت مجاري وراثية مختلفة في فترة متأخرة جاءت بعد ملايين السنين مما كان يعتقد العلماء من قبل. واشتق العلماء اسم هذا القرد القديم من كلمة "سعدان الحجاز"، فأطلقوا عليه باللاتينية «Saadanius hijazensis» في البحث الذي نشر في مجلة «نيتشر». وقال الدكتور ويليام ساندرز الذي قاد الأبحاث انه «اكتشاف رائع لان لهذه الجمجمة خاصيات مشتركة بين كل قردة العالم القديم، ولأنها قريبة من مجموعة تطورت وأدت إلى نشوئنا نحن". ويقول انه لو تم إيجاد معلومات كافية عن هذا الكائن، ربما تمكن العلم من كشف بعض أسباب التطورات التي أدت إلى نشوء القردة والإنسان فيما بعد. هذا الكائن يشبه الى حد كبير "قرد العالم الجديد" إلا انه اكبر حجما، وربما استخدم أطرافه الأربعة للتنقل بين الأشجار، بدل الجلوس على الأرض رافعا رأسه. ويستخلص من الدراسة ان الرئيسيات انحدرت من "قردة العالم" القديم قبل 29 مليون سنة، بدل 30 إلى 35 مليونا كما كان يعتقد.
أما الصدمة الكبرى ففجرها العالم البريطاني العالم الفيزيائي الانجليزي الشهير ستيفن هوكينغ، ففي كتابه القادم المتوقع صدوره قريبا قبل نهاية (2010)، الذي احتكرت صحيفة "تايمز" البريطانية نشر مقتطفات مهمة منه، يعلن هوكينغ موت الفلسفة كعلم، ويشير الى ان الفيزياء توشك الآن على كتابة "نظرية كل شيء" أو "النظرية الشاملة" القادرة على شرح خاصيات الطبيعة كافة، ولطالما بقيت نظرية كهذه حلما يراود الفيزيائيين منذ زمن آينشتاين، لكن المشكلة ظلت هي المصالحة بين نظرية الكم (quantum theory)، التي تشرح عالم ما تحت الذرة، مع الجاذبية التي تشرح الكيفية التي تتداخل بها الأشياء على المستوى الكوني. ويقول هوكينغ إن "نظرية إم" (M — theory) وهي تقع بين ما يعرف بـ"نظريات الأوتار" — هي التي ستحقق هذا الهدف. ويكتب قائلا: "نظرية إم هي النظرية الموحدة التي كان اينشتاين يأمل العثور عليها. وثمة انتصار عظيم يتمثل في حقيقة أننا نحن البشر — وكوننا مجرد مجموعات من الجزئيات الأساسية للطبيعة — قادرون على أن نصبح بكل هذا القرب من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون المحيط بنا". ويذكر هوكينغ: "لأن ثمة قانونًا مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من عدم، وإن ما يعرف باسم "الانفجار الكبير" لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء، ويضيف ان الأرجح هو وجود أكوان أخرى تسمى "الكون المتعدد" خارج مجموعتنا الشمسية.
أين يقف العالم العربي من كل هذه الثورات التغيرية، الأرقام تشير إلى أن نصيب العرب من النشر العلمي لا يزيد على "0.7%" من الإنتاج العالمي، وهذا المعدل أقل من سبع نسبة العرب إلى سكان العالم، في حين يرتفع نصيب إسرائيل من النشر العلمي إلى عشرة أضعاف نصيبها من سكان العالم، وهو السبب الرئيسي لخلو قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم من اسم أي جامعات عربية، أما بالنسبة لمستوى الطباعة والنشر، فإن نسبة المطبوعات العربية من مطبوعات العالم لا تتجاوز (1 %)، وتدخل في هذه النسبة جميع أنواع المطبوعات، بما في ذلك المطبوعات الدينية التي تشكل وحدها وعلى غير المألوف والمتوقع 50 % من مجمل المطبوعات العالمية في هذا المجال، ان نسبة المطبوعات العربية من المطبوعات العالمية أقل من (0.5 %)، وبالتالي فهي أقل بعشر مرات من نسبة العرب إلى سكان العالم، بالإضافة إلى أن الحكايات والقصص والأساطير التي تخالف المنهج العلمي وتتناقض مع مفاهيم المنطق والعقل تحكم عقل الإنسان الذي يعيش في هذا العالم!
مع كل هذه التحديات والصدمات والمعلومات والحقائق المستجدة، هل من الممكن ان يستوعب عالمنا العربي كل الحراك والتغيير الذي يحدثه العلم وأدواته من حولنا؟
المصيبة أن هناك من يقوم بمواجهتها بسلاح التكفير قبل أن تنتشر في العالم.
كلمة أخيرة: مبارك علينا وعليكم عيد الأضحى، كل عام وانتم بخير.

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الرسائل والطرود المرسلة من أراضينا؟

2010-11-10

مشاهد الخوف والترويع تعود كلما اعتقدنا أنها الماضي؟!
الحوادث المفجعة تضطرنا إلى الدخول في معركة الدفاع عن ديننا وقيمنا
شمعات مضيئة وإن كانت قليلة تنير الطريق

تعود مشاهد الخوف والترويع كلما اعتقدنا أننا تجاوزناها، وأصبحت من الماضي؟ وهي في كل مرة يتم تغيير شكلها وطريقتها لكي تصل إلى هدفها من قتل وتفجير الضحايا والأبرياء، وللأسف أنها تدمغ منتجاتها وبضاعتها بختم الإسلام؟! الساحة لم تهدأ أبدا، وكلما انخفضت وتيرة الأصوات المعادية للعرب والمسلمين في الغرب، أعادها الخطاب المتطرف المتشدد الإرهابي من جديد. فالندوات والمؤتمرات وحوارات الأديان والتسامح وقبول الآخر كلها تتراجع إلى الخلف وتفقد تأثيرها وفعاليتها في رسالة واحدها تبثها محطة الجزيرة لأحد المحسوبين على تنظيم القاعدة. الرسائل جميعها تشير إلى التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور، والتكفير والعداء والقتل والدماء والتدمير ولا يكاد يقابلها في الجانب الآخر مواجهة مماثلة ومفتوحة وشاملة من الأراضي التي تنطلق منها وبالتحديد الأراضي الخليجية والعربية قبل الإسلامية. ولكن رغم المشهد الكئيب هناك بصيص أمل لا يتوقف أيضا وهناك شمعات مضيئة، وان كانت قليلة تنير الطريق وتقف في وجه التطرف والغلو ولا تخاف لومة لائم في الحق، نراها في بعض الصحف ووسائل الإعلام متمثلة في صحفيين ومثقفين وكتاب رأي وفكر أتابعهم بشغف خصوصا في السعودية والكويت وقطر والبحرين ولبنان ومصر والمغرب العربي.
معظم الرسائل التي تم توجيهها في الأيام الماضية احتوت على أفكار هدامة وعبوات ناسفة تبعتها الطرود المفخخة وانطلقت من دول خليجية وكادت أن تصل إلى أهدافها، وسلطت وسائل الإعلام العالمية أخبارها على المنطقة الملتهبة وخصوصا الوضع في اليمن، وعن المسئول الجديد في تنظيم القاعدة الذي كان وراء صنع عبوة الأحذية في صنعاء، والمتفجرات التي حملها النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والقنبلة التي حملها في طريقه إلى أمريكا. ودرب الانتحاري خلال محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية في الرياض. انه درس الكيمياء في جامعات خليجية وتنقل في أكثر من عاصمة عربية لكي يروج للفكر المتطرف ويدخل مناظرات على الانترنت ليجند الشباب ومن بينهم شقيقه الذي فجر نفسه، إلى أن اشتد عوده وتحول إلى إرهابي يشار إليه بالبنان ويدخل قائمة المطلوبين دوليا؟! رسائل وطرود فشلت في استهداف معبد يهودي في شيكاغو، ونجحت في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد وقتل 53 شخصا بينهم 44 مصليا مسيحيا غالبيتهم من النساء والأطفال والتهديد باستهداف الكنائس المصرية بعد العراقية. بالإضافة إلى تفجير مسجدين في باكستان خلال صلاة الجمعة مما أسفر عن مقتل 65 شخصا على الأقل.
ومع هذه الحوادث المفجعة نضطر في كل مرة إلى الدخول في معركة جديدة نحاول أن ندافع فيها عن ديننا وقيمنا باستماتة ونحاول أن نبين أن دين الإسلام لا يمثله هؤلاء ولا غيرهم من المتطرفين، وبقدر المستطاع نحاول مد جسور السلام والتواصل والحوار مع الآخرين في أراضينا وبقية العالم. لقد وجدت في بريدي الالكتروني عددا من الرسائل بعثها أخوة وزملاء أكثر من مرة تدعو إلى التفاؤل ومنها واحدة سطرها شيخ دين والآخر طالب علم؟! الشيخ هو عائض القرني ومقالته تتناول التطرق إلى تجربة عاشها في أمريكا والطالب هو هاني باحويرث وقصته تتناول الحديث عن تجربة الابتعاث في بريطانيا. الشيخ القرني يقول لقد طفت مع بعض زملائي إحدى وعشرين ولاية أمريكية، فكلما رأينا الدقة والحسن في نظام السير والمرور وحماية البيئة والذوق العام وترتيب شؤون الحياة، تذكرنا النصوص التي قرأناها في الكتاب والسنة. وقد جاء ذلك في مقال مميز تحت عنوان: «أمريكا تنصر امرأة سعودية» في صحيفة الشرق الأوسط قبل بضعة أشهر وقد تمنى في مقاله لو أنه كان امرأة أمريكية؟! الطالب المبتعث باحويرث، تناول المحطات التي شهدها في بريطانيا وجاء فيها قوله " شكرا بريطانيا لأني بدأت أتمتع بشعور الإنسان...لا أحمل معي سوى وجعي إذا زرت المركز الصحي فهم لا يعرفون ديني ولا جنسيتي ولا مذهبي ولا لوني ولا كفيلي ولكن يعرفوا أهم من هذا كله أني إنسان وإنسان فقط. شكرا لجاري العزيز ذو الاخلاق الرائعة والذي يأخذ البريد من باب العمارة ليضعه أمام باب شقتي يومياً وبل يعرض علي أن اترك ابني عنده ان أردت أن أتعشى أنا وزوجتي في الخارج. شكرا لأني تعلمت ديني الذي فقدته وأنا طفل وأنا شاب، وكتب الله لي أن أتعلمه ليس من بطون الكتب ولا الدورات الشرعية ولا الجلسات العلمية ولا برامج التلفاز، بل من واقع يفرضه المجتمع والجميع بداية من مدرس الروضة لسائق الباص وعامل الشارع لرئيس الوزراء، هذا ما شهدته شخصيا...قد تتفق معي يا أخي أو تختلف فأنا أعرف أن أصابع يديك ليست سواء ولكن هذه الحقيقة رأيتها بأم عيني، شكرا بريطانيا، لا تخافوا علي، فمازلت مسلما وعربيا أكثر ومن أمة محمد وسأكون كذلك أبد الآبدين إن شاء الله".
مع الرسائل المتشددة المتطرفة والمفخخة هناك رسائل محبة وسلام تحاول أن توصل القيم التي زرعها الإسلام في نفوس أتباعه من تسامح وتعايش وقبول الآخر فهل تنتصر رسائل السلام على رسائل التطرف "آمين"؟!.

الرسائل والطرود المرسلة من أراضينا؟

2010-11-10

مشاهد الخوف والترويع تعود كلما اعتقدنا أنها الماضي؟!
الحوادث المفجعة تضطرنا إلى الدخول في معركة الدفاع عن ديننا وقيمنا
شمعات مضيئة وإن كانت قليلة تنير الطريق

تعود مشاهد الخوف والترويع كلما اعتقدنا أننا تجاوزناها، وأصبحت من الماضي؟ وهي في كل مرة يتم تغيير شكلها وطريقتها لكي تصل إلى هدفها من قتل وتفجير الضحايا والأبرياء، وللأسف أنها تدمغ منتجاتها وبضاعتها بختم الإسلام؟! الساحة لم تهدأ أبدا، وكلما انخفضت وتيرة الأصوات المعادية للعرب والمسلمين في الغرب، أعادها الخطاب المتطرف المتشدد الإرهابي من جديد. فالندوات والمؤتمرات وحوارات الأديان والتسامح وقبول الآخر كلها تتراجع إلى الخلف وتفقد تأثيرها وفعاليتها في رسالة واحدها تبثها محطة الجزيرة لأحد المحسوبين على تنظيم القاعدة. الرسائل جميعها تشير إلى التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور، والتكفير والعداء والقتل والدماء والتدمير ولا يكاد يقابلها في الجانب الآخر مواجهة مماثلة ومفتوحة وشاملة من الأراضي التي تنطلق منها وبالتحديد الأراضي الخليجية والعربية قبل الإسلامية. ولكن رغم المشهد الكئيب هناك بصيص أمل لا يتوقف أيضا وهناك شمعات مضيئة، وان كانت قليلة تنير الطريق وتقف في وجه التطرف والغلو ولا تخاف لومة لائم في الحق، نراها في بعض الصحف ووسائل الإعلام متمثلة في صحفيين ومثقفين وكتاب رأي وفكر أتابعهم بشغف خصوصا في السعودية والكويت وقطر والبحرين ولبنان ومصر والمغرب العربي.
معظم الرسائل التي تم توجيهها في الأيام الماضية احتوت على أفكار هدامة وعبوات ناسفة تبعتها الطرود المفخخة وانطلقت من دول خليجية وكادت أن تصل إلى أهدافها، وسلطت وسائل الإعلام العالمية أخبارها على المنطقة الملتهبة وخصوصا الوضع في اليمن، وعن المسئول الجديد في تنظيم القاعدة الذي كان وراء صنع عبوة الأحذية في صنعاء، والمتفجرات التي حملها النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والقنبلة التي حملها في طريقه إلى أمريكا. ودرب الانتحاري خلال محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية في الرياض. انه درس الكيمياء في جامعات خليجية وتنقل في أكثر من عاصمة عربية لكي يروج للفكر المتطرف ويدخل مناظرات على الانترنت ليجند الشباب ومن بينهم شقيقه الذي فجر نفسه، إلى أن اشتد عوده وتحول إلى إرهابي يشار إليه بالبنان ويدخل قائمة المطلوبين دوليا؟! رسائل وطرود فشلت في استهداف معبد يهودي في شيكاغو، ونجحت في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد وقتل 53 شخصا بينهم 44 مصليا مسيحيا غالبيتهم من النساء والأطفال والتهديد باستهداف الكنائس المصرية بعد العراقية. بالإضافة إلى تفجير مسجدين في باكستان خلال صلاة الجمعة مما أسفر عن مقتل 65 شخصا على الأقل.
ومع هذه الحوادث المفجعة نضطر في كل مرة إلى الدخول في معركة جديدة نحاول أن ندافع فيها عن ديننا وقيمنا باستماتة ونحاول أن نبين أن دين الإسلام لا يمثله هؤلاء ولا غيرهم من المتطرفين، وبقدر المستطاع نحاول مد جسور السلام والتواصل والحوار مع الآخرين في أراضينا وبقية العالم. لقد وجدت في بريدي الالكتروني عددا من الرسائل بعثها أخوة وزملاء أكثر من مرة تدعو إلى التفاؤل ومنها واحدة سطرها شيخ دين والآخر طالب علم؟! الشيخ هو عائض القرني ومقالته تتناول التطرق إلى تجربة عاشها في أمريكا والطالب هو هاني باحويرث وقصته تتناول الحديث عن تجربة الابتعاث في بريطانيا. الشيخ القرني يقول لقد طفت مع بعض زملائي إحدى وعشرين ولاية أمريكية، فكلما رأينا الدقة والحسن في نظام السير والمرور وحماية البيئة والذوق العام وترتيب شؤون الحياة، تذكرنا النصوص التي قرأناها في الكتاب والسنة. وقد جاء ذلك في مقال مميز تحت عنوان: «أمريكا تنصر امرأة سعودية» في صحيفة الشرق الأوسط قبل بضعة أشهر وقد تمنى في مقاله لو أنه كان امرأة أمريكية؟! الطالب المبتعث باحويرث، تناول المحطات التي شهدها في بريطانيا وجاء فيها قوله " شكرا بريطانيا لأني بدأت أتمتع بشعور الإنسان...لا أحمل معي سوى وجعي إذا زرت المركز الصحي فهم لا يعرفون ديني ولا جنسيتي ولا مذهبي ولا لوني ولا كفيلي ولكن يعرفوا أهم من هذا كله أني إنسان وإنسان فقط. شكرا لجاري العزيز ذو الاخلاق الرائعة والذي يأخذ البريد من باب العمارة ليضعه أمام باب شقتي يومياً وبل يعرض علي أن اترك ابني عنده ان أردت أن أتعشى أنا وزوجتي في الخارج. شكرا لأني تعلمت ديني الذي فقدته وأنا طفل وأنا شاب، وكتب الله لي أن أتعلمه ليس من بطون الكتب ولا الدورات الشرعية ولا الجلسات العلمية ولا برامج التلفاز، بل من واقع يفرضه المجتمع والجميع بداية من مدرس الروضة لسائق الباص وعامل الشارع لرئيس الوزراء، هذا ما شهدته شخصيا...قد تتفق معي يا أخي أو تختلف فأنا أعرف أن أصابع يديك ليست سواء ولكن هذه الحقيقة رأيتها بأم عيني، شكرا بريطانيا، لا تخافوا علي، فمازلت مسلما وعربيا أكثر ومن أمة محمد وسأكون كذلك أبد الآبدين إن شاء الله".
مع الرسائل المتشددة المتطرفة والمفخخة هناك رسائل محبة وسلام تحاول أن توصل القيم التي زرعها الإسلام في نفوس أتباعه من تسامح وتعايش وقبول الآخر فهل تنتصر رسائل السلام على رسائل التطرف "آمين"؟!.

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

أوضاع حرية الصحافة من سيئ إلى أسوأ؟!

2010-11-03
جريدة الشرق

تراجع الحريات الصحفية في معظم الدول العربية
الصحافة الوطنية تشهد درجة عالية من الرقابة الذاتية
رغم إشارات التحذير الكثيرة لم تظهر الخطوات التغييرية

الانتقال من الحالة السيئة إلى الأسوأ كان المشهد الذي عكس أوضاع حرية الصحافة العربية في تقرير "مراسلون بلا حدود" في عام 2010، فالتقرير يشير إلى الانتكاسة التي تعرضت لها الصحافة حتى في الدول التي كانت تتقدم القائمة العربية في المؤشر العالمي لحرية الصحافة؟!
وحسب التصنيف فقد احتلت لبنان المرتبة الأولى على الصعيد العربي بترتيب 78 ثم الإمارات في المرتبة 87، كما حلت موريتانيا وجيبوتي قبل الأردن في المرتبتين 95 و،110 على التوالي. لكن الوضع ليس كما يبدو فهو في لبنان تقهقر في تقرير المنظمة من المركز الـ61 في عام 2009، إلى المركز الـ78 في 2010. كما تراجع تصنيف الكويت التي كانت تتصدر القائمة في السنوات الأخيرة إلى الوراء بحوالي 27 مرتبة، حيث هبطت من المركز الـ 60 إلى المرتبة 87؟! وتراجعت أيضا قطر في المرتبة، 121، أما البحرين فقد خسرت في التصنيف 25 مرتبة، وذلك بعد أن كانت في العام الماضي 2009 تحتل المرتبة 119 عالميّاً، ليصبح ترتيب البحرين في العام الحالي 144 على الصعيد العالمي، كما تراجع المغرب ثماني مراتب عن قائمة العام الماضي ليحتل المركز 135 وتراجعت تونس من المرتبة 154 الى المرتبة 164. وجاءت ثلاث دول عربية هي اليمن وسوريا والسودان ضمن قائمة أسوأ 10 دول في مجال حرية الصحافة في العالم، إضافة إلى كوريا الشمالية وتركمنستان وإيران وبورما والصين ورواندا، فيما احتلت اريتريا المركز الأخير للمرة الرابعة على التوالي.
وعن أهم المعضلات التي تواجهها الصحافة في الدول العربية ذكر التقرير أنه ـ وبسبب ما تعرض له العديد من الصحفيين من المنع او التضيق ـ يضطر معظم الصحافيين المستقلين إلى اللجوء إلى الرقابة الذاتية تفادياً لتعرّضهم للملاحقة الحكومية والأمنية والقضائية وغيرها من المشاكل. أما الصحافيون الأجانب، فلا يحق لهم التنقّل في البلاد من دون دليل تعيّنه وزارة الإعلام. ويكون مصير كل من يخالف هذا التوجيه الطرد فيما يبقى الاحتجاز لمعاونيه. كما تحدث التقرير عن تقلص متواصل في حرية الصحافة، مشيرا إلى أن الاحتجاز التعسفي والتعذيب لا يزالان أمرا روتينيا. أما الوضع في دول الخليج، فقد أشار التقرير إلى أن الممارسة الصحافية لا تزال ضرباً من ضروب ألعاب التوازن، مما يحوّل أي تحليل انتقادي للقرارات الصادرة عن السلطات أو المتخذة بشأن البلاد بوجه عام إلى مهمة محفوفة بالمخاطر.. وبهذا، تلقي الضغوط السياسية — والاقتصادية — بثقلها على حرية تعبير قطاع الصحافة، وتشهد الصحافة الوطنية درجة عالية من الرقابة الذاتية. ومعظم العاملين في أسر التحرير المنتشرة في البلاد هم من الأجانب. وبما أن إقامتهم مرتبطة إلى حد بعيد باحترام الخطوط الحمراء التي تفرضها السلطة، فإنهم يضطرون لمضاعفة درجة الرقابة الذاتية الممارسة لتفادي طردهم من البلاد. وغالباً ما تعترض الصحافيين المكلّفين بالبحث في المسائل الاقتصادية عوائق مهمة تحول دون تغطيتهم السليمة للوقائع الاقتصادية. فيخشون أن يتهموا بالإساءة إلى صورة البلد الساعية إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية. ونظراً إلى صعوبة النفاذ إلى المعلومات في هذا المجال، يكتفون باستعادة ما ورد في البيانات الرسمية.. وفي تعليقه على الوضع في بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية منها قال الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" نرى أكثر من أي وقت مضى أن التطور الاقتصادي لا يترافق بالضرورة مع إصلاح المؤسسات واحترام الحقوق الأساسية. وعن قطر عرج التقرير على غياب القانون الذي يرعى شؤون الصحافة المكتوبة، وأشار إلى قانون المطبوعات الذي يعود إلى عام 1979 ولم يخضع لأي تعديل منذ ذلك التاريخ بالرغم من التحوّل الجذري الطارئ على المشهد الإعلامي. الذي يكثّف المواضيع الممنوع التداول فيها في حين أن صياغته نفسها تفسح المجال لشتى التفسيرات مانحاً السلطات صلاحيات مهمة قد تؤدي إلى حظر المؤسسة الصحافية من دون إمكانية اللجوء إلى القضاء واحتجاز صحافي على خلفية "الافتراء" و"التشهير". في خضم هذه الصعوبات، ولا يزال الصحافيون عزلاً لا سيما أنه ما من جمعية في قطر تدافع عنهم أمام أرباب عملهم والسلطات في غياب تام للحرية النقابية؟! والتقرير كرَّرَ ما نقوله في كل محفل صحفي محلي، أوعربي، أو دولي عن الأوضاع المتردية التي تعيشها الساحة الصحافية في مجتمعنا، ورغم إشارات التحذير الكثيرة التي طرحناها خلال السنوات الماضية لم تظهر أي خطوات تغيرية وإصلاحية ولا حياة لمن تنادي؟!
تقرير شبكة سي إن إن (CNN) الإخبارية برز كشاهد آخر يشير إلى أن الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه اليوم مرحلة عصيبة، بدءاً من مواجهة الاعتقالات التعسفية وغلق المطبوعات، وتوجيه الاتهامات لمعدي البرامج بالتليفزيون والمدونين، وذكر التقرير أن المشاكل تنبع من سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام، الأمر الذي يبدو وكأنه هو القاعدة العامة وليس الاستثناء فى منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن المنطقة يبدو، وكأنها كلما تقدمت خطوة نحو الاتجاه الصحيح، تتدهور معها خطوتين للخلف. وإن أغلب دول المنطقة لا تحد فقط من الحريات السياسية، ولكن تتحكم بقوة فى الآراء ولا تترك مساحة للمجتمع المدني، كما أنهم يحكمون رقابتهم على الإنترنت. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن نظم الحكم غير قادرة تماما على الانفتاح وتحرير الإعلام، لأنهم غير شعبيين بالمرة.
رغم الانتكاسة الكبيرة فإن هناك وضعا أسوأ من آخر، ونسبة الحرية في دولة أفضل منها في الأخرى، والحالة الأكثر وضوحا في مشهد الصحافة العربي تمثل في صدور مجلة "فوربس" الأمريكية (Forbes) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن قائمة "فوربس — الشرق الأوسط" لأقوى 50 صحيفة مطبوعة حضوراً على الإنترنت لعام 2010 في العالم العربي"، وقد اعتمدت المجلة على أفضل 200 موقع في كل دولة عربية من موقع وخدمة (اليكسا) وهو تابع لموقع (امازون) وتأسس سنة 1996 ومقره الولايات المتحدة. وجاءت مصر والكويت والجزائر والسعودية والإمارات على رأس القائمة، ثم الجزائر والسودان ولبنان تونس وليبيا والبحرين الأردن واليمن وسوريا، وحازت مؤسسة صحفية واحدة في قطر التي تنطلق من أرضها المحطة الإخبارية العربية الأولى (الجزيرة) على المراتب الأخيرة وهو مؤشر آخر على مدى الانتكاسة التي ابتليت بها الصحافة في قطر؟! لقد أشرت في مقال نشرته العام الماضي في هذه الزاوية تعليقا على التقارير التي تتناول الوضع الصحافي، أنها مسألة وقت ربما قد تستغرق عدة سنوات، وسنصبح في مؤخرة الدول العربية، ولكن الوقت لا ينتظر كما يشير إعلان محطة الجزيرة القطرية، لقد كانت قطر تتصدر المرتبة الثانية في تقارير قائمة العالم العربي في المساحة المتاحة لحرية الصحافة والتعبير والانفتاح الإعلامي، وهي اليوم تحصد المراتب الأخيرة عاماً بعد الآخر؟!

الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

نظرة خليجية سلبية نحو مؤسسات المجتمع المدني!

2010-10-27
جريدة الشرق

عدد الجمعيات والمؤسسات الخاصة يتجاوز عشرة آلاف وعضوية مليون شخص من 48 مليوناً عدد سكان الخليج
معظم الجمعيات يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي
غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور

عدة تعريفات ارتبطت بمفهوم المجتمع المدني سواء تلك التي ارتبطت بالفكر أو الممارسة، إن مفهوم المجتمع المدني، ينطوي على تنظيم الناس لأنفسهم للمشاركة في حل مشكلاتهم والتعبير عن آرائهم ومبادئهم ومعتقداتهم، والدفاع عن مصالحهم في مواجهة الآخرين بشكل سلمي، والمدنية التي يشتق منها لفظ مدني تعني الأسلوب المتحضر في التعامل والتسامح مع الآخر كما يشير علي الصاوي. ولكن هل يوجد مجتمع مدني في منطقة الخليج، الدراسات المختلفة تشير الى أن عددها يتجاوز عشرة آلاف جمعية ومؤسسة خاصة بالمجتمع، كما يتراوح عدد المنتسبين المنضمّين إليها ما يزيد على مليون شخص من 48 مليوناً وهو عدد السكان في الخليج حسب الإحصائيات الرسمية. إلا أن الصفة الغالبة في هذه المؤسسات أن اغلبها مؤسسات خيرية أو يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي الإسلامي في إطار حقوق الزكاة أو ما نسميه "التكافل الاجتماعي" لمساعدة من يحتاج إليه، لاسيما من ذوي الإعاقة أو الفئات الفقيرة أو الضعيفة، ويقول الباحث عبد الحسين شعبان، إن تداول مفهوم الشراكة والتحول الكوني باتجاه الإصلاح والاعتراف بدور المجتمع المدني، جعل الدولة الخليجية الريعية أمام سؤال كبير، إذ لا يتعلق الأمر بالاقتصاد ودور القطاع الخاص والاعتماد على اقتصاد السوق فحسب، بل يتعلق بدور المجتمع المدني، خصوصاً أن دولاً خليجية كانت قد وقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يتطلب تكييف قوانينها وأنظمتها، فضلاً عن دساتيرها لتتماشى مع الاتفاقيات الدولية، وإن تطلّب الأمر مراجعة ذلك ضمن نظرة شاملة في إطار المُنتظم العالمي، وهو ما يمكن إشراك المجتمع المدني فيه. وينوه شعبان بأن الخطاب الرسمي الخليجي يؤكد قيمة المشاركة ودور المجتمع المدني، إلا أن ثمة كوابح منظورة وأخرى غير منظورة بحكم طبيعة المجتمعات الخليجية المحافظة التي تحول أحياناً دون مشاركة فعّالة، ناهيكم عن المركزية في شكل الدولة، يضاف إليها التماهي بين الحاكم والسلطة أحياناً. ولعل أهم العقبات الفكرية والعملية التي تعترض المشاركة هي عدم وجود تشريعات تؤمن ذلك، فالحكومة في غالب الأحيان هي المخوّلة بالتشريع، ناهيكم عن أن التمويل بيدها، وهي تنظر إلى مؤسسات المجتمع المدني نظرة تصغيرية وتشكيكية، فإما أنها تعتبرها منظمات سياسية وفي خانة المعارضة أحياناً أو جزءا من توجهات خارجية، أو تتحفظ على أهدافها وأساليب عملها؟!
طبيعة المجتمع المدني الخليجي مرت بعدة مراحل، تطرق لها الباحث رمضان عويس، أهمها مرحلة البدايات وهي جاءت مع بدايات النصف الأول للقرن العشرين خاصة في دولتي البحرين والكويت، وقد غلب على هذه المرحلة مشاركة النخبة السياسية الحاكمة ذاتها في تكويناتها بجانب فئات التجار والصيادين والملاحين، كما غلبت على أهدافها النواحي الثقافية والأدبية والتنموية، ومن ثَم لم يكن غريباً أن تأتي مطالبها ومواقفها متناغمة إلى حد كبير مع مطالب النخبة الحاكمة والمنتدب البريطاني آنذاك. مرحلة الانتقال وترجع إلى خمسينيات القرن العشرين والستينيات، حيث بدأت دول تلك المنطقة تعرف شكلاً أكثر تبلوراً للدولة بالمعنى الحديث، ومن ثَم بدأت مطالب وتشكيلات مؤسسات المجتمع المدني تنحو نحو الجوانب السياسية وقضايا المشاركة الشعبية. وقد شهدت مجتمعات مثل البحرين والكويت ودبي مظاهرات وانتفاضات تصب في هذا الاتجاه. بعدها مرحلة الطفرة النفطية، حيث بدأت عوائد النفط تؤتي ثمارها وبدأت خطط التنمية الاقتصادية تتبلور بشكل واضح، كما أن مؤسسات الدولة بدأت في الترسخ، وتدعمت سياسات الدولة في مجال التعليم والخدمات بالشكل الذي نراه في وقتنا الحاضر، وهو ما وضع دول الخليج العربية في مراتب متقدمة في تصنيفات التنمية البشرية عالميّاً وعربيّاً، كما بدأت تلك الدول تتوسع في الأخذ بنظام المجالس الشورية سواء المنتخبة أو المعينة.
في كتابه عن المجتمع المدني الخليجي تحت عنوان "الديمقراطية العصيّة في الخليج العربي يقوم الدكتور باقر النجار بعرض وتحليل دقيق للمجتمع الخليجي وطبيعة مؤسسة الدولة وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في كل من الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر. ويستند إلى دراسة ميدانية شاملة تتضمن عشرات البيانات والجداول التي تتناول الهيئات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب، السياسية والدينية، وميادين نشاطها ووسائل تمويلها وأساليب عملها. ويرصد ما طرأ على هذه المعطيات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي ضوء المتغيرات التي تفرضها العولمة، ثم يستشرف مستقبل الإصلاح السياسي في منطقة الخليج. ويعتبر المؤلف أن المجتمع المدني عبارة عن تجمعات ذات هياكل تنظيمية، وهي تجمعات ومنظمات لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي المباشر للفرد المنتمي إليها أو الجماعة المشكلة لها. وأعضاؤها هم كذلك بفعل إرادتهم الحرة وخيارهم الشخصي، لا بفعل انتماءاتهم القبلية أو الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية. وهي منظمات تعمل في الفضاء القائم بين الدولة والعائلة. ولكونها منظمات مدنية، فإنها لا تمارس العمل السياسي كالأحزاب والمنظمات السياسية، إلا أن السياسة تتقاطع مع بعض أنشطتها، كما أنها لا تمثل العنصر الأصيل فيها كما هي حال الأحزاب والمنظمات السياسية. ومنظمات المجتمع المدني لا تأتي على وتيرة أو نسق موحد، وإنما هي تتشكل في إطار الفضاء والسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي السائد. وهي بذلك قد تختلف من مجتمع لآخر ومن سياق زمني لآخر، إلا أن جوهر تشكيلها ونشاطها اللاربحي والمجتمعي هو الباعث على تشكيلها. ويشير النجار الى أن التحولات التي شهدتها المنطقة، منذ «الطفرة النفطية» في السبعينيات مروراً بالثورة الإيرانية وحروب العراق الثلاث، ساهمت في حل بعض من المشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية لمجتمعات دول الخليج العربي. إلا أنها بالمقابل قد عمّقت من معضلات علاقة الدولة بالمجتمع في الداخل، وتحديداً في علاقتها مع الجماعات والفئات الأقل حظاً في نصيبها من الثروة النفطية، أو في علاقتها مع الفئات الطبقية الجديدة التي لم تعد قادرة على التكيف مع الآليات التقليدية في إدارة الدولة في مجتمعات بدت في جوانبها المادية والاقتصادية في غاية التعولم.
نصيحة يقدمها فؤاد إبراهيم لدول الخليج يذكر فيها أن المراقب لأوضاع الخليج خلال العقدين الماضيين يلحظ بوضوح كيف بدت الحاجة إلى أن تفسح دول الخليج المجال أمام ظهور مؤسسات أهلية تستوعب هذا التطور الكبير الذي شهدته هذه الدول مع اتساع حجم الطبقة الوسطى كمنتج أساسي لعملية التحديث. ففرص التعبير الحالية لم تعد كافية لاستيعاب حاجات المواطنين، والافتتان المكرور بما يسمى بالمجالس المفتوحة أو مجالس استشارية مترهلة أو الاحتجاج بنصوص مفتوحة في الدساتير أو النظم الأساسية لا يتجاوز غرضها حد "كليشيات" التجميل لن يلغي حقيقة كون هذه المجالس والنصوص تظل عاجزة عن توفير الضمانات الكفيلة بتلبية متطلبات مجتمعات مفتوحة على التجارب السياسية في العالم مع غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور. وحتى لا نضيف في رصيد المقولة الدارجة بأننا نسن القوانين حتى نخالفها، فإن الحاجة تجاوزت مجرد وضع قوانين معلبة فالقوانين تسن لتنظيم عمل المؤسسات للحيلولة دون تداخل مهماتها وأدوارها ولكن حين لا توجد هناك مؤسسات في الأصل فان وجود القوانين يصبح لغواً باطلاً، بل تصبح القوانين غطاء يحمل بداخله مبرر انتهاكه وخرقه. ثمة حاجات لدى مواطني هذه البلدان يراد لها أن تعبر عن نفسها في مؤسسات، فإما أن تتولى الدولة مهمة خلق المناخ المناسب ووضع الترتيبات القانونية لظهورها كما حدث في البحرين منذ ديسمبر الماضي أو أن ترعى الدولة المبادرات المستقلة التي يضطلع بها ذوو الكفاءات والمهتمون بتنمية المواهب وتمثيل المصالح العمومية. مع الإشارة إلى أن الرعاية لا تعني سوى تقديم الدعم المادي والمعنوي لها لا الانطلاق من فكرة الاستحواذ عليها أو ربطها بالجهاز البيروقراطي وإحالتها إلى مجرد جهاز ملحق بنشاطية الدولة كما الحال بالنسبة للنوادي الرياضية والأدبية والمؤسسات الصحفية التي بدأت مستقلة في نشأتها ثم تحولت إلى أجهزة ملحقة بماكينة الدولة.؟!
من الواضح أن هناك سعيا في معظم دول الخليج لتأخير التغيير قدر الإمكان لكنها فاتورة مكلفة ستدفع المنطقة ثمنها باهظا وان طال الزمن والسؤال لماذا تفعل ذلك؟!

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

شجون الحديث حول الديمقراطية والانفتاح في المجتمع

2010-10-20
جريدةالشرق

حل وزارة الإعلام جعل الفجوة كبيرة بين الإعلام الداخلي والخارجي
المنتديات والمواقع الإلكترونية تعرض الآراء التي لا تجرؤ الصحف على نشرها
ما أهم إشكاليات الديمقراطية وكيف نتعامل معها؟

يثير الحديث حول الديمقراطية في مجتمعنا الصغير والذي يطرحه بعض الزملاء في الصحف الشجون من جديد، فبعض الصحف تمتنع عن نشر مقالات الرأي والرأي الآخر لزملاء المهنة، والصحف الأخرى تنشر بتحفظ! مما يجعل الحوار ينتقل إلى المنتديات والمواقع الالكترونية التي تنشر المقالات الممنوعة مع التعليقات عليها بجرأة لم نعد نراها في الصحف المحلية، وهو مؤشر خطير يدل على أن الحديث حول حرية الرأي والتعبير والانفتاح الإعلامي في المجتمع مازال بعد كل هذه السنوات من حل وزارة الإعلام محل تساؤل كبير يطرح في كل محفل للمقارنة بين الإعلام الداخلي، متمثلا في محوره الأكبر الصحافة، والإعلام الخارجي ممثلا بمحطة الجزيرة وملاحقاتها! لا أريد أن ادخل في مجادلات وردود حول ما كتب فليس هذا ديدني، وإسهامي في الموضوع يأتي من قبيل الإضافة إلى الحوار الذي انفتح بين النخبة في مجتمعنا وبعضها لا نرى ولا نسمع منه إلا في المناسبات والمواسم والأعياد. الملاحظ في الحديث عن الديمقراطية أنها تطرح من قبل الجميع والكل له رؤيته الخاصة حولها وهو حق مشروع إلا أن في الحديث حول التفاصيل (الشيطان يكمن في التفاصيل حسب المثل الفرنسي) نلاحظ أن الحوار يأخذ بعدا آخر غير ديمقراطي إطلاقا ولا يحترم أهم عنصر من عناصرها وهو الاختلاف والتعددية في الطرح، لتبدأ بعدها التصنيفات العرقية والعائلية والمذهبية والقبلية! والغمز واللمز بتاريخ فلان ومواقف علان وتوجهاته الفكرية! لقد استرعى انتباهي الحوار الحضاري والراقي بين الزميلين عبدالعزيز الخاطر ومحمد الخليفي وأيضا مقال الزميلة مريم ال سعد والدكتور حسن السيد عن قضايا الوطن، وكم أتمنى أن يتم توسيع دائرة الحوار في مشاركة أعضاء المجتمع والنخبة المثقفة في تناول القضايا المصيرية في المجتمع من خلال إفساح المجال الإعلامي بكل أدواته الصحافة والإذاعة والتلفزيون والجزيرة وإنشاء المنتديات أو المواقع التفاعلية وعدم التضييق على حرية الفكر والرأي والتعبير التي تطرح من خلالها، وإذا كانت مبادراتنا قد طارت إلى بيروت ودارفور ومحافظة صعدة وغزة وطهران، ففي نهاية المطاف لا بد لها أن تعود أدراجها إلى الدوحة وتبدأ بترتيب البيت من الداخل؟!
انطلاقا من نقطة الصفر (Ground Zero) نطرح السؤال البديهي: ما هي الديمقراطية؟ كيف نفهم الديمقراطية في مجتمعاتنا التي مازالت تتحدث عنها نظريا ولم تدخل في عمق التجربة عمليا؟! وما أهم الإشكاليات التي تواجهها والتي تمنعها من أن تكون ثمرة يانعة في صحرائنا العربية. ومع أن التعريفات كثيرة ومتشعبة حول تعريف الديمقراطية وهي متاحة ومتداولة، دعونا نركز على الإشكاليات وأتذكر في هذا السياق مقالة علمية من أروع ما قرأت تناولت الإشكاليات بمنهج التفكيك وإعادة التركيب بمشرط المفكر العربي جورج طرابيشي الذي يختصر إشكاليات الديمقراطية في العالم العربي إلى ستّ إشكاليات محورية، هي: إشكالية المفتاح والتاج، إشكالية الثمرة والبذرة، إشكالية المفتاح، إشكالية الشرطي ورجل المباحث، إشكالية الذئب والحمل، إشكالية الصندوقين. وتعني إشكالية "المفتاح والتاج"، ما يعنيه السؤال الأبديّ: منِ الأسبقُ: البيضة أم الدجاجة؟ أي هل أن الديمقراطية سبب أم نتيجة؟ فالذين ينطلقون من أنها هي الخلاص المطلق لكل ما نعانيه في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، يجعلونها "شرطاً سابقاً لكلّ نتيجة لاحقةٍ"، ولكن طرابيشي يشير بأن ثمة حالاتٍ لم تحتمل فيها مجتمعاتٌ بعينها قبول الديمقراطية مع أن جسم هذه المجتمعات كان مريضاً، ومع ذلك رفضها كترياقٍ سحريّ. وهذه المجتمعات ليست إلا بعض الدول التي يقال عنها إنها مسقط رأس الديمقراطية وليست دول عالم ثالث أو متخلف أو متأخر أو مفوّتٍ ومثالا على ذلك يذكر تجارب كل من الديمقراطية الأمريكية المكارثية والديمقراطية الفرنسية في الجمهورية الرابعة… وغيرها.، يتساءل من هنا ليصل إلى الإشكالية الثانية: "هل الديمقراطية ثمرةٌ يانعةٌ أم هي أيضاً برسمِ الزرع؟"، ويعتبر أنه إذا استنبتنا الديمقراطية عن طريق المثاقفة في تربة غريبةٍ عن شروطها وطبيعتها ولم نجعل منها كائنا داخلياً وصالحاً للتكيف مع ما هو خاصّ فسرعان ما تذوي "وتتحوّل إلى عشب سامّ"… وقد فعل هذا كثيرٌ من الحركات السياسية التي استوردت البضاعة الأجنبية إلى جانب "الديمقراطية" لتنشرها في سوقٍ داخلية غير مؤهّلة للتعامل معها. فالديمقراطية، على هذا الأساس وكما يدعون، هي مفتاحٌ لكل الأبواب، ولكن لماذا يتجاهلون أنها "هي نفسها بحاجة إلى مفتاح، ولعل بابها لا ينفتح إلا بعد أن تكون سائر الأبواب الأخرى قد فتحت"؟
ويعتبر طرابيشي أن المفتاح الحقيقي للديمقراطية هو: شرطُ الحامل الاجتماعي لها. ويفسر ذلك بأن الديمقراطية هي من نتاج الحداثة التي كانت أصلاً نتاجاً للطبقة البرجوازية الأوروبية ولهذا "إن الديمقراطية وان لم تتواجد حيثما تواجدت البرجوازية فإنها تغيب حيثما غابتْ". ومن هنا تغيب الديمقراطية عن الدول التي تحكمها "الأنظمة الثورية الانقلابية" التي كانت تعتمد على توظيفِ المجتمع في خدمتها جاعلةً منه حقل صراعٍ مخابراتيّ يفسد بعضه بعضاً… و"يُفسد" فيه الأخ على أخيهِ، والابن على أبيه. وذلك من خلال الاعتماد على رجل المباحث في إدارة شؤون الدولة، لا رجل الشرطة. وهذه هي الإشكالية الثالثة، التي تغيب معها وظائف القانون التي يسعى إلى تحقيقها رجل الشرطة كحارسٍ للقانون وتمت الاستعاضة عنه برجل المخابرات الذي يشتغل وفق منطق الولاء الشخصي والطائفي والعشائري، أي غابت الدولة عن المجتمع العربي وحضرت بدلا منها صيغ وتشكيلات هجينة سرقت دورها وغيبت وظائفها… ويقول طرابيشي: "وبدون أن نماري في ضعف المجتمع المدني العربي وطراوة عوده وضيق هامش استقلالية المنظمات الناطقة باسمه ومحدودية فاعليتها، فإننا نعتقد أن مردّ المأزق الديمقراطي في العالم العربيّ ليس إلى قوة حضور الدولة، بل على العكس — ومهما بدت المفارقة قويةً — إلى استضعافها وتغييبها".
ومع هذا لا يقف طرابيشي موقف المعجبِ الرومانسي بالدولة أو المجتمع، فهذان ليسا ضحية ولا حملاً ولا يمكنُ اختصارُ المسألة إلى ثنائية نبرّئ أحدَ عنصريها ونلقي التهمة كلها على الجانب الآخر. وهذه ما يسميها بإشكاليةِ "الذئب والحمل". وفي الحقيقة، ومع قسوة الموقف هنا على المجتمع وناسهِ وعبادِه، والواضح أن طرابيشي يريد من هذه القسوة المفرطة أن يذكّرُ المجتمعَ ولاسيما "المدَنيّ — الأهلي" بدورِهِ ومسؤوليتِه في قضيةِ الديمقراطية… ولكن ما يراه من أمراضٍ خطيرةٍ مصاب بها هذا المجتمع ما هي في النهاية حسبما نرى إلا نتيجة لكل ما ذكره هو نفسه من تغييبِ دورِ الدّولة وإعطاءِ الأولوية للمباحث على حساب القانون، مما خلق شخصيةً اجتماعية متحلّلة من مسؤولياتها، تتمتع بالانتهازية والطائفية والفئوية، شخصية قبلتْ أن يُعادَ تجهيلها ثقافيا وسياسياً، إضافة إلى أميتها.
الإشكالية الأخيرة التي يراها طرابيشي في قضية الديمقراطية في عالمنا، هي إشكالية "الصندوقين"، صندوق الاقتراع وصندوق جمجمة الرأس، على حد تسميته. والسؤال عن المكان الحقيقي الذي ينبغي أن تتجلى فيه الديمقراطية يجب أن يكون سؤالاً أكثر شفافية وشجاعةً أيضا: هل هي في صناديق الاقتراع؟ أم هي في مكان آخر؟ كيف ينتخب الأميون قياداتهم السياسية وممثليهم للبرلمانات العربية وهي برلمانات مصنعة وفق الأكثرية الحاكمة دائماً؟ وما معنى صفة "المستقلين" التي يتم إطلاقها عادةً على المرشحين الذين لا ينتمون إلى أحزابٍ مشاركة في الحكم؟ يقول طرابيشي "فالديمقراطية هي بالأساس ظاهرة مجمتعيةٌ، والمجتمع هو في المقام الأول نسيج من العقليات. ولئن كانت الحرية الديمقراطية تنتهي لا محالة إلى صندوق الاقتراع، فإن الصندوق الأول الذي تنطلق منه وتختمر فيه هو جمجمة الرأس. وان لم يتضامن صندوق الرأس مع صندوق الاقتراع فان هذا الأخير لن يكون إلا معبرا إلى طغيان غالبية العدد". وللحديث بقية ربما تأخذ السنوات القادمة من عمرنا في الكتابة للصحف؟!

The widening gap between rich and poor in the Arab world

The Peninsula
Wednesday, 20 October 2010 03:11

The number of wealthy Arabs, according to the latest report by Forbes Arabia, is estimated at 34 billionaires, with a total wealth of approximately $115.8 billion. The magazine reports that Saudi Arabia, which is the Kingdom of wealthy Arabs, has maintained its leading position in the number of billionaires in the Arab world, averaging 14 billionaires with a total wealth of up to $60.5 billion, and they possess half of the wealth of all Arabs. Kuwait comes after Saudi Arabia in the ranking of Arab countries and the total wealth of Kuwaitis is listed at $11.5 billion, while the United Arab Emirates has been able to occupy third place with 6 Arab billionaires with a total wealth of up to $22.1 billion. Egypt came in fourth place, followed by Lebanon in fifth. According to reports by other international publications, the rate of per capita income in some capitals of the Gulf such as Abu Dhabi and Doha, for example, is over $87 thousand, while in Bahrain it is $35 thousand dollars, compared to $2400 in Yemen and $2300 in Sudan, which illustrates the gap between the haves and have nots in the Arab world.

The World Bank defines low-income countries (LIC) as those countries with a low per capita income of $600, and characterizes 45 countries as LICs. Most LICs exist in Africa, including at least 15 countries with an average per capita income of $300 per year. The United Nations Development Programme adds other criteria reflecting directly on humans’ level of well-being and quality of life, which expand the concept of poverty to include the quality of life. That index concludes that about 45% of people in 70 countries are poor living in communities that are not of low income. In other words, there are poor in the land of the rich, and it suffices to mention here that 30 million people live below the poverty line in the United States (15% of the population). In Arab States, the World Bank report warns of the impact of poverty and the huge disparity in wealth in the Middle East, especially in the generation of radical movements and groups, violence and extremism, which encourage young people to engage in them. The Report notes Yemen in this context, in which al Qaeda is active as well as several different terrorist insurgencies. Figures indicate that 6 countries in the Middle East are among the top 20 countries receiving U.S. aid, where Yemen received $152 million last year, while the West Bank received $800 million. The latest report by the news station CNN points out that more than a billion and a half Muslims live in the world, making up a promising market, but 39 per cent of them are below the poverty line, according to figures from the Organization of Islamic Countries (OIC). The Arab world is divided into groups in terms of wealth and poverty: the oil-rich group of countries, Libya and the Gulf Cooperation Council (GCC) (consisting of Saudi Arabia, Qatar and the UAE, Bahrain, Kuwait and the Sultanate of Oman), middle-income countries (MIC) including Egypt, Iraq, Jordan, Syria, Morocco, Tunisia and Algeria, and poor countries like Sudan, Yemen, Somalia, Mauritania, Djibouti and Palestine.

In a study on Arab poverty belts, Khalid Ali states that he cannot exclude the region of the oil-rich GCC from of the phenomenon of poverty belts for a variety of reasons. The GCC was not formed like the Mashreq countries and Morocco, as the development process depends on profit-taking coupled with unfairness in the distribution of resources between citizens and regions, leaving behind poverty belts. For example, in a rich city like Riyadh, no one dares to talk about the slums except after the visit of the Saudi King Abdullah bin Abdul Aziz (then-Crown) to such neighborhoods in November 2002. The crisis of poverty belts in the GCC deepens with the presence of foreign laborers working in cities and the capitals who then leave at the end of the day to live on the fringes in dire economic conditions both in terms of income and treatment. The seriousness of this issue is such that employment in the GCC includes more than 10 million foreign workers and 3 million members of their families. These workers’ protests in the GCC have been repetitive due to the ill-treatment to which they are exposed and delays in payments of their salaries.

Bill Gates’ last speech raised global concern “that 40 of the richest tycoons the United States have decided to convert half of their wealth to benefit the needy and the poor”. Bill Gates with his wife Melinda undertook the campaign “Pledge to Give”, with the support of the second-richest man in the US, Warren Buffett, who stated, after announcing the success of the first phase of the campaign, that “we’ve just started, but the volume of response is enormous and greater than we expected. Many of those we met promised more than half of their wealth, as posed by the campaign to benefit the needy and the poor”. Melinda adds, “we have a pool much larger than all of our expectations and we are very pleased and appreciate this response. We feel a great responsibility on ways to direct these funds to best achieve the goal at the highest level.” Their initiative is an attempt to apply the act of network relations on charitable work. As the campaign gained popularity, the wealthy sought to give back and share experiences in developing strategies. As Financial Times reports, currently, Gates and Buffett are transferring their model of charitable work to the world over constant visits to China and India to meet with some of the wealthiest businessmen. Gates expects that latter to be the second after the US in charitable work by the rich. During the Third International Conference on ICT for Development, which was held in the Qatari capital Doha, Buffet revealed that through technology, his organization is working to reduce the number of children who die under the age of five due to poverty by the year 2025.

It is a distinctly humane model that we cannot find a match for in the world, especially in Arab countries with the highest percentage of poverty, illiteracy and underdevelopment at the international level. Rich and wealthy Arabs are needed to undertake a related approach at the very least through investing their wealth in productive projects in Arab countries or in countries and regions of the marginalized and poor. That way, Arabs can bridge the gap between people lacking basic needs and life requirements rather than relying on imports from abroad forever, which is the case in all Arab countries, especially the six GCC states.

السبت، 16 أكتوبر 2010

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي

2010-10-13
جريدة الشرق

الدول العربية تعاني أكبر نسبة فقر وأمية وتخلف على المستوى الدولي
لا يمكن استثناء حتى منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر
تأثير الفقر يساعد على توليد جماعات العنف والتطرف

يقدر عدد الأثرياء العرب حسب تقرير مجلة "فوربس العربية" الأخير بحوالي 34 مليارديرا، بمجموع ثروات تقدّر بنحو 115.8 مليار دولار. وأشار تقرير المجلة إلى أن السعودية، التي تعد مملكة أثرياء العرب، حافظت على مركز الصدارة في عدد المليارديرات عربيّا، فقد بلغ 14 مليارديرا بمجموع ثروات يصل إلى 60.5 مليار دولار، وهم يمتلكون نصف ثروة أغنياء العرب، وجاءت الكويت بعد المملكة العربية السعودية في ترتيب الدول العربية، وبلغ إجمالي ثروات الكويتيين المدرجين في القائمة 11.5 مليار دولار، وتمكّنت دولة الإمارات من احتلال المرتبة الثالثة عربيا بـ 6 مليارديرات ومجموع ثروات يصل إلى 22.1 مليار دولار، وجاءت مصر في المرتبة الرابعة وبعدها لبنان في المرتبة الخامسة؟! وتشير تقارير دولية أخرى إلى أن معدل دخل الفرد في بعض العواصم الخليجية مثل ابوظبي والدوحة ـ على سبيل المثال ـ يبلغ أكثر من 87 ألف دولار، بينما يبلغ في البحرين 35 ألف دولار، وذلك مقابل 2400 دولار باليمن و2300 بالسودان وهو ما يبين الفجوة التي تفصل بين من يملك ومن لا يملك وما بين الفقراء والأغنياء في العالم العربي.
تقرير البنك الدولي يعرف الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في إفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنوياً. برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة. هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45 % من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفى هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايـات المتحـدة الأمريـكيـة (15 % من السكـان). أما في الدول العربية فقد حذر تقرير البنك الدولي من تأثير الفقر والفارق الكبير في الثروة بدول الشرق الأوسط، في توليد الحركات المتشددة وجماعات العنف والتطرف، وتشجيع الشباب على الانخراط فيها، مشيرين في هذا السياق إلى حالة اليمن التي نشط فيها تنظيم القاعدة وحركات تمرد مختلفة.. الأرقام تدل على أن ستة بلدان في الشرق الأوسط هي بين أكبر 20 دولة تتلقى المساعدات الأمريكية، فقد حصل اليمن على 152 مليون دولار العام الماضي، بينما نالت الضفة الغربية 800 مليون دولار. تقرير محطة (سي إن إن) الأخير أشار إلى أنه يعيش في العالم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم يشكلون سوقاً واعدة، ولكن 39 في المائة منهم دون خط الفقر، وفق أرقام منظمة المؤتمر الإسلامي. وينقسم العالم العربي إلى مجموعات من حيث الثروة والفقر: فمجموعة الأقطار النفطية الغنية، تضم "مجلس التعاون الخليجي وليبيا"، ومجموعة الأقطار المتوسطة الدخل وتشمل "مصر والعراق والأردن وسوريا والمغرب وتونس والجزائر"، والأقطار الفقيرة وتشمل السودان واليمن والصومال وموريتانيا وجيبوتي وفلسطين.
في دراسة عن أحزمة الفقر العربية يشير خالد على، إلى انه لا يمكن حتى استثناء منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر، وإن اختلفت أسباب تكونها عن الدول المشرقية والمغربية، فنمط التنمية الريعي المصحوب بعدم العدالة في توزيع الموارد بين المواطنين والمناطق، خلّف وراءه أحزمة فقر. فعلى سبيل المثال، في مدينة غنية كالرياض لم يكن أحد ليجرؤ أن يتحدث عن الأحياء الفقيرة بها، إلا بعد زيارة ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) قام بها إلى هذه الأحياء في نوفمبر 2002. وتتعمق أزمة أحزمة الفقر في الخليج، بوجود عمالة أجنبية تعمل في المدن والمركز، ثم تخرج منها في نهاية اليوم، لتعيش على هامشها في أوضاع اقتصادية مزرية سواء من حيث الراوتب أو المعاملة. وخطورة هذه العمالة أن حجمها في مجلس التعاون الخليجي (السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان) يصل إلى أكثر من 10 ملايين عامل أجنبي و3 ملايين من أفراد عائلاتهم. وتكرر احتجاج هؤلاء العمال في السنوات الأخيرة في دول الخليج على سوء المعاملة التي يتعرضون لها، والتأخر في تقاضي رواتبهم.
إعلان بيل غيتس الأخير أثار الاهتمام العالمي "بأن 40 من أغنى أثرياء الولايات المتحدة قد قرروا تحويل نصف ثرواتهم لصالح المحتاجين والفقراء" ويقوم بيل غيتس مع زوجته ميليندا بحملة "تعهد العطاء" ويشاركهما في قيادة الحملة ثاني أغنى أغنياء الولايات المتحدة، وارن بافيت، الذي قال بعد إعلانه عن نجاح المرحلة الأولى من الحملة: "لقد بدأنا للتو، ولكن حجم التجاوب هائل وأكبر مما كنا نتوقعه، كثير ممن التقينا بهم تعهدوا بأكثر من نصف ثرواتهم ـ حسبما تطرحه الحملة ـ لصالح المحتاجين والفقراء"، وقالت ميليندا: "لدينا بركة أكبر بكثير من كل توقعاتنا ونحن سعداء جدا ونقدر هذا التجاوب، ونشعر بمسؤولية كبيرة حول طرق توجيه تلك الأموال بشكل جيد يحقق الهدف بأعلى مستوى". المبادرة هي بمثابة محاولة لتطبيق فعل شبكة العلاقات على العمل الخيري. فكلما أصبح أكثر شيوعا، سعى الأثرياء للقيام به مع تقاسمهم للخيرات والتجارب وتشاركهم في وضع الاستراتيجيات وتبادل الآراء. كما يشير تقرير (الفايننشال تايمز)، وحاليا يقوم غيتس وبوفيت بنقل نموذجهما في العمل الخيري إلى العالم، في زيارات مستمرة إلى الصين للاجتماع مع بعض اغنى رجال الأعمال فيها والى الهند، التي توقع غيتس أن تكون الثانية بعد الولايات المتحدة في العمل الخيري على مستوى الأثرياء. وقد اشار غيتس في المؤتمر الدولي الثالث لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطوير الذي أقيم في العاصمة القطرية الدوحة، إلى أن مؤسسته تعمل من خلال الاستفادة من التكنولوجيا على تخفيض عدد الأطفال الذين يموتون تحت سن الخامسة، بسبب الفقر إلى النصف مع حلول عام (2025).
إنه نموذج إنساني مميز لا نكاد نجد له نظيراً في العالم وخصوصاً في الدول العربية التي تعاني من أكبر نسبة فقر وأمية وتخلف على المستوى الدولي، والمطلوب من الدول الغنية والأثرياء العرب القيام بخطوة مقاربة على الأقل ولا أقول مشابهة، من خلال توظيف أموالهم واستثمارها في المشاريع الإنتاجية في الدول العربية أو في دولهم والمناطق الهامشية والفقيرة فيها، حتى يمكن أن يتم ردم فجوة نقص الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للحياة، ولا يتم الاعتماد على استيرادها من الخارج للأبد، وهو الحاصل في جميع الدول العربية وبالذات الدول الخليجية الستة.

GCC arms race: An issue of safety and stability

Wednesday, 06 October 2010 03:52
Peninsula News Paper

Dsappointment hit the Director of Defense Sales within the US Department of Defense (Pentagon), as his expectations were not met this year in US arms’ sales to reach the $50bn target. Rather, they are likely to come closer to a level slightly less than sales for the fiscal year (FY) in 2009 of about $37.8bn. From his disappointment to our disappointments in this part of the world, as Arabian Business cites the International Advisory Forecast Foundation as noting that Gulf Co-operation Council (GCC) governments are expected to increase defense and armaments spending by 20 percent by the end of 2010, and reach $83bn by 2015 compared to $68.3bn this year. The UK’s Financial Times points out that GCC states asked the United States to provide weapons over the next four years worth $125bn.

The magazine states that international arms suppliers prioritize GCC markets and that US giants such as Boeing, Lockheed Martin, and Raytheon in addition to British and French companies, which are considered as minor in the GCC markets. Information issued by the International Peace Research Institute in Stockholm indicates that 33 percent of the arms shipments to the region head to the UAE. The study adds that countries depending heavily on oil and gas prices such as Saudi Arabia, Qatar, and Kuwait enjoy high liquidity and can easily purchase whatever they need. Even countries that do not have much wealth resulting from oil and gas exports such as Bahrain and Oman still have plenty of cash to help them buy what they need.

The International Institute for Strategic Studies in London notes that the Middle East, which was described as the most volatile region in the world, spends large amounts on arms, and is likely to remain the largest arms buyer in the coming years. Meanwhile, the US is the largest arms exporter in the world, followed by Britain and Russia. The Institute reports that expenditure on armaments has negative effects on the development process, where the relationship between arms and development is a positive relationship; the higher the defense expenditures of a country, the higher the negative impact on development. During the last thirty years, governments of developed and developing countries spent vast resources on arms, which could have gone to meet the basic needs of the citizens of those countries, and toward the elimination of poverty.

A special study published by the website “Al-Jazeerah” by Abdul Jalil Al-Marhoun addresses the amount of current spending on defense programs arms in the GCC, the percentage of arms in total expenditure, per capita annual defense spending, and arms sales that are long awaited in this sensitive region of the world. The study reports that the military expenditures of the world combined in 2009 amounted to a total of $1,531 billion, which represented 2.7% of global gross national product (GNP). The share of each person in the world of these expenditures equates to $224. As for the level of per capita annual military spending, in 2008 some GCC countries were among the highest 15 countries in the world. Oman was ranked third in the world after Israel and the US respectively with $1,650 per capita. Kuwait was ranked fifth in the world after Singapore with $1,600 per capita. Then, Saudi Arabia was sixth in the world with $1,500 per capita.

At the level of future prospects, the military procurement bill of GCC countries is estimated at about $300 billion over the next five years including $100 billion dollars for complimentary defense technologies for two GCC countries (according to estimates by the Financial Times). Also, maritime defense spending alone are expected to reach about $17.5 billion by 2020 as reported by Jane’s Information Group.

Among the major projects currently in motion, the study mentioned two deals for French Rafale fighter jets, one for the UAE and the other for Kuwait. In 2009, France announced that it is close to reaching an agreement with the UAE to sell 60 Rafale fighter jets worth between four and five billion euros. In the same context, according to French media reports, Paris is seeking to market an anti-missile defense system to GCC states, perhaps its inception will be in Kuwait. If these reports are accurate, it will mean a major shift in France’s position toward the GCC not only in the arms market but in the approach to GCC security in general. Additionally, the wounded, damaged Iraq seeks to purchase thirty-six F-161 aircrafts, each one worth about $100 million, with leadership training and maintenance facilities. Baghdad will also buy six transport planes from the company Lockheed Martin and related equipment with a total value of up to $1.5 billion. For its part, the Iraqi navy has plans to purchase four Italian-manufactured patrol vessels weighing 450 tonnes.

Is the defense and arms race going to protect the GCC region and provide its people with security and stability? Isn’t it enough that the GCC region has several complex security agreements in place, currently hosts military bases on its soil, and funds legendary defense contracts by draining the wealth, budgets, and strategic reserves of future generations? When and in which battle or field of war will the region need to make use of these weapons? And do the purchasing agreements allow for the weapons to be used in time of need? Take a lesson from Japan, which, by the end of the reign of Emperor Meiji, turned into the sole centralized, strong, military and imperialist state in south and east Asia. Its army committed the deadliest massacres against the peoples of China, Korea, Thailand, and the Philippines amongst others. The Americans shook the site of Pearl Harbor in 1941 that was attacked with nuclear bombs and forced into surrender and submission. Dr. Masoud Zahir summarizes Japan’s first modernization by stating that, “Japan, in the era of Meiji and his successors, succeeded in creating a strong imperialist state for a period exceeding half of a century” but the success of modernizing the military was at the expense of the community, leading to the destruction of the pillars of Japanese society in order to achieve expansion projects at the expense of neighboring Asian countries, and to realize imperialist dreams of major Japanese monopolies.

However, the story does not end there, rather, it inaugurates a realistic battle for the future. After Japan’s bitter, severe, and painful experiences in Hiroshima and Nagasaki, it knew that the way to achieve power is through investing in human’s education, development, and training in a peaceful environment - not an ideology of entering conflicts, wars, and battles. Article IX was adopted in the Japanese constitution to refrain from using weapons of a non-defense nature, not to produce any weapons for sale, and not to participate in military forces outside the framework of international cooperation under the auspices of the United Nations. Dr. Zahir indicates that the failure of Japan, forced or voluntary, in re-arming itself has had very positive effects in the rapid growth of its economy without overwhelming state budgets on annual useless military expenditures in the field of armaments. In fact, Japanese politicians continued to hold on to the motto: a “pacifist constitution for the demilitarized state” throughout 1945 – 1953, and did not pass but the most minor amounts of rearmament funds within the annual budgets of 1952-1955.

Will Arab and Islamic countries benefit from the Japanese experience endured over half a century without arms and military armament? Will they learn from the experience of state-building through the adoption of democratic choice, economic openness, and investment in human capital? Generally speaking, there are no indications of affirmative responses to those questions but perhaps there is still a chance.

لماذا تتقدم الصين ويتخلف العرب؟!

6/10/2010
جريدة الشرق

هل تستبدل الدول العربية المصالح الغربية بنظيرتها الصينية؟
مقارنة بالصين يبلغ عدد الأميين في العالم العربي نحو 100 مليون!
لا يهم لون القط أبيض أم أسود ما دام بارعاً في اصطياد الفئران.
إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً.

بينما يهتم الحلم الأمريكي بحياة لفرد ورفاهيته، يركز الحلم الصيني على حياة الجموع، وهو ما فهم من المبادرة الوطنية التي انطلقت في بداية العام الدراسي الجديد (2010- 2011) وجاءت على شاكلة إنتاج برنامج تلفزيوني مشترك بين وزارة التربية والتعليم ومحطة التلفزيون المركزي الصيني ويهدف إلى تحفيز التلاميذ على الحلم، من خلال إبراز مشاهير حققوا نجاحات، يودون تقاسمها مع الجيل الصاعد، لحثه على العمل واستنهاض آماله. ومن هؤلاء المشاهير العالم يوان لونغ بينغ المعروف باسم «أبو الأرز الهجين» والنجم السينمائي ليان جي إضافة إلى الملياردير العصامي ماي وان وآخرين من كبار الشخصيات الذين رووا خلال البرنامج قصص أحلامهم وتحدثوا عن تجاربهم وحكايات كفاحهم، حتى بلغوا مآربهم، وما يزالون يسعون إلى ما هو أفضل إلى خدمة وطنهم الجمهورية الصينية (The Republic of China). فهل الصين العملاق الاقتصادي القادم بقوة كثاني قوة اقتصادية عالمية تم تدشينها في (2010)، اقرب إلينا في التفكير من القوة العالمية الأولى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل يأتي اليوم الذي تستبدل فيه الدول العربية كل المصالح والمؤسسات والشركات الاقتصادية الغربية بالبديل الصيني؟! وتتحول حتى القواعد العسكرية الأمريكية وحماية آبار النفط الخليجية (هذا إذا كان هناك أبار نفط للمستقبل) إلى قواعد و حماية عسكرية صينية؟! وربما تساعد أيضا الأنظمة العربية الشمولية والمهتمة بالتوريث وتطبيق قوانين الطوارئ في عملية الانفتاح السياسي وتطبيق الديمقراطية؟!
تغيرت الصين بلا شك فهي اليوم من خلال تصريح رئيس الحكومة الصينية "وين جياباو" تشير أنها ماضية في إصلاح نظامها السياسي لتتمكن من المحافظة على الانجازات الاقتصادية التي حققتها، وقد أشار وين انه "يجب ضمان حقوق الشعب الديمقراطية والمشروعة... وخلق الظروف الكفيلة بالسماح للمواطنين بانتقاد الحكومة والإشراف عليها، كأسلوب لمعالجة "مشكلة التركيز المفرط للسلطة دون رقابة فعالة." وهو أشبه بانقلاب سياسي للصورة المروعة التي رسمت في ساحة (تياننمين) بالميدان الأحمر عام (1989)، من خلال الحركة الطلابية الني دعت إلى الديمقراطية وسحقت بالدبابات في الطريق العام؟! والسياسية الصينية اليوم تؤكد الرؤية التي أرساها الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ ، كبير مهندسى مسيرة الإصلاح والانفتاح في البلاد في قوله ( لا يهمّنا أبقينا في طريق اشتراكي أم سرنا في طريق رأسمالي، بل يهمّنا تطوير قوة، لإنتاج ورفع مستوى معيشة أبنائنا، وبناء الصين بناءً قوياً وحديثاً). في بكين لا يهم إن كان القطّ أبيض أم أسود، بل المهم قدرته على اصطياد الفئران. وهاهي في الربع الثاني من هذه السنة، تزيح اليابان عن المركز الثاني العالمي وتصبح الاقتصاد المنافس مباشرة للولايات المتحدة . فالنمو القوي منذ عقود يجعلها أكثر فأكثر محط إعجاب المستثمرين الذين يتدفقون إليها في سبيل الربح والتطور واكتشف العرب ذلك متأخرا كالعادة فذهبوا إلى الحج والناس عائدون (ولكن هل فاتت الفرصة فعلا) ؟! الصين تعدت أسيا وأوروبا وأمريكا ووصلت استثماراتها إلى أفريقيا و نتشرت بشكل كبيير، لقد ارتفع مجموع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا من (10)مليارات دولار سنة (2000) إلى (55)مليار سنة (2006)، والى (90) مليار سنة (2009)، مقارنة (86) مليار بين الولايات المتحدة وإفريقيا في (2009)، أي (9) أضعاف خلال 9 سنوات.
كانت الصين قيل عقدين تسعى للحصول على قروض ميسرة من البنك الدولي، وأثارت حينها خشية دول العالم الثالث الأخرى من تحويل أموال القروض بالبنك إلى الصين المديونة بالمليارات، لكنها اليوم تقدم المعونات للدول النامية في قارة أسيا وأفريقيا وتتمكن بقدرة مدهشة من تمويل حتى عجز الولايات المتحدة الكبير. صحيفة واشنطن بوست تشير إلى إن التحدي الذي تمثله الصين حاليا تحدي من نوع جديد، يختلف عن التحدي الذي مثلته منظمة أوبك في سبعينيات القرن الماضي عندما كانت تبدو قوة تطبق الخناق الاقتصادي على الغرب. أو كاليابان التي في ثمانينيات القرن الماضي خشي البعض من أن تستطيع الاستحواذ على كل شيء أميركي عزيز. فالتحدي الصيني يهدف إلى تحرير الاقتصاد والالتحاق بالمجتمع الدولي و دفع عجلة النمو الاقتصادي والقدرة على المنافسة في العالم.
يتعثر التعليم ومؤسساته في العالم العربي وتبلغ الأمية نسبة عالية لم تتخلص منها رغم عمر التعليم الذي بدا في بدابة القرن الماضي حيث يبلغ عدد الأميين نحو 100 مليون نسمة أكثريتهم من النساء (46 %)، وأن (75) مليوناً من إجمالي الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين(15-45) عاماً، يمما عني أن ثلث عدد السكان العالم العربي لا يعرف القراءة والكتابة. كما أظهرت دراسة مقارنة استندت عليها منظمة (الألكسو)، أن نسبة الأمية في العالم العربي، ستصبح الأولى في العالم خلال السنة الجارية بعدما كانت الثانية بعد أفريقيا. إلا أن الصين تشهد تطورات كبيرة في التربية والتعليم منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 30 سنة. ونجحت في تحقيق التعليم الالزامى لتسع سنوات من حيث الأساس بحلول عام 2000 بعد أن بذلت جهودها لأكثر من عشر سنوات منذ صدور قانون التعليم الالزامى في عام 1986, كما محت أمية الشباب. وخلال الأعوام الثلاثين الماضية، خرجت مدارس التعليم المهني المتوسط والتعليم المهني العالي أكثر من 100 مليون شخص يتمتعون بالمهارات المهنية الخاصة. ومنذ عام 2003, غطى مشروع "التعليم الطويل المدى " 360 ألف مدرسة ابتدائية وإعدادية ريفية في وسط الصين وغربها لتنويع الحياة الروحية لأكثر من 100 مليون طالب ريفي. وأرسلت الصين أكثر من 1.212 مليون طالب للدراسة في الخارج ابتداء من عام 1978 حتى نهاية عام 2007. وارتفع عدد هؤلاء الطلاب من 860 فى عام 1978 الى 144.5 ألف فى عام 2007. كما قبلت الصين أكثر من 1.23 مليون طالب قادمين من أكثر من 180 دولة ومنطقة في غضون الثلاثين عاما الماضية. و أقامت علاقات للتعاون والتبادل التعليمي مع 188 دولة ومنطقة, ووقعت على اتفاقيات بشأن الاعتراف المتبادل بالمؤهل الدراسي والدرجة الأكاديمية مع 33 دولة, وبلغ عدد الأجانب الذين درسوا اللغة الصينية 30 مليون شخص. وأقامت الصين 262 معهدا في 77 دولة ومنطقة. ومن جانبها, أقامت 46 دولة في العالم مراكز لامتحانات مستويات اللغة الصينية. ويذكر عبدالله المدني انه منذ أن أطلقت جامعة "جياوتونج" الصينية في شنغهاي في عام 2003 فكرة التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وهذا التصنيف الذي يشتمل على مقارنة أداء نحو 1200 جامعة ومؤسسة علمية حول العالم سنوياً يستقطب اهتمام الكثيرين، بل صار يثير الهلع والقلق لدى وزارات التعليم العالي، ولا سيما في الدول النامية غير الواثقة من جودة برامجها التعليمية. وليس أدل على أهمية هذا التصنيف مما ذكرته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في عام 2005 عنه من أنه صار مرجعاً معتمدا على نطاق واسع، أو مما ذكرته دورية "كرونيكل أوف هاير إيديوكيشن" التي وصفته بأنه أفضل وأقوى التصنيفات نفوذاً على المستوى العالمي، بالرغم من أن الصينيين حينما أطلقوا فكرته لم يهدفوا إلا إلى معرفة الهوة التي تفصل جامعاتهم عن الجامعات الأجنبية. ويمكن القول إن نفوذ هذا التصنيف يتأتى من الأدوات البحثية عالية المتانة التي تستخدم في التبويب بحسب قول مستشار جامعة أكسفورد "سير كريس باتن"، هذا ناهيك عن المعايير الدقيقة المستخدمة في عملية تصنيف الجامعات، والتي تشتمل على عدد من نال من خريجيها أو أساتذتها جوائز عالمية (كجائزة نوبل) في الحقول المعرفية المختلفة، وعدد البحوث والدراسات والاكتشافات المنجزة لخدمة البشرية، وعدد ونوعية الكتب والمطبوعات التي خرجت من مطابعها، ومدى مساهمتها في تطوير العلوم الإنسانية، وغيرها من العوامل. وحينما يتفحص المرء قائمة التصنيف الأكاديمي لعام 2010، سوف يجد أن الاكتساح كان كالعادة للجامعات الأميركية. حيث اشتملت قائمة أفضل 500 جامعة في العالم على 168 جامعة أميركية تتقدمها هارفارد (أفضل جامعات العالم للسنة الثامنة على التوالي)، وبيركلي وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وبرنستون وكولومبيا وشيكاغو بالترتيب وبعدها الجامعات الأوربية.
أما بالنسبة لمنطقة آسيا والباسفيكي، فإن القائمة اشتملت على 34 جامعة من اليابان و22 من الصين، و5 من تايوان، و5 من هونغ كونغ، و8 من كوريا الجنوبية، وجامعتين من كل من الهند وسنغافورة، 14 من استراليا، و5 من نيوزيلندة، و6 من إسرائيل (تتقدمها الجامعة العبرية صاحبة المرتبة 72) . أما ماليزيا التي كثر الحديث عن تقدمها العلمي، فلم تستطع أي من جامعاتها دخول القائمة للسنة الثامنة على التوالي. ويشير عبدالله المدني أن فضيحة ماليزيا لا تقارن بفضيحة المنطقة العربية التي خلت القائمة الصينية من اسم أقدم جامعاتها العصرية وهي جامعة القاهرة (تأسست عام 1908)، واسم أفضل جامعاتها وهي جامعة بيروت الأميركية (تأسست في عام 1866)، الأمر الذي يؤكد للمرة الألف وجود خلل كبير في نظام تعليمنا العالي. غير أن جامعتين سعوديتين هما "جامعة سعود الأول" و"جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" حفظتا ماء وجه العرب نسبياً بتواجدهما للمرة الأولى في القائمة. ونسبياً لأنهما احتلا مرتبتين متأخرتين هما 197 و 303 على التوالي، وهو ما حدا بالإعلام العربي إلى إخفاء الرقمين الأخيرين والاكتفاء بعبارة "أنهما كانتا ضمن أفضل 500 جامعة في العالم.
أنها الصين التي تبرهنا بأخبارها وإبداعاتها يوما بعد الأخر، وهانحن ننتقل من الحديث حول تقدم الغرب وتخلف العرب و سر التجربة اليابانية والوصفة الكورية الجنوبية والنمور الأسيوية، إلى تفسير واستيعاب المعجزات الصينية التي يوجد فيها (56) قومية من بين إجمالي عدد السكان الذي يقارب (مليارا و400 مليون) في عام (2015). وإلى المروجين والمدمنين للتنظير للغزو الثقافي، عشاق نظرية المؤامرات الخارجية في العالم العربي، نختم بالحكمة الصينية لكي نعرف لماذا تتقدم الصين وبقية دول العالم ويتخلف العرب ومن سار في ركبهم، تقول الحكمة (إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً، ولا نستطيع أن نمنع الهواء الملوّث من دخول منازلنا إذا فتحنا أبوابها، ومن غير المعقول أن نغلق أبوابنا ونوافذنا عندها نختنق ونتخلّف معرفيّاً، وكذلك سياسة الانفتاح فهي مثل فيضان النهر الجارف، ومع الفيضان تأتي دائماً جثث الحيوانات النافقة).