الخميس، 18 نوفمبر 2010

الاكتشافات العلمية تغير نظرتنا إلى أنفسنا والعالم من حولنا

2010-11-18
جريدة الشرق
من حكايات الجني ابن الجنية إلى استنساخ الخلايا البشرية
جينات أوروبية تعود جذورها إلى أصول خليجية عربية وشرق أوسطية
المستقبل يعلن موت الفلسفة كعلم ويدشن عصر الفيزياء

المجالس والمنتديات الخليجية شغلت في الأيام الماضية بحكاية تربط بين الإنسان والعالم الآخر، وهي تتحدث عن الجني الذي حرض قاضي محكمة على سرقة واختلاس ما يقارب 200 مليون دولار؟ وطالب محامي الدفاع من جانبه إحضار (الجني ابن الجنية) إلى المحكمة لسماع أقواله، أو مقاضاته إن لم يثبت الحقيقة! والغريب أن هناك الكثير ممن يصدق هذه القصص والحكايات في ديارنا ويروج لها ويكفر من يطعن فيها، وينكر في الوقت نفسه أي اكتشافات أو حقائق علمية قديمة أو جديدة؟!
ومن العالم الآخر السفلي في ديارنا، إلى الأرضي والفضائي في بقية العالم، والاكتشافات العلمية الأخيرة التي ستغير مفاهيمنا التي عرفناها بشكل يشلنا حتى عن التدبير والتفكير، فهل نحن على استعداد للتعاطي والتعامل معها أم كالعادة نصحو على المفاجآت والصدمات المروعة؟! حسب المنهج العلمي المتعارف عليه هناك ثلاث ثورات هزت العالم وهي الثورة الكوبرنيكية والداروينيه والفرويدية. ولكن اليوم لا نستطيع حتى أن نقارنها بالحقائق والمعلومات التي توصل لها العلم الحديث وأدواته المعرفية، مما يدل على تجدد المعرفة العلمية نفسها ونموها وتطورها باستمرار.
مجلة "سالون ماغازين" وتصدر في سان فرانسيسكو، اعتبرت أن نصف العيادات الأمريكية بمقدورها في الوقت الراهن استنساخ كائنات بشرية، ولم يعد يحول دون قيامها بذلك سوى العوائق الخلقية. ولم تمنع سوى أربع ولايات أمريكية هي ولايات ميتشيغان وميسوري وكاليفورنيا ورود اسلاند تجارب الاستنساخ البشري، بينما بدأت بعض المؤسسات الخاصة في ولايات أخرى عرض خدمات التدخل في الموروث الجيني، كما أن العلماء في كوريا الجنوبية أعلنوا أنهم نجحوا في استنساخ خلية بشرية، بيد أنهم أوقفوا التجربة مؤقتاً واحتمال انهم يقومون بها سرا خوفا من إثارة الجدل من حولها، على أن يتم إعلان نجاحها واستمراريتها بعد سنوات بشكل رسمي حتى يحصلوا على السبق العلمي.
من ناحيتها احتفلت جامعتنا البريطانية التي درسنا فيها وهي جامعة ليستر (University of Leicester)، بسبق علمي جديد في يناير (2010)، يشير إلى أن تحليل الجينات لمجموعة عديدة من الأوروبيين أثبتت أن جذورهم تعود إلى منطقة الهلال الخصيب، وأظهرت النتائج أن 4 من كل خمسة من الأوروبيين من الجنس الأبيض لديهم أصول وراثية تعود إلى الشرق الأدنى، بينما يعود الحامض النووي الذي ينتقل من الأم للبنت، إلى أمهات من جنوب أوروبا، وتذكر الدراسة ان الهجرة لرجال منطقة الهلال الخصيب الذين اشتهر عنهم الفلاحة والزراعة جاءت في العصر الحجري او بعد العصر الجليدي حوالي (10.000) سنة مضت، واستوطنوا في أوروبا التي عرف عن اهلها حينها انهم كانوا يعتمدون في حياتهم على الصيد والتقاط الثمار، ومنطقة الهلال الخصيب المعنية عبارة عن منطقة على شكل الهلال في جنوب غربي آسيا. وتبدأ هذه المنطقة التاريخية من البحر الأبيض المتوسط، وتمتد ما بين نهري دجلة والفرات، وتنتهي عند الخليج العربي. وفي هذه المنطقة أنشأ السومريون أولى حضارات العالم منذ حوالي 5،500 سنة، أطلق عالم الآثار الأمريكي جيمس برستد على المنطقة اسم الهلال الخصيب لأن السومريين ومن جاء بعدهم من الشعوب، جعلوا من المنطقة أرضا زراعية مروية وخصبة، بعدها ربما بعدة شهور نشرت وسائل الإعلام العالمية تقريرا منقولا عن صحيفة الدايلي ميل تشير فيه الى ان بعد مرور ما يقارب 65 عاما على وفاة الزعيم النازي أدولف هتلر، كشفت نتائج اختبارات خاصة بالحمض النووي أنه ينحدر من أصول يهوديّة وافريقية. وقد أظهرت تقارير عينات الحمض النووي التي تم الحصول عليها من أقرباء الزعيم الألماني أنه يرتبط بيولوجيا بالأجناس التي سعى إلى إبادتها. وتشير التقارير الى أن هتلر ينحدر من سلالة يهودية مغربية أصلها من شبه الجزيرة العربية وله أقرباؤه في المغرب وتونس والجزائر وليبيا والنمسا والدانمارك وحتى إسرائيل!
قبل عدة شهور اكتشف باحثون في المملكة العربية السعودية مع فريق بحثي تابع لجامعة ميتشيغان الأمريكية أن أشلاء جمجمة عمرها 29 مليون سنة قد تكون لكائن انحدرت منه كل القردة والقردة العليا (الرئيسيات) ومن بينها الإنسان. ويبين الاكتشاف أن قردة العالم القديم افترقت واتخذت مجاري وراثية مختلفة في فترة متأخرة جاءت بعد ملايين السنين مما كان يعتقد العلماء من قبل. واشتق العلماء اسم هذا القرد القديم من كلمة "سعدان الحجاز"، فأطلقوا عليه باللاتينية «Saadanius hijazensis» في البحث الذي نشر في مجلة «نيتشر». وقال الدكتور ويليام ساندرز الذي قاد الأبحاث انه «اكتشاف رائع لان لهذه الجمجمة خاصيات مشتركة بين كل قردة العالم القديم، ولأنها قريبة من مجموعة تطورت وأدت إلى نشوئنا نحن". ويقول انه لو تم إيجاد معلومات كافية عن هذا الكائن، ربما تمكن العلم من كشف بعض أسباب التطورات التي أدت إلى نشوء القردة والإنسان فيما بعد. هذا الكائن يشبه الى حد كبير "قرد العالم الجديد" إلا انه اكبر حجما، وربما استخدم أطرافه الأربعة للتنقل بين الأشجار، بدل الجلوس على الأرض رافعا رأسه. ويستخلص من الدراسة ان الرئيسيات انحدرت من "قردة العالم" القديم قبل 29 مليون سنة، بدل 30 إلى 35 مليونا كما كان يعتقد.
أما الصدمة الكبرى ففجرها العالم البريطاني العالم الفيزيائي الانجليزي الشهير ستيفن هوكينغ، ففي كتابه القادم المتوقع صدوره قريبا قبل نهاية (2010)، الذي احتكرت صحيفة "تايمز" البريطانية نشر مقتطفات مهمة منه، يعلن هوكينغ موت الفلسفة كعلم، ويشير الى ان الفيزياء توشك الآن على كتابة "نظرية كل شيء" أو "النظرية الشاملة" القادرة على شرح خاصيات الطبيعة كافة، ولطالما بقيت نظرية كهذه حلما يراود الفيزيائيين منذ زمن آينشتاين، لكن المشكلة ظلت هي المصالحة بين نظرية الكم (quantum theory)، التي تشرح عالم ما تحت الذرة، مع الجاذبية التي تشرح الكيفية التي تتداخل بها الأشياء على المستوى الكوني. ويقول هوكينغ إن "نظرية إم" (M — theory) وهي تقع بين ما يعرف بـ"نظريات الأوتار" — هي التي ستحقق هذا الهدف. ويكتب قائلا: "نظرية إم هي النظرية الموحدة التي كان اينشتاين يأمل العثور عليها. وثمة انتصار عظيم يتمثل في حقيقة أننا نحن البشر — وكوننا مجرد مجموعات من الجزئيات الأساسية للطبيعة — قادرون على أن نصبح بكل هذا القرب من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون المحيط بنا". ويذكر هوكينغ: "لأن ثمة قانونًا مثل الجاذبية، صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من عدم، وإن ما يعرف باسم "الانفجار الكبير" لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء، ويضيف ان الأرجح هو وجود أكوان أخرى تسمى "الكون المتعدد" خارج مجموعتنا الشمسية.
أين يقف العالم العربي من كل هذه الثورات التغيرية، الأرقام تشير إلى أن نصيب العرب من النشر العلمي لا يزيد على "0.7%" من الإنتاج العالمي، وهذا المعدل أقل من سبع نسبة العرب إلى سكان العالم، في حين يرتفع نصيب إسرائيل من النشر العلمي إلى عشرة أضعاف نصيبها من سكان العالم، وهو السبب الرئيسي لخلو قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم من اسم أي جامعات عربية، أما بالنسبة لمستوى الطباعة والنشر، فإن نسبة المطبوعات العربية من مطبوعات العالم لا تتجاوز (1 %)، وتدخل في هذه النسبة جميع أنواع المطبوعات، بما في ذلك المطبوعات الدينية التي تشكل وحدها وعلى غير المألوف والمتوقع 50 % من مجمل المطبوعات العالمية في هذا المجال، ان نسبة المطبوعات العربية من المطبوعات العالمية أقل من (0.5 %)، وبالتالي فهي أقل بعشر مرات من نسبة العرب إلى سكان العالم، بالإضافة إلى أن الحكايات والقصص والأساطير التي تخالف المنهج العلمي وتتناقض مع مفاهيم المنطق والعقل تحكم عقل الإنسان الذي يعيش في هذا العالم!
مع كل هذه التحديات والصدمات والمعلومات والحقائق المستجدة، هل من الممكن ان يستوعب عالمنا العربي كل الحراك والتغيير الذي يحدثه العلم وأدواته من حولنا؟
المصيبة أن هناك من يقوم بمواجهتها بسلاح التكفير قبل أن تنتشر في العالم.
كلمة أخيرة: مبارك علينا وعليكم عيد الأضحى، كل عام وانتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق