الأحد، 30 يناير 2011

اليابان بعيون عربية (2)

من العزلة إلى الانفتاح.. ومن الهزيمة والانكسار إلى النهوض والتقدم
جريدة الشرق

2011-01-30

لم نذق طعم راحة من اليوم الأول فلقد بدا نهارنا بعرض فلم وثائقي لمدة 45 دقيقة شامل عن اليابان يستعرض بالمعلومات والأرقام التاريخ القديم والحديث، والجغرافية الطبيعية والسياسية، والبيئة، والاقتصاد، وعادات وتقاليد والأعراف والمعتقدات، وطباع الإنسان في بلاد الشمس المشرقة. بعدها تم أخذنا في جولة سياحية ثقافية لتعرف على المدن اليابانية، ليس بواسطة السيارة أو الباص السياحي بل عن طريق برنامج كمبيوتر ثلاثي الأبعاد (3D Virtual Tourism) ويالها من رحلة ثقافية تعليمية مدهشة؟! التطرق إلى المعلومات التاريخية الموجزة التي سنتناولها في الحديث في هذه السطور يجيرنا إلى النهل من الموسوعات العالمية. حيث تذكر الموسوعة العالمية ويكيبيديا (wikipedia) انه يعيش في اليابان حوالي 126,472,000، مما يجعلها سابعة أكبر دولة في العالم من حيث حجم السكان. وفي خلال الفترة من 1870-1970م تضاعف سكان اليابان أكثر من ثلاث مرات. وتزايد عددهم من 30 مليونًا إلى ما يزيد على 100 ميلون نسمة. ومنذ عام 1970م، أدى انخفاض معدل المواليد إلى خفض معدل النمو السكاني الذي يبلغ الآن أقل من 0,5% سنويًا. ويعيش حوالي 90% من السكان في السهول الساحلية التي تشغل 20% من مساحة اليابان. ويزدحم ملايين اليابانيين في طوكيو العاصمة التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين وثلث المليون نسمة. ويعيش في كل من يوكوهاما وأوساكا وناغويا أكثر من مليوني نسمة. وهناك سبع مدن أخرى يتجاوز سكانها المليون نسمة.
ينحدر اليابانيين من شعوب عدة هاجرت إلى جزر اليابان من مناطق مختلفة من آسيا. فمعظمهم جاء عبر موجات من شمال شرقي البر الآسيوي عبر شبه الجزيرة الكورية. والآخر جاء من جزر تقع جنوبي اليابان. اليابانية هي اللغة الرسمية، ويتم التحدث بها بعدة لهجات محلية، تختلف كثيرًا بعضها عن بعض في لفظها. وتمثل لهجة سكان طوكيو الشكل الرسمي للتحدث باليابانية، فجميع اليابانيين تقريبًا يفهمونها، لذا فهي تستخدم في المدارس وفي الإذاعة والتلفاز. كما يجيد الكثير من اليابانيين اللغة الإنجليزية، إذ إن بعض الكلمات اليابانية مأخوذة من الأصل الإنجليزي. تعتبر كتابة اللغة اليابانية من أصعب أنظمة الكتابة في العالم، حيث إن كل حرف يمثل رمزًا. كما أن المدارس اليابانية تُعلم التلاميذ كتابة اليابانية بحروف رومانية.
وتنتشر في اليابان الديانة البوذية (يعتنقها حوالي 75%)، وديانة الشنتو وهي أقدم الديانات التي تعني طريق الآلهة. ويعبد أتباعها عدة آلهة تدعى (كامي) وتوجد في الجبال والأنهار والصخور والأشجار وغيرها من عناصر الطبيعة. في عام 1868م، وضعت الحكومة اليابانية ديانة رسمية أسمتها شنتو الدولة، وهي تؤكد الوطنية وتقديس الإمبراطور كإله. وقد تم إلغاء هذه الديانة رسميًا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. يعلن الأكثرية من اليابانيين أنهم لا يتبعون أي ديانة معينة. العديد من الفئات، و خاصة الشباب تعتقد أنه يجب إبعاد الديانات و المعتقدات عن الإيحاءات التاريخية. يرجع هذا الحذر إلى الدور الذي لعبته الديانة التقليدية للبلاد لعقيدة (الشنتو) في تجنيد الشعب أثناء الحرب العالمية الثانية باسم الدين لمحاربة الآخرين. و رغم ذلك تبقى تعاليم الشنتو و البوذية، مرسخة في كل جانب من جوانب الحياة اليابانية اليومية.
تاريخ اليابان كما تشير موسوعة المعرفة يبدأ منذ القرن الخامس بعد الميلاد للميلاد، عندما شرع اليابانيون في استعمال نظام الكتابة (المدونات)، و حسب هذه المدونات فإن "جينمو" ليس إلا سليلاً لآلهة الشمس "أماتيراسو أو مي-كامي" (天照大神). كما تمضى المدونتان بعدها في سرد وقائع و أحداث التاريخ السياسي للبلاد، كقصة قيام البلاد كوحدة مستقلة و غيرها. ولقد تأثرت اليابان القديمة بدرجة كبيرة بالحضارة الصينية إلا أنها في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وهي بدايات شرارة ثورة التنوير الغربي، بدأت بالانفتاح على العالم والقيام بعلاقات تجارية مع عدد من البلدان الأوروبية، وقد وصل البلاد تُجّار من البرتغال وهولندا وإنجلترا وإسبانيا, كما بدأ نشاط الدعاة المسيحيّون في نفس الفترة. أثناء النصف الأوّل من القرن السّابع عشر، وارتاب حكام اليابان( الشوغونات) من هؤلاء الدعاة فنظروا إليهم على أنهم طلائع لغزو عسكريّ أوربّيّ، فتم قطعّ كلّ العلاقات مع العالم الخارجيّ (ودخلوا في عزلة طويلة). واستمرت هذه العزلة إلى سنة 1853م حينما جاء القائد البحري ماثيو بيري بسفنه الحربية إلى خليج طوكيو. وأدّى استعراض القوة هذا إلى فتح اليابان لاثنين من موانئها سنة 1854م في وجه التجارة الأمريكية.
وعبر الاتصال والانفتاح المتجدّد على الغرب تغيير المجتمع اليابانيّ جذرياً وبدأت الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع وصول الإمبراطور "ميجي" (The Meiji) حيث تم إلغاء النظام الإقطاعي القديم، وتبني العديد من مظاهر المؤسسات الغربيّة، كنظامي القانون و نظام الحكم، قامت الحكومة الجديدة بأولى الإصلاحات في المجال الاقتصادي. إلا أن الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعيّة و العسكريّة اليابان حولتها إلى قوّة عظمى وحاولت التوسع فاصطدمت مع جيرانها المباشرين في الحرب اليابانيّة-الصينيّة ثم الحرب الروسية-اليابانية، استولت اليابان بعدها على تايوان، ساخالين، وجزر كوريل، وأخيرا كوريا في عام 1910.
واخذ نفوذ اليابان يتزايد في بدايات القرن العشرين عن طريق التوسّعّ العسكريّ، و قيام الحرب اليابانيّة-الصّينيّة الثانية (1937-1945 م) . شعر الزّعماء اليابانيّون بوجوب مهاجمة القاعدة البحريّة الأمريكيّة في بيرل هاربور سنة 1941 م لضمان السّيادة اليابانيّة على المحيط الهادئ. إلا أنه و بعد دخول الـولايات المتّحدة في الحرب العالميّة الثّانية بدا أن التّوازن في المحيط الهادئ أخذ يميل ضدّ مصلحة اليابانيّن. بعد حملات طويلة في المحيط الهادئ، خسرت اليابان أوكيناوا في جزر ريوكيو و تراجعت حدودها الإمبراطورية حتى الجزر الأربعة الرّئيسيّة. وقامت الولايات المتحدة بشن حملة من القصف الجوي على طوكيو، أوساكا, و المدن الأخرى، سميت الخطة باسم الـقصف الاستراتيجي، تم فيها قصف هيروشيما و ناغاساكي بالقنبلة الذرية لأول مرة. استسلمت اليابان أخيرا ووقعت المعاهدة النهائية في 15 أغسطس 1945 م.
بقيت اليابان بعد الحرب تحت الاحتلال الأميركي وحتى 1952 م. بدأت بعدها فترة نقاهة اقتصادية استعادت البلاد فيها عافيتها و عم الرخاء الأرخبيل الياباني. بقيت جزيرة ريوكو تحت السيطرة الأمريكية حتى 1972 م. ولا زالت تحتفظ ببعض من قواتها في البلاد حتى اليوم. مع نهاية الحرب العالمية الثانية قام الإتحاد السوفياتي بالاستيلاء على جزر الكوريل، و إلى اليوم، ترفض روسيا إعادتها إلى اليابان.
تركت تلك الحرب اليابان مهزومة شر هزيمة؛ فالكثير من المدن اليابانية تحولت إلى أنقاض، والصناعات اليابانية تحطمت، واحتلت قوات الحلفاء اليابان. غير أن مهارة الإنسان الياباني عملت بشكل دؤوب للتغلب على آثار الحرب. واستطاع الاقتصاد الياباني أن يحقق تقدمًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، فمع منتصف الخمسينيات، عاد الإنتاج الصناعي إلى مستواه قبيل الحرب، وأثناء الفترة من 1960 إلى1970م، كان الإنتاج الاقتصادي ينمو بمعدل 10% سنويًا. ويعود الفضل في هذا النجاح السريع إلى عدة أسباب منها: استيراد اليابان للتقنية الغربية بأسعار رخيصة نسبيًا، والاستثمار الكبير في الآلات والمعدات، وتركيز اليابانيين على إنتاج سلع للسوق العالمية، وتمتع اليابان بقوى عاملة مدربة بشكل جيد، وتعمل بجدية متناهية. علاوة على ذلك، فقد نمت التجارة الدولية بشكل متسارع بعد الحرب مما مكن اليابان من استيراد الخامات التي تحتاجها، وتصدير السلع الصناعية المتنوعة. كما ارتفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان بعد الحرب، فزاد استهلاكهم من الأجهزة الكهربائية.
مع نهاية الستينيات من القرن العشرين الميلادي، أصبحت اليابان قوة صناعية عظمى. وغدت تتمتع بأعلى معدل نمو اقتصادي بين الدول الصناعية الرئيسية في العالم. وقد لفت النجاح الاقتصادي الياباني أنظار العالم إليه. فخلال ما يزيد على قرن من الزمن، واليابان تتعلم من الغرب الأفكار والتكنولوجيا. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، أصبحت الدول الأوروبية تطمح في أن تتعلم من اليابان لتحسين اقتصادياتها. وبالرغم من النجاح الاقتصادي، إلا أن اليابان تعاني من بعض المشكلات منها: النقص الكبير بالمساكن، وتلوث البيئة الحضرية. كما يضغط الحلفاء الغربيون على اليابان لتزيد من إنفاقها العسكري، ولتؤدي دورًا أكبر في الترتيبات الأمنية في المنطقة. يستند الازدهار الاقتصادي لليابان على تصدير السلع المصنعة مقابل استيراد الخامات. ومنذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وشركاء اليابان ينتقدون سياستها التجارية، لما تلحقه من أضرار باقتصادياتهم. ولتحسين علاقاتها التجارية بهم، وافقت اليابان عام 1981م على الحد من صادراتها من السيارات لكل من كندا، والولايات المتحدة وألمانيا، وخفضت من بعض قيودها على الواردات. وفي سبتمبر 1992م، أرسلت اليابان وحدات من قواتها لتنضم لبعثة الأمم المتحدة التي عملت على حفظ السلام في كمبوديا.

الأربعاء، 26 يناير 2011

Tunisia: A model for other Arab countries

The Peninsula Newspaper
Wednesday, 26 January 2011 02:40

Like most, I could not believe my eyes when I saw the signs on the screen of the BBC World news channel, held by marching demonstrators in the streets demanding freedom, justice, and democracy, with raised pictures of Che Guevara. I thought it might be a Latin American country, however, when I looked more carefully I saw that the slogans were in English, French, and the most notable were in classical Arabic. I realized then that the clock was ticking in Tunisia, ringing in the date of change in the region.

The question is: why did the people wait all of these long, dark decades? And how much time will it take for others to follow suit? How many more innocent people, will we lose? And who will hold the keys to power – will it be those in a military uniform, religious cloak, French suit, or shirt of democracy?

Does the scene really need a deep psychological or anthropological study? How could the “children of the streets”, the name designated to some of the demonstrators, manage, in the matter of a few days, to change the comprehensive system that continued for half a century after independence and the imposition of the principle of inherited power and centralism? What happened to the iron grip of the deadly security and intelligence groups who project fear, defeatism, and refraction?

Maybe all it takes is nothing more than a psychological barrier that was broken; there are only so many people that prisons and detention centers can absorb. I wonder if the young, unemployed university student who set himself on fire in Sidi Bouzid despite all of the religious edicts, and political pressure condemning and cursing the act, knew that it would ignite change across the region.

Tunisia’s uprising, with all of its repercussions, has made every Muslim and Arab rethink everything we thought we knew.

One week of almost daily statements taught us how to think about those who are at the top and the extent of the gap separating them from those at the bottom. After 23 years, those at the top finally acknowledged that the status quo was unacceptable; that everything was not okay. After two decades, they started begging for people to forgive them for sacrificing those around them and eradicating them all, just to remain in power to the end of a mandate won by fraud. In order to continue in their quest for power, they presented themselves as a gateway to the West, like a steel, thick wall in the face of Islamists from taking power, a means to combat terrorism. They understood the message much too late with long-overdue contracts of repression, torture, and confiscation of rights.

Observers agree that the failure of the Tunisian model is that it bet on economic progress at the expense of democracy, the provision of public liberties, freedom of the press, and dignity of citizens. It is a message addressed to all Arab regimes without any exceptions highlighting the need to take lessons from the results of imposing a single opinion, only one form of thought, and a single dominant party. Even if security grips citizens, people’s patience has its limits and will explode one day.

The infamous WikiLeaks was ever present in the Tunisian crisis, and resulted in the blocking of hundreds of websites by intelligence services. The leaked cables have revealed reports that the system no longer accepted internal or external advice and did not apply international recommendations for minimum levels of reform. WikiLeaks documents note that the Tunisian system refused to debate the issue of presidential succession of its aging leader who had not selected an heir or deputy to rule the country’s political and economic struggles, thereby triggering long-term security risks. As a result, he surrounded himself with a mafia of extended relatives, advisers, generals, and businessmen, representing the state’s corruption and suppressed opposition.

The former president’s wife played a big role in the consolidation of the dictatorial regime which assaulted the ownership of several companies and successful economic projects, planting several political and security watchdogs in top positions. Additionally, she monopolized political decisions and took on authority when the former president was absent from the political scene due to bouts of his mysterious disease, which the media has not leaked any details about. Isn’t this scenario very similar to other Arab countries?

The crisis was a severe test to Arab news channels without exception, which tried to hold the stick from the middle and tracked events without manufactured and manipulating the winner of the battle by carefully editing the story. Instead, the Tunisian situation turned everything upside down and imposed a different reality in Arab media. Unfortunately, Arab media is disappointing at the time of true tests and its biases are easily revealed despite the clichés and catchy slogans claiming objectivity.

Destiny favoured the Tunisian people who wanted to live. They deserve to be proud for being able to impose change without the help of internal or external forces. Arab countries will never be the same again.

المبادئ العشرة في دستور ثورة الياسمين التونسية

2011-01-26
جريدة الشرق

المواطن العربي اكتشف أن القوة تكمن في داخله رغم القمع والاستبداد
المطالبة بالحرية والديمقراطية لا تنفصل عن رغيف الخبز
الشرعية الحقيقية للأنظمة والحكومات العربية يجب أن تتأسس على البنيان الداخلي
العالم أصبح غرفة صغيرة ونوافذ مفتوحة على بعضها البعض

دخلنا العام الجديد واليأس والقنوط يغمرنا من رأسنا حتى أخمص قدمينا. دخلناه على دوي الانفجاريات وحمامات الدم والقتلى والصرعى في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وهو ما فجر بركان الخلافات والصراعات الدينية الخامد في مصر ولبنان مرة أخرى. وبالتهديدات الإرهابية للكنائس ودور العبادة للدول الأوروبية في هولندا وفرنسا وبريطانيا، وقبلها كانت التفجيرات في المساجد والمسيرات الجماعية الدينية في العراق وباكستان وهو المشهد البائس المريض الذي يتكرر كل سنة.. دخلناه والإحباط والملل يسيطران علينا في تكرار المواضيع المستهلكة المكررة نفسها دون تغيير أو تبديل أو تعديل منذ سنوات الاستقلال والتحرر إلى اليوم، تلك المتعلقة بتداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع النزيهة وليست (99%) والفصل الحقيقي بين السلطات وتفعيل مبدأ الديمقراطية في اتخاذ القرارات المصيرية، والعودة إلى الحكم المدني، ورجوع الجنرالات إلى الثكنة العسكرية، وإنهاء أحكام وقوانين الطوارئ، وإطلاق حرية قيام المؤسسات المدنية وإشهار الأحزاب السياسية واحترام حرية الرأي والتعبير. كنا نصرخ ونصيح وننادي ولا حياة ولا مستمع ولا مجيب، لا في المشرق العربي ولا في مغربة، لا في الدول العربية البائسة الفقيرة ولا في الخليجية الغنية المترفة.
لكن الأقدار جاءت مغايرة مفاجئة صادمة بعد أيام قليلة من بداية العام، ولو تم التخطيط لها لما نجحت في أن تحدث أثرها ومفعولها في العالم العربي، فالكل كان يتوقع اننا سنشهد عقودا طويلة مملة كئيبة قبل التفكير في الإصلاح والتغيير ناهيك عن المضي فيه. في تونس كانت نقطة التحول في الدخول إلى عصر مغاير في العالم العربي، وها هي عدوى الياسمين تنتقل من مكان إلى آخر من المحيط الفاتر إلى الخليج الخادر، حاملة معها الأمل والتفاؤل في غد أفضل. وكلنا أمل وإيمان أن تنجح تونس في الاختبار الكبير ولا تبدل منظومة الديكتاتورية والاستبداد والطغيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بمنظومة أخرى مشابهة تحت راية الوطنية أو القومية أو الدينية أو المذهبية أو العشائرية أو القبلية كما فعل غيرها من البلدان العربية المجاورة.
أهم ما يميز الانتفاضة التونسية أنها سطرت المبادئ العشرة الأولى في كتاب الثورة التغييرية العربية الجديدة.
المبدأ الأول: أن المواطن العربي الضعيف المتردد الخائف غير المبالي اكتشف أن القوة تكمن في داخله ومهما حاولت الأجهزة القمعية أن تكسره من الداخل فهو قادر حتى أن يغير اشد الأنظمة تسلطا إذا قرر أن يخرج إلى الشارع ولا يعود إلى بيته إلا بعد أن تتحقق مطالبه المشروعة.
المبدأ الثاني: أن جيل الشباب العربي من الجنسين ليس استهلاكيا، سطحيا، هشا، مقلدا وغارقا في التحديث والموضة الغربية، بل هو قادر على صنع التضحيات بالغالي والنفيس بشكل لا حدود له ولو أدى ذلك إلى حرق نفسه كي يشعل فتيل التغيير.
المبدأ الثالث: عودة الشارع العربي مرة أخرى ماركة مسجلة باسم مطالب المواطن الشرعية بعد أن تم اختطافه من قبل الحركات والمنظمات والأحزاب الأيديولوجية القومية أو اليسارية أو الإسلامية خلال العقود الماضية من عمر الهزائم والانقلابات العسكرية.
المبدأ الرابع: سقوط الأكليشيهات والشعارات الفضفاضة من قبل عدم نضج واستعدادية الشعوب العربية لحكم نفسها بنفسها، والخصوصية العربية الفريدة التي تربط بين الحاكم والمحكوم، وضرورة التأني وعدم الاستعجال، واتباع أسلوب الخطوات التدريجية، للوصول إلى تفعيل الديمقراطية وعدم الاستعجال بحرق المراحل، والتي هدفت إلى تطويل أمد الأنظمة في الحكم والتسلط. فخلال أسبوع واحد عادت الحياة النيابية، والانتخابات الرئاسية، وعودة الأحزاب والمؤسسات المدنية، وإطلاق حرية التعبير والصحافة.
المبدأ الخامس: المطالبة بالحرية لا تنفصل عن المطالبة برغيف الخبز، فلا يمكن أن يتواصل أي نجاح أو انفتاح اقتصادي من دون أن يرافقه نجاح وانفتاح سياسي من ديمقراطية وحقوق إنسان وحريات مدنية سياسية وتعبيرية وحكم القانون والشفافية والقضاء المستقل، والتعددية السياسية، والصحافة الحرة والحوكمة الرشيدة.
المبدأ السادس: استيعاب أن العالم أصبح غرفة صغيرة ونوافذ مفتوحة على بعضها البعض، وتلعب فيه وسائل الاتصال والتكنولوجيا الدور الأكبر في حياة الناس ومعرفتهم بما يدور حولهم وسياسة التضييق والخنق والحجب ومصادرة الآراء وحرية التعبير لن تنجح في عصر الهاتف المحمول وفيسبوك ويوتيوب ومدونات الإنترنت فهي كانت المحرك المساعد في نجاح ثورة الياسمين وانتشار أخبارها حول العالم وفي ثوان وليس أياما وشهورا كما كان في السابق.
المبدأ السابع: أن الشرعية الحقيقية للأنظمة والحكومات العربية يجب أن تتأسس على البنيان الداخلي، وليس التعويل والاعتماد على الجهات الخارجية لتعويض الشرعيات المنقوصة. الجهات الخارجية ذات الأجندات والمصالح الآنية الضيقة وسياسات النفاق والازدواجية والكيل بمكيالين في القضايا الدولية لا تجلب الاستقرار.
المبدأ الثامن: أن على الأنظمة السياسية العربية أن تتحسس ما تحت أرجلها، وتتعلم الدروس المختلفة من الثورة التونسية وتستوعب وتفهم قياداتها الجديدة من الشباب والطبقة الوسطى والفقراء والمحتاجين والسياسيين قبل فوات الأوان والاضطرار لركوب الطائرة للهرب.
المبدأ التاسع: أن الدول الغربية أخذت تعيد التفكير في دعمها للأنظمة الفاسدة والقمعية بحجة منع المتطرفين من استلام السلطة وخلق أنظمة معادية للسياسات والمصالح الغربية. وانه لا بديل عن دعم الديمقراطية وتمكينها وإرساء مبادئ الحرية بدل دعم القمع والاستبداد. وهو الخيار الأمثل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بدل الدخول في الفوضى والصراعات والانقلابات.
المبدأ العاشر: لا حكم ولا رئاسة مدى الحياة، فالحكم عندما يستمر دون تغيير وتداول يتحول إلى حكم شمولي ديكتاتوري سلطوي يمتلك كل المفاتيح بين يديه مما يؤدي إلى تحويلها إلى بيئة حاضنة للفساد، والفاسدين، وهي تعجز عن إدراك الأزمات التي يعاني منها الشعب وتستخدم العنف في التعامل مع المطالب والقضايا الإصلاحية.
ثورة الياسمين التونسية كما أطلق عليها في الإعلام الدولي جاءت متزامنة مع الذكرى الواحدة والعشرين لما يعرف بالثورة المخملية التي أنهت الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا السابقة، بعد أكثر من أربعين عاما من سيطرته على مقاليد البلاد. أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيتسبرغ (رونالد ايتش ليندن) يشير الى أنه مع بداية العام 1989 كانت أوروبا مقسمة كما كان حالها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كان ما يزيد على 100 مليون نسمة يعيشون في دول يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي والأحزاب الشيوعية القومية الحاكمة في أوروبا الشرقية. وكان نيقولاي تشاوشسكو وتودور زيفكوف يمضيان عقديهما الثالث والرابع في حكمهما المستبد لرومانيا وبلغاريا، على التوالي. أما في ألمانيا فكان الجدار البالغ علوه 12 قدماً، الذي يقسم ويحيط بمدينة برلين وما حولها، يرمز بحزن عميق إلى التقسيم الحقيقي والرمزي للقارة. ويذكر ليندن انه بينما كان المحللون والنشطاء السياسيون يشيرون إلى العيوب في الأنظمة الشيوعية، فإن سقوطها المتزامن تقريباً في أوروبا الشرقية لم يكن متوقعاً على الإطلاق. كانت التحديات السابقة تنحصر عادة في دولة واحدة. لكن هذه المرة كانت المظاهرات والمطالب الاجتماعية تنتقل كالنار في الهشيم، فتسارعت التداعيات، بدءاً من استبدال رئيس الوزراء الشيوعي في بولندا، وصولاً إلى تنفيذ حكم الإعدام بتشاوشسكو في رومانيا يوم عيد الميلاد. عاملان مهمان ساهما في نهاية الشيوعية وسقوط جدار برلين يشير لهما ليندن. الأول يتمثل في انتشار المعلومات حول الغرب كما حول الوضع الحقيقي في أوروبا الشرقية. حيث عززت المعرفة حول كيف يحكم الأوروبيون والأمريكيون وكيف يعيشون، جاذبية هذه النماذج البديلة، فالمعرفة بأن هذه المفاهيم تعمل بصورة جيدة في أماكن أخرى من العالم شكلت دافعاً قوياً لها. والثاني انه لم يكن من الممكن أن يكون لأي من هذه الأشياء أهمية لو لم يُظهر الناس في المنطقة الشجاعة والرؤية لانتهاز اللحظة، والإدراك بأن دورهم قد حان للقيام بمهمات التحطيم، كما فعلوا بالنسبة لجدار برلين عام 1989، ومن ثم البناء، كما يفعلون الآن في كل يوم في المجتمعات الديمقراطية الجديدة.

المبادئ العشرة في دستور ثورة الياسمين التونسية

2011-01-26
جريدة الشرق

المواطن العربي اكتشف أن القوة تكمن في داخله رغم القمع والاستبداد
المطالبة بالحرية والديمقراطية لا تنفصل عن رغيف الخبز
الشرعية الحقيقية للأنظمة والحكومات العربية يجب أن تتأسس على البنيان الداخلي
العالم أصبح غرفة صغيرة ونوافذ مفتوحة على بعضها البعض

دخلنا العام الجديد واليأس والقنوط يغمرنا من رأسنا حتى أخمص قدمينا. دخلناه على دوي الانفجاريات وحمامات الدم والقتلى والصرعى في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وهو ما فجر بركان الخلافات والصراعات الدينية الخامد في مصر ولبنان مرة أخرى. وبالتهديدات الإرهابية للكنائس ودور العبادة للدول الأوروبية في هولندا وفرنسا وبريطانيا، وقبلها كانت التفجيرات في المساجد والمسيرات الجماعية الدينية في العراق وباكستان وهو المشهد البائس المريض الذي يتكرر كل سنة.. دخلناه والإحباط والملل يسيطران علينا في تكرار المواضيع المستهلكة المكررة نفسها دون تغيير أو تبديل أو تعديل منذ سنوات الاستقلال والتحرر إلى اليوم، تلك المتعلقة بتداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع النزيهة وليست (99%) والفصل الحقيقي بين السلطات وتفعيل مبدأ الديمقراطية في اتخاذ القرارات المصيرية، والعودة إلى الحكم المدني، ورجوع الجنرالات إلى الثكنة العسكرية، وإنهاء أحكام وقوانين الطوارئ، وإطلاق حرية قيام المؤسسات المدنية وإشهار الأحزاب السياسية واحترام حرية الرأي والتعبير. كنا نصرخ ونصيح وننادي ولا حياة ولا مستمع ولا مجيب، لا في المشرق العربي ولا في مغربة، لا في الدول العربية البائسة الفقيرة ولا في الخليجية الغنية المترفة.
لكن الأقدار جاءت مغايرة مفاجئة صادمة بعد أيام قليلة من بداية العام، ولو تم التخطيط لها لما نجحت في أن تحدث أثرها ومفعولها في العالم العربي، فالكل كان يتوقع اننا سنشهد عقودا طويلة مملة كئيبة قبل التفكير في الإصلاح والتغيير ناهيك عن المضي فيه. في تونس كانت نقطة التحول في الدخول إلى عصر مغاير في العالم العربي، وها هي عدوى الياسمين تنتقل من مكان إلى آخر من المحيط الفاتر إلى الخليج الخادر، حاملة معها الأمل والتفاؤل في غد أفضل. وكلنا أمل وإيمان أن تنجح تونس في الاختبار الكبير ولا تبدل منظومة الديكتاتورية والاستبداد والطغيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بمنظومة أخرى مشابهة تحت راية الوطنية أو القومية أو الدينية أو المذهبية أو العشائرية أو القبلية كما فعل غيرها من البلدان العربية المجاورة.
أهم ما يميز الانتفاضة التونسية أنها سطرت المبادئ العشرة الأولى في كتاب الثورة التغييرية العربية الجديدة.
المبدأ الأول: أن المواطن العربي الضعيف المتردد الخائف غير المبالي اكتشف أن القوة تكمن في داخله ومهما حاولت الأجهزة القمعية أن تكسره من الداخل فهو قادر حتى أن يغير اشد الأنظمة تسلطا إذا قرر أن يخرج إلى الشارع ولا يعود إلى بيته إلا بعد أن تتحقق مطالبه المشروعة.
المبدأ الثاني: أن جيل الشباب العربي من الجنسين ليس استهلاكيا، سطحيا، هشا، مقلدا وغارقا في التحديث والموضة الغربية، بل هو قادر على صنع التضحيات بالغالي والنفيس بشكل لا حدود له ولو أدى ذلك إلى حرق نفسه كي يشعل فتيل التغيير.
المبدأ الثالث: عودة الشارع العربي مرة أخرى ماركة مسجلة باسم مطالب المواطن الشرعية بعد أن تم اختطافه من قبل الحركات والمنظمات والأحزاب الأيديولوجية القومية أو اليسارية أو الإسلامية خلال العقود الماضية من عمر الهزائم والانقلابات العسكرية.
المبدأ الرابع: سقوط الأكليشيهات والشعارات الفضفاضة من قبل عدم نضج واستعدادية الشعوب العربية لحكم نفسها بنفسها، والخصوصية العربية الفريدة التي تربط بين الحاكم والمحكوم، وضرورة التأني وعدم الاستعجال، واتباع أسلوب الخطوات التدريجية، للوصول إلى تفعيل الديمقراطية وعدم الاستعجال بحرق المراحل، والتي هدفت إلى تطويل أمد الأنظمة في الحكم والتسلط. فخلال أسبوع واحد عادت الحياة النيابية، والانتخابات الرئاسية، وعودة الأحزاب والمؤسسات المدنية، وإطلاق حرية التعبير والصحافة.
المبدأ الخامس: المطالبة بالحرية لا تنفصل عن المطالبة برغيف الخبز، فلا يمكن أن يتواصل أي نجاح أو انفتاح اقتصادي من دون أن يرافقه نجاح وانفتاح سياسي من ديمقراطية وحقوق إنسان وحريات مدنية سياسية وتعبيرية وحكم القانون والشفافية والقضاء المستقل، والتعددية السياسية، والصحافة الحرة والحوكمة الرشيدة.
المبدأ السادس: استيعاب أن العالم أصبح غرفة صغيرة ونوافذ مفتوحة على بعضها البعض، وتلعب فيه وسائل الاتصال والتكنولوجيا الدور الأكبر في حياة الناس ومعرفتهم بما يدور حولهم وسياسة التضييق والخنق والحجب ومصادرة الآراء وحرية التعبير لن تنجح في عصر الهاتف المحمول وفيسبوك ويوتيوب ومدونات الإنترنت فهي كانت المحرك المساعد في نجاح ثورة الياسمين وانتشار أخبارها حول العالم وفي ثوان وليس أياما وشهورا كما كان في السابق.
المبدأ السابع: أن الشرعية الحقيقية للأنظمة والحكومات العربية يجب أن تتأسس على البنيان الداخلي، وليس التعويل والاعتماد على الجهات الخارجية لتعويض الشرعيات المنقوصة. الجهات الخارجية ذات الأجندات والمصالح الآنية الضيقة وسياسات النفاق والازدواجية والكيل بمكيالين في القضايا الدولية لا تجلب الاستقرار.
المبدأ الثامن: أن على الأنظمة السياسية العربية أن تتحسس ما تحت أرجلها، وتتعلم الدروس المختلفة من الثورة التونسية وتستوعب وتفهم قياداتها الجديدة من الشباب والطبقة الوسطى والفقراء والمحتاجين والسياسيين قبل فوات الأوان والاضطرار لركوب الطائرة للهرب.
المبدأ التاسع: أن الدول الغربية أخذت تعيد التفكير في دعمها للأنظمة الفاسدة والقمعية بحجة منع المتطرفين من استلام السلطة وخلق أنظمة معادية للسياسات والمصالح الغربية. وانه لا بديل عن دعم الديمقراطية وتمكينها وإرساء مبادئ الحرية بدل دعم القمع والاستبداد. وهو الخيار الأمثل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بدل الدخول في الفوضى والصراعات والانقلابات.
المبدأ العاشر: لا حكم ولا رئاسة مدى الحياة، فالحكم عندما يستمر دون تغيير وتداول يتحول إلى حكم شمولي ديكتاتوري سلطوي يمتلك كل المفاتيح بين يديه مما يؤدي إلى تحويلها إلى بيئة حاضنة للفساد، والفاسدين، وهي تعجز عن إدراك الأزمات التي يعاني منها الشعب وتستخدم العنف في التعامل مع المطالب والقضايا الإصلاحية.
ثورة الياسمين التونسية كما أطلق عليها في الإعلام الدولي جاءت متزامنة مع الذكرى الواحدة والعشرين لما يعرف بالثورة المخملية التي أنهت الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا السابقة، بعد أكثر من أربعين عاما من سيطرته على مقاليد البلاد. أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيتسبرغ (رونالد ايتش ليندن) يشير الى أنه مع بداية العام 1989 كانت أوروبا مقسمة كما كان حالها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كان ما يزيد على 100 مليون نسمة يعيشون في دول يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي والأحزاب الشيوعية القومية الحاكمة في أوروبا الشرقية. وكان نيقولاي تشاوشسكو وتودور زيفكوف يمضيان عقديهما الثالث والرابع في حكمهما المستبد لرومانيا وبلغاريا، على التوالي. أما في ألمانيا فكان الجدار البالغ علوه 12 قدماً، الذي يقسم ويحيط بمدينة برلين وما حولها، يرمز بحزن عميق إلى التقسيم الحقيقي والرمزي للقارة. ويذكر ليندن انه بينما كان المحللون والنشطاء السياسيون يشيرون إلى العيوب في الأنظمة الشيوعية، فإن سقوطها المتزامن تقريباً في أوروبا الشرقية لم يكن متوقعاً على الإطلاق. كانت التحديات السابقة تنحصر عادة في دولة واحدة. لكن هذه المرة كانت المظاهرات والمطالب الاجتماعية تنتقل كالنار في الهشيم، فتسارعت التداعيات، بدءاً من استبدال رئيس الوزراء الشيوعي في بولندا، وصولاً إلى تنفيذ حكم الإعدام بتشاوشسكو في رومانيا يوم عيد الميلاد. عاملان مهمان ساهما في نهاية الشيوعية وسقوط جدار برلين يشير لهما ليندن. الأول يتمثل في انتشار المعلومات حول الغرب كما حول الوضع الحقيقي في أوروبا الشرقية. حيث عززت المعرفة حول كيف يحكم الأوروبيون والأمريكيون وكيف يعيشون، جاذبية هذه النماذج البديلة، فالمعرفة بأن هذه المفاهيم تعمل بصورة جيدة في أماكن أخرى من العالم شكلت دافعاً قوياً لها. والثاني انه لم يكن من الممكن أن يكون لأي من هذه الأشياء أهمية لو لم يُظهر الناس في المنطقة الشجاعة والرؤية لانتهاز اللحظة، والإدراك بأن دورهم قد حان للقيام بمهمات التحطيم، كما فعلوا بالنسبة لجدار برلين عام 1989، ومن ثم البناء، كما يفعلون الآن في كل يوم في المجتمعات الديمقراطية الجديدة.

الأربعاء، 19 يناير 2011

تونس.. فهمناكم.. وصلت الرسالة من البطال والمحتاج والسياسي؟!

جريدة الشرق

2011-01-19

الانتفاضة التونسية تمثل شاهداً على بداية تاريخ التغيير في المنطقة
هل النموذج التونسي قابل للتصدير للدول الأخرى؟
الأزمة كانت امتحاناً قاسياً للقنوات الإخبارية العربية بلا استثناء

مثل الكثيرين لم أصدق عيني عندما رأيت الشعارات على شاشة محطة بي بي سي العالمية (BBC)، يسير بها المتظاهرون في الشوارع تطالب بالحرية، العدالة، الديمقراطية، ويرفعون صور "تشي جيفار" (Che Guevara) واعتقدت أنها دولة من دول أمريكا اللاتينية، ولما دققت النظر بتمعن رأيت الشعارات المرفوعة كتبت بالحروف الانجليزية والفرنسية ولكن أبرزها تلك المرسومة باللغة الفصحى، بالإضافة إلى مجموعة الرجال والنساء ذوي السحنة العربية التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب، لا يوجد خطأ إذاً! لقد دقت الساعات الأولى في تونس، وبدأ تاريخ التغيير في المنطقة. والسؤال لماذا تأخر كل هذه العقود الطويلة المظلمة، وكم من الوقت سيأخذه لكي يصل إلى الآخرين؟! وكم سنفقد من أبرياء وشهداء وضحايا؟! ومن سيتحكم في مفاتيح السلطة ويقطب ثمارها صاحب البزة العسكرية، العباءة الدينية، البدلة الفرنسية، أو قميص الديمقراطية؟!.
هل المشهد بحاجة إلى دراسة سيكولوجية وانثروبولوجية معمقة؟! كيف استطاع أولاد الشوارع وهو الاسم الذي أطلقه البعض على المتظاهرين، وفي أيام معدودات من تغيير نظام شامل استمر إلى نصف قرن من بعد الاستقلال وفرض مبدأ توارث الحكم ومركزية القرار، مع أنها أنظمة قامت على مبادئ نظام الجمهورية المنتخبة الديمقراطية؟! ماذا حدث للقبضة الأمنية الحديدية القاتلة وجهاز المخابرات الحامي المنيع، والخوف والانهزام والانكسار الذي يسكن في داخل الإنسان الذي يعيش هناك وفي مختلف الدول العربية؟! أم أن الأمر لا يحتاج إلى كل ذلك بتاتا وليس أكثر من حاجز نفسي انكسر، فالسجون والمعتقلات مهما اتسعت مساحاتها وقويت قبضتها لن تستوعب سجن كل الشعب، ولا حتى المئات والآلاف التي تخرج في مظاهرة واحدة؟! هل كان يعرف ذاك الشاب الطالب الجامعي العاطل عن العمل في منطقة سيدي بوزيد (البوعزيزي)، انه بحرقه جسده، مع كل الفتاوى الدينية، والمذهبية، والسياسية، التي تدينه وتلعنه وتدخله جهنم من أوسع أبوابها، بأنه سيشعل شرارة التغيير بفعلته تلك؟ وهل يتكرر نفس السيناريو في عواصم أخرى؟ لقد جعلتنا الانتفاضة التونسية بكل تداعياتها نعيد التفكير في كل شئ، وفي كل المسلمات التي تعلمناها وعرفناها عن العالم العربي وشعوبه؟!
أسبوع واحد من التصريحات شبه اليومية عرفتنا بكيفية تفكير هؤلاء من الذين يعيشون في القمة ومدى اتساع الهوة التي تفصلهم عن الذين يسكنون في القاع، فبعد 23 سنة أقروا بأن الأمور لم تكن تجرى على هواهم، وأنها كانت تجري من خلف ظهورهم ولم يكن يعلمون بها. وأخذوا يستجدون الناس أن تغفر لهم وهم مستعدون لدفع الثمن من خلال التضحية بمن حولهم والقضاء عليهم جميعا فقط أن يبقوا هم في الحكم إلى نهاية الولاية التي فازوا بها بالتزوير؟! وفي سبيل سعيهم للبقاء في السلطة قدموا أنفسهم للغرب كبوابة فولاذية أو كذاك الجدار السميك في وجه فزاعة الإسلاميين في الحيلولة من وصولهم يوما إلى السلطة، وزمرة لمكافحة الإرهاب. لقد فهموا الرسالة التي وصلتهم متأخرة بعقود طويلة من القمع والتعذيب ومصادرة الحقوق. لقد اجمع المراقبون على فشل النموذج التونسي، الذي راهن على التقدم الاقتصادي على حساب الديمقراطية، وتوفير الحريات العامة، وحرية الصحافة، وكرامة المواطن. وهي رسالة موجهة لكل الأنظمة العربية بلااستثناء من ضرورة أخذ الدروس مما حدث من نموذج فرض الرأي والفكر والحزب الواحد المسيطر، والقبضة الأمنية على المواطنين، فالشعوب لا يمكن أن تصبر إلى ما لا نهاية، وإنما ستنفجر في يوم ما؟!
وثائق "ويكيليكس" الشهيرة، كانت حاضرة في الأزمة التونسية وبقوة، وسببت في إغلاق المئات من المواقع الإلكترونية من قبل أجهزة الاستخبارات، وقد كشفت التقارير الصادرة بأن النظام لم يعد يقبل النصائح لا الداخلية ولا الخارجية، وأنه لا يتعاطى مع الوصفات الدولية لتوفير الحد الأدنى من الإصلاح. وأشارت إلى أن النظام لا يقبل مناقشة مسألة خلافة الرئيس المتغيب المتقدم في السن، والذي لم يجهز بديلا أو نائبا له، ويحكم البلاد المتعثر سياسيا واقتصاديا بقبضة أمنية تنذر بمخاطر بعيدة المدى، وهو يحيط نفسه بمافيا خطيرة تجمع أقارب ومستشارين وجنرالات ورجال أعمال، يشكلون عنوان الفساد السياسي والمالي في الدولة التي تقوم بقمع جميع أصوات المعارضة وحركات الإصلاح السياسي. ولعبت زوجة الرئيس دورا كبيرا في ترسيخ النظام الديكتاتوري وهي قامت باغتصاب ملكية العديد من الشركات والمشاريع الاقتصادية الناجحة، وقامت بزرع العديد من القيادات السياسية والأمنية في مناصب عليا في حلقات القرار، بالإضافة الى ونفوذها وتسلطها على القرار السياسي، وامتلاكها للقرار في المراحل التي يغيب فيها الرئيس عن المشهد اليومي بسبب نوبات المرض الغامض الذي لم تتسرب تفاصيله إلى وسائل الإعلام؟! أليس هذا السيناريو قريباً ومشابهاً لدول عربية أخرى؟!
الأزمة كانت امتحانا قاسيا للقنوات الإخبارية العربية بلا استثناء التي حاولت أن تمسك العصا من النصف وتجاري الأحداث وتلاحقها ولا تصنعها وتدعي البطولة من خلال الظهور في الصورة عن طريق العرض والتغطية بعد أن تنتهي آلام المخاض. واقع تغطية المحطات العربية يراهن على اختيار المنتصر في المعركة وغالبا ما يكون النظام والسلطة، إلا أن النموذج التونسي قلب الأوضاع رأسا على عقب وفرض واقعا مغايرا في عالم العربان وللمرة الأولى. خيبة الإعلام العربي تظهر في وقت الاختبارات فهو ينكشف بسهولة رغم الأكليشيهات والشعارات الفضفاضة من عرض الرأي والرأي الآخر. هذه القنوات والمحطات تعرض الآراء ولا تعرف كيف تتعامل مع الحقائق، ونحمد الباري أننا نملك لغة أخرى في التخاطب نستطيع أن نفهم ونعرف من خلالها ما يجرى في عالمنا من أطراف ومصادر مستقلة وحيادية وبعيدة عن الأجواء الايديولوجية والأجندات الخاصة. العولمة وأدواتها الاتصالية الإعلامية شاركت في البطولة عن قرب وعن بعد. ورغم قرارات المصادرة والمنع والقمع والإغلاق والحجب استطاعت المنتديات والمواقع الشخصية (البلوجز) والمواقع العالمية (فيس بوك)، (تويتي)، (يوتيوب) بالإضافة إلى كاميرات الهواتف النقالة، أن تنقل الأحداث والصور والوقائع ومقاطع الفيديو، من قلب الأزمة وعلم بها القاصي والداني في جميع أنحاء العالم؟! وحسب موقع "بيكريرز الاجتماعي"، فإن عدد التونسيين الذين استعملوا فيسبوك خلال فترة عرفت بذروة الأحداث تجاوز المليوني مستخدم يوميا بعد أن كان في حدود المليون و790 ألفا قبل الاحتجاجات.
لقد استجاب القدر للشعب التونسي الذي أراد الحياة كما صدح بها شاعر الانتفاضة الحاضر الغائب ابو القاسم الشابي ويحق للشعب التونسي أن يفتخر لأنه استطاع فرض التغيير من دون مساعدة جهات خارجية أو داخلية، انه حدث مجلجل ولن تصبح الدول العربية كما كانت قبل التغيير. التاريخ العربي فرض واقعا مغايرا اليوم، فهانحن نؤرخ إلى ما قبل الأحداث التونسية وما بعدها. إن الشعب التونسي صنع تاريخا جديدا لعالم العرب فهل يصبح نموذجا قابلا للتصدير؟!

السبت، 15 يناير 2011

اليابان بعيون عربية "1"

جريدة الشرق
2011-01-16

غمرتني الفرحة عندما تم إبلاغي بالموافقة على اختياري في برنامج الدراسات الدولية للأبحاث في طوكيو من آلاف الطلبات المقدمة من مختلف أنحاء العالم، للقيام بالبحوث والجولات العلمية في المدارس والجامعات والمؤسسات الأكاديمية، للتعرف والاطلاع ودراسة المنظومة اليابانية التعليمية والبحث العلمي. لقد حزمت حقائبي منذ زمن طويل وكنت أنتظر الفرصة الذهبية التي تتيح لي التعمق في زيارة ودراسة المجتمع الياباني وتاريخه وخصائصه وتجربته التنموية والنهضوية، ورغم الدعوات المختلفة ترددت في السفر إلى بلاد الشمس المشرقة كسائح أو صحفي يكتب انطباعات عامة أشبه بتلك الشخصية التي تعيش في الريف وتذهب في زيارة إلى المدينة، أو مثل من يعيش في بيت من الطين ويتم أخذه في جولة سياحية داخل قصر، أشبه بما فعله مقدم برنامج خواطر في المحطة العربية (MBC).
وأعترف أنه رغم تجربة الدراسة والانتقال ما بين الولايات المتحدة وأوروبا ما زلت أحمل في داخلي بعضا من تلك الأسئلة، على شاكلة لماذا تقدمت اليابان وتأخرت الدول العربية دون استثناء رغم أن أم الدنيا مصر كانت سابقة في تجربتها التنموية على سبيل المثال؟ وكيف استطاعت العقول اليابانية أن تعصف بالاقتصاد الخليجي في الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان والسعودية، وتنهي منظومة حقبة كاملة سياسية واقتصادية واجتماعية قامت وتشكلت وترعرعت على مهنة استخراج اللؤلؤ قبل الدخول في عصر النفط ومشتقاته؟! وكيف تعاملت مع تجربة القنبلة النووية وخرجت من رحم الهزيمة العسكرية والاحتلال في الحرب العالمية الثانية منتصرة لتصبح في المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية إلى العام الماضي بعدما تراجعت لحساب الصين، بينما يعجز الجار العراقي من عام 2003 إلى اليوم من وضع اللبنات الأولى لبناء دولة حديثة؟!
لقد أتاحت لي هذه الزيارة الاطلاع على كتب ودراسات ومقالات عديد غربية وشرقية عن التجربة اليابانية، وزودتني بمعلومات مفصلة وغزيرة وحقائق تاريخية ومعاصرة وأرقام وإحصاءات عديدة مبهرة عن هذا البلد الفريد والشعب الرائع الذي لا يكاد أن تجد له نظيرا في العالم، ولا أدعي أني تيقنت أنه إذا قدر للعالم أن يكتشف كوكبا قابلا للحياة بديلا لكوكب الأرض يستطيع الإنسان أن يعيش فيه، فيجب أن تسند المهام الأولى في التنظيم والإشراف والإدارة ووضع اللوائح والقوانين والتشريعات والقواعد المدونات السلوكية إلى الشعب الياباني.
الرحلة لها مذاقها الخاص منذ بداية الانطلاق فخط الرحلة أصبح مباشرا بعد أن كان متقطعا في السابق، حيث يضطر المسافر إلى تبديل الطائرة في إحدى الدول الآسيوية القريبة مثل تايلاند أو الانتظار في الطائرة ليكمل الرحلة بعدها. كما تحولت اللغة العربية والإنجليزية إلى لغات أجنبية غريبة، يتم التعامل مع المتحدث بها عن طريق لغة الإشارات البدائية وتكون في معظم الأحيان عصية على الاستيعاب والفهم. واختفت الأشواك والسكاكين من قائمة الأكل وحلت محلها (العصي والعيدان) وكان البديل لها المعلقة البلاستيك التي تحمل أسنانا في مقدمتها ويمكن استخدامها لاحتساء الشوربة وأكل الأرز في الوقت نفسه كما يفعل الأطفال في المرحلة الأولى في المدارس. ومن نافذة الطائرة عند الاقتراب من الوصول، كانت الدهشة تأسر القلب في النظر إلى الجزر المتناثرة والمعزولة ذات الطبيعة الجبلية والتي تقدر بثلاثة آلاف جزيرة ونيف بحيث إذا جمعتها مع بعضها البعض تكونت لك بلاد (نِيپّـونْ نِيهُونْ) وهي التسمية التي يطلقها اليابانيون على بلدهم وتعني "منشأ الشمس" أو "أرض الشمس المشرقة". تذكر الموسوعة العالمية أن الاسم استمد من الصين وأول ذكر لليابان في كتب التاريخ الأوروبية يعود لعام 1577 تحت اسم غيابان (Giapan)، وقد ذكر ماركو بولو اليابان في كتاباته تحت اسم "سيبانغو"، وعندما وصلت أولى البعثات التبشيرية البرتغالية إلى اليابان في القرن السادس عشر، تبنى البرتغاليون اسم "جيبون" وهو اسم منحول من الاسم الياباني نيبّون. وهناك فرضية غير مؤكدة كعادة العرب القائمة على النقل من فلان عن علان تقول إن أول ذكر لليابان في المصادر العربية يعود إلى خريطة العالم التي رسمها العالم العربي أبو عبد الله محمد الإدريسي (الشريف الإدريسي) في القرن الثاني عشر الميلادي، حيث توضح خريطة الإدريسي وجود مجموعة من الجزر باللون الذهبي في القسم العلوي اليساري من الخارطة مقابل سواحل إفريقيا وجنوب شرق آسيا أطلق عليها اسم "الواق واق"، وهذا الاسم تم وضعه من قبل الرحالة العربي ابن بطوطة الذي استمده من اللفظ الصيني "واكوكو".
أما بالنسبة للاسم الحالي "اليابان" فهو مأخوذ من البرتغالية، وقد حور العرب الحرف الأول "J" إلى "ي" ليصبح اللفظ على ما هو عليه حاليا (اليابان).
باءت محاولاتي بالفشل في البحث عن قامة جبل فوجي أجمل الجبال في العالم وأشهرها على الإطلاق ويبلغ ارتفاعه 3.776 مترا، ويعتبره اليابانيون جبلا مقدسا منذ القدم، وكان يحظر على النساء الاقتراب منه. وعندما سألت المضيفة عن مكانه قالت لي بعد جهد جهيد إنه يجب عليك أن تزور الجبل وتراه عن قرب وليس من نافذة الطائرة فهو له هيبة مقدسة مثل طلة الإمبراطور أو ربما هذا ما فهمته من إشاراتها وإيماءتها، وهي لم تفهم سر تهكمي عندما مازحتها بأغنية أنغام (كأن بطلتك هيبة كما هيبة ملك). لم تكن الرحلة مباشرة إلى مطار ناريتا (Narita International Airport) في طوكيو كما ظننا، وتوقفت في مطار أوساكا (Ōsaka)، لمدة 35 دقيقة بالضبط دون تقديم أو تأخير، وهو شيء لا نستطيع أن نستوعبه في العالم العربي أو في أمريكا اللاتينية. فماذا يعني تأخير عشر دقائق أو ربع أو نصف أو حتى ساعة فلن تقوم القيامة، لكنها في اليابان تقوم، وقد تكلف غاليا، ويمكن أن تخسر مواعيد الرحلة وتفقد الحجوزات في المطارات والقطارات ومواعيد العمل والمواعيد الشخصية، إذا تأخرت في الدقائق الخمس الأولى وربما هو أول درس يتعلمه القادم إلى اليابان.
وصلنا إلى محطتنا الأخيرة وتم استقبالنا والذهاب إلى السكن الذي يقع في مقر الجامعة وهو مخصص للباحثين الدوليين من خارج اليابان، وقد صدمت في مشاهدة الغرفة التي تشبه الكبسولة لكن الغريبة أن كل ما يحتاجه الإنسان في غرفته العادية موجود. لله دركم أيها اليابانيون فعلا لقد فكروا في كل شيء ولم يتركوا أي شيء يسير عبثا دون تخطيط مسبق. هل من الممكن أن تكون هذه الغرف هي الحل لأزمة السكن في الدول العربية الكبيرة القاهرة والخرطوم ومراكش والجزائر ودمشق وعمان، سؤال طرحته على نفسي، وتذكرت ساعتها أننا سبقنا اليابان بالتفكير وتجاوزناها بمراحل فهناك الملايين ينامون فوق الأضرحة وداخل المقابر (وهي أصغر من الغرف اليابانية بكثير) في أكبر عواصم وأحياء الدول العربية، وفي دراسته الأخيرة أشار تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن 1.5 مليون مصري يعيشون في المقابر. (يتبع)

الأربعاء، 12 يناير 2011

Does 2011 hold more dreams for the Arab world

Peninsula News Paper
Wednesday, 12 January 2011

It was a mere coincidence that made me stop in Paris after leaving New York en route to London when the flight I was originally scheduled for was cancelled. At the airport, my attention was drawn to beautiful red plastic pinned to the lapels of fellow passengers in the form of a poppy flower. That flower pinned to clothing in the last months of the year is a symbol representing the victims of wars and conflicts that have ravaged the world in World War I and II. It is also a symbol to learn from the horrors of the past where non-violent measures were ignored in favor of resorting to war and bloodshed. It is a reminder to get rid of the legacy of conflict that is still raging in the rest of the world and claiming pure and innocent lives. The flower quickly fades as soon as it blooms, as expressed in the beautiful poem entitled “In Flanders Fields”, which tells the story of soldiers who fell victims in the French fields of Flanders as follows:



“In Flanders fields the poppies blow

Between the crosses, row on row,

That mark our place; and in the sky

The larks, still bravely singing, fly

Scarce heard amid the guns below.

We are dead. Short days ago

We lived, felt dawn, saw sunset glow,

Loved and were loved, and now we lie,

In Flanders fields…”



Lyman Frank Baum used it as a metaphor in his infamous novel, The Wonderful Wizard of Oz, where magical poppy fields transform anyone who tramples on them into sleeping objects that cannot be awoken. In the book, a decisive issue is also of concern to the main characters as the Scarecrow wants to get brain so that he can reflect. Meanwhile, the Tin Woodman hopes to find a heart filled with feelings, love, emotion, and passion, and the Cowardly Lion hopes to become brave so he can take on risks. Dorothy is able to convince them that the Wizard of Oz can help them achieve their aspirations and turn them into realities.

The poppy flower returned to my memory this year after a gang in Egypt stole the world-renowned Vincent Van Gogh’s painting, “Poppy Flowers”. In any case, that is not the only thing that has been stolen in the world.

On my return flight, the aircraft transported me back to the Gulf Co-operation Council (GCC) in order to spend the rest of the end-of-the-year holiday watching tears upon tears mixed with blood on the faces and bodies of those partaking in the sad, painful scenes reflecting the celebrations of more than a thousand years of Ashura. I saw sadness and blackness through the processions of grief and mourning, beatings and self-mutilation, but I did not see the hope and determination represented by the poppy flower. I did not feel the resignation to learn from the past and rather than living in it to resolve to take the lessons from it and move on. Instead, that past was identified with and revisited in order to serve particular ideologies.

Has the poppy flower perished over the season of death and solace in the Arab Gulf?

The poppy flower can be seen in the middle of a large field on the outskirts of Lashkar Gah, the capital of the Helmand province in southern Afghanistan where over 2 million Afghans and Pakistanis work. After the dawn prayer, which the group collectively complete, it is the time for farming, cultivating, and waiting for the harvest. There, the poppy is used for far more than innocent uses, the most important of which is trade in prohibited narcotics. The drug trade continues to finance the Taliban and other armed movements. Afghanistan produces more than 90 percent of the world’s heroin, according to the United Nations Office for Drug Control and Crime Prevention. Helmand province alone comprises of more than 35 percent of the country’s opium.

From those cultivated fields; the Afghan poppy fields that kill whoever steps upon them, on to the volatile, bomb-ridden fields in the Arab region. Conflicts, wars, divisions, disturbances, and failures are plaguing the present and the future. One of them is the Palestinian cause, nearly eternal as it has lasted for nearly half a century and more. To neighboring Iraq and the threat of differences and divisions. On to the open confrontation and armed clashes in Yemen, and calls for separatism in Sudan, whose fate will be decided this month, January 2011. It is feared to be just around the corner from the secession of the southern part, renewed separatist movements in Darfur, from the east, north, to the centre. To Somalia, where dismemberment, fragmentation, civil war, and competing rivals manipulating religious slogans, which Islam has little to do with. On to fear for Lebanon and igniting a battle between one people, a political spectrum, religions of Christianity and Islam, and Shiite and Sunni sects after the decision of the International Tribunal next near. Then to renewed Saharan conflict between Morocco and Algeria, which have been bleeding for more than three decades and in recent developments have accused some countries of the GCC in fueling the conflict and helping parties in the battle against one another.

What is the solution for Arab problems when the situation is deteriorating year after year, despite recent news of hope such as one of the smallest countries in the Arab world in terms of area and population hosting the World Cup in 2022?

Should we wait for hundreds of years until it is time for a Savior to saves us from our pain and suffering? Should we resort to the visionary leader and dictator, tyrant of Justice, to save us from the quagmire in which we live? Should we go back to the era of the Righteous Caliphate in order to restore our history and our glory? Or resort to the Wizard of Oz to ask him for help in giving us a brain for us to use when reasoning address our crucial issues before they kill us? Perhaps he can provide us with a heart full of warm feelings, emotions, and love for one another – regardless of our different nationalities, races, ideologies, religions, and sects. Maybe he can give us the courage to say enough is enough and stop this absurd cycle from our past, present and future! Or we may not need anyone but ourselves because all of those qualities dwell within us. What is certain is that pleasant dreams are still elusive in the Arab world.

As usual, as one year ends and the next year begins, my mind still wanders to the same question: How will be the Arab calendar in 2011 look? Will it be better than, similar to, or worse than the past? Is it a happy new year

الثلاثاء، 11 يناير 2011

التعايش المسيحي - الإسلامي.. لوحة الفسيفساء الناقصة

جريدة الشرق
2011-01-12

القبول بالآخر يتعرض لضربات موجعة في الكثير من العواصم العربية
مشاكل خطيرة متمثلة في التمييز والتعصب وانتهاك حقوق الأقليات الدينية
لا نريد أن نتجاهل الجزء الممتلئ من الكأس ولو كان قليلا

اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا وثمود، وأقم الصلاة.. كان هذا الدعاء هو خاتمة خطبة الجمعة التي حضرناها قبل مغادرة مدينة تامبا (Tampa) ولاية فلوريدا الأمريكية، وألقاها خطيب من أصول عربية مغربية، ودارت حول التعامل مع اليهود والنصارى والاحتفال بأعيادهم، والمسجد يقع في منطقة اغلب سكانها من البروتستنت واليهود وأصحاب الديانات الأخرى. دعاء مشابه ختم به خطيب مسجد ليستر (Leicester) في بريطانيا، في خطبة الجمعة في الاحتفال بأعياد الميلاد قبل نهاية سنة 2010، وهو من أصول آسيوية (هندية — باكستانية) والمسجد يقع بالقرب من أشهر كنيسة في المدينة كان لها الفضل في تبني حوار بين الأديان السماوية في محاولة لفهم الآخر وتقريب وجهات النظر على رأسها الإسلام، ونفس الدعاء استمع إليه كلما زرت الأهل والأقرباء في بعض المدن الخليجية في الرياض والمنامة والدوحة.. فهل نستغرب بعد كل هذا الأجواء الملغومة والثقافة السياسية المعادية والتعبئة النفسية والعاطفية التاريخية المستمرة في عالمنا من أن يقوم شخص ما في مكان معين ويترجم دعاء بعض امة المساجد ومعه دعوات المصلين "أمين" إلى واقع ويقوم بتفجير نفسه ويزلزل الأرض من تحت إقدامهم؟! وهل حقا بحاجة أن تقوم منظمة القاعدة وجنودها بالمهمة في عالم يعيش فوق بحيرات وبرك "الكيروسين" القابلة للاشتعال والكل يحمل ثقاب كبريت في يده؟ البرك القابلة للاشتعال بدأت تتفجر في العراق ووصلت إلى مصر والمحطة القادمة هي بيروت؟! ولن يتوقف هذا الكابوس الكئيب عند انفجار سيارة مفخخة خارج كنيسة مصرية تاركة وراءها 20 قتيلا، وقيام فريق من المسلحين التابعين للقاعدة بقتل عشرات الأشخاص في كنيسة ببغداد، فالتعايش الإسلامي — المسيحي والتسامح والقبول بالآخر الذي شكل منذ قرون نموذجا مميزا فريدا يتعرض لضربات موجعة في الكثير من العواصم العربية.
حتى في اشد مراحل التاريخ ظلامية ودموية كان التعدي والاعتداء على الآخر المخالف في العقيدة وخصوصا المسيحي يعتبر منطقة محرمة الاقتراب منها، ويذكر التاريخ "الطبري" حادثة الخوارج الذين وجدوا رجلا فعرضوا له يسألونه: أمسلم أنت أم كافر؟ فقال: بل أنا مسلم، فسألوه عن علي، فأجابهم بالحق فقالوا له: كفرت يا عدو الله، ثم حملوا عليه فقطعوه قطعا وأشلاء متناثرة. ووجدوا معه رجلا من أهل الذمة فقالوا: ما أنت؟ قال: رجل من أهل الذمة، قالوا: أما هذا فلا سبيل عليه. وحادثة أخرى حينما نزل التتار دمشق وعاثوا في الأرض فسادا وأسروا من أسروا فيها من مسلمين وأهل كتاب أرسل السلطان قلاوون إليهم الإمام ابن تيمية ليفاوضهم في إطلاق سراح الأسرى عرضوا عليه أن يطلقوا له سراح الأسرى من المسلمين فقط فأجابهم الإمام ابن تيمية قائلا: "أهل ذمتنا قبل أهل ملتنا".
لقد شكلت أعداد الأقليات المسيحية العربية في بداية القرن العشرين 20 % من عدد سكان الشرق الأوسط إلا أن عددهم اليوم لا يتجاوز 12 مليون نسمة وهو يمثل 5 % من عدد السكان، وعلى الرغم من أن المسيحيين لعبوا أدوارا مهمة في مجالي النضال القومي والثقافة وفي الحركات اليسارية المعادية للاستعمار في العقود المبكرة من القرن العشرين كما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز (Los Angeles Times)، فإن ما يقرب من نصف مليون مسيحي في العراق قد هربوا من البلد منذ بدء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وبغياب ملاذات آمنة أو ميليشيا لحمايتهم، وجد المسيحيون العراقيون أنفسهم واقعين بين المصادمات العربية — الكردية والشيعية — السنية، إضافة إلى الهجمات المباشرة ضدهم على يد القاعدة والآن أصبح عددهم لا يزيد على 3 % من عدد السكان، أما الوسط المسيحي القبطي في مصر والذي يشكل 10 % من عدد سكان مصر فإنه الآخر يعاني من التمييز والعداء المفتوح من قبل الحركات الإسلامية المتطرفة.
وفي السودان ظلت الحكومة في حالة حرب مع الجنوب ذي الأكثرية المسيحية لعقود، وهبط عدد المسيحيين الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون 15 % من عدد السكان في فلسطين في بداية الخمسينيات من القرن الماضي إلى 1 % اليوم، وهم دفعوا لمغادرة الأراضي الفلسطينية مع زيادة قسوة شروط الاحتلال وتصاعد سلطة حزام والإسلام المتشدد. وفي سوريا يشكل المسيحيون 10 % من عدد السكان وتحققت حماية لهم تحت حكم الدولة إلا ان العدد راح يتقلص تدريجيا، وكان لبنان البلد الوحيد الذي يشكل المسيحيون الأكثرية بين كل البلدان العربية الأخرى ومع اندلاع حرب أهلية ما بين عامي 1975 و1990 غادر الكثير من المسيحيين لبنان إلى الخارج، لقد أشارت التقارير الدولية إلى أن هناك مشاكل خطيرة مازالت منتشرة في بعض الدول العربية متمثلة في التمييز والتعصب وانتهاك حقوق الأقليات الدينية، وتطرقت إلى مجموعة من أحداث العنف والتمييز ضد المسيحيين أو الأقليات الدينية الأخرى لم تتخذ الحكومات الخطوات الكافية لوقف أعمال القمع أو حتى معاقبة المسؤولين عنها وعن الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الدينية.
ومع ذلك لا نريد أن نقفز ونتجاهل الجزء الممتلئ من الكأس ولو كان قليلا، وأهمها الوعي بخطورة الوضع واتخاذ المواقف الرافضة والمستنكرة للعنف والإرهاب والمشاركة والمساهمة في وقفه والحماية من انتشاره، لقد أعلنت أكبر ثلاث منظمات إسلامية في هولندا عن عزمها حماية الكنائس القبطية هناك، بعد تهديدات عناصر إرهابية بشن هجمات عليها. وعملت مجموعة من النساء المسلمات في هولندا على إقامة وقفة تضامنية تجمع مسلمين ومسيحيين بروتستنت مع المسيحيين المصريين، والصلاة التي جمعت بين الإمام فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية والدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف وقداسة البابا شنودة في الكاتدرائية بالعباسية، والدعوة إلى قيام لجنة واحدة من الأزهر والكنيسة لحل أي خلافات تحدث بين المسلمين والمسيحيين.. حتى صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post)، أشادت في مقالها الافتتاحي،، بروح الإسلام المعتدلة التي ساهمت بشكل ما في حماية الكنائس القبطية، للاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وقالت إن الآلاف من المصريين توجهوا للمساعدة في حماية كنائس مصر بأجسامهم بعد التفجيرات البشعة التي هزت الإسكندرية وكنيسة القديسين. وربما من أروع النماذج التي تستحق الاعتزاز والتقدير هي المتمثلة بالتعايش بين العائلات المسيحية والعائلات المسلمة جنبا الى جنب في فلسطين من محبة وتآخ وعادات وتقاليد اجتماعية واحدة، تعايش فريد رغم الاختلال العقائدي والديني والاحتلال والعدوان والحصار وتهديم البيوت والاعتداء، من خلال التعاون والتعاضد والتكاتف والإيمان بمستقبل أفضل من الماضي والحاضر، انها لوحة فسيفساء جميلة أتمنى أن تنتشر في العالم العربي.
ودعونا نختم بدعاء كما بدأنا به "اللهم اجمع شملنا وشملهم، ووحد صفوفنا وصفوفهم، وأحفظ أطفالنا وأطفالهم" اللهم أمين.

الأربعاء، 5 يناير 2011

العرب وأمريكا والتصورات الخاطئة نحو الآخر

العرب وأمريكا والتصورات الخاطئة نحو الآخر!
جريدة الشرق
2011-01-05

الأمريكيون هل أصبحوا أكثر تعصباً تجاه المسلمين والعرب؟!
لم نفعل سوى القليل لمحاربة الصورة الشائعة المتعلقة بالإرهاب أو شيوخ النفط
تضخيم الدور الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة

المحاولات التي بذلت ولا تزال في تغيير الصورة النمطية المتعلقة بالعرب والمسلمين تصطدم دائما بالواقع المزري الذي تعيشه المنطقة من صراعات وحروب ومعارك دينية ومذهبية وغياب للديمقراطية والتداول على السلطة وحرية الرأي والتعبير والعدل في توزيع الثروة وغياب المجتمع المدني وقضايا حقوق الإنسان، بالإضاقة إلى قضايا تعثر التنمية والفقر والجهل والأمية. والإنسان الذي قدر له العيش في هذه الأجواء لابد أن يحاصر نفسه بسياج سميك من نظرية المؤامرة (Conspiracy Theory)، والتصورات السلبية عن نفسه ومجتمعه ومنطقته وبقية أنحاء العالم، وعوضاً من أن ينهض ويعمل ويتحرك ويغير من وضعه ويفرض واقعاً جديداً لحاضره ومستقبله، يصنع شماعة يعلق عليها خيبته وأخطاءه وعجزه وجهله وكسله؟! شماعة يزداد حملها يوماً بعد الآخر يضع من فوقها وتحتها وعن يمينها وعن شمالها، تراجعه وفشله السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعسكري، والديني، والفكري، والثقافي، والتنموي، والزراعي، والإداري، والتربوي، والقائمة طويلة ولا تنتهي!! في هذا العالم المريض يصبح من الصعب التفكير والتأمل وطرح الأسئلة والإجابة العلمية عليها، أبسطها لماذا تنجح المؤامرات في هذه المنطقة مقارنة بغيرها، وما مدى القابلية في الإيمان بالمؤامرة وتمكينها ونشرها وإقناع الآخرين بها؟! ماذا عن المسؤولية وتحمل الأخطاء والنقد الذاتي والقدر على المواجهة والمجابهة والتغيير؟!.
الدكتور جيمس زغبي الناشط العربي الأمريكي ورئيس المعهد العربي الأمريكي اصدر كتابا حديثا أثار الجدل من جديد حول صورة العرب بعنوان "أصوات عربية" وقد اعتمد فيه على استطلاعات الرأي للوقوف على جوانب العلاقة المتأزمة والمتفاقمة بين العرب وأمريكا. واتفق مع الدكتور محمد عرفة في تحفظه على استخدم كلمة أساطير التي استعان بها زغبي في كتابه ومقالاته فهي لا تقدم المصطلح العلمي المطلوب في وصف الحالة في نظرة أمريكا للعرب أو العكس والتعويض عنها بمصطلح أوهام أو التصورات الخاطئة في النظر كل منهما إلى الآخر. لا شك في أن هناك العديد من الجهل وافتقاد المعلومات الضرورية في الحكم على التصرفات والمواقف الظواهر المختلفة التي تبرز على السطح من وقت إلى آخر، وعن أسباب الجهل في النظرة الأمريكية يشير زغبي إلى أن أمريكا تعيش في عالم من الصور النمطية فهي قارة تفصل بينها وبين العوالم الأخرى محيطات ونتج عن ذلك نظرة اختزالية للآخرين، حيث يتم وضع صور الآخر في قوالب نمطية سواء (اللاتينو) القادمون من أمريكا الجنوبية أو الأفارقة أو الفرنسيون أو الأيرلنديون في صور نمطية، وصورة العربي وكذلك المسلم أيضا. ولقد نجح الكثير من الجاليات الأمريكية المهاجرة في كسر معظم تلك الصور النمطية السلبية مثل إن كل الأيرلنديين ليسوا مخمورين، أو أن (اللاتينو) ليسوا كلهم كسالى أو السود ليسوا مجرمين وغيرهم ولكن صورة العرب لم تتغير لأن العرب لم يفعلوا سوى القليل لمحاربة الصورة، بالإضافة إلى ذلك هناك مجموعة معروفة وهي جماعات المصالح "اللوبي"، التي نجحت في ترسيخ ونشر تلك الصورة وهي عالقة في الأذهان فإذا نظرت إلى الثقافة الشعبية تجد أن العربي هو إما الإرهابي أو من شيوخ النفط، نحن نسأل الأمريكيين في استطلاعاتنا ما هو أول شيء يخطر ببالكم عندما تفكرون في عربي؟ إجابتان طاغيتان، النفط والعنف. وهناك تصور آخر يشير إلى إنهم كلهم غاضبون ويكرهوننا فهم ينامون الليل ويستيقظون في الصباح وهم يكرهون أمريكا وإسرائيل ويقضون يومهم في الكراهية، يشاهدون الأخبار في التلفزيون أو يذهبون إلى الجوامع ليستمعوا إلى الوعاظ الدينيين الذين يؤججون ذلك الغضب. ويشاهد الأمريكي في الأخبار شخصاً ملتحياً يرسل شريطاً صوتياً من كهف في أفغانستان ويستمع إليه الأمريكيون ويقولون يا إلهي أنهم العرب! انه شخص يعيش في كهف ويرسل شريط كاسيت؟!
ولكن ماذا عن التصورات النمطية التي تحكمنا في عالمنا أيضا؟! من الأفكار التي عرضها زغبي انه بنفس الطريقة التي تظلل فيها تصورات خاطئة الفهم الأمريكي تجاه العرب، توجد تصورات كثيرة تشوه فهم العرب لأمريكا والشعب الأمريكي. ومنها الاعتقاد السائد لدى العرب بأن عملية صياغة السياسة الأمريكية إنما تتم على نحو تشاوري بالاعتماد على فهم عقلاني للمشاكل المطروحة وإدراك جيد للنتائج المترتبة عليها، والحال أن هذا من الأساطير المضللة التي تفسح المجال أمام ازدهار نظريات المؤامرة. أما الأخرى التي تحظى بانتشار واسع في الأوساط العربية فهي المتمثلة في الدور المبالغ فيه للوبي الإسرائيلي أو الطائفة اليهودية في أمريكا وسيطرتها على جميع مفاصل القوة والنفوذ في الولايات المتحدة، والحال أن الجزء الأكبر من الثروة والنجاح والنفوذ الموجود في أمريكا، حتى وإن كان اليهود قد حققوا بالفعل نجاحات مهمة في جميع مناحي الحياة، تبقى في أيدي الشرائح التقليدية في أمريكا من البروتستانت البيض الأنجلو - ساكسونيين. وهناك تصور أخرى يرى العرب أن الأمريكيين أصبحوا أكثر تعصباً تجاه المسلمين والعرب، وأن أمريكا لم تعد المكان المتسامح الذي يستطيعون فيه ممارسة حريتهم الدينية، والحقيقة عكس ذلك تماماً، فرغم التصاعد الملحوظ في جرائم الكراهية تجاه المسلمين في السنوات الأخيرة، فإن ذلك يبهت مقارنة بتلك التي تستهدف اليهود ومعاداة السامية.
النصيحة التي يقدمها زغبي للعرب والمسلمين هي التأهب والمواجهة، ورفع الأصوات عالياً، وضرورة أن التنظيم والتخطيط وتغيير الواقع وليس التذمر فقط، فالتذمر والشكوى ليسا استراتيجية، الاستراتيجية هي التنظيم من أجل الفوز.