الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الاتجاه نحو مفهوم مغاير في العمل الخيري

2010-11-24

34 مليارديرا في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان
رجل أعمال قطري يطلق مبادرة تهتم بالإقراض الأصغر
الدولة مطالبة بإنشاء "بنوك تمويل خاصة" تساعد الأسر والعائلات المحتاجة

نشرت منذ مدة مقالا بعنوان (اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي) يتناول مقارنة بين رجال الأعمال في العالم العربي وبقية العالم، وقد أشار المقال إلى أن عدد الأثرياء العرب يقدر بحوالي 34 مليارديرا، بمجموع ثروات تقدّر بنحو (115.8) مليار دولار، يعيش اغلبهم في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان. وعرجت على إعلان بيل غيتس (Bill Gates) الأخير فيما يقارب عدد 40 من أغنى أثرياء الولايات المتحدة قد قرروا تحويل نصف ثرواتهم لصالح المحتاجين والفقراء" منهم الملياردير المشهور وارن بافيت (Warren Buffett)، وقد طالبت الدول الغنية الخليجية والأثرياء العرب القيام بخطوة مقاربة على الأقل ولا أقول مشابهة، من خلال توظيف أموالهم واستثمارها في المشاريع الإنتاجية في الدول العربية أو في دولهم والمناطق الهامشية والفقيرة فيها، حتى يمكن أن يتم ردم فجوة نقص الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للحياة.
لقد انفرجت أساريري بعدها بأيام معدودة عندما علمت بخبر قيام رجل أعمال قطري بتخصيص مبلغ يقدر بحوالي (100 مليون ريال) لإنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر من أجل مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل في دولة قطر والدول العربية والإسلامية على إقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل تمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم معيشيا وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. وهي المبادرة التي وصفت بأنها الأولى من نوعها على مستوى دولة قطر، وأكبر مشروع فردي في تاريخ جمعية قطر الخيرية التي تقوم على المبادرة. والمبادرة تؤسس مفهوما مغايرا عن العمل الخيري والإنساني الذي اعتدنا عليه في ديارنا والذي يدور في رؤية محددة وضيقة لا تغني ولا تسمن من جوع، محصورة غالبا في جمعيات وأفراد يقومون على جمع التبرعات والصدقات والمعونات والمساعدات وتوزيعها على المستحقين، وهي تزيد من عدد الفقراء والمحتاجين ولا تنقص من عددهم، لأنها تطعمهم سمكا، ولا تعلمهم كيف يصطادونه؟! المبادرة التي بدأها رجل أعمال قطري تعيدنا إلى التجربة الملهمة التي قام بها الحائز على جائزة نوبل البروفيسور محمد يونس (Muhammad Yunus) في عام 2006، من خلال نظامه البنكي المعروف باسم جرامين (Grameen Bank)، في تقديم القروض لأكثر من 7 ملايين من فقراء العالم، وأغلبهم في بنجلاديش التي تعد واحدة من أفقر دول العالم. ونجاحه فاق التوقعات وصار مصدر إلهام للدول النامية في أنحاء العالم. وكان أول قرض قد قدمه من جيبه الخاص لمجموعة من النساء.
الفكرة يجب أن يتسع مداها وتشمل القطاع العام بدخول الراعي الأكبر وهو الدولة ممثلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، فعلى دول الخليج أن تقوم بدورها بإنشاء (بنوك تمويل خاصة) تستهدف الأسر والعائلات الفقيرة والمحتاجة بقروض صغيرة (ميكروبية) لمساعداتهم للانخراط بنشاطات منتجة أو لتنمية مشاريعهم متناهية الصغر، على غرار البحرين التي قامت بتأسيس بنك "الإبداع" العام الماضي برأس مال يبلغ نحو 5 ملايين دولار تحت رعاية قرينة ملك البحرين ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة. ويهدف بنك "الإبداع" إلى تقديم القروض الصغيرة للمواطنين الفقراء الراغبين في تحسين ظروفهم المعيشية، ويتوقع المؤسسون أن يستفيد ألف مواطن في السنة الأولى من عمل البنك، ويرتفع إلى خمسة آلاف مستفيد بنهاية السنة التشغيلية الثانية في نهاية العام الحالي 2010. وأيضا في اليمن الذي قام بإنشاء “بنك الأمل للإقراض الأصغر“ واستطاع البنك تقديم الخدمات المالية “إقراض صغير، ادخار، تأمين“ كأول بنك في الشرق الأوسط يقدم هذه الخدمات المتكاملة. وقد بلغت نسبة النساء المقترضات 90%. ولا يخفى الدور الذي تقوم به منظمة «أجفند» الخليجية الخاصة والتي عملت على تأسيس مصارف للفقراء في الكثير من الدول العربية والنامية، منها المبادرتيان المذكورتان في الأعلى، إضافة إلى البنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة في الأردن، مصرف سورية للمشروعات الصغيرة، بنك الرجاء في لبنان، بنك الفقراء في المغرب وموريتانيا وجيبوتي إلى جانب صندوق لتمويل مشروعات الفقر في السودان.
وصلتني قصة معبرة على البريد الكتروني من احد الزملاء، قام بنشرها الكاتب الصحفي احمد الصراف في مقال له بالتصرف من خلال النقل والترجمة من الإنترنت، وهي حقا تستحق التفكير والتأمل وإعادة النشر واستخلاص العبر منها، والمقالة تحكي قصة السيدة هيلدي باك (Heldi Back) وهي امرأة سويدية تبلغ الثمانين، قتل والداها في أحد معسكرات الاعتقال النازية، وتمكن شخص مجهول من إنقاذ حياتها ونقلها إلى السويد. وفي يوم ما، واستجابة لإعلان تلفزيوني، قررت هيلدي وهي كانت تعمل معلمة مدرسة بالتبرع بمبلغ من المال لدعم تعليم طفل كيني لا تعرف عنه شيئا. وعلى الرغم من أنها تبادلت معه على مدى سنوات بضع رسائل، إلا أن الاتصال بينهما انقطع بعدها. وبعد 15 سنة تقريبا طلبت منها الجهة المعنية بمساعدة الطلبة الفقراء التوقف عن الدفع لانتفاء الحاجة، بعد أن تخرج من كانت تصرف على تعليمه في الجامعة وبدأ يعمل.
الطفل الكيني، الذي تلقى مساعدة هيلدي على مدى سنوات لم يكن غير كريس أمبورو(Chris Mburo) المحامي الكيني المعروف في منظمة العفو الدولية، ورئيس قسم مناهضة التمييز العنصري التابع للأمم المتحدة، والذي لم يكن ليحقق شيئا من أحلامه من دون الدفعات المنتظمة التي كانت ترد من هيلدي سنة وراء أخرى، والتي مكنته في نهاية الأمر من إنهاء تعليمه الجامعي والحصول على إجازة في الحقوق من جامعة هارفارد الأميركية العريقة. في عام 2003 عاد كريس إلى قريته، وعرفانا بجميل هيلدي عليه وعلى أسرته والمجتمع الدولي، قام بتأسيس صندوق خيري للصرف على التعليم، أطلق عليه اسم «هيلدي باك للتعليم» (The Hilde Back Education Fund)، الذي يستفيد منه آلاف الطلبة الفقراء، ويعتبر برنامجه الأكثر نجاحا في أفريقيا. وخلال الفترة ذاتها وحتى قبل شهر لم يتوقف كريس عن البحث عن هيلدي، وبعد جهود مضنية توصل إلى عنوانها وقام بالاتصال بها ودعوتها إلى زيارة كينيا لترى نتيجة عملها الخيري، وكان لقاء ذا شجون. وعند سؤالها عما دفعها، وهي اليهودية التي لم يعرف عنها الثراء، لأن تتبرع بالصرف على طفل مسيحي لا تعرف عنه شيئا، قالت إن عمل الخير يشبه رمي حصاة على سطح الماء، حيث تتشكل من ذلك دائرة صغيرة ثم دائرة أكبر فأكبر، وإنها مدينة بحياتها لإنسان لا تعرفه قام قبل سبعين عاما بإنقاذ حياتها، ولا تتذكر حتى ملامحه، ولم يحاول أن يعرف نفسه لها، فلم يهتم، مثلها، بصغائر الأمور، فقد قامت بتقديم خدمة لطفل محتاج بصرف النظر عن لونه، جنسه أو دينه، وما يفعله الآن كريس من خلال صندوق التعليم يصب في الاتجاه نفسه، وسيأتي مستقبلا من سبق أن استفاد من معونة الصندوق ليقوم بعمل مماثل وهكذا تتكاثر وتكبر دوائر الخير.. شكرا مرة أخرى إلى رجل الأعمال القطري وأتمنى من كل قلبي أن تكبر دائرة الخير وتشمل 34 مليارديرا ومئات المليونيرات في السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر ولبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق