الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

طريق التغيير... يبدأ من المنتديات والمدونات الالكترونية؟!

جريدة الشرق
15 ديسمبر 2010

المواقع والمدونات مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني؟!
محاولات لتشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي.
هل يستطيع التدوين إدخالنا عصر الأنوار العربي ؟!

في التاريخ لحظات زمنية، تتقرر فيها المواجهة بين الأطراف المتباينة تلك التي تتمسك بتراث وتلابيبه وتعتقد جازمة أن الفلاح والنجاح في أتباع سدنة الهيكل وأفكارهم شبرا بشبر وذرعا بذراع؟! وبين أولئك الذين يسعون من التحرر من الماضي وشخوصه، وهم غالبا ما يكون قلة ولكن كتب لها أن تصنع التاريخ وتغيير الواقع والى الأبد؟! اليوم من بد الأزمان، في عالم العربان بدأت تتشكل ملامح التغيير وان كانت بطيئة وحذرة، تراها في قلة من الصحف وان كانت متواضعة وفي بعض وسائل الإعلام، ولكنها في المنتديات والمواقع الالكترونية نشيطة وفاعلة بقدر الإمكان، تحول توصيل أرائها وأفكارها ومواجهة المتزمتون والمتشددون والتكفيريون والأيدلوجيون والمنتفعون وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل ما أوتيت من قوة وحجج وبرهان.
يخطى من يظن أن الحرية أتت في دول العالم المتقدمة وبالتحديد في أوروبا على طبق من فضة، أو بين ليلة وضحاها عن طريق رغبة ملك أو أمير أو قائد رباني ملهم، أو حاكم "المستبد العادل" كم هو خطاب الواهمون (العدل لا يجتمع مع الاستبداد)؟! كان كل من يجرءا على التفكير والتعبير والكتابة بطريقة مختلفة لا توافق أهواء السلطة الدينية الكنسية والسلطة السياسية الملكية الإقطاعية يرسل إلى المحرقة ويعتبر مهرطق خارج عن ملة القوم. لقد عاش كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين خارج أوطانهم منفيين و هاربين من بلد أوربي إلى آخر، وكانت وكتبهم ومؤلفاتهم ورسائلهم تنشر بأسماء مزيفة و مستعارة حتى وبدون أسماء خوفاً من مقصلة الرقابة والجواسيس والملاحقة والقتل.
كان الإيمان والعمل على بزوق فجرا جديد مغاير يملى السمع والأبصار والأفئدة لتلك العصبة المؤمنة من القوم وهو ما بدد ساعات الظلمة ودشن عصر الأنوار والتنوير، وهي تذكرني بمقولة رائعة كانت شعار فيلم روبن هود (Robin Hood)، بطولة رسل كرو (Russell Crowe)، الذي لا يزال يعرض في دور السينما في بريطانيا وبالتحديد في مدينتة نوتنجهام (Nottingham) وقد زرت المدينة في الأسبوع الماضي، وهي تقول (ثابر و ثابر من جديد حتى يتحول الحملان اسود), ومن ابرز هؤلاء النفر يأتي فولتير ورسائله المشهورة، الرسائل التي أرست أسس النضال من أجل الحريات الثقافية والدينية السياسية، النضال من أجل العقل والفكر والتعبير، ومن أجل حقوق الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ومعتقداته. فولتير صاحب المقولة الرائدة : "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك"، احد الكبار الذين خاضوا المعارك الكبرى، ووقفوا في وجه التعصب والتزمت، وهي التي أطلق عليها "الوحش الضّاري"، ليدافع عن أسرة "كالاس" البروتستانتيّة إذ تعرّضت إلى الاضطهاد والتّنكيل بسبب انتمائها المذهبيّ من قبل الغالبية الكاثوليك.
عصر الأنوار كما يشير إلى ذلك د.صادق محمد نعيمي في كتابه (الإسلام وعصر التنوير)، محاولة للإجابة عن السؤال: من أين يأتي النور الذي يعرف المرء به الخير من الشرّ ويرشده إلي الصواب والأخلاق؟ فقد كان الفكر التقليدي المتراكم من العصور الوسطى والمدعوم من الملكيات الحاكمة ومن الطبقتين المميّزتين (النبلاء ورجال الدين) يرى أنّ ما يأتي من تعليم ثيولوجية عقائدية مذهبية هي مصدر النور الذي يهدي الإنسان في هذه الحياة، في حين أنّ اتجاها فكريا، نابعا خصوصا من أبناء الطبقة البرجوازية الناشئة، بدأ في بثّ آراء ترى أنّ العقل هو الأساس الذي ينبغي للمرء أن يتبعه لمعرفة الخير من الشرّ، ولتحديد مفهوم الأخلاق. كان التيّار الأوّل هو الغالب، بحكم أنّه يستمدّ قوّته من السلطتين الزمنية الحاكمة والروحية الدينية، بسبب توافق مصلحتهما مع هذا الرأي الذي يرى في الثيولوجية المصدر الوحيد للأخلاق، ولمعرفة الحسن من السيّئ. وكان التيّار التنويريّ، كما سوف يطلق عليه لاحقا، يبحث عن رؤى جديدة للكون وللعالم وللدين وللأخلاق يحاول أن يجد له طريق وسط هذه السلطة الطاغية لعادات وتقاليد أنتجتها الثقافة الموروثة وجعلت من موافقتها أو من مخالفتها معيارا للصواب والخطأ. كان لكلّ من التيارين منتجه من آداب وفنون، يسعى الاتّجاه الأوّل لتكريس الوضع القائم من قبل أصحاب السلطتين السياسية الدينية، والثاني يأمل في إيجاد عالم بديل للخروج من عادات وتقاليد بالية ارتكس فيها الغرب بسبب تحالف الإقطاع مع الكنيسة الكاثوليكية، ولتحرير النفس الأوربية من أزمة الضمير على حد تعبير بول أزار، أزمة ناشئة عن التعارض بين الموروث والجديد بين رؤى قروسطية للحياة وللأخلاق وللكون وللدين وللإنسان، وبين تطلّع لاحترام العقل ومعطياته. بدأ التيار الأخير ضعيفا مضطهدا لأنّ ثمّة أصحاب مصالح يوظفون المورث والتقاليد لاستمرارية مصالحهم، ولكنّه كان في كلّ يوم يكتسب أتباعا جددا راغبين في أن ينفضوا عن أنفسهم وعن عقولهم غبار التقاليد الجاثمة على أرواحهم. وكان أسلحتهم تتمثل في الحوار والكتابة والتعبير الحر ونشر وطباعة المقالات والصحف واصدرا وتأليف الكتب. وكل ذلك أصبح متوفر اليوم من خلال كبسة زر تسمح بالدخول إلى عالم المدونات والمنتديات الالكترونية.
الدول العربية ليست استثناء في التاريخ، وكما نجح التنوير في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول أسيوية وافريقية و أمريكا اللاتينية، سيجنح وسيحقق انجازاته الحضارية من خلال المؤمنون بالتغيير في العالم العربي، اليوم هناك مواجهة مفتوحة على الانترنت المواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية مع القيم والمعتقدات والأفكار والتصورات التي ولدت وترعرعت في عقول الإنسان الذي يعيش في العالم العربي بلا هدى و كتاب منير. المواقع الاجتماعية والمدونات كما بينت رسالة الماجستير للباحثة فاطمة الزهراء مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني التي فقدت فاعليتها، حيث طرحت نفسها كبديل فاعل في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به، حتى اكتسبت مصداقية عالية وحصلت على ثقة الجمهور، وباتت تنظم الحملات وتتابع حالات الحراك السياسي وتثير الأحداث التي لا تحظ باهتمام إعلامي كافٍ لتلفت الرأي العام إليها. لقد ازداد في الأيام الأخيرة عدد المدونين الذين تم القبض عليهم لمجرد التعبير عن رأيهم، والدعاوى الكثيرة المرفوعة ضدهم، وتعمد بعض المثقفين التقليل من المدونات وإطلاق أحكام عامة عليهم دون تحديد. كما قام الإعلام الحكومي في تشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي. ولم يكن في الحسبان أن تنجرف محطة الجزيرة مع الموجة وهي التي تعاونت مع موقع "ويكيليكس" في نشر الوثائق السرية الأمريكية ويقارب عددها أربع مئة ألف وثيقة تلاها ربع مليون وثيقة في التسريبات الأخيرة، وتقوم باتهام موقع إخباري قطري باختراق موقع الجزيرة، والحصول على وثائق رسمية ونشرها في الموقع، وذلك بالتعاون مع جهة مجهولة؟! ممل يدل على استمرار سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الداخلية. وماذا عن شعار حريات النشر وضمان حق المعرفة والميثاق الصحفي، كما آن مركز الدوحة لحرية الإعلام ظل يتفرج من بعيد وكان القضية لا تعنيه إطلاقا! وهل ممكن الاعتقاد في عصر الفضاء المفتوح والعولمة انه يمكن منع الرأي العام والمؤسسات المدنية في المعرفة والمحاسبة والمساءلة؟!
من أجمل الكلمات التي جعلها جفار (Che Guevara) شعار له ( أنا لست محررا ، والمحررين لا وجود لهم ، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها)؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق