الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

العام الجديد "2011"... هل يحمل المزيد من الأحلام العربية؟!

2010-12-29
جريدة الشرق

فرحة استضافة أحد أصغر الدول العربية في المساحة والسكان المونديال العالمي
الصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات تعصف بالحاضر والمستقبل
الأحلام السعيدة لا تزال صعبة المنال في العالم العربي

الصدفة وحدها جعلتنا نتوقف في باريس الفرنسية بعد مغادرة نيويورك الأمريكية في الطريق إلى لندن البريطانية، عندما تم إلغاء رحلتنا المقرر الصعود عليها. وفي المطار لفتت انتباهنا تلك الزهور البلاستيكية الحمراء الجميلة المعلقة على صدور المسافرين في المطارات الثلاثة وهي على شكل زهرة الخشخاش "Poppy Flowers". والزهرة التي تعلق على الملابس في الشهور الأخيرة من السنة تعتبر رمزا يمثل ضحايا الحروب والصراعات التي عصفت بالعالم في الحرب العالمية الأولى والثانية، لكنها رمز أيضا في التعلم من الماضي وأهواله من عدم استخدام العنف واللجوء إلى الحروب والدماء وتكرارها مرة أخرى. والتخلص من ارث الصراعات التي مازالت تدور رحاها في بقية أرجاء العالم وتحصد أرواح طاهرة وبريئة. والزهرة التي سرعان ما تذبل بمجرد تفتحها، عبر عنها في قصيدة جميلة بعنوان "في حقول فلاندرز "In Flanders Fields"، وتحكي القصيدة قصة الجنود الذين سقطوا ضحايا في حقول "فلاندرز" الفرنسية على الشكل التالي: "في حقول فلاندرز تتفتح أزهار الخشخاش، وتتمايل بين الشواهد وصفوف القبور، الطيور ما تزال تغني وتطير بشجاعة، وهديلها لا يكاد يسمع، في ضجة أصوات القنابل، نحن الموتى.. كنا أحياءً منذ أيام، لقد عشنا وأحسسنا ببزوغ الفجر، ووهج الغروب، كنا عشاقا، وكنا معشوقين، ولكننا الآن ممددين في حقول فلاندرز". ولقد استعان بها كصورة مجازية ليمان فرانك (Lyman Frank Baum) في الرواية العالمية " ساحر أوز الغريب " "The Wonderful Wizard of Oz" حيث تحول حقول الخشخاش السحرية كل من يدوس عليها إلى كائن نائم لا يستطيع الاستيقاظ. وفي الرواية قضية مصيرية أيضا تشغل بال الشخوص الرئيسية حيث إن فزاعة الطيور ترغب في الحصول على عقل كي تستطيع التفكر. وحارس الغابة يتمنى قلبا تملأه المشاعر والحب والعواطف والأحاسيس. والأسد الجبان يأمل أن يصبح شجاعا حتى يستطيع مواجهة المخاطر. أما "دوروثي" تتمكن من إقناعهم بأن ساحر أوز يمكن أن يساعدهم على تحقيق أمانيهم وتحويلها إلى واقع؟! لقد تداعت إلى ذاكرتي زهرة الخشخاش هذه السنة بعد أن قامت عصابة في مصر بسرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان الهولندى العالمى فان جوخ "Vincent van Gogh"، وعلى أي الحال فهو ليس الشيء الوحيد الذي تمت سرقته في أم الدنيا؟!
في العودة حملتني الطائرة إلى الخليج لكي أقضي ما تبقى من إجازة نهاية السنة، ورأيت البكاء والدموع مختلطة بالدماء على الوجوه والأجساد والمشاهد الحزينة المؤلمة تتجسد في احتفالات تتجاوز ألف عام في مراسم عاشوراء، شاهدت الحزن والسواد، وخروج مواكب الحزن والعزاء والضرب والتطبير، ولكني لم جد زهرة الخشاش لم استشعر الأمل والعزيمة من التعلم من الماضي وليس العيش فيه، وأخذ العبر والدرس منه وليس التماهي معه واجتراره وتجييريه لخدمة أيديولوجيات خاصة. وان اختفت زهرة الخشاش في مواسم الأموات والعزاء في الخليج "العربي "؟! فهي تظهر في وسط حقل كبير في ضواحي لشكركاه، عاصمة ولاية هلمند الجنوبية في أفغانستان، وهناك يعمل أكثر من 2 مليون أفغاني وباكستاني. وبعد صلاة الفجر التي عاد ما يقيمها هؤلاء القوم جماعة، يبدأ موعد الزراعة والفلاحة وانتظر الحصاد بعدها. وهناك فالزهرة الخشخاش استخدامات أخرى غير بريئة أهمها التجارة بالمواد المخدرة الممنوعة، وتجارة المخدرات ما زالت تمول حركة طالبان وغيرها من الحركات المسلحة، وتنتج أفغانستان أكثر من 90 بالمائة من هيروين العالم وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات ومنع الجريمة، وينتج إقليم هلمند وحده أكثر من 35 بالمائة من أفيون البلاد.
ومن حقول الأفغانية المزروعة بحقول الخشخاش التي إذا ما داس عليها الإنسان قتلته، نصطدم بالحقول الملغومة والمتفجرة في منطقتنا، فالصراعات والحروب والانقسامات والاضطرابات والإخفاقات تعصف بالحاضر والمستقبل. من قضيتنا الأزلية الفلسطينية منذ ما يقارب النصف قرن ويزيد. إلى الجار في العراق وخلافات التهديد والتقسيم. إلى المواجهات المفتوحة والاشتباكات المسلحة في اليمن. والدعوات الانفصالية في السودان التي سيتقرر مصيره في شهر يناير "2011"، من أن يخشى أن يكون قاب قوسين أو أدنى من انفصال الجزء الجنوبي وتجدد الحركات الانفصالية في دارفور والشرق والشمال وحتى الوسط؟! إلى الصومال والتمزيق والتفتيت والحرب الأهلية والمتاجرة بالشعارات الدينية المتناحرة ومنها الإسلامية وهو بريء منهم ومما يفعلون. الخوف على لبنان وإشعال المعركة بين الشعب الواحد، والأطياف السياسية، والأديان المسيحية والإسلام، والمذاهب الشيعية والسنية بعد قرار المحكمة الدولية القريب القادم. إلى النزاع المتجدد بين الصحراء في المغرب والجزائر وهو نزيف يتجاوز ثلاثة عقود وفي التطورات الأخيرة اتهمت بعض دول الخليج في تأجيج النزاع ومساعدة طرف في معركته ضد الآخر؟!
ولكن ما الحل وأحوالنا وأوضاعنا تتدهور سنة بعد الأخرى رغم الأخبار القليلة الباعثة على الأمل مثل استضافة احد اصغر الدول العربية في المساحة والسكان وهي قطر المونديال الرياضي العالمي "2022"؟ هل سننتظر لمئات السنين حتى يصل المنتظر أو المخلص الذي يخلصنا من آلامنا وأوجاعنا وعذاباتنا؟ هل نلجأ إلى القائد الملهم والديكتاتور المستبد العدل لينقذنا من المستنقع الذي نعيش فيه، هل نعيد عصر الخلافة والخلفاء لكي نعيد تاريخنا وأمجادنا؟! أو نلجأ إلى "ساحر أوز" لنطلب منه المساعدة في أن يعطينا عقلا نفكر به ونستعين فيه لمعالجة قضايانا المصيرية قبل أن تقتلنا؟، ويزودنا بقلب عامر بدفء المشاعر والأحاسيس والعواطف والحب بين بعضنا البعض وان اختلفت جنسياتنا وأعراقنا وأفكارنا وأدياننا ومذاهبنا وملتنا! ويمنحنا الشجاعة لنقول كفى ونوقف هذا العبث بأوطاننا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا!. أم أننا لا نحتاج إلى أحد سوى أنفسنا فكل ذلك يسكن في داخلنا ولكن؟!ّ الأكيد أن الأحلام السعيدة مازالت صعبة المنال في العالم العربي.
كعادتي قبل أن تنتهي رزنامة عام "2010" التي تشبه شكل أعواد الثقاب "أعواد الكبريت" (Matches Calendar)، مرسوم عليها كل أيام السنة، وفي كل يوم يجب أن تقطع عوداً أو ترميه حتى يظهر اليوم الذي بعده، سارعت إلى المكتبة المجاورة لبيتي في بلاد الغربة لأحصل على رزنامة العام القادم وفي خاطري لا يزال يجول السؤال ذاته هل ستكون الرزنامة العربية "2011" أفضل، أو وضعها مماثلا، أو ستكون أسوأ؟.. وهل كل عام أنتم بخير؟!

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

لماذا يقدمون على تفجير أنفسهم والآخرين؟

جريدة الشرق
2010-12-22

كم عدد الذين سيتحولون إلى متطرفين خلال السنوات المقبلة؟
لماذا تحول المعالج الفيزيائي والطبيب النفسي والمحلل المالي إلى إرهابيين؟
جذور العنف تعود إلى عوامل التفاعل في المجموعة البشرية

تبعد مدينة لوتن (Luton) عن المدينة التي أعيش فيها حوالي ساعة ونصف الساعة تقريبا عن طريق قيادة السيارة أو بالقطار وهي قدرنا أن نقف فيها كمحطة رئيسية كلما أردنا الذهاب إلى لندن عاصمة الضباب والتلوث، فالهواء الملوث في العاصمة البريطانية يؤدي إلى وفاة «الآلاف» سنويا. وتحوي مدينة لوتن العديد من الجاليات المسلمة اغلبها باكستانية وهندية وبنغالية وآسيوية، وفيها أيضا العديد من الطلاب العرب من الخليج السعودية وقطر والإمارات، ومن ليبيا ومصر والمغرب والدول العربية الأخرى. في الأيام الأخيرة احتلت المدينة عناوين أخبار وسائل الإعلام العالمية لأنها كانت المكان الذي عاش فيه، "انتحاري ستوكهولم" تيمور عبدالوهاب الذي قام بتفجير نفسه وسيارة مفخخة بالغاز والمسامير في قلب العاصمة السويدية، وفشلت المحاولة ولم تقتل سواه. المدينة أصبحت مادة للدراسات العلمية والسيكولوجية في محاولة لمعرفة الظواهر المحيطة بالعنف والتشدد والتزمت وقتل النفس وتفجير الآخرين، ولمعرفة ظروف "انتحاري ستوكهولم" الشاب المتعلم من حيث متى ولماذا وكيف تحولت أفكاره إلى متطرفة وعنيفة وراديكالية؟ وهل هناك الكثير غيره! وكيف يمكن تغيير أفكارهم من الرغبة في الموت إلى الإيمان بقيمة الحياة؟!
"انتحاري ستوكهولم" عرف انه عراقي الأصل سويدي الجنسية، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، جامعي ولديه وظيفة محترمة وهو معالج فيزيائي، ولم يأبه بالسياسة ولم يكن متدينا عندما أقام في السويد، وأن تطرفه جاء بعد انتقاله إلى بريطانيا. وكان يحتسي البيرة مع أصدقائه ويرتاد الملاهي الليلية، بل كان حتى لديه صديقة إسرائيلية؟! فهل كان كل ذلك جزءا من التخفي في شخصية أخرى حتى يأتي عليه الدور ويقوم بكشف شخصيته الحقيقية المتطرفة ويفجر نفسه ليصبح شهيدا ويدخل الجنة ويتزوج من حور العين؟! لقد تحول تيمور إلى مسلم متشدد اثر اتصاله بإمام مصري في مسجد لوتن، وهو كتب في رسالة الكترونية قبل دقائق معدودة من الانفجارين في ستوكهولم، وهي موجهة إلى أهله "كان من المستحيل أن أقول لكم من انا فعليا. لم يكن من السهل علي أن أعيش خلال السنوات الأربع الأخيرة وأنا احمل هذا السر أي أن أكون كما تقولون إرهابيا". عقب الانفجار الفاشل عثر على رسالة أخرى تقول "إن معركة ستوكهولم هي بداية حقبة جديدة في جهادنا ستصبح فيها أوروبا ساحة لمعاركنا."
قبلها كانت قصة مشابهة بطلها الطبيب النفسي نضال مالك حسن، الضابط بالجيش الأمريكي ذو الجذور العربية من أصل فلسطيني من منطقة تقع بالقرب من مدينة القدس، الذي قام بإطلاق النار على عدد من زملائه الجنود، متسببا في مقتل 13 منهم وإصابة أكثر من 40 آخرين،. وقد قال عنه جده انه إن حفيده "يحب أمريكا" وإن الفضل يعود للولايات المتحدة لما هو عليه الآن كطبيب نفسي عسكري حصل على الوظيفة بعد انخراطه في الجيش أواخر التسعينات ومتابعته دراسات ممولة من الجيش. وهو ترفع في عام 2003 إلى رتبة نقيب "كابتن" ثم إلى رائد "ميجر" عام 2009، وحصل على وسام الدفاع الوطني، ووسام الحرب على الإرهاب. ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن احد الشيوخ أن نضال لم يتطرق معه إلى قضايا سياسية وكان الحديث يقتصر دائما على شؤون دينية لا علاقة لها بالجدل ولا تمت بصلة إلى التطرف. وكان مسلما معتدلا يمارس دينه ويحضر صلاة الجمعة في مركز والتر ريد الطبي التابع للجيش الأمريكي قبل أن يقوم بإطلاق النار على زملائه؟!
حكاية فيصل شاه زاد مقاربة أيضا وهو حاول تفجير سيارة في "تايمز سكوير" في نيويورك، وهو من مواليد بابي في إقليم كشمير في الشمال الغربي من باكستان، حصل على شهادة جامعية في الكمبيوتر وأخرى في إدارة الأعمال وحاصل على شهادة ماجستير أيضا، وعمل شاه زاد بعد تخرجه في القطاع المالي، ولم يكن في حياته أي شيء يثير القلق أو يجذب انتباه السلطات الأمنية. واكتسب الجنسية الأمريكية عام (2009) مما يعني انه أصبح مواطناً أمريكياً كامل الحقوق، بات بإمكانه استضافة أفراد عائلته من باكستان، وأن يصوت في الانتخابات، وأن يتمتع بجميع الحقوق المدنية والدستورية الأمريكية، ما عدا الترشح لمنصبي الرئيس أو نائب الرئيس، اللذين يقتصران على المولودين في الولايات المتحدة. والمفاجأة أن هذا الشاب الطموح والودود، بعد عام من حصوله على الجنسية، اعتقل بتهمة الإرهاب ومحاولة الهجوم على نيويورك، التي يعاقب عليها القانون الأمريكي بالسجن مدى الحياة. وشاه زاد متزوج وله طفلان ويعتقد أن زوجته وطفليه مازالوا يعيشون في باكستان. وفي التفاصيل حول أسباب تطرفه أبدى إعجابه بأنور العولقي، المتهم بالتحريض على الإرهاب. وبالإضافة إلى أفكارهما المتطرفة، وما يربط شاه زاد والعولقي هو حملهما الجنسية الأمريكية، وسهولة تحركهما في البلاد قبل اتهامهما بقضايا إرهاب. وتفيد تقارير بأن شاه زاد «تطرف تدريجيا».
ما هي الأسباب الحقيقية والظروف القاهرة التي جعلت المعالج الفيزيائي، والطبيب النفسي، والمحلل المالي وخبير الكمبيوتر والذين على شاكلتهم وهم يعيشون في الدول الغربية المتقدمة حياة لا تقارن مع اقرأنهم في الدول التي تعود أصولهم إليها، يتحولون إلى متطرفين وإرهابيين؟! الدراسة التي قام بها عالم الإناسة الأمريكي (سكوت آتران) وترجمها وائل السواح تلقي الضوء على بعض الأمور المستعصية على الفهم. دكتور اترون يؤمن بأنّ الإرهابيين هم كائنات اجتماعية، يتأثّرون بالصلات والقيم الاجتماعية التي تبدو مألوفة لنا جميعا. إنهم أعضاء في نواد مدرسية، أو فرق رياضية أو منظمات اجتماعية؛ وقد يكونون آباء متباهين أو مراهقين صعاب المراس. وهم لا يموتون، كما يحاجج سكوت آتران، من أجل قضية ولكنهم يموتون من أجل بعضهم البعض. بعض الدراسات تشير إلى أن الجهاد لا قادة له، وإن عملية الردكلة (التحول الراديكالي) نفسها هي التي كانت مهمة. فالإرهابيون ليسوا مجانين، ولا يوجد دليل على وجود درجة عالية من المرض النفسي بينهم؛ وهم ليسوا فقراء، والرابط بينهم وبين الفقر — إن وجد — هو على الأقل رابط غير مباشر؛ ولا هم يشعرون بالضرورة بالإذلال. على العكس، فإن آتران يثبت من خلال بحثه أن الإذلال الشخصي، كمثل ذلك الذي يعانيه الفلسطينيون عند نقاط التفتيش الإسرائيلية، إنما يخفض في الحقيقة احتمال أن يقوم أيّ فرد بعمل عنفيّ. وبالمقابل فإن الشعور بإذلال الآخرين الذين يشعر المرء بارتباط كبير معهم يمكن أن يكون دافعا جبارا للفعل، حسب ما يرى آتران. وبرأيه فإن جذور العنف تعود إلى عوامل التفاعل في المجموعة البشرية، سواء أكانت شلّة من الأصدقاء، أو الأمة الإسلامية برمتها. ويقول آتران مثلا إن تفجيرات بالي (إندونيسيا) عام 2002 "كانت قد خُطِّط لها ونُفِّذت بواسطة شبكة من الأصدقاء، من أفراد العشيرة، من الجيران ورفاق المدرسة الذين ساعد واحدهم الآخر على التحول الراديكالي إلى أن غدا الجميع يتوقون لقتل أناس غرباء عنهم تماما من أجل قضية مجردة". ويضيف آتران أن شبكات الإرهاب "لا تختلف في عمومها عن الشبكات الاجتماعية العادية الأخرى التي تقود الناس في بحثهم عن وظائفهم المستقبلية. إن مهنة الإرهاب بحد ذاتها هي التي يجدر اعتبارها استثنائية، وليس الأفراد العاديين الذين يصبحون إرهابيين". ويعدد آتران أربعة عناصر لما يسميه "الفوضوية المنظمة" والتي يرى أنها تمثل الفعالية الجهادية الإسلامية المعاصرة. وهذه العناصر هي: أولا، الأهداف هي دائما غامضة ومتضاربة؛ ثانيا، أساليب العمل يتم تقريرها بشكل براغماتي واعتمادا على سياسة المحاولة والخطأ أو اعتمادا على فَضْلَة ما خبروه من تجارب سابقة؛ ثالثا، غالبا ما تتغير تخوم المجموعة بشكل مستمر؛ ورابعا، تتغير درجة التزام الأعضاء بالجماعة عبر الزمن. والنتيجة أنه لا وجود لمنظمة إرهابية مركزية وتراتبية، ولكن لشبكة غير مركزية ومتطورة بشكل دائم وتعتمد على تكيف ظرفي لأحداث لا يمكن التنبؤ بها.
لقد دخلنا في حوارات ومناقشات عديدة مع مجموعة من العرب والمسلمين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا من الذين يعيشون في الغرب وغالبا ما لحظنا أن هناك رؤية متطرفة مغالية سوداوية (رغم أن وضعهم أفضل من أصحاب البلاد الأصليين) في النظر إلى أوضاعهم ومعيشتهم، وفي النظر إلى أوضاع المنطقة التي تعود أصولهم إليها والمحملة غالبا بالصراعات والمواجهات والاحتقانات. والسؤال كم عدد هؤلاء المرشح أن يتحولوا إلى متطرفين وإرهابيين خلال السنوات المقبلة؟!

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

طريق التغيير... يبدأ من المنتديات والمدونات الالكترونية؟!

جريدة الشرق
15 ديسمبر 2010

المواقع والمدونات مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني؟!
محاولات لتشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي.
هل يستطيع التدوين إدخالنا عصر الأنوار العربي ؟!

في التاريخ لحظات زمنية، تتقرر فيها المواجهة بين الأطراف المتباينة تلك التي تتمسك بتراث وتلابيبه وتعتقد جازمة أن الفلاح والنجاح في أتباع سدنة الهيكل وأفكارهم شبرا بشبر وذرعا بذراع؟! وبين أولئك الذين يسعون من التحرر من الماضي وشخوصه، وهم غالبا ما يكون قلة ولكن كتب لها أن تصنع التاريخ وتغيير الواقع والى الأبد؟! اليوم من بد الأزمان، في عالم العربان بدأت تتشكل ملامح التغيير وان كانت بطيئة وحذرة، تراها في قلة من الصحف وان كانت متواضعة وفي بعض وسائل الإعلام، ولكنها في المنتديات والمواقع الالكترونية نشيطة وفاعلة بقدر الإمكان، تحول توصيل أرائها وأفكارها ومواجهة المتزمتون والمتشددون والتكفيريون والأيدلوجيون والمنتفعون وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل ما أوتيت من قوة وحجج وبرهان.
يخطى من يظن أن الحرية أتت في دول العالم المتقدمة وبالتحديد في أوروبا على طبق من فضة، أو بين ليلة وضحاها عن طريق رغبة ملك أو أمير أو قائد رباني ملهم، أو حاكم "المستبد العادل" كم هو خطاب الواهمون (العدل لا يجتمع مع الاستبداد)؟! كان كل من يجرءا على التفكير والتعبير والكتابة بطريقة مختلفة لا توافق أهواء السلطة الدينية الكنسية والسلطة السياسية الملكية الإقطاعية يرسل إلى المحرقة ويعتبر مهرطق خارج عن ملة القوم. لقد عاش كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين خارج أوطانهم منفيين و هاربين من بلد أوربي إلى آخر، وكانت وكتبهم ومؤلفاتهم ورسائلهم تنشر بأسماء مزيفة و مستعارة حتى وبدون أسماء خوفاً من مقصلة الرقابة والجواسيس والملاحقة والقتل.
كان الإيمان والعمل على بزوق فجرا جديد مغاير يملى السمع والأبصار والأفئدة لتلك العصبة المؤمنة من القوم وهو ما بدد ساعات الظلمة ودشن عصر الأنوار والتنوير، وهي تذكرني بمقولة رائعة كانت شعار فيلم روبن هود (Robin Hood)، بطولة رسل كرو (Russell Crowe)، الذي لا يزال يعرض في دور السينما في بريطانيا وبالتحديد في مدينتة نوتنجهام (Nottingham) وقد زرت المدينة في الأسبوع الماضي، وهي تقول (ثابر و ثابر من جديد حتى يتحول الحملان اسود), ومن ابرز هؤلاء النفر يأتي فولتير ورسائله المشهورة، الرسائل التي أرست أسس النضال من أجل الحريات الثقافية والدينية السياسية، النضال من أجل العقل والفكر والتعبير، ومن أجل حقوق الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ومعتقداته. فولتير صاحب المقولة الرائدة : "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك"، احد الكبار الذين خاضوا المعارك الكبرى، ووقفوا في وجه التعصب والتزمت، وهي التي أطلق عليها "الوحش الضّاري"، ليدافع عن أسرة "كالاس" البروتستانتيّة إذ تعرّضت إلى الاضطهاد والتّنكيل بسبب انتمائها المذهبيّ من قبل الغالبية الكاثوليك.
عصر الأنوار كما يشير إلى ذلك د.صادق محمد نعيمي في كتابه (الإسلام وعصر التنوير)، محاولة للإجابة عن السؤال: من أين يأتي النور الذي يعرف المرء به الخير من الشرّ ويرشده إلي الصواب والأخلاق؟ فقد كان الفكر التقليدي المتراكم من العصور الوسطى والمدعوم من الملكيات الحاكمة ومن الطبقتين المميّزتين (النبلاء ورجال الدين) يرى أنّ ما يأتي من تعليم ثيولوجية عقائدية مذهبية هي مصدر النور الذي يهدي الإنسان في هذه الحياة، في حين أنّ اتجاها فكريا، نابعا خصوصا من أبناء الطبقة البرجوازية الناشئة، بدأ في بثّ آراء ترى أنّ العقل هو الأساس الذي ينبغي للمرء أن يتبعه لمعرفة الخير من الشرّ، ولتحديد مفهوم الأخلاق. كان التيّار الأوّل هو الغالب، بحكم أنّه يستمدّ قوّته من السلطتين الزمنية الحاكمة والروحية الدينية، بسبب توافق مصلحتهما مع هذا الرأي الذي يرى في الثيولوجية المصدر الوحيد للأخلاق، ولمعرفة الحسن من السيّئ. وكان التيّار التنويريّ، كما سوف يطلق عليه لاحقا، يبحث عن رؤى جديدة للكون وللعالم وللدين وللأخلاق يحاول أن يجد له طريق وسط هذه السلطة الطاغية لعادات وتقاليد أنتجتها الثقافة الموروثة وجعلت من موافقتها أو من مخالفتها معيارا للصواب والخطأ. كان لكلّ من التيارين منتجه من آداب وفنون، يسعى الاتّجاه الأوّل لتكريس الوضع القائم من قبل أصحاب السلطتين السياسية الدينية، والثاني يأمل في إيجاد عالم بديل للخروج من عادات وتقاليد بالية ارتكس فيها الغرب بسبب تحالف الإقطاع مع الكنيسة الكاثوليكية، ولتحرير النفس الأوربية من أزمة الضمير على حد تعبير بول أزار، أزمة ناشئة عن التعارض بين الموروث والجديد بين رؤى قروسطية للحياة وللأخلاق وللكون وللدين وللإنسان، وبين تطلّع لاحترام العقل ومعطياته. بدأ التيار الأخير ضعيفا مضطهدا لأنّ ثمّة أصحاب مصالح يوظفون المورث والتقاليد لاستمرارية مصالحهم، ولكنّه كان في كلّ يوم يكتسب أتباعا جددا راغبين في أن ينفضوا عن أنفسهم وعن عقولهم غبار التقاليد الجاثمة على أرواحهم. وكان أسلحتهم تتمثل في الحوار والكتابة والتعبير الحر ونشر وطباعة المقالات والصحف واصدرا وتأليف الكتب. وكل ذلك أصبح متوفر اليوم من خلال كبسة زر تسمح بالدخول إلى عالم المدونات والمنتديات الالكترونية.
الدول العربية ليست استثناء في التاريخ، وكما نجح التنوير في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول أسيوية وافريقية و أمريكا اللاتينية، سيجنح وسيحقق انجازاته الحضارية من خلال المؤمنون بالتغيير في العالم العربي، اليوم هناك مواجهة مفتوحة على الانترنت المواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية مع القيم والمعتقدات والأفكار والتصورات التي ولدت وترعرعت في عقول الإنسان الذي يعيش في العالم العربي بلا هدى و كتاب منير. المواقع الاجتماعية والمدونات كما بينت رسالة الماجستير للباحثة فاطمة الزهراء مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني التي فقدت فاعليتها، حيث طرحت نفسها كبديل فاعل في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به، حتى اكتسبت مصداقية عالية وحصلت على ثقة الجمهور، وباتت تنظم الحملات وتتابع حالات الحراك السياسي وتثير الأحداث التي لا تحظ باهتمام إعلامي كافٍ لتلفت الرأي العام إليها. لقد ازداد في الأيام الأخيرة عدد المدونين الذين تم القبض عليهم لمجرد التعبير عن رأيهم، والدعاوى الكثيرة المرفوعة ضدهم، وتعمد بعض المثقفين التقليل من المدونات وإطلاق أحكام عامة عليهم دون تحديد. كما قام الإعلام الحكومي في تشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي. ولم يكن في الحسبان أن تنجرف محطة الجزيرة مع الموجة وهي التي تعاونت مع موقع "ويكيليكس" في نشر الوثائق السرية الأمريكية ويقارب عددها أربع مئة ألف وثيقة تلاها ربع مليون وثيقة في التسريبات الأخيرة، وتقوم باتهام موقع إخباري قطري باختراق موقع الجزيرة، والحصول على وثائق رسمية ونشرها في الموقع، وذلك بالتعاون مع جهة مجهولة؟! ممل يدل على استمرار سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الداخلية. وماذا عن شعار حريات النشر وضمان حق المعرفة والميثاق الصحفي، كما آن مركز الدوحة لحرية الإعلام ظل يتفرج من بعيد وكان القضية لا تعنيه إطلاقا! وهل ممكن الاعتقاد في عصر الفضاء المفتوح والعولمة انه يمكن منع الرأي العام والمؤسسات المدنية في المعرفة والمحاسبة والمساءلة؟!
من أجمل الكلمات التي جعلها جفار (Che Guevara) شعار له ( أنا لست محررا ، والمحررين لا وجود لهم ، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها)؟!

Scientific discoveries change the view of world around us

The Peninsula News Paper
Wednesday, 08 December 2010 00:58

Online forums in the Gulf were ignited in the past few weeks over a story connecting mankind with the other world. The story tells of an alleged “genie” who a court judge claims instigated him to undertake theft and embezzlement of nearly $200m. The defendant’s counsel asked for permission to bring the “genie” to court for a hearing or prosecution. It is strange that there are many who believe in and promote these stories in our part of the world, and even calling those who challenge them “infidels”. At the same time, they deny any scientific discoveries or facts, old or new.

According to conventional scientific methods, there are three revolutions that shook the world — the Copernican, Darwinism, and Freudian revolutions. Today, however, those cannot even compare to the facts and information reached by the tools of modern science and knowledge, which reflect the renewal, growth, and continuous development of scientific knowledge itself.

Salon Magazine states that half of the clinics in the US can now clone human beings and nothing prevents them from doing so except for moral constraints. Only four states are not prevented from such constraints and they are Michigan, Missouri, California and Rhode Island, which are undertaking human cloning experiments. Meanwhile, some private institutions in other states offer intervention services in the inheritance gene. The publication adds that scientists in South Korea announced that they have succeeded in cloning a human cell but stopped the experiment temporarily, most likely due to secret fear of controversy surrounding it, and will probably formally announce their success after a few years in order to be the first to achieve this scientific discovery.

For its part, my alma mater, the University of Leicester, just celebrated the pioneering of a new scientific advancement in January 2010, indicating that the analysis of genes of generations of Europeans has shown that their roots trace back to the Fertile Crescent. The results showed that 4 out of every 5 Europeans of the Caucasian race have genetics tracing to the Near East, while the return of DNA passed from mother to daughter, traces to southern Europe. The study notes that the migration of men the Fertile Crescent who are well known for farming and agriculture came in the Stone Age or after the Ice Age around 10,000 years ago, and settled in Europe. People during that time were dependent on fishing and fruit picking.

The Fertile Crescent is described as a crescent shaped area in South-West Asia. Its history begins within the area of the Mediterranean Sea, stretching between the Tigris and Euphrates, and ending at the Arabian Gulf. In this area, the Sumerians established the first civilizations of the world about 5,500 years ago. James Breasted, an American archaeologist, came up with the name “Fertile Crescent” for the region because the Sumerians and those who came after them in the region made agricultural land irrigated and fertile.

Perhaps several months after that report, the Daily Mail published a quotation pointing out that after nearly 65 years since the death of Nazi leader Adolf Hitler, the results of his DNA tests were revealed, tracing his ancestry back to descendants from Jewish and African origins. The reports showed that DNA samples obtained from the relatives of the former German leader that he is linked to the biology of the very people who he sought to destroy. Reports indicate that Hitler is the descendant of Jewish-Moroccan origin from the Arabian Peninsula and has relatives in Morocco, Tunisia, Algeria, Libya, Austria, Denmark, and even Israel.

Several months ago, in Saudi Arabia, a team of researchers from the University of Michigan discovered pieces of a skull from 29 million years ago that all primates may have descended from, as well as homo sapiens. The discovery shows that old world monkeys took only different hereditary paths and only began doing so millions of years later than scientists had thought of before. The scientists derived the name of this old monkey from the word “Hijaz monkey” derived from Latin name “Saadanius Hijazensis”, in research published in Nature magazine. Dr. William Sanders, who led that research, stated that it is “a wonderful discovery because the old world skull characteristics are common to all apes, but it is close to a group that evolved and led to our creation.” The study indicates that primates descended from the old “Garda World” 29 million years ago, instead of 30 to 35 million, as previously thought.

The biggest shock was ignited by the famous British physicist, Stephen Hawking, in his next book, which is due for release shortly before the end of 2010. The British newspaper, The Times, monopolised a series of extracts from the forthcoming book where Hawking declares the death of philosophy as a science, and suggests that physics is now close to writing the “theory of everything” or “theory of comprehension” as it is in a position to explain the properties of all natural things. Such a theory has been the dream of physicists for a very long time - since the time of Einstein, in fact - but the problem has been the reconciliation between quantum theory and gravity, which explains how objects overlap on a global scale. Hawking says that M-theory is located between the so-called “string theory” that will achieve this goal. He writes, “M-theory is a unified theory, which is what Einstein hoped to find. There is a great victory in the fact that we, human beings, who are just collections of molecules that are essential in nature - are able to come to this proximity to understanding the laws that govern us and control the universe around us “.

Where does the Arab world stand with all of these revolutions? Numbers indicate that Arab scientific publications contribute to no more than 0.7 percent of world production, and this rate is less than seven times the proportion of Arabs to the world’s population, while the share Israeli scientific publication is ten times the share of the world’s population. That is the main reason for the list of the 500 best universities in the world is free of the name of any Arab university. In terms of printing and publishing, the proportion of Arabic publications as a share of the world’s publications do not exceed 1 percent. With all of these challenges and emerging information and facts, it is dire for the Arab world to absorb every movement and change wrought by science and the tools around us.

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مونديال "2022" في قطر.. موعد مع صناعة التاريخ

2010-12-08

* ضرورة توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة
* ما السر القطري الذي استطاع أن يتفوق على الآخرين؟!
* اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين

حتى أكبر المتشائمين ما كان يتوقع أن تخرج دول عظمى مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان واستراليا من استضافة نهائيات كأس العالم بهزيمة ساحقة. وتحظى باحتضان اكبر تظاهرة كروية في العالم بعد اثني عشر عاماً دولة صغيرة موجودة في الشرق الأوسط منطقة الصراعات والاحتقانات السياسية والضربات العسكرية المحتملة، وتقع على ضفاف بحر الخليج الذي لا يزال يتم الصراع على تسميته بالفارسي أو العربي، كان آخرها في افتتاح الألعاب الآسيوية في الصين؟! ولكنها كرة القدم التي تستطيع أن تنتصر فيها الفرق والدول والمنتخبات الصغيرة على الدول ذات الأحجام والسكان والمساحات الكبيرة. ويلعب فيها التخطيط والتكتيك والمهارات والظروف والحظوظ دورا كبيرا في الفوز وذلك ما يفسر عظمة هذه اللعبة واحتلالها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وهي ليست مجرد لعبة رياضية فقط؟!
عبرت صحيفة واشنطن بوست" الأمريكية (Washington Post) تحت عنوان "قطر تهزم الولايات المتحدة الأمريكية" عن دهشتها في قولها "حطمت واحدة من أصغر الدول على كوكب الأرض الأحلام الكبيرة للولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي تصويت تاريخي جرى بزيوريخ الخميس منح (الفيفا) استضافة كأس العالم لدولة شرق أوسطية أصغر من ولاية (كونيتيكت)، بعدما وعدت بخطط لملاعب كرة قدم مبتكرة يتم تكييف الهواء فيها، وموارد مالية ضخمة". كما أن ردة الفعل المعبرة لخيبة الأمل تمثلت في تصريح رئيس الولايات المتحدة، لذا اقترح توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة على الرغم من أن اوباما لن يكون في البيت الأبيض ساعتها؟! الجدير بالذكر أن عملية الاختيار للملف القطري تمت بطريقة ديمقراطية، وبالاقتراع الحر، وبناء على وقائع ومعطيات وملفات مفتوحة عن استعدادات وبنى تحتية رياضية وخبرة تنظيمية.
ما السر القطري الذي استطاع ان يتفوق على الآخرين؟! خلف الحربي في جريدة الجريدة الكويتية يشير الى انه لكي لا نقع ضحية للأوهام فإن علينا أن ندرك أن المسألة لا تتعلق بالأموال فقط، فكل الخليجيين يملكون المال وهم لا يترددون في إنفاقه دون حساب على كرة القدم، كما أن المسألة لا تتعلق بالدعم السياسي، فكل القيادات السياسية في الخليج تدعم الرياضة، ولكن السر القطري يكمن في أن القطريين اليوم أصبحوا قادرين على مخاطبة العالم باللغة التي يحبها ويقدرها، وإذا كان ثمة بلد عربي استطاع أن يدرك تحولات عصر العولمة ويحل ألغازها المعقدة فهو بلا شك قطر. لقد أدرك القطريون مبكرا أن مقاييس العولمة لا تعتمد على المساحة وعدد السكان بقدر ما تعتمد على الانفتاح والتأثير الإعلامي وتوظيف الأموال بالشكل الصحيح من أجل خدمة الأهداف السياسية الطموحة، لذلك لم يفوتوا الفرصة كي يمنحوا بلدهم مساحتها اللامعة في خرائط العولمة.
هل بإمكان دولة قطر الصغيرة التي لا يتعدى عدد سكانها 1،6 مليون نسمة تنظيم هذا المونديال الضخم؟ الإجابة جاءت في مقال لصحيفة فرانكفورتر الجماينا الالمانية في أن أحدا لم يكن قبل عشرين سنة يستطيع أن يحلم أن البحرين أو الإمارات ستتمكن من تنظيم مسابقات الفورمولا 1. كما نبهت الصحافة الألمانية الى أن هذه الدولة الصغيرة لا يتهددها خطر الإرهاب وعقدت مقارنة سريعة مع جنوب أفريقيا التي استضافت المونديال السابق والبرازيل التي ستستضيف المونديال المقبل، مؤكدة أن قطر هي الأكثر أمنا من كل تلك الدول التي تنتشر الجريمة المنظمة على أراضيها، أما مشكلة الحرارة الشديدة في قطر فإن التغلب عليها أمر ممكن في ظل تكييف الملاعب. رئيس لجنة التقييم "هارولد ماين نيكولز" يرد على المزاعم التي ترى قطر أنها دولة صغيرة قد لا تستطيع الوفاء بتعهداتها من أجل إقامة هذا الحدث الكبير قائلا: يجب عدم الخوف وعدم عقد مقارنة بين الدول المنظمة للبطولة، فأول بطولة في المونديال التي جرت في الاورجواي لم يكن هناك إلا ملعبان فقط وعشرة فرق والمسافة الزمنية التي تفصل بين قطر وأول مونديال في الاورجواي هي 80 سنة تغير فيها العالم كثيرا وأصبحت التقنيات خارقة في إنجاز ما لم يكن يعتقد أنه سينجز.
هل ستتغير الصورة النمطية المأخوذة عن المنطقة؟ أشارت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية (Financial Times) الى ان مفاجأة فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 أدت لتوحيد العرب بالفرحة العارمة فى المنطقة التى تشتهر بالانقسامات والخلافات. وأعربت عن املها أن تمثل استضافة قطر للبطولة فرصة للتخلص من ربط المنطقة العربية بالتشدد الإسلامي والسجل السيئ لحقوق الإنسان والحكم الاستبدادي. الجالية العربية المقيمة في ميونيخ ترى في تقرير نشرته "ايلاف" أن هذا الاختيار رغم تكلفته الكبيرة لدولة قطر الصغيرة إلا أنه سيكون فرصة للغرب والعالم ليتعرف على العرب وعلى الإسلام بشكل أكثر واقعية وبعيدا عن وسائل الإعلام الغربية التي طالما أججت مشاعر الكراهية بين الطرفين، وإن اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين ولكن بشكل إيجابي هذه المرة ويقول يجب أن يقف العرب متضامنين مع قطر وألا يصابوا بعقدة الحسد والمنافسة ويتسببوا في إفشالها كما فعلوا مرات عديدة بسبب قناة الجزيرة. لقد تغيرت أوضاع المنطقة بالتأكيد في السنوات الأخيرة ولم تعد تمثل تلك الصورة السوداوية التي تشكلت في وسائل الإعلام الدولية خصوصا بعد أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتمثل شعوبا تعيش على أساس عرقي، ديني، طائفي، وتشعل الحروب من أجلها. من شاهد بطولة كأس الخليج لا حظ التنوع من لاعبين ومنظمين وجمهور وعشاق ومناصرين من قبل أصحاب الأديان والمذاهب والأعراق والملل. كان هناك المسلم الشيعي والسني الأباضي والزيدي والمسيحي واليهودي، العربي والأعجمي والكردي والفارسي الأصل والبلوشي والبدون وأجانب يحملون جنسيات عربية وغربية وغير ذلك. ومع المونديال ستشهد المنطقة نقطة تحول تاريخية مغايرة ستعصف بالعقليات والأفكار والتصورات السائدة فيها وعنها، وسيتعرف العالم كله وهو يشاهدنا عن قرب على حقيقة الأرض والإنسان الذي يعيش فيها وهو اختبار كبير أتمنى أن ننجح جميعا في تحقيقه.
عن فوائد المونديال العالمي تشير دراسة نشرتها وسائل الإعلام العالمية في نهاية مونديل 2010 في جنوب أفريقيا إلى تزايد فخر بلاد قوس قزح بهذا المحفل العالمي. وبالإضافة إلى نجاحها الكبير، كان لها دور كبير ومهم في تعزيز الإحساس بالوحدة الوطنية. وعندما سئل الجنوب أفريقيون سنة 2008 ما إذا كانوا يعتقدون أن من شأن كأس العالم أن تعزز شعورهم بالوحدة، أجاب 75%أن ذلك احتمال وارد. وقد أفادت نتائج الأبحاث التي أجريت عقب تنظيم الحدث أن العرس العالمي عزز فعلاً من ذلك الشعور؛ فقد أكد 91% أن البلد أصبح متحداً أكثر من قبل. كما أظهرت نتائج الأبحاث ارتفاعاً في مستوى الثقة الوطنية، حيث أكد تسعة من أصل كل عشرة مواطنين أنه، بعد تنظيم البطولة، أضحى بلدهم يتمتع بإحساس أقوى من حيث الثقة في إمكاناته؛ وصرح 87% بأنهم يشعرون بثقة أكبر في إمكانات بلدهم وقدراته. كما أشاد 98% من الذين شملتهم الدراسة بالجو السائد في جنوب أفريقيا. الزوار عادوا إلى بلدانهم بذكريات طيبة عن هذا البلد. فقد كانت آراء 84% من الضيوف الأجانب أكثر إيجابية عن البلد بعد تنظيم البطولة من قبل. كما أن نسبة الجنوب أفريقيين الذين كانوا يظنون أن الجريمة قد تشكل تهديداً بالنسبة للبطولة تراجعت من 66% التي سُجلت قبل تنظيم البطولة لتبلغ 27% بعد نهايتها.
مبروك للشعب القطري والعربي تنظيم العرس الكروي العالمي 2022، وصدق بن فطيس "قبل أمس كان الحلم بالخوف محفوفا.. واليوم صار الحلم.... بين كفوفنا" لكن هل القصة تنتهي هنا أم هي مجرد بداية مع تاريخ جديد تصنع قطر لنفسها؟!.