الأربعاء، 25 مايو 2011

العرب و"الفيس بوك" صراع الثورة.. والثورة المضادة"

جريدة الشرق- ايلاف
2011-05-25

انقلاب حقيقي في مفهوم الإعلام الاجتماعي وإعلام الشارع وإعلام المواطن
تعذيب النشطاء من أجل انتزاع كلمة السر في مواقع التواصل الاجتماعي
الإعلام العربي بقي غائباً عن هموم الشعوب والمواطنين

كان شاباً مرهقاً ساذجاً غريب الأطوار يدرس في جامعة لها اسم رنان "هارفارد"؟! ولكي يثبت أنه يملك القدرة على الاستعراض وإظهار النفس والحضور الزائف، قام باختراق موقع الجامعة وسحب صور مجموعة من الطالبات ووضعها في موقع قام بإنشائه على الانترنت وطلب من زملاء له في الجامعة وخارجها التصويت لمقارنة فتيات الجامعة بالحيوانات التي تقاربها في الشبه، وكانت المفاجأة أنه حصل على 22 ألف تصويت في أقل من ساعتين، وكاد أن يفصل من الجامعة بسبب فعلته تلك. وعندما انتشرت حكاية الفتى مع الموقع والصور، اتصل به أخوان يملكان فكرة إنشاء موقع للتواصل الاجتماعي بين الأصدقاء ويبحثان عن مبرمج ليساعدهما في إطلاقه، لكنه احتفظ بالفكرة لنفسه وقام بالعمل مع زميل له بتطويرها وتبسيطها وإطلاقها من خلال موقع يضع المستخدم بياناته الخاصة به ويحذفها متى يشاء، وتحول مع مضي الأيام إلى موقع التواصل الاجتماعي الأول والأهم والأكثر استخدما في العالم وهو "الفيس بوك" (Facebook.com). الموقع الذي بدأ بـ85 دولاراً اجار إشغال موقع على الإنترنت في 2004، وأطلقه شاب من غرفة نوم صغيرة قديمة في جامعة هارفارد وهو مارك زوكربرج، (Mark Zuckerberg)، صارت قيمته تزيد على 15 مليار دولار أو أكثر مائة مرة من عائده السنوي الذي يقدر بمائة وخمسين مليون دولار.
بحسب تقرير «رويترز» تنامى استخدام الموقع في الوطن العربي بدرجة مذهلة، من 11.9 مليون مستخدم في يناير 2010 إلى 21.3 مليون في يونيو من العام نفسه، بنسبة نمو بلغت 78 في المائة في عام واحد فقط. تقرير صحيفة الشرق الأوسط عن الثورة المصرية ذكر أن «فيس بوك» كان الواجهة الإعلامية البديلة، يتابع من خلالها الشباب كل ما يحدث من تطورات على ساحة الأحداث، بعد أن فقد هؤلاء الشباب ثقتهم في مصداقية الإعلام الرسمي المصري، الذي قالوا إنه ينقل صورة «حكومية» مخففة للأحداث.. أو للإعلام الفضائي الخاص، الذي تشككوا في صدقه أيضا عقب اتهامات طالته بمحاولة تضخيم الأحداث وبلبلة المجتمع المصري، لصالح جهات خارجية. وقد شارك الملايين من كل أرجاء مصر في إمداد المواقع الإلكترونية، وعلى رأسها (فيس بوك)، بمواد فيلمية وصور وتقارير صحافية عن الأحداث. وأصبح الموقع ساحة مفتوحة لكل الآراء الهادفة إلى توحيد المطالب السياسية والاجتماعية. كما أن فضاء الإنترنت اللانهائي وفر بديلا افتراضيا لاستيعاب جميع الآراء والاقتراع حولها. تمثل في متابعة ملايين الشباب لآراء الخبراء والشخصيات العامة والكثيرين ممن يحوزون ثقتهم. وعلى الجانب الاقتصادي أشار التقرير، انه لم يفت اي من "الناشطين الانترنتيين" القيام بدور داعم من خلال «فيس بوك»، وذلك بإطلاقهم دعوة لإنقاذ البورصة المصرية من الانهيار الوشيك الذي يهددها، بعد فقدانها نحو 70 مليار جنيه في الفترة الماضية، عبر شراء بعض الأسهم بقيمة 100 جنيه في محاولة لإعادة التوازن المفقود. كما لم يترك ملايين المصريين المعروفين بخفة ظلهم الفرصة تفوتهم، إذ تحول الموقع إلى مدونة ساخرة عظمى، تنتقد بكل الوسائل من نكات أو كاريكاتيرات أو مقاطع فيديو وصور ممنتجة، ببرامج مثل «فوتوشوب»، الأوضاع القائمة على المستويات كافة. حتى أن بعض المحللين السياسيين أطلق على ثورة الشباب «ثورة فيس بوك» ومازال شباب الثورة يمارسون دورهم دون توقف في وصول الثورة إلى بر الآمان ومحاربة الثورة المضادة.
واليوم في أحداث سوريا والدول العربية الثورية ودول الممانعة والصمود والتصدي لثورة الشعب وقتله في الشوارع بواسطة الجيش والدبابات و"الشبيحة"، يقود موقع الفيس بوك المشهد الصمود والتصدي الحقيقي للقمع والعنف والمجازر ويعرض لكل العالم حقيقة ما يجري هناك لدرجة أن المحطات التلفزيونية العالمية مثل سي ان ان والعربية كالجزيرة تنقل عنه وليس العكس وهو انقلاب حقيقي في مفهوم الإعلام الاجتماعي وإعلام الشارع وإعلام المواطن، الأمر الذي جعل الصحف الرسمية السورية تقوم باتهام إدارة موقع فيس بوك بـ"التآمر على الشعب السوري، "لتضمه إلى قائمة طويلة من الدول والقوى ووسائل الإعلام العالمية التي اتهمتها بـ"التآمر" ضد النظام. صحيفة "الثورة" السورية الرسمية ذكرت ان إدارة فيس بوك "متواطئة" مع من وصفتهم بـ"أصحاب الثورة المزعومة فى سوريا"، وتحدثت عن ما قالت إنها ازدواجية فى المعايير، فهناك صفحات لا يمكن إغلاقها، وصفحات تغلق بدون إنذار، وممارسات انتقامية لا مبرر لها سوى الانحياز والتآمر. وتعرضت صفحة البرلمان الأوروبي على موقع فيس بوك إلى هجوم قراصنة سوريين من أنصار الرئيس السوري بعد أن اقر الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد 13 شخصا من المقربين إليه بالإضافة إلى الرئيس ذاته. صحيفة "الديلي تليجراف" والوشنطن بوست كشفتا أن أجهزة الأمن في النظام السوري بدأت تلجأ إلى أسلوب جديد لقمع الثورة المستمرة، حيث شرعت في تعذيب النشطاء بوحشية من أجل انتزاع كلمة السر الخاصة بصفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي الـ"فيس بوك" لقطع التواصل مع بعضهم البعض ووقف نشر مقاطع الفيديو أخبار الثورة السورية، والتعتيم التام على ما يحدث. وتوضح الصحيفة إنه مع منع الصحفيين الأجانب من دخول سوريا اعتمدت وسائل الإعلام على المعلومات التي يضعها المواطنون على شبكات التواصل الاجتماعي كـ"فيس بوك"، واعتمد منظمو الاحتجاجات على التكنولوجيا، وحاول النظام بدوره محاصرتهم عن طريق قطع التيار الكهربائي تارة، وسائل الاتصالات تارة أخرى، ولكن النشطاء استطاعوا الالتفاف على هذه الإجراءات من خلال استخدام المولدات الكهربائية وهواتف تستخدم الأقمار الصناعية.
لماذا أصبح «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» ساحة الشعوب العربية ليتحدثوا بحرية وبدون قيود؟ مع أنه موقع اجتماعي وليس صحيفة حكومية أو إذاعة أو تلفزيون؟! يشير جمال بنون أن كل المشكلة تعود إلى أن الإعلام العربي بقي غائباً عن هموم الشعوب والمواطنين، وحتى الدول التي تقول إنها ألغت وزارة الإعلام، لديها جهات أخرى رقابية إما وزارة الداخلية أو جهات حكومية أخرى كانت تسيطر على جهاز الإعلام وتمارس أنواعاً مختلفة من القيود، وتحول الحقائق إلى معلومات خاطئة، وتسمح ببروز أشخاص لهم انتماءات حكومية وليست وطنية، فكان الإعلام العربي لخدمة القيادات والمسؤولين والمتنفذين، وغاب عنها الأهم وهو المواطن وصوته واحتياجاته.

الأربعاء، 18 مايو 2011

المجلس الخليجي.. تصدير الكبسة واستيراد المنسف

جريدة الشرق
2011-05-18

الخطوة مباغتة ومفاجئة ولم يتوقعها الكثير من المحللين
هل يشكل الاتحاد رافداً يعزز أمن دول الخليج واستقراره؟
التعاون يركز على تقديم مساعدات اقتصادية وليس تحقيق خطوات تكامل اقتصادي!

بلمح البصر انتقلنا من طرح موضوع تطبيق الكونفدرالية بين دول الخليج، التي من المفروض انها تحققت أصلا وفعلت خلال العقود الثلاثة الماضية عن طريق الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والمدنية، الى تناول موضوع الدعوة التي تم توجيهها إلى الأردن والمغرب للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الخطوة التي جاءت بطريقة مباغتة ومفاجئة ولم يتوقعها الكثير من المحللين لا في الخليج ولا في الدول المعنية ولا حتى في اليمن، الذي ظلت الابواب امامه مغلقة من قبل اعضاء نادي الامتياز الخليجي باستثناء رياضة كرة القدم! واليوم بعد خراب مالطة لا يزال هناك أمل في انقاذ المبادرة الخليجية لحل الازمة المتفاقمة في تنحي الرئيس ومشكلة جنوب اليمن ومشكلة صعدة مع الحوثيين والتي يبدو انها تلفظ أنفاسها بعد رفضها من قبل شباب الثورة اليمنية من جهة وامتناع الرئيس عن توقيعها من جهة أخرى، ولا حتى في العراق الذي لا نعرف إلى الآن في اي درج من الملفات تم وضع طلب انضمامه إلى النادي الخليجي!
حول انضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون، ترى بعض الأوساط السياسية الاقتصادية أن هذه الخطوة تشكل توجها قويا لإيجاد تكتل اقتصادي متكامل، بإضافة الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها الجانبان واتساع سوق الاستثمار والاستهلاك في كل من الأردن والمغرب فضلا عن معالجته لمشكلتي الفقر والبطالة التي تعاني منها هاتان الدولتان العربيتان. إلا أن البعض يشير أن خطوات التكامل الاقتصادي معقدة وتستغرق وقتا أطول بكثير من خطوات التكامل في المجالات الأخرى كما يذكر عبد الرحمن السلطان، فالدول التي ترغب في الانضمام إلى تجمع اقتصادي قائم لا يمكنها أن تنضم بصورة تلقائية ويلزم تأهلها من خلال تحقيقها معايير معينة يستغرق استيفاؤها في العادة وقتاً طويلاً وتتطلب مفاوضات مضنية. من الواضح أن التعاون الاقتصادي سيقتصر على تقديم مساعدات اقتصادية للدول الجديدة في المجلس وليس على تحقيق خطوات تكامل اقتصادي معها.
ورغم الحماس في الأردن هناك تردد في المغرب رغم الترحيب. الأردن أشار لأن الدخول لمجلس دول التعاون الخليجي 'سيستغرق وقتا طويلا' نظرا لتعدد الاجراءات اللازمة المتعلقة بالانضمام. كما ان الحكومة ستوجه خطابا للمواطنين تبين فيه كيفية الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي والاجراءات الواجب اتخاذها في هذا المجال وهو ما لم يحدث في الحالة الخليجية؟! الاردن منذ سنوات وخصوصا بعد انكسار دعم الحليف العراقي بعد الخروج من الكويت وهزيمة حزب البعث في 2003 كان يلح في طلب شـراكات اقـتـصاديـــة وتـعاملات مميــزة فــي معظم المجالات، وهو يعتبر نفسه امتدادا طبيعيا لدول الخليج، بتركيبته المجتمعية والعشائرية وليس بعيدا عن النظام السياسي الحاكم صانع القرار الاخير كما هو حاصل في معظم دول الخليج.
المغرب تحدث حول الدخول في مشاورات من أجل تحديد إطار تعاون أمثل مع دول مجلس التعاون الخليجي مع تكرّر تمسكه بالمثال المغاربي وبناء اتحاد المغرب العربي. الباحثة في الشؤون الدولية رويدا مروة اشارت الى ان انضمام المغرب بشكل عضو كامل سيرّتب عليه تنازلات سياسية أبرزها الدعم المطلق للأنظمة الملكية في الخليج، وهو ما قد يتعارض مع الدخول في اصلاح حقيقي نموذجي بعد الخطاب الاخير للملك الذي اعلن فيها عن اصلاحات دستورية جذرية. اما اعلان المغرب عن تمسكه ببناء اتحاد مغرب عربي فهو اراد من ذلك تهدئة بعض الاصوات المحتجة من داخل المغرب وخارجه حول نيةّ الانضمام التي ربطت الامر ببدء المغرب العزوف عن رغبته الشهيرة بضرورة بناء مغرب عربي واستبداله باتحاد عربي آخر، بالاضافة الى معرفته جيدا ان قيام هكذا اتحاد مغاربي لم ولن يتحقق مادام هناك نزاع على الصحراء قائم ومستمر منذ 36 عاما. ان التحليلات والتصريحات لا سيّما تلك التي صدرت عن المحللين والمراقبين من الخليج والصحف الاوروبية والاميركية ركزت على الاسباب التي دفعت الخليج للنجدة بالمغرب والاردن "لتدعيم امنه" وتشكيل "ناد ملكي سني عربي" والوقوف في وجه "الزحف الايراني" و"المدّ الشيعي" و"اخماد الثورات العربية" في حال وصل تأثيرها للملكيات الخليجية.
ردة الفعل في الشارع الخليجي كانت متهكمة ومستغربة ومصدومة من اضافة المنسف والكسس على المائدة الخليجية التي مازالت تعاني من الكولسترول وكثرة الدهون والأملاح وزيادة السعرات الحرارية والبهارات في (الكبسة) أو (المجبوس) الطبق الرئيسي الذي يختلف في التسمية ويتشابه في الطعم. وبرزت حالة من العتب والغضب تسود الساحة الشعبية الخليجية التي تشعر أن القرارات المصيرية يتم فرضها من فوق ويجب معها السمع والطاعة، وتنفيذ الأوامر تحت مبررات عديدة أهمها يرتبط بالمثال الشعبي المتداول "الشيوخ ابخص". هناك اربعة اشكاليات خليجية متحفظة تطرقت لها صحيفة القبس الكويتية واثارت نقاشا واسعا في الاوساط الاعلامية والرأي العام الخليجي في المجالس والمنتديات العامة، الإشكال الأول، ناتج عن عدم القدرة على إقامة نقاش حقيقي داخل جدران المجلس، وعلى مستوى القمة، وهو الأخطر، لحسم الأمور وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حيث لجأت كل دولة الى جمهورها لتعزيز وجهة نظرها، مع أنه ليس خافيا على أحد إجماع الجمهور الخليجي على الحفاظ على شخصيته، وبالتالي التمسك بخصوصية مجلسه التي أكدها ميثاقه التأسيسي، رغم إنجازاته الاقتصادية المتواضعة، خصوصا لجهة قيام سوق مشتركة خليجية تشبه، ولو في الشكل، نظيرتها الأوروبية. الإشكال الثاني، هو تولد شبهة الاستعانة بدعم خارجي، ومن دول ملكية، للدفاع عن أوضاع داخلية بمواجهة موجة إصلاحية تجتاح العالم العربي، كأن المطلوب إقامة جبهة من دول الحكم الوراثي بمواجهة التغيير، مع أن المطلوب من دول المجلس أقل بكثير من الدول الأخرى، كونها دولا منتجة للنفط، ولا أحد يخاطر بأزمات فيها لكي لا يصبح سعر برميل النفط 500 دولار، وثانياً لأن أوضاع المواطن الخليجي الاقتصادية أفضل بكثير من غيره، وثالثاً لأن أبواب الإصلاح لم تسد نهائياً! الإشكال الثالث، وهو افتقاد مجلس التعاون للآليات الحقيقية للبحث والنقاش، من الأمانة العامة الى المجلس الاستشاري مرورا بالمجلس الوزاري، حيث تبين أن كل هذه الهيئات لا مهمة لها ولا مبادرة سوى مناقشة قضايا تفصيلية تحيلها القمة إليها، وبالتالي، لا تستطيع تقديم رؤى او مشاريع لتطوير المجلس من الناحية العملية. الاشكالية الرابعة، هي غياب الرأي العام الخليجي عن القرار الحقيقي داخل المجلس، وآخر مظاهر هذا الغياب الكامل المفاجأة الصاعقة التي تلقاها جمهور «الخليجي» بدعوة الأردن والمغرب للانضمام إليه،.. ان المجلس لن يحقق أهدافه الأصلية الباقية في بيان التأسيس والبيانات الختامية في ختام كل عام، دون حد أدنى من المشاركة ا‍‍لشعبية التي لها مصلحة حقيقية في إقامة سوق خليجية واحدة، وهو ما يتناقض مع مصالح البيروقراطيات الحكومية التي تعتاش على التعقيدات القائمة بين دولنا.
هناك تساؤلات كثيرة تدور حول الخطوة الخليجية الجديدة ومدى فعاليتها ونجاحها في الداخل والخارج. فهل يشكل السعي إلى ضم الأردن والمغرب إلى هذه المنظومة رافداً إضافياً يعزز أمن دول الخليج واستقرارها كما يشير جورج سمعان؟ أم أنه توجه مرحلي سيكون مآله مآل «إعلان دمشق» إثر تحرير الكويت؟ يومها ضم «الاعلان» إلى دول الخليج كلاً من مصر وسورية، لكنه لم يعمر ولم يترك أثراً يذكر، بعدما كاد أن يتحول الى عبء على الدول الست. هل تنتفي الحاجة إلى توسيع المجلس إذا هدأت ثورات الجمهوريات العربية و«الثورة الإيرانية»؟!

الأربعاء، 11 مايو 2011

الأنظمة العربية.. حرية الحصول على العنب في مواجهة بندقية الناطور؟!

لاربعاء ١١ مايو ٢٠١١
جريدة الشرق

استمرار الرئيس سيحول اليمن إلى دول صومالية متناحرة
ضرورة الاستجابة للمطالب الشعبية في سوريا
الخيار العسكري للتعامل مع الأزمة يفقد الشرعية عن أي نظام

سأل المدرس الطالب: الثعلب يلد أم يبيض؟ قال الطالب: الثعلب مكار توقع منه أي شي؟! هذه النكتة السمجة تنطبق على تصرفات رئيس المراوغات العربية علي عبد الله صالح الذي وافق على التنحي أمس ويرفض اليوم ليوافق غدا ويرفض بعد غد وهكذا دواليك.. في محاولة مستميتة لقتل الوقت وزرع الملل والضجر والقهر واليأس من التغيير السلمي في نفوس الملايين الذين يفترشون شوارع العاصمة اليمنية وضواحيها، مطالبين برحيل نظامه بطريقة حضارية إلى الآن، في رفض كامل لاستخدام العنف واللجوء إلى خيار المواجهة المسلحة، وخصوصا أن الأسلحة تباع في الدكاكين والمحلات التجارية وموجودة في كل بيت يمني، وهو ما يذكرنا بأصالة الحكمة اليمنية التي لم تمت رغم كل المحاولات لضربها واستئصالها وطعنها خلال العقود الثلاثة الماضية من قبل النظام المنتهية صلاحيته؟! نظام علي صالح استطاع ـ وبجدارة ـ أن يحرق جميع الأوراق التي يستطيع أن يلعب بها في الساحة، ولم يَسْلَمِ الأشقاء والأصدقاء في الداخل والخارج من النيران التي يطلقها نظام صالح في تصريحاته النارية العشوائية التي مازالت مستمرة، من التضحية بالموالين، واستخدام القيادات اليمنية وزعماء القبائل ورجال الدين، إلى ضرب المبادرة الخليجية، والهجوم على قطر التي اتهمها بالمحاولة لإسقاط نظامه، واللجوء إلى المماطلة والتسويف من خلال الحديث حول التفاصيل والضمانات لتعطيل التوقيع وإنهاء الأزمة؟!
المشهد السياسي المطالِب برحيل الرئيس ونظامه وحَّد اليمنيين من الشمال إلى الجنوب، في زخم جماهيري وصدى إعلامي والتفاف شعبي منقطع النظير، ولن يتوقف إلا بعد تحقيق المطالب المشروعة التي ترفعها اليوم مسيرات مليونية من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال.. إن لعبة المتاجرة بالمواقف لم تعد تفضي إلى شيء.. والوضع يزداد تعقيداً وتأزماً، وقد يُقبِل على انفجار لا يعرف مداه واتساعه. والاستمرار في العناد والمكابرة من قبل النظام قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية تتحول فيها اليمن إلى دول صومالية متناحرة. وبدت البوادر في التصريحات الهجومية الأخيرة لصالح في قوله: إن المشروع الذي تتبناه المعارضة اليمنية هو "مشروع الإرهاب". ووصف المعارضين بأنهم "نفر من الخارجين على القانون، الذين يقتلون النفس المحرمة، وهم متخلفون، وقطاع طرق!!". خبراء اقتصاديون حذروا من انهيار متوقع للاقتصاد اليمني في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، وتوقعات تقرير معهد التمويل الدولي للنمو في العالم العربي تشير إلى أن اقتصاد اليمن سيكون الأكثر انكماشا في المنطقة العربية بنسبة 4 % مقارنة بالانكماش في الاقتصاد السوري بنسبة 3 % وفي مصر بنسبة 2،5 % وفي تونس بنسبة 1،5 %. وعلى الرغم من أن الشعب اليمني يتحلى بالحكمة في هذه الأزمة فإن الرئيس ونظامه على نقيض من ذلك، وهو ليس له خيار إلا أن يرحل بكرامة ونهاية مشرفة، ويبين أنه حريص على أمن اليمن ومستقبله واستقراره أو يزج البلاد في طريق العنف والدماء والموجة المسلحة كما يحصل من النظام الليبي المحاصر دولياً، والمطالَب بملاحق رئيسه وأتباعه ومحاكمتهم دوليا كزعماء حرب، والمجمدة أصولهم وأموالهم في البنوك العالمية. فدرءاً للدماء اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻟﺖ.. وشلالات الدماء اﻟﺘﻲ قد ﺗﺴﻴﻞ.. نطالبك اليوم بأن ترحل يا صالح فاليمن يستحق مستقبلاً أفضل بدونك.
سوريا ونقطة اللاعودة
يوماً بعد آخر تتصاعد موجة انتفاضة الشعب السوري ضد النظام في حمص وحلب ودمشق بعد درعا، ويزداد عدد الضحايا من المدنيين ورجال الجيش، فالنظام اختار المواجهة بالسلاح والقوة لتبديد المظاهرات، والخيار العسكري للتعامل مع الأزمة، وهو ما يفقد الشرعية عن أي نظام وقد يؤدي إلى الانتحار السياسي. جماعات حقوق الإنسان تشير إلى أن قوات الأمن قتلت بالرصاص 560 مدنياً على الأقل في هجمات على المحتجين، ولا يزال المئات مفقودين، ويخشى أن يكون كثيرون منهم قد قتلوا، كما ألقي القبض على الآلاف لينضموا إلى آلاف السجناء السياسيين. تقرير صحيفة "ذي غارديان" أشارت إلى أن الوضع في سورية يتماهى مع الحالة في مصر وتونس، حيث ظلت عوامل الغضب تتفاعل لسنوات بسبب البطالة والفساد والمحسوبية والقمع السياسي على أيدي قوات الأمن، التي لا تخضع للمساءلة، وارتفعت الأسعار خلال السنوات الثلاث الفائتة لتزيد من الصعوبات الاقتصادية، في ذات الوقت الذي كان جيل الشباب الواعد يشاهد الحياة خارج حدوده عبر شاشات التلفزيون والانترنت. وذكر التقرير أن سوريا دولة تضم أكثر من 20 مليون نسمة. وقد تكون فيها أعداد من الموالين للأسد مساوية لما فيها من المحتجين، وبقدرها، والذين يؤيدون الرئيس إما لما يكنونه له من إعجاب حقيقي أو خشية من البديل. وفي خضم الجمود بين المتظاهرين والحكومة، فان ما ستحمله الأيام سيعتمد على الغالبية الصامتة الكبيرة، بما فيها رجال الأعمال ورجال الدين من السنة. ويكاد الكل يُجمع على التطلعات ذاتها في الحياة بكرامة، ومن دون كبت وبأن تكون لديهم سيطرة أوسع على شؤون حياتهم ودولتهم. من جانبها حذرت صحيفة (الواشنطن بوست) من ان عملية تغيير النظام في سوريا قد تبدو أقرب إلى النموذج العراقي منها إلى النموذج المصري"، إذ إن الجيش السوري موالٍ للنظام، أي إن "سقوط النظام يعني انقسام الجيش، مما يمهد لانفجار داخلي على الطراز العراقي، حيث تسعى الغالبية للانتقام من الأقلية، بينما تسعى القوى الإقليمية لحماية مصالحها. وانهيار النظام سيشعل حرباً أهلية تنتشر في أرجاء المنطقة"، بما في ذلك لبنان والعراق والسعودية وأبعد، وهو سيناريو يوم القيامة بالنسبة للشرق الأوسط برمته. ويرى جوشوا لانديز المحاضر في جامعة اوكلاهامو ان سورية هي ميدان الصراع في المنطقة، فمن ناحية تقدم نفسها على أنها مركز العروبة والوحدة العربية والعلمانية، ومن ناحية أخرى تعتبر دولة مفككة تحكمها أقلية دينية.
هل هناك مخرج مشرف قبل فوات الأوان؟، الجميع يريد الخير لسوريا ويريدها أن تعود قوية حرة مستقلة، لكي تمارس دورها القيادي في العالم العربي، لذا على النظام السوري أن يفتح الأبواب الموصدة لأكثر من خمسة عقود من حكم حزب البعث بالقبضة الحديدية، وإطلاق مسيرة الإصلاح والتغيير في العملية السياسية، والدخول في حوار حقيقي لتلبية المطالب الوطنية الشعبية، يجب وقف إطلاق النار على المتظاهرين والسماح بالتظاهر السلمي، وخلع جميع صور الرئيس وأبيه في الشوارع، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي، وفتح قنوات التواصل والتعبير، والسماح بالتعددية الحزبية، وتنظيم انتخابات حرة وديمقراطية بعد ستة أشهر!! من الحكايات الطريفة التي يتم تناولها في البريد الالكتروني أن المارة اكتشفوا وجود حفرة في أحد شوارع دمشق تكونت بعد هطول المطر، فقاموا بكتابة شكوى للجهات المعنية مطالبين بردم الحفرة أو وضع لوحة إرشادية، ولكن المسؤولين قاموا بإرسال ممرضة وسيارة إسعاف؟!، وحين تفاقمت الأزمة اشتكى الأهالي إلى فرع حزب البعث في دائرتهم، فتم تحويل القضية إلى حزب البعث الحاكم، وبعد مرور أعوام من الأخذ والرد قررت الحكومة بناء مستشفى يحمل اسم ابن الرئيس الراحل إلى جوار الحفرة، وعندما لم يفلح هذا الحل في امتصاص غضب الأهالي، قرر حزب البعث حفر الشارع بكاملة وهدم كل ما حوله! إن حقيقة الصراع في العالم العربي الذي تحكمه أنظمة شمولية تتمثل في الحرية للحصول على العنب، في مواجهة ناطور يحمل بندقية ويعتقد أنه يملك البستان والأرض والماء والهواء؟!

الأربعاء، 4 مايو 2011

الخليج.. الشعب يريد تطبيق "الكونفدرالية"؟!

4-5-2011
جريدة الشرق

هل الاتحاد أمنية قلبية أم واقع تفرضه التحديات؟
مجلس التعاون لم يرق إلى الطموحات والتطلعات الخليجية
معظم التجارب الوحدوية فشلت في العالم العربي؟!

من الخارج تبدو الأصوات توحدت في معظم الصحف ووسائل الإعلام الخليجية التي تطالب أغلبها هذه الأيام إلى تطبيق الكونفدرالية (Confederation) بين دول مجلس التعاون. الحل الكونفدرالي فرضته الأوضاع الجديدة التي تعصف في المنطقة العربية وتغيير من أوضاعها الجيوسياسية الجيوستراتيجية والجيوقتصادية الحالية والمستقبلية، بالإضافة إلى مواجهة مخاطر الأطماع الخارجية المتزايدة نحو التدخل في شؤون بعض الدول الخليجية والتصدي للتهديدات المختلفة لأمنها وسيادتها واستقلالها وهو ما بدا واضحا في ساحة الأحداث البحرينية الأخيرة، والكشف عن الشبكات التجسسية والتخريبية النائمة في الكويت، ومواصلة فرض الأمر الواقع في وضع اليد واحتلال الجزر الإماراتية ورفض اللجوء إلى التحكيم الدولي. الاقتراحات التي يتم تداولها تتباين بين رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات، وفيها يتم توحيد السياسات الأمنية والدفاعية والخارجية، بحيث تكون هناك وزارة واحدة للخارجية تتولى تنظيم علاقات مجلس التعاون بالدول الأخرى وتمثل كل دول المجلس لدى الدول الأخرى بسفارة واحدة، كما سيعهد إلى أجهزة الاختصاص إصدار جوازات سفر موحدة لمواطني الخليج. بالإضافة لتوجه لتحويل قوات "درع الجزيرة" إلى قوة تدخل سريع مع تعزيزها وتطوير قدراتها التسليحية والقتالية والتعبوية لتصبح قوة عسكرية ضاربة أكثر قدرة على ردع التهديدات الإقليمية وإحباط أي مؤامرات أو خطط لإثارة الفتن والقلاقل في أي من البلدان الستة. وتوحيد التدريبات القتالية مع إجراء مناورة عسكرية كبرى وموسعة تضم كل القوات البرية والبحرية والجوية وتشارك فيها مختلف القطاعات العسكرية على أن تقام سنويا في إحدى دول مجلس التعاون بالتناوب كما ذكرت صحيفة "السياسة" الكويتية.
لكن رغم المطالب الشعبية بممارسة دور اكبر لدول مجلس التعاون في خضم عواصف الثورات العربية، إلا أن تصريحات كبار المسئولين تشير أن الأمر غير مطروح على طاولة البحث، وهو أمنية قلبية وليس واقعا يفرض نفسه. وهناك من يقلل من حجم الفكرة وتأثيرها، فالدور الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي هو أشبه ما يكون بالاتحاد الكونفدرالي بل هو تجاوز حتى صلاحيات الكونفدرالية كما حصل في أحداث البحرين باستخدام قوته الدفاعية في التدخل لحفظ الأمن الداخلي لإحدى دوله في ممارسة أقرب لممارسات فدرالية متحدة؟! وخلال الثلاثين سنة الماضية من تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي مازالت التحديات الرئيسية تطرح نفسها دون وجود قرارات مصيرية حقيقية من الناحية السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، واختلاف المواقف نحو القضايا الإقليمية والعربية والدولية، والخوف على انتقاص السيادة الوطنية والمشاركة في صناعة القرارات وتقديم التنازلات السياسية، وقناعة بعض دول الخليج في الانفراد في التحركات الداخلية والخارجية وانكماش دول أخرى داخل منظومتها الوطنية دون انفتاح على العالم الخارجي، بالإضافة إلى عرقلة تنفيذ عملية التكامل الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل للمنظومة الاقتصادية لكل دولة خليجية وتعطل ظهور العملة الخليجية المشتركة نتيجة مصالح خاصة لبعض الدول. والنزاعات الحدودية البرية والبحرية التي مازالت قائمة حتى بعد العقود الطويلة من استقلال كل دولة بحدودها وهو ما يعطل إنشاء جسر يربط بين دولة خليجية وشقيقتها.
لقد فشلت كل المحاولات التي فرضت من فوق قمة الهرم في توحيد الدول الأوروبية منذ الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية شارلمان الفرنكية والإمبراطورية الرومانية المقدسة رغم أنها استمرت لمئات السنين، إلى سيطرة نابليون في القرن التاسع عشر، ووصولا إلى أربعينيات القرن العشرين تحت مدافع النازية ألمانية. الوحدة وان تم الترويج لها من قبل النخب السياسية والثقافية لم يكن لها إلا وجود لفترات تاريخية قصيرة وانتقالية ثم تلاشت واختفت وغالبا ما يلعنها التاريخ. إلا أن جاء الإيمان "عملا ونية" بدور الإنسان الحر في عملية الاختيار، وحرية الشعوب في تقرير المصير. لقد تم إحياء الروح الجديدة في الوحدة عن طريق الاستحقاقات الإنسانية لبناء اتحاد ديمقراطي حضاري، وتم الإجماع على الشروط الذهبية في تفعيل مبدأ الوحدة الأوروبية في منظومة الاتحاد الأوروبي ودستور غير مكتوب يسمح بالتنوع والتناغم، فسياسيا: على الدولة المترشحة للعضوية أن تتمتع بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية وعلى دولة القانون أن تحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. واقتصاديا: وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الإتحاد. وتشريعيا: يجب على الدولة المترشحة للعضوية أن تقوم بتعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية التي تم وضعها وتبنيها منذ تأسيس الإتحاد. ورغم كل ذلك هناك مخاوف من أن تصبح أوروبا مقسمة، ويتحول الاتحاد إلى قيادة تقتصر على الألمان والفرنسيين وغياب الدول الأخرى في المنظومة، وتلاشي الشرعية الديمقراطية على المدى الطويل الأمر الذي قد يؤدي في النهاية لتحول الاتحاد إلى مجرد اتفاق تجارة حرة، بالإضافة إلى عدم وجود نماذج أوروبية يتبادل فيها الناس اللغة والثقافة والاهتمامات ويعطون شرعية لاتحاد أوروبي ديمقراطي.
اشعر أن دول الخليج تتهرب من الاستحقاقات التي تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة في العالم العربي في مواجهة التحديات والدخول في عملية التغيير قبل أن يفرض عليها وهي كلها مسألة وقت لا أكثر؟! وبدل من الانفتاح وإطلاق العملية السياسية لكل دولة، وتفعيل الخيارات الديمقراطية وإنشاء البرلمانات المنتخبة أو الغائبة منها في أكثر الدول أو المعطلة والمحاربة في دول أخرى، وتعزيز دور المشاركة الشعبية ودور المؤسسات والمجتمع المدني، وضمان دولة القانون واحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، ووجود نظام اقتصادي عالمي قادر على التعامل مع المنافسة الموجودة، يتم الحديث عن أمنيات يتم من خلالها توظيف عامل الخوف والهواجس من الآخر في الداخل والخارج، لكي تطرح على الأجندة السياسية والإعلامية، علا وعسى أن يتم تناولها في يوم ما على طاولة متخذي القرار في كل دولة حتى لو تم معها حرق جميع المراحل واستحقاقاتها! الجانب الذي يغفل في خضم حفلات الزار السياسية والإعلامية أن جل التجارب الوحدوية فشلت في العالم العربي لان الإنسان في هذه الدول ليس له حرية اختيار مصيرية ومناقشة حاضره وتحديد مستقبله؟!

الأحد، 1 مايو 2011

المرأة اليابانية ... السعي إلى ممارسة دور اكبر في المجتمع

01/05/2011
العالم بعيون يابانية (9)
جريدة الشرق

حملت مشارف نهاية السنة الماضية أخبار سعيدة عن المرأة اليابانية، فلقد ذكر مسح أجرته وزارة الشئون الداخلية والاتصالات اليابانية أن معدل دخل المرأة الواحدة التي يقل عمرها عن 30 عاماً ناهز 218156 يناً، أي ما يعادل 2680 دولاراً أمريكياً شهرياً في 2009 ليتجاوز دخل نظرائهن الرجال الذي يبلغ 215515 يناً (2640 دولاراً) لأول مرة. وذلك يعود إلى أن النساء في اليابان انخرطن بصورة أكبر في وظائف بمجالي الطب والتمريض التي زادت مع زيادة أعمار اليابانيين، بالإضافة إلى هذا فإن اليابانيات الأصغر ربما في النهاية يبدأن جني ثمار ما بدأه من سبقوهن من الكبار في الوظائف المكتبية مثل المالية. لقد أصبحت النساء مشهداً مألوفاً في المصانع وورش البناء ووراء مقود سيارة الأجرة. غير أنهن كن أقل حظا في الوصول إلى مناصب السلطة، التي مازالت حكراً على الموظفين الرجال أصحاب السترات الرمادية. فحسب منظمة العمل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، لم تكن النساء اليابانيات في 1985 يشغلن سوى 6,6 في المائة من مهن التسيير والإدارة في الشركات والإدارات الحكومية اليابانية. وبحلول ،2005 ارتفع هذا الرقم إلى(10,1) في المائة فقط رغم أن نساء اليابان العاملات اللاتي يبلغ عددهن 27 مليون امرأة يشكلن نحو نصف القوة العاملة في البلاد.

تعتبر اليابان ونسائها من أكثر المجتمعات تطوراً، وتتمتع نسائها ببشرة جميلة وعمر طويل بحسب تقرير سابق لوزارة الصحة اليابانية الذي يؤكد أن اليابانيات يزيد متوسط أعمارهن على 85 عاماً بالمقارنة ببقية نساء العالم ، وذلك يرجع إلى انخفاض نسبة انتشار بعض الأمراض كالسرطان والأزمات القلبية. وتعد المرأة اليابانية من أكثر النساء تمتعاً بالشباب الدائم وقلما يتعرضن لأعراض سن اليأس، نظراً لاعتماد علي غذاء الشعب الياباني على الكثير من حبوب الصويا (Soya Beans) ومشتقاتها . المجتمع الياباني كما تنقل ليلى البلوشي عن كتاب " اليابانيون " تأليف أدوين رايشاور، هو" مجتمع أمومي "، يتميز بقيادة الأم للعائلة في طبقات المجتمع الدنيا ، وكانت " الشمس الإله " هي السلف الأسطوري للسلالة الإمبراطورية ، حيث كانت زعامة الإناث شائعة في القرن الثالث الميلادي ، وكانت هناك إمبراطورات تولين الحكم في القرن الثامن الميلادي ، وكن النسوة يرثن الممتلكات ويؤدين دورا هاما في النظام الإقطاعي .. وهنا انبثق تأثير الفلسفة الكونفوشيوسية للحد من حرية النساء لكون المرأة بعد تخطيها مرحلة التدريب ليس لها القدرة على حمل السيوف كقدرة الرجل ، ولعل هذا الحد هو الذي جعل المرأة اليابانية تستعيض عن تقلص مكانتها في المجتمع إلى دورها المهم في البيت الياباني ، هو ما جعل اليابان مجتمعا أموميا بامتياز _ وهو النظام الذي ينسب فيه الأبناء لأمهاتهم – وعليه فإن المرأة هي التي تتولى كافة شؤون البيت ، فالرجل يضع راتبه كله في يد الزوجة ، وهي التي تقضي كل حاجيات البيت وتشتري السيارة وتعطي الرجل مصروفه ، ونرى كيف أن تأثيرات هذا النظام الغريب الذي قل من شأن الرجل في المجتمع الياباني ، فالرجل أي الأب رغم أنه هو الذي ينفق على الأسرة فإنه في الواقع أقرب ما يكون إلى الرمز ، لا نفوذ له في شؤون الأسرة ، والأم هي التي تدير ميزانية الأسرة بصورة قاطعة ، والأم هي التي تعنى بشؤون الأطفال وتنشئتهم تنشئة صالحة ، والجدير بالذكر أن المرأة اليابانية المتزوجة حين تكون عاملة ، إن رزقت بطفل فإنها تستقيل من وظيفتها ؛ كي تتفرغ كليا لتربية الطفل وحين يبلغ سن المدرسة ، فإنها تعود لعملها مرة أخرى و قد لا تجد أما تعتني بتربية أبناءها مثل الأم اليابانية ؛ فهي ومنذ فترة رضاعة طفلها ، تبدأ بسرد القصص والأحاديث التي تنمي لدى طفلها الأخلاق الفاضلة ، وتغرس فيه حب الوطن والخير، وعشق البطولة ، وتمجيد الآخرين ومن هم أكبر سنا. وفي السنوات الحالية نرى كيف أن المرأة اليابانية استطاعت أن تخوض عدة تحديات ، وغدت إلى جنب الرجل تمارس دورها في داخل وخارج المجتمع الياباني الذي ينحو في اتجاه تطوري نحو اكتساب قيم ومفاهيم عدة من الآخرين ، فقد أعطى القانون الياباني المدني في عام 1946م المرأة وضعاً مساوياً للرجل في كل مظاهر الحياة على عدة أصعدة ، ولعل من أهمها منح المرأة حق الانتخاب في البرلمان والمجالس المحلية ،وتخصيص مقاعد لهن في مجلس النواب ، ومنهن من ترأس المجالس البلدية والقروية ، وفقاً لمبدأ المساواة بين الجنسين.
اليابانيات اليوم مشغولات كثيرا بإعمالهن وتعليمهن لدرجة أن معدلات زواجهن انخفضت، كما أن سن الزواج لديهن ارتفع ليصل في المتوسط الى الثلاثينات من العمر، لكن حتى اذا تزوجت اليابانيات، فان الكثير منهن يتزوجن من رجال اصغر سنا، والكثير منهن ايضا يفضلن الزواج من رجال أوروبيين او أميركيين.ولهذا انخفضت معدلات الخصوبة في اليابان، وترتب عليها ارتفاع عدد الكلاب على عدد الأطفال في بلد بدا يشيخ ويشعر بالقلق من جراء هذا. كما أشارت بعض استطلاعات الرأي أن معظم النساء اليابانيات العازبات يفضلن عدم الزواج ويعتقدن أن بوسعهن العيش سعيدات بمفردهن بقية حياتهن .وبينت أن نحو سبع من بين كل عشر نساء عازبات يابانيات، وإنهن يفضلن البقاء بلا زواج. رغم محاولات الحكومة اليابانية وقف تراجع معدل المواليد والحفاظ على عدد السكان من الانكماش. إذ تراجعت نسبة الخصوبة في اليابان أو متوسط عدد الأطفال إلى 29.1 عام 2003 ، وهو أدنى معدل خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وطبقا لسوميكو اواو مؤلفة كتاب المرأة اليابانية فان العديد من النساء اليابانيات اليوم لم يعدن ينظرن للزواج باعتباره هدفا مهما. وتشير إلى أنهن لا ينوين البقاء عازبات، إلا أنهن لم يلتقين بنوعية الشخص الذي يردن الزواج منه. ولا يشعرن بالرغبة الحادة في التحول إلى ربة بيت.إذا ما عثرت على زوج جيد فهذا أمر لطيف، وإذا لم تعثر على مثل هذا الزواج فالأمر لطيف أيضا.
كما يبدو أن المرأة اليابانية لا تعدّ أحسن حالاً من المرأة العربية وحتى الغربية التي تتعرض للعنف بصورة كبيرة خلال حياتها الزوجية والأسرية. حيث كشفت دراسة حكومية أجريت مؤخراً في اليابان، أن ثلث الزوجات اليابانيات يتعرضن لعنف جسدي أو كلامي من قبل أزواجهن وهي نسبة لم تتغير منذ الدراسة الأخيرة في 2005. وتقول 13% من النساء: إنهن ضحايا عنف ويخشين على حياتهن بحسب الدراسة التي أعدت من خلال استمارات وزعت على آلاف النساء أعطت 1675 منهن أجوبة صالحة. وبين الضحايا أعلنت 42% أنهن يفكرن في الطلاق لكنهن غيرن رأيهن أملاً منهن في توقف أعمال العنف أو لأنهن غير قادرات على إعالة أنفسهن؟!
صورة المرأة اليابانية اختلفت بالتأكيد إلا أنها تشهد صراعا داخليا في المجتمع الياباني نفسه، بين تلك الفتاة التي تشبه الجيشا (Geisha) المرأة التي كانت تهـــــــب روحها للفـــــــــن مجسدة ذروة الجمال الياباني ، ورمز الأنوثة والحب المستحيل ومنبع جمالها عذريتها وحديثها الجميل واهتمامها ببعض الفنون التقليدية على غرار الرقص، الغناء والموسيقى وصنع الشاي التقليدي وتنسيق الزهور والكتابة بخط جميل ومعرفة تدليك الجسم وارتداء الكيمونو، إلى المرأة المتزوجة وألام التي تتحكم في مصير الأسرة والجيل الجديد، إلى المرأة العاملة العصرية التي تتميز بالثقافة و التعليم العالي وتحصل على المرتبات العالية التي تفوق قرائنها من الرجال وتطالب بلعب دور اكبر في المجتمع