الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

نظرة خليجية سلبية نحو مؤسسات المجتمع المدني!

2010-10-27
جريدة الشرق

عدد الجمعيات والمؤسسات الخاصة يتجاوز عشرة آلاف وعضوية مليون شخص من 48 مليوناً عدد سكان الخليج
معظم الجمعيات يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي
غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور

عدة تعريفات ارتبطت بمفهوم المجتمع المدني سواء تلك التي ارتبطت بالفكر أو الممارسة، إن مفهوم المجتمع المدني، ينطوي على تنظيم الناس لأنفسهم للمشاركة في حل مشكلاتهم والتعبير عن آرائهم ومبادئهم ومعتقداتهم، والدفاع عن مصالحهم في مواجهة الآخرين بشكل سلمي، والمدنية التي يشتق منها لفظ مدني تعني الأسلوب المتحضر في التعامل والتسامح مع الآخر كما يشير علي الصاوي. ولكن هل يوجد مجتمع مدني في منطقة الخليج، الدراسات المختلفة تشير الى أن عددها يتجاوز عشرة آلاف جمعية ومؤسسة خاصة بالمجتمع، كما يتراوح عدد المنتسبين المنضمّين إليها ما يزيد على مليون شخص من 48 مليوناً وهو عدد السكان في الخليج حسب الإحصائيات الرسمية. إلا أن الصفة الغالبة في هذه المؤسسات أن اغلبها مؤسسات خيرية أو يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي الإسلامي في إطار حقوق الزكاة أو ما نسميه "التكافل الاجتماعي" لمساعدة من يحتاج إليه، لاسيما من ذوي الإعاقة أو الفئات الفقيرة أو الضعيفة، ويقول الباحث عبد الحسين شعبان، إن تداول مفهوم الشراكة والتحول الكوني باتجاه الإصلاح والاعتراف بدور المجتمع المدني، جعل الدولة الخليجية الريعية أمام سؤال كبير، إذ لا يتعلق الأمر بالاقتصاد ودور القطاع الخاص والاعتماد على اقتصاد السوق فحسب، بل يتعلق بدور المجتمع المدني، خصوصاً أن دولاً خليجية كانت قد وقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يتطلب تكييف قوانينها وأنظمتها، فضلاً عن دساتيرها لتتماشى مع الاتفاقيات الدولية، وإن تطلّب الأمر مراجعة ذلك ضمن نظرة شاملة في إطار المُنتظم العالمي، وهو ما يمكن إشراك المجتمع المدني فيه. وينوه شعبان بأن الخطاب الرسمي الخليجي يؤكد قيمة المشاركة ودور المجتمع المدني، إلا أن ثمة كوابح منظورة وأخرى غير منظورة بحكم طبيعة المجتمعات الخليجية المحافظة التي تحول أحياناً دون مشاركة فعّالة، ناهيكم عن المركزية في شكل الدولة، يضاف إليها التماهي بين الحاكم والسلطة أحياناً. ولعل أهم العقبات الفكرية والعملية التي تعترض المشاركة هي عدم وجود تشريعات تؤمن ذلك، فالحكومة في غالب الأحيان هي المخوّلة بالتشريع، ناهيكم عن أن التمويل بيدها، وهي تنظر إلى مؤسسات المجتمع المدني نظرة تصغيرية وتشكيكية، فإما أنها تعتبرها منظمات سياسية وفي خانة المعارضة أحياناً أو جزءا من توجهات خارجية، أو تتحفظ على أهدافها وأساليب عملها؟!
طبيعة المجتمع المدني الخليجي مرت بعدة مراحل، تطرق لها الباحث رمضان عويس، أهمها مرحلة البدايات وهي جاءت مع بدايات النصف الأول للقرن العشرين خاصة في دولتي البحرين والكويت، وقد غلب على هذه المرحلة مشاركة النخبة السياسية الحاكمة ذاتها في تكويناتها بجانب فئات التجار والصيادين والملاحين، كما غلبت على أهدافها النواحي الثقافية والأدبية والتنموية، ومن ثَم لم يكن غريباً أن تأتي مطالبها ومواقفها متناغمة إلى حد كبير مع مطالب النخبة الحاكمة والمنتدب البريطاني آنذاك. مرحلة الانتقال وترجع إلى خمسينيات القرن العشرين والستينيات، حيث بدأت دول تلك المنطقة تعرف شكلاً أكثر تبلوراً للدولة بالمعنى الحديث، ومن ثَم بدأت مطالب وتشكيلات مؤسسات المجتمع المدني تنحو نحو الجوانب السياسية وقضايا المشاركة الشعبية. وقد شهدت مجتمعات مثل البحرين والكويت ودبي مظاهرات وانتفاضات تصب في هذا الاتجاه. بعدها مرحلة الطفرة النفطية، حيث بدأت عوائد النفط تؤتي ثمارها وبدأت خطط التنمية الاقتصادية تتبلور بشكل واضح، كما أن مؤسسات الدولة بدأت في الترسخ، وتدعمت سياسات الدولة في مجال التعليم والخدمات بالشكل الذي نراه في وقتنا الحاضر، وهو ما وضع دول الخليج العربية في مراتب متقدمة في تصنيفات التنمية البشرية عالميّاً وعربيّاً، كما بدأت تلك الدول تتوسع في الأخذ بنظام المجالس الشورية سواء المنتخبة أو المعينة.
في كتابه عن المجتمع المدني الخليجي تحت عنوان "الديمقراطية العصيّة في الخليج العربي يقوم الدكتور باقر النجار بعرض وتحليل دقيق للمجتمع الخليجي وطبيعة مؤسسة الدولة وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في كل من الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر. ويستند إلى دراسة ميدانية شاملة تتضمن عشرات البيانات والجداول التي تتناول الهيئات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب، السياسية والدينية، وميادين نشاطها ووسائل تمويلها وأساليب عملها. ويرصد ما طرأ على هذه المعطيات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي ضوء المتغيرات التي تفرضها العولمة، ثم يستشرف مستقبل الإصلاح السياسي في منطقة الخليج. ويعتبر المؤلف أن المجتمع المدني عبارة عن تجمعات ذات هياكل تنظيمية، وهي تجمعات ومنظمات لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي المباشر للفرد المنتمي إليها أو الجماعة المشكلة لها. وأعضاؤها هم كذلك بفعل إرادتهم الحرة وخيارهم الشخصي، لا بفعل انتماءاتهم القبلية أو الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية. وهي منظمات تعمل في الفضاء القائم بين الدولة والعائلة. ولكونها منظمات مدنية، فإنها لا تمارس العمل السياسي كالأحزاب والمنظمات السياسية، إلا أن السياسة تتقاطع مع بعض أنشطتها، كما أنها لا تمثل العنصر الأصيل فيها كما هي حال الأحزاب والمنظمات السياسية. ومنظمات المجتمع المدني لا تأتي على وتيرة أو نسق موحد، وإنما هي تتشكل في إطار الفضاء والسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي السائد. وهي بذلك قد تختلف من مجتمع لآخر ومن سياق زمني لآخر، إلا أن جوهر تشكيلها ونشاطها اللاربحي والمجتمعي هو الباعث على تشكيلها. ويشير النجار الى أن التحولات التي شهدتها المنطقة، منذ «الطفرة النفطية» في السبعينيات مروراً بالثورة الإيرانية وحروب العراق الثلاث، ساهمت في حل بعض من المشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية لمجتمعات دول الخليج العربي. إلا أنها بالمقابل قد عمّقت من معضلات علاقة الدولة بالمجتمع في الداخل، وتحديداً في علاقتها مع الجماعات والفئات الأقل حظاً في نصيبها من الثروة النفطية، أو في علاقتها مع الفئات الطبقية الجديدة التي لم تعد قادرة على التكيف مع الآليات التقليدية في إدارة الدولة في مجتمعات بدت في جوانبها المادية والاقتصادية في غاية التعولم.
نصيحة يقدمها فؤاد إبراهيم لدول الخليج يذكر فيها أن المراقب لأوضاع الخليج خلال العقدين الماضيين يلحظ بوضوح كيف بدت الحاجة إلى أن تفسح دول الخليج المجال أمام ظهور مؤسسات أهلية تستوعب هذا التطور الكبير الذي شهدته هذه الدول مع اتساع حجم الطبقة الوسطى كمنتج أساسي لعملية التحديث. ففرص التعبير الحالية لم تعد كافية لاستيعاب حاجات المواطنين، والافتتان المكرور بما يسمى بالمجالس المفتوحة أو مجالس استشارية مترهلة أو الاحتجاج بنصوص مفتوحة في الدساتير أو النظم الأساسية لا يتجاوز غرضها حد "كليشيات" التجميل لن يلغي حقيقة كون هذه المجالس والنصوص تظل عاجزة عن توفير الضمانات الكفيلة بتلبية متطلبات مجتمعات مفتوحة على التجارب السياسية في العالم مع غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور. وحتى لا نضيف في رصيد المقولة الدارجة بأننا نسن القوانين حتى نخالفها، فإن الحاجة تجاوزت مجرد وضع قوانين معلبة فالقوانين تسن لتنظيم عمل المؤسسات للحيلولة دون تداخل مهماتها وأدوارها ولكن حين لا توجد هناك مؤسسات في الأصل فان وجود القوانين يصبح لغواً باطلاً، بل تصبح القوانين غطاء يحمل بداخله مبرر انتهاكه وخرقه. ثمة حاجات لدى مواطني هذه البلدان يراد لها أن تعبر عن نفسها في مؤسسات، فإما أن تتولى الدولة مهمة خلق المناخ المناسب ووضع الترتيبات القانونية لظهورها كما حدث في البحرين منذ ديسمبر الماضي أو أن ترعى الدولة المبادرات المستقلة التي يضطلع بها ذوو الكفاءات والمهتمون بتنمية المواهب وتمثيل المصالح العمومية. مع الإشارة إلى أن الرعاية لا تعني سوى تقديم الدعم المادي والمعنوي لها لا الانطلاق من فكرة الاستحواذ عليها أو ربطها بالجهاز البيروقراطي وإحالتها إلى مجرد جهاز ملحق بنشاطية الدولة كما الحال بالنسبة للنوادي الرياضية والأدبية والمؤسسات الصحفية التي بدأت مستقلة في نشأتها ثم تحولت إلى أجهزة ملحقة بماكينة الدولة.؟!
من الواضح أن هناك سعيا في معظم دول الخليج لتأخير التغيير قدر الإمكان لكنها فاتورة مكلفة ستدفع المنطقة ثمنها باهظا وان طال الزمن والسؤال لماذا تفعل ذلك؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق