الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

العام الجديد "2011"... هل يحمل المزيد من الأحلام العربية؟!

2010-12-29
جريدة الشرق

فرحة استضافة أحد أصغر الدول العربية في المساحة والسكان المونديال العالمي
الصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات تعصف بالحاضر والمستقبل
الأحلام السعيدة لا تزال صعبة المنال في العالم العربي

الصدفة وحدها جعلتنا نتوقف في باريس الفرنسية بعد مغادرة نيويورك الأمريكية في الطريق إلى لندن البريطانية، عندما تم إلغاء رحلتنا المقرر الصعود عليها. وفي المطار لفتت انتباهنا تلك الزهور البلاستيكية الحمراء الجميلة المعلقة على صدور المسافرين في المطارات الثلاثة وهي على شكل زهرة الخشخاش "Poppy Flowers". والزهرة التي تعلق على الملابس في الشهور الأخيرة من السنة تعتبر رمزا يمثل ضحايا الحروب والصراعات التي عصفت بالعالم في الحرب العالمية الأولى والثانية، لكنها رمز أيضا في التعلم من الماضي وأهواله من عدم استخدام العنف واللجوء إلى الحروب والدماء وتكرارها مرة أخرى. والتخلص من ارث الصراعات التي مازالت تدور رحاها في بقية أرجاء العالم وتحصد أرواح طاهرة وبريئة. والزهرة التي سرعان ما تذبل بمجرد تفتحها، عبر عنها في قصيدة جميلة بعنوان "في حقول فلاندرز "In Flanders Fields"، وتحكي القصيدة قصة الجنود الذين سقطوا ضحايا في حقول "فلاندرز" الفرنسية على الشكل التالي: "في حقول فلاندرز تتفتح أزهار الخشخاش، وتتمايل بين الشواهد وصفوف القبور، الطيور ما تزال تغني وتطير بشجاعة، وهديلها لا يكاد يسمع، في ضجة أصوات القنابل، نحن الموتى.. كنا أحياءً منذ أيام، لقد عشنا وأحسسنا ببزوغ الفجر، ووهج الغروب، كنا عشاقا، وكنا معشوقين، ولكننا الآن ممددين في حقول فلاندرز". ولقد استعان بها كصورة مجازية ليمان فرانك (Lyman Frank Baum) في الرواية العالمية " ساحر أوز الغريب " "The Wonderful Wizard of Oz" حيث تحول حقول الخشخاش السحرية كل من يدوس عليها إلى كائن نائم لا يستطيع الاستيقاظ. وفي الرواية قضية مصيرية أيضا تشغل بال الشخوص الرئيسية حيث إن فزاعة الطيور ترغب في الحصول على عقل كي تستطيع التفكر. وحارس الغابة يتمنى قلبا تملأه المشاعر والحب والعواطف والأحاسيس. والأسد الجبان يأمل أن يصبح شجاعا حتى يستطيع مواجهة المخاطر. أما "دوروثي" تتمكن من إقناعهم بأن ساحر أوز يمكن أن يساعدهم على تحقيق أمانيهم وتحويلها إلى واقع؟! لقد تداعت إلى ذاكرتي زهرة الخشخاش هذه السنة بعد أن قامت عصابة في مصر بسرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان الهولندى العالمى فان جوخ "Vincent van Gogh"، وعلى أي الحال فهو ليس الشيء الوحيد الذي تمت سرقته في أم الدنيا؟!
في العودة حملتني الطائرة إلى الخليج لكي أقضي ما تبقى من إجازة نهاية السنة، ورأيت البكاء والدموع مختلطة بالدماء على الوجوه والأجساد والمشاهد الحزينة المؤلمة تتجسد في احتفالات تتجاوز ألف عام في مراسم عاشوراء، شاهدت الحزن والسواد، وخروج مواكب الحزن والعزاء والضرب والتطبير، ولكني لم جد زهرة الخشاش لم استشعر الأمل والعزيمة من التعلم من الماضي وليس العيش فيه، وأخذ العبر والدرس منه وليس التماهي معه واجتراره وتجييريه لخدمة أيديولوجيات خاصة. وان اختفت زهرة الخشاش في مواسم الأموات والعزاء في الخليج "العربي "؟! فهي تظهر في وسط حقل كبير في ضواحي لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند الجنوبية في أفغانستان، وهناك يعمل أكثر من 2 مليون أفغاني وباكستاني. وبعد صلاة الفجر التي عاد ما يقيمها هؤلاء القوم جماعة، يبدأ موعد الزراعة والفلاحة وانتظر الحصاد بعدها. وهناك فالزهرة الخشخاش استخدامات أخرى غير بريئة أهمها التجارة بالمواد المخدرة الممنوعة، وتجارة المخدرات ما زالت تمول حركة طالبان وغيرها من الحركات المسلحة، وتنتج أفغانستان أكثر من 90 بالمائة من هيروين العالم وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات ومنع الجريمة، وينتج إقليم هلمند وحده أكثر من 35 بالمائة من أفيون البلاد.
ومن حقول الأفغانية المزروعة بحقول الخشخاش التي إذا ما داس عليها الإنسان قتلته، نصطدم بالحقول الملغومة والمتفجرة في منطقتنا، فالصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات والإخفاقات تعصف بالحاضر والمستقبل. من قضيتنا الأزلية الفلسطينية منذ ما يقارب النصف قرن ويزيد. إلى الجار في العراق وخلافات التهديد والتقسيم. إلى المواجهات المفتوحة والاشتباكات المسلحة في اليمن. والدعوات الانفصالية في السودان التي سيتقرر مصيره في شهر يناير "2011"، من أن يخشى أن يكون قاب قوسين أو أدنى من انفصال الجزء الجنوبي وتجدد الحركات الانفصالية في دارفور والشرق والشمال وحتى الوسط؟! إلى الصومال والتمزيق والتفتيت والحرب الأهلية والمتاجرة بالشعارات الدينية المتناحرة ومنها الإسلامية وهو بريء منهم ومما يفعلون. الخوف على لبنان وإشعال المعركة بين الشعب الواحد، والأطياف السياسية، والأديان المسيحية والإسلام، والمذاهب الشيعية والسنية بعد قرار المحكمة الدولية القريب القادم. إلى النزاع المتجدد بين الصحراء في المغرب والجزائر وهو نزيف يتجاوز ثلاثة عقود وفي التطورات الأخيرة اتهمت بعض دول الخليج في تأجيج النزاع ومساعدة طرف في معركته ضد الآخر؟!
ولكن ما الحل وأحوالنا وأوضاعنا تتدهور سنة بعد الأخرى رغم الأخبار القليلة الباعثة على الأمل مثل استضافة احد اصغر الدول العربية في المساحة والسكان وهي قطر المونديال الرياضي العالمي "2022"؟ هل سننتظر لمئات السنين حتى يصل المنتظر أو المخلص الذي يخلصنا من آلامنا وأوجاعنا وعذاباتنا؟ هل نلجأ إلى القائد الملهم والديكتاتور المستبد العدل لينقذنا من المستنقع الذي نعيش فيه، هل نعيد عصر الخلافة والخلفاء لكي نعيد تاريخنا وأمجادنا؟! أو نلجأ إلى "ساحر أوز" لنطلب منه المساعدة في أن يعطينا عقلا نفكر به ونستعين فيه لمعالجة قضايانا المصيرية قبل أن تقتلنا؟، ويزودنا بقلب عامر بدفء المشاعر والأحاسيس والعواطف والحب بين بعضنا البعض وان اختلفت جنسياتنا وأعراقنا وأفكارنا وأدياننا ومذاهبنا وملتنا! ويمنحنا الشجاعة لنقول كفى ونوقف هذا العبث بأوطاننا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا!. أم أننا لا نحتاج إلى أحد سوى أنفسنا فكل ذلك يسكن في داخلنا ولكن؟!ّ الأكيد أن الأحلام السعيدة مازالت صعبة المنال في العالم العربي.
كعادتي قبل أن تنتهي رزنامة عام "2010" التي تشبه شكل أعواد الثقاب "أعواد الكبريت" (Matches Calendar)، مرسوم عليها كل أيام السنة، وفي كل يوم يجب أن تقطع عوداً أو ترميه حتى يظهر اليوم الذي بعده، سارعت إلى المكتبة المجاورة لبيتي في بلاد الغربة لأحصل على رزنامة العام القادم وفي خاطري لا يزال يجول السؤال ذاته هل ستكون الرزنامة العربية "2011" أفضل، أو وضعها مماثلا، أو ستكون أسوأ؟.. وهل كل عام أنتم بخير؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق