الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

من محطة الدوحة الى محطة الجزيرة

الاعلام في قطر
من محطة "الدوحة" الى محطة "الجزيرة"
25/11؟2009

هناك أربع محطات رئيسية شكلت علامة فارقة في مسيرة الاعلام القطري ودعنا نقول (الاعلام في قطر) على شاكله (قناة الجزيرة في قطر)؟! حتى نستطيع أن نوصل الصورة بشكل أشمل، وهذه المحطات التي يرجع لها الفضل في تشكيل الدور الإعلامي الرائد لمجتمعنا قد لعبت دورا كبيرا في إبراز ووضع قطر على الخارطة العربية والاسلامية والدولية.
المحطة الاولى تمثلت في إصدار مجلة الدوحة الثقافية والتي لاقت انتشاراً منقطع النظير في العالم العربي وترسخت في ذاكرة الثقافة العربية وصدر العدد الأول منها سنة (1969).
المحطة الثانية جاءت مع انطلاقة مجلة الصقر التي صدرت سنة (1977 ) وانتشرت أيضا على نطاق واسع وعلى مستوى دولي وكانت من أبرز المحطات في نشر الثقافة الرياضية في زمانها.
المحطة الثالثة تبلورت في بروز نجم مجلة الامة التي صدر العدد الأول منها في (1980) وذلك بمناسبة مرور ألف وأربعمائة سنة على الهجرة النبوية، وركزت على القضايا الدينية وانتشرت أيضا على المستوى العربي والاسلامي وساهمت في انتشار فكر الوسطية والاعتدال في زمن الافكار المتخلفة والمتشددة والمتزمته والتكفيرية التي تاتي من داخل العالم العربي، والأفكار الإلحادية والإباحية التي تأتي من خارجه؟! ولقد لاحظتُ في زياراتي لبعض الجمعيات الثقافية والإنسانية في جنوب شرق آسيا بالذات، وفي بعض الدول العربية، خصوصا في مصر وسوريا والمغرب وموريتانيا، أنها لازالت تحتفظ ببعض اعداد هذه المجلة في أرشيفها الى يومنا هذا.
المحطة الرابعة تشكلت مع إطلاق محطة الجزيرة الفضائية (1996) والتي كانت أول قناة فضائية إخبارية عربية محترفة في العالم، وشكلت العلامة الابرز في تاريخ الإعلامي العربي القائم على التعبئة والتبعية والترويج والتضليل (Propaganda Machine)، والتي احتفلت بمرور 13 عاما على انطلاقها ، على الرغم مما يحمله الرقم 13 من هواجس باعتباره (الرقم غير المحظوظ Bad Luck)، وهو دائما ما يذكرني بالفنادق الكبيرة في نيويورك والتي لا يوجد فيها طابق برقم 13، بل يوجد طابق 14 بعد طابق 12، والسبب أن عدداً كبيراً من النزلاء يخافون الإقامة في الطابق (13)؟؟!!. ومع ذلك أتقدم بالتهنئة لمحطتنا الرائدة (قناة الجزيرة في قطر).
كان لرواج هذه المحطات الثلاث بالتحديد في حقبتي السبعينيات والثمانينيات بشكل خاص دور مؤثر في نشر الوعي الفكري الخلاق والثقافة الهادفة، وكانت تقف وراء هذا النجاح بعض الكوادر الوطنية في قطر من أصحاب القرار ورؤساء التحرير والمثقفين في تلك الفترة، ولولا جهود هؤلاء لما انتشرت محطات "الدوحة" و"الصقر" و"الأمة" على مستوى عربي وإقليمي و عالمي. واليوم اختفت وغابت بعض هذه المحطات عن الوجود بسبب الازمة المالية التي ضربت الخليج في منتصف الثمانينيات، والبعض الآخر تجاوزه الزمن، ورغم المحاولات المستميتة التي لاتزال تسعى لبث الروح فيها من جديد من خلال إعادة اصدار الاسماء نفسها إلا أن المحاولات جميعها لم تفلح في إعادة أيام الأمجاد الأولى، فقد تجاوزها قطار الزمن بمراحل ولم تعد إلا أسماء أشبه بالاشياء العتيقة التي تحفظ في صندوق الذاكرة و تثير في النفس رغبة تذكر اللحظة التاريخية الفريدة والزمن الجميل الذي ولى ومضى إلى غير رجعة؟؟!!. ونرجو أن لا يعيد التاريخ نفسه في يوم ما وتجد المحطة الرابعة "محطة الجزيرة" في انتظارها مصيرا مشابهاً لما آلت إليه المحطات الأخرى.؟؟!!
لقد قرأت الحوار الذي استضافة فيه "الشرق" مدير شبكة الجزيرة بتاريخ (2009-11-11)، والذي يدعو إلى إقامة حوار صريح وتقييم حقيقي لوضع المحطة خلال 13 سنة وهذا ما نريد أن نقوم به في هذا المقال والمقالات القادمة إذا كتب الله لها أن تخرج إلى النور؟!
تناقلت الأنباء منذ مدة قصيرة أن إدارة المؤسسة اللبنانية للارسال 'ال بي سي' اتخذت قراراً بصرف حوالى 140 موظفاً من مختلف القطاعات أغلبهم في قسم الأخبار تحت حجة إعادة هيكلة المؤسسة، وأضافت تلك الأنباء أن بعض ممن شملهم قرار الصرف عادوا إلى المؤسسة عن طريق التعاقد على الساعة أو على البرامج. وقد سبقت قناة 'ال بي سي' مؤسة إعلامية أخرى وهي مؤسسة "النهار" العريقة تحت حجة العجز المالي, كما دخلت قناة «إيه آر تي» في مفاوضات لبيع قنواتها الرياضية بمبلغ قياسي بلغ مليارين و750 مليون. وقد فقدت «إيه آر تي» في السنوات الأخيرة الكثير من البطولات التي كانت مصدر قوتها لمصلحة قنوات أخرى، وحتى المعلقون الرياضيون بدؤوا التسرب منها إلى هذه القنوات مما اضطرها للتخلي عن تحمل الخسائر وهي الشركة القائمة على مبدأ الربح ولا تأتي ميزانيتها من ميزانيات الحكومات.
وعلى مستوى عالمي، أفادت أنباء أخرى في نفس الوقت أن قناة «آي.تي.في» البريطانية أعلنت تسريح 600 موظف في مختلف المجالات وتنفيذ إجراءات أخرى من أجل الحد من الإنفاق. ويأتي القرار في حين أعلنت «آي تي في» عن خسائر تقدر بـ 2.7 مليار دولار في العام 2008، وبناء عليه ستقفل القناة أحد استوديوهاتها في مدينة ليدز وتسرح 150 من موظفيها هناك، في حين تسرح المئات الآخرين في لندن. أما الخبر الأكثر سخونة (Breaking news) فقد تمثل في إقدام هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي (BBC) على خفض رواتبها العالية بمقدار 40%، وكانت البي بي سي قد بدأت بتخفيض عدد العاملين لديها بمقدار 7200 وظيفة خلال الأربع سنوات الماضية، وأعلنت أنها ستقوم بتخفيضات تصل إلى 1200 وظيفة أخرى في محاولة منها لتوفير ما قيمته 1.9 مليار جنيه استرليني (ثلاثة مليارات دولار) مع حلول عام 2013. والدرس الذي نخرج به جميعا من كل ما سبق هو أنه لا توجد أي مؤسسة محصنة ضد هذه التغييرات اليوم أو غدا بسبب الأوضاع العالمية المتقلبة؟؟!!
من الاشكاليات التي تعرضت لها محطاتنا الاعلامية القطرية المذكورة أنها عملت لاجل اليوم ولم تعمل لأجل الغد، من أجل الحاضر وليس المستقبل، من أجل خدمة فترة معينة ورؤية زمنية وليس استراتيجية، من أجل تحقيق هدف أو غاية وليس أهداف وغايات، وغالبا ما توجهت لخدمة "تكنيس الجامع" وأهملت البيت، واركزت على قطف الثمار وليس زراعة البذور، وعلى سياسة حرق المراحل وليس نضج التجربة؟؟!! ورغم صرف مبالغ بمئات الملايين عليها وتزوبدها بالخبرات من كل بقاع الأرض، فإنها لم تخرج جيلاً ثانيا وثالثا ليتسلم القيادة ويتعلم من تراكم التجربة ويستفيد من الخبرات ويواصل المسيرة، فبمجرد أن توقف الدعم وتراجعت مداخيل النفط ودخلنا مرحلة شد الحزم، شد العاملون في المحطات الثلاث الأولي (الدوحة – الصقر – الأمة) رحالهم إلى مكان آخر - وذلك من حقهم - وتركونا نعيش على أطلال التاريخ ونتغنى بالإرث الذي فقدناه والمرحلة التي هجرتنا ونردد بالحسرة قصيدة امرئ القيس (قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل). لم تكن هذه المحطات مدرسة حقيقية تخدم الداخل قبل الخارج، انتهت محطة (الأمة) ولم تخرج لنا علماء ومشايخ ومتنوريين، و انزوى دور (الدوحة) ولم تمدنا بكتاب وأدباء ومثقفين ومفكرين، وتراجع دور (الصقر) ولم تترك كفاءات ومحللين وناقدين؟!. ومحطة الجزيرة اليوم تسير على الخطى نفسها، ربما يكون عدد العاملين القطريين وصل الى 22% وهو رقم ضئيل ومخجل إذا حسبناه خلال 13 سنة من عمر القناة، وأدركنا أنه يتعلق بموظفيين وموظفات وفنيين في قسم الأرشيف والمونتاج والاتصالات والجرافيك والخدمات والعلاقات العامة ؟؟!! كم عدد القيادين ومتخذي القرار وكبار المسئولين، و كم عدد الذين يمكن أن يتولو قيادة القناة وإدارة دفتها واتخاذ القرارت المصيرية فيها لو تمت إعادة هيكلة المؤسسة أو خفض نفقاتها او رحيل العاملين فيها إلى محطات فضائية أخرى (وصل عدد المحطات الإخبارية الناطقة بالعربية 15 محطة، والمحطة رقم 16 ستظهر في نهاية السنة من إحدى دول العربية الكبرى)، هل حقا لا يوجد مؤهلون وقيادات تصلح لقيادة الجزيرة؟؟!! التاريخ يقول عكس ذلك فالمحطة بدأت وكبرت على أكتاف قيادات قطرية وبمساعدة أشقاءها العرب ووأصدقائها الأجانب العاملين فيها، واليوم وللاسف لا نكاد نرى أي قيادات تذكر وآخر قيادي رحل كان نائب المدير العام الذي غادر قبل عدة اشهر بعد خمس سنوات من العمل بشبكة الجزيرة الفضائية ؟؟!!.
(13) سنة مرت من عمر "الجزيرة" وكانت حافلة بالاستنفار وصراعات الحروب والمعارك السياسية والدبلوماسية والضرب فوق وتحت الحزام، أصابت القناة في بعضها وأخطأت في البعض، ولكن بلاشك كان لها تأثيرها. والسؤال المطروح اليوم هو كيف سيكون شكل السنوات القادمة هل سيتم التغيير جوهريا أم سيقتصر على الشكل الجديد (New Look)؟؟!! وهل ستلحق "الجزيرة" بالمحطات السابقة للإعلام القطري أم تستفيد من أخطائها وتستمر؟؟!! كل ما أستطيع القيام به حالياً هو الدعاء بالتوفيق لمحطتنا القطرية الرابعة والأخيرة (Happy 13th Anniversary) و (Good Luck).

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

الخميس، 19 نوفمبر 2009

البدون: مواطن يبحث عن وطن ووطن يبحث عن مواطن

2009-11-18

في نهاية كل سنة تخرج التقارير الدولية التي تعني بشأن الدول وأوضاع الانسان الذي يعيش فوق أرضها. وتتفاوت التقييمات بين الدول التي تكون على رأس القائمة وفيها الانسان يأمن على رزقة وينظر إلى مستقبلة بتفاؤل، وبين دول تقبع في قعر القائمة مثل أغلب الدول العربية وفيها الإنسان يعيش في المخيمات والمستوطنات في بعض الدول وفي المقابر والشوارع وعلى الأرصفة في بعضها الآخر، اما الدول التي حباها الله بما تحمله الأرض من خيرات وثروات من أنهار وبحار واراضي زراعية ونفط فالانسان فيها مهمش معزول ومجمد وكل مهمته في الحياة الأكل والشرب والتفريغ؟؟!!. من أهم المأخذ التي تحسب علينا في دول مجلس التعاون الخليجية منذ استقلال الدول، هو الانتقاد الدائم في التعامل مع ملف فئة في المجتمع مجردة من حقوقها المدنية والحقوقية والإنسانية بسبب عدم إيجاد حل جذري لمشكلتهم وتأجيلها تحت أسباب مختلفة مما أدى الى وجود حالات ومآس إنسانية نسمع عنها ونراها ويندى لها الجبين، وهذه الفئة لها مسميات عديدة حسب تعريف كل دولة لها،تتراوح بين (عديمي الجنسية، غير محددي الجنسية، البدون، حاملي البطاقات، حاملي الوثائق، المحرمين من التجنيس، ..الخ). لقد واجهت هذه الفئة ولاتزال معاناة حقيقية تمثلت في ضياع حقوقها الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والعمل في القطاع العام والخاص، والتملك، وشهادات الميلاد والوفاة، وحرية الحركة والتنقل وإصدار رخصة القيادة والسفر والزواج والطلاق وفرض رسوم الإقامة وضرورة وجود الكفيل وغيرها من الحقوق والامتيازات، وسبب لهم ذلك مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وتربوية ونفسية، بل إن في بعض دول الخليج آلاف الاطفال الذين لا يحملون شهادات ميلاد تثبت هويتهم الشخصية, بل منهم من ولد ومات من دون أن تكون له أي وثيقة تحمل اسمه ونَسَبه؟؟!! ورغم المطالبات الأخلاقية والشرعية والدستورية وجهود منظمات حقوق الانسان وتوقيع المعاهدات والقوانين الدولية والمحلية التي تدعو الى إغلاق هذا الملف إلى الأبد إلا أن أوضاعهم وحالاتهم لاتزال مكانك سر؟؟!!
تعود أصول فئة غير محددي الجنسية "البدون" في الخليج في الغالب كما تبين التقارير الحكومية الخليجية الرسمية إلى قبائل عربية بدوية من مناطق رعي صحراوية تمتد من السعودية جنوباً إلى الكويت شرقاً و العراق شمالاً ويعود بعضهم إلى بادية سورية والأردن وهم من قبائل عربية كبيرة مثل بني تميم و شمر و عنزة، كما توجد فئة منهم ذات أصول تعود إلى مناطق في الساحل الشرقي للخليج العربي يطلق عليها منطقة فارس والأهواز في إيران. ويكمن حجم الخطورة الحقيقة في هذا الملف في عدم وجود إحصائيات دقيقة لمعرفة عدد هؤلاء بالتحديد في كل دولة خليجية وما الأسباب الحقيقة في عدم منحم الجنسية أسوة ببقية الجنسيات الاجنبية او العربية التي قامت غالبية دول الخليج بإعطائهم الجنسية وجعلتهم مسؤولين وصناع قرار في كثير من مؤسساتها وأجهزتها الرسمية منها والخاصة ومنهم لا يتكلم اللغة العربية أو لا يعرف ثقافة وتاريخ أو دين وعقيدة البلد المنتسب إليه؟؟!!
لقد لحظنا في السنوات الاخيرة أن السلطات في بعض الدول الخليجية فتحت الباب لدخول سماسرة الجنسيات و الجوازات للإقامة والترويج الإعلامي في وسائل الاعلام والصحف وقد جعل هذا الوضع أفراد هذه الفئة ضحايا لمافيا الجوازات، والجنسيات المزورة والعديد منهم حصلوا على جوازات وجنسيات لبلدان آسيوية وأفريقية وأمريكية جنوبية وجنسيات جزر في المحيط لا يعرفون مكانها على الخارطة واكتشف الكثير منهم أنهم ضحايا عمليات نصب وتزوير كما تعرضوا للاعتقال والسجن. وقد قرأت قصصا عن بعض الذين حصلوا على الجوازات المزورة، تقول إنهم عندما انتهت جوازاتهم وذهبوا الى تلك السفارات في بلدانهم طالبين تجديد الجواز وجدوا أن القائمين على السفارات استغربوا حصولهم على الجوازات التي لايوجد لها اساس أوملف في وزارات الداخلية في بلدانهم، وتساءلوا عن كيفية حصولهم عليها دون علم مسؤولي تلك السفارات او حكوماتهم؟؟!!.
آخر الاخبار جاءت من جزر القمر، فقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا منذ عدة أشهر يشير الى إن سلطات جزر القمر التي تحتاج بشكل ملحّ للأموال وجدت حلا خاصا بها يقضي ببيع جوازات البلد للأجانب في بلدان الخليج العربي الباحثين عن من يمنحهم الجنسية، وتوقعت الصحيفة أن تكون عائدات هذا المشروع واعدة, لكونها قد تساعد الدول الخليجية على وجود حل "إداري" لعشرات الآلاف من مواطنيها البدو المعروفين بـ"البدون" والذين ينظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية, ونظرا لذلك يمنعون من الحصول على وثائق هوية الدول الخليجية التي يقيمون فيها، الا ان الفرحة لم تكتمل فالخبر الذي جاء بعد ذلك بمدة قصيرة يحمل أنباء عن رفض مجلس النواب في جزر القمر مشروع القانون والذي يمنح الجنسية لاربعة الاف عائلة من "البدون" تسكن بالتحديد في السعودية والإمارات والكويت؟؟!!
في ملفات المنظمات والهيئات الدولية التي تتناول حقوق الانسان في قطر اخرها 2008 وجديدها سيخرج قبل نهاية السنه الحالية، تشير التقارير والاحصائيات المتداولة الى ان عدد البدون في قطر يقارب 1200 الى 1500 شخص واحدى المرجع هي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR.ORG) وهو رقم اتمنى من الاخوة ومن الدكتور علي بن صميخ رئيس اللجنة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ان يؤكده او ينفيه، ويعطينا احصائية دقيقة عن حجم هذه الفئة بالتحديد، ويزودنا بتفاصيل هذا الملف واين وصل وكيف يتم التعامل معه؟؟!! أن هذا الملف الانساني بالذات حساس و شائك ويجب ان لا يكون معلق أو مؤجل أو مرحل أو مجمد، بل يجب الاسراع في ايجاد حل نهائي له ولا يتم تركه متداول في التقارير الدولية، ومنظمات حقوق الانسان، وتقارير السفارات الاجنبية الداخلية، وتقارير وزارات الخارجية السنوية وخصوصا الامريكية والبريطانية؟؟!!
مع انتشار وسائل الاعلام الجديد (New Media) بدأت تظهر قضايا هذه الفئة الى العلن وتنقل حكاياتها الى العالم فتجد الكثير منهم يشارك في المنتديات والصفحات الاجتماعية التفاعلية والفيس بوك والتويتر، كما أنشأ العديد منهم صفحات تدوين خاصة على الاتنترنت (بلوغز) يعرض فيه الهموم والمآسي التي تعيشها هذه الفئة، كما أن هناك العديد من الاشرطة و الفيديوهات تنقل المحاضرات والندوات والقصص الحزينة على صفحات (اليوتيوب ) وهي فعلا تدمي القلب وتبكي العين، انها دعوة لوقف هذا العبث والعمل على إيجاد حل جذري وحقيقي لهذة الفئة المغلوبة على أمرها في الخليج العربي من قبل السلطات المختصة، كما يجب على الباحثين والاكاديمين والمثقفين بذل المزيد من الجهد في وضع هذه القضية الانسانية كأولية علي مائدة البحث وكشف جذورها ومعرفة أسبابها ودوافعها وطريقة علاجها.
هناك دراسة قيمة قام بها الدكتور فارس الوقيان و نشرت في مجلة السياسة الدولية العدد 175، يناير 2009 ، والدراسة تهدف إلى بحث قضية هذه الفئة في الكويت بالتحديد (تقدر الحكومة الكويتية عدد البدون على ارضها بحوالى 70 الف نسمة بينما تقدر منظمات غير حكومية عددهم بحوالى 120 الف)، وذلك وفقاً لسياق تاريخي يتناول بدايات تشكل القضية وتطور السياسات الرسمية التي تعاطت معها، ووجدت الدراسة ان تلك السياسات تنقسم وفقاً لطبيعتها وإجراءاتها لمراحل ثلاث هي (مرحلة الاعتراف ، مرحلة الرفض ، مرحلة الاتهام)، وطرحت الدراسة عدداً من الحلول لهذه القضية الشائكة تتمثل في: منح هذه الفئة حقوقهم المدنية والإنسانية كاملة (حق العلاج، والتعليم، والوظيفة، والزواج، ورخصة القيادة، وإصدار وثائق رسمية وغيرها) ومنح الجنسية لمستحقيها، إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لأبنائها وزوجها أسوة بالرجل، إلغاء مواد القانون التي تمنع اللجوء إلى القضاء لإثبات الأحقية في الجنسية، وجعل القضاء يفصل في قضايا الجنسية، تشريع قوانين واضحة لوضع معايير منح الجنسية بحيث تؤخذ في الاعتبار مصالح الدولة ومفاهيم المواطنة والإنسانية والتنمية المستدامة، كاستقطاب الكفاءات ومن لهم الأحقية في اكتساب الجنسية، وممن قدم خدمات جليلة وغيرها من المعايير.

الخميس، 12 نوفمبر 2009

من يكتب الذاكرة التاريخية

المذكرات الشخصية و السيرة الذاتية في قطر
12-11-2009

كان علينا ان نتخذ قراراً سريعا في أن نذهب الى دنفر كلورادوا (Denver, Colorado) أو أن نعود أدرجنا الى الدوحة، بعد غياب طويل قررنا الرجوع مرة أخرى إلى مقاعد الدراسة وبالتحديد في جامعة ستنافورد (Stanford University) للحصول على دبلومات تخصيصة في القيادة والادارة واتخاذ القرارات ورسم وصياغة الاستريجيات الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي أنصح كل مهتم بهذا المجال ان يطلع عليه ويدخل التجربة بلا تردد فقد بدأت تنتشر بشكل واسع في معظم جامعات العالم ومعاهده الكبرى مثل هارفرد (Harvard University) وييل (Yale University) وورتن (The Wharton University of Pennsylvania) ونيويورك (New York University) ولندن سكول (London School of Economics and Political Science ) تحت مسمى (Executive Education)، كما انه لا يوجد استثمار في العالم أفضل من الاستثمار في النفس وبناء الشخصية وتطويرها، وقررنا ان لا نفوّت تلك اللحظة التاريخية ونذهب الى دنفر دون تردد ليس فقط لزيارة المدينة التي ستقوم باستضافة المؤتمر العام للحزب الديمقراطي ((DNC)) الذي سيقوم بترشيح أول مرشح أسود في تاريخة لخوض الانتخابات الامريكية 2008 م، بل أيضا لرؤية زعيم تاريخي درسنا وقرأنا عنه الكثير على مقاعد الدراسة وهو السيناتور ادوارد كيندي (Eadweard Kenday) ؟؟!! السيناتور ادوارد كيندي أو (تيد) كما يطلق عليه والملقب بأسد مجلس الشيوخ وأكثرهم حنكة سياسية ومرونة تفاوضية في تاريخ الولايات المتحدة وهو الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي جون كيندي الذي اغتيل عام 1963، والسيناتور روبرت كيندي الذي اغتيل في عام 1968م، السيناتور ادوارد كيندي الذي غادر الدنيا قبل عدة شهور مضت قال عنه اوباما (لا نزال نسمع صوته يزأر في قاعة مجلس الشيوخ، وقد احمر وجهه، وهو يدق بيده على المنضدة، مؤيدا للإصلاح الصحي، أو لحقوق العمال، أو للحقوق المدنية». وأضاف أوباما:لا نبكي عليه اليوم بسبب اسمه، أو بسبب منصبه، لكن، لأننا نحب هذا البطل الطيب الذي واجه الآلام والكوارث. ليس من أجل ثروة أو طموح أو ترف أو سلطة، لكن من اجل الشعب والوطن اللذين أحبهما) .

مناسبة الحديث عن السيناتور كيندي الذي توفي بسبب مرض سرطان الدماغ، هو صدور مذكراته او سيرته الشخصية "البوصلة الحقيقية" (True Compass: A Memoir by Edward M. Kennedy) قبل أيام مضت والتي تتحدث عن حياته العائلية وعمله كعضو في مجلس الشيوخ الاميركي وعن مسائل تتعلق بالحقوق المدنية التي شهدها وبفضيحة ووترغيت وإيرلندا الشمالية وحرب فيتنام، وفي سيرته الذاتية تحدث كينيدي عن مشاعره وعواطفه تجاه زوجته الثانية فيكتوريا (Victoria Reggie) وهي من اصول عربية وبالتحديد من مدينة زغرتا، في شمال لبنان ، وسعادته بها والمشاعر الدافئة التي نشرتها حوله، وقد وصفها بأنها محامية لامعة وشخصية صلبة، ولقد تزوجت السناتور الراحل سنة 1992، وكان يكبرها باثنتين وعشرين سنة، وكان هذا الزواج زواجا بين سلالتين عريقتين في عالم السياسة، سلالة كيندي الكاثوليكية الايرلندية الاصل، وسلالة عريجي المارونية (الكاثوليكية)، اللبنانية الاصل، كما اشار الى مقتل العديد من افراد آل كينيدي في حوادث مأساوية بإيمان عميق بالقدر، وتطرق كينيدي ايضا إلى الفضيحة الاولى التي كادت تدمر حياته. ففي عام 1950، عرض عليه احد الطلبة تقديم امتحان اللغة الاسبانية بدلا عنه، وذلك عندما كان طالبا في السنة الاولى من جامعة هارفرد. ويعلق على تلك الحادثة قائلا: "قال لي والدي ان هناك اناساً يرتكبون الاخطاء في حياتهم دون ان ينكشف امرهم، ولكنك لست من اولئك".

تعد المذكرات أو السير الشخصية أفضل الأنماط الأدبية التي تكشف عن الجانب الخفي في الإنسان، ويعود ذلك إلى حالة الصدق المفترضة مع النفس عند كتابة اليوميات وإلى تلك الشفافية المتوقعة عند تسجيل الموقف وإبداء الرأي وقراءة الحدث، وهذا ما دعا البعض إلى إدراج اليوميات ضمن أدب الاعتراف، ومن أبرز السير الشخصية التي انتشرت بشكل واسع في الآونة الاخيرة وأثارت ردود أفعال كبيرة وترجمت الى لغات كثيرة تلك المذكرات التي تناولت الحديث عن الجوانب الخفية لكتابها او تجارب الحياة اليومية التي اظهرت الجوانب القيادية في شخصياتهم أو أثرت في فكرهم وسلوكياتهم و تعتبر مذكرات الرؤساء الامريكين هي الحدث الابرز في ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، فتأتي المذكرات التي تشرح صعود نجم الفرس الاسود ودخوله البيت الابيض (باراك حسين أوباما) في مقدمة الكتب الاكثر مبيعا "أحلام من أبي: حكاية العرق والإرث" (Dreams from My Father: A Story of Race and Inheritance). وفيه يعود أوباما في كتابه إلى أصل الحكاية، حين وصل أبوه ذو الاصول المسلمة الى امريكا عام 1959 ليلتحق بجامعة هاواي وهو في الثالثة والعشرين من عمره، ليكون أول طالب أفريقي في تلك الجامعة وفيها قابل فتاة أمريكية بيضاء خجولة لم تكن قد تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها وربط بينهما رباط الحب وتزوجا وأنجبا مؤلف الكتاب، وينقل أوباما من فصل إلى آخر حياته بتفاصيلها الدقيقة؛ حياته طفلا في هاواي، وذكرياته ومغامراته بل شقاوته الصبيانية في إندونيسيا، وحياته العاطفية ومشاعره، ثم يعرض تأملاته عن أحوال السود في أمريكا ومحاولاته التغلغل داخل نفوسهم ويكشف للعالم جراح العنصرية التي لم تندمل بعد. كما يثير أوباما الإعجاب عند الحديث عن عرقه ولونه وأبناء عرقه، فهو محب مدافع يعد لمشروع تغييري نهضوي كبير، ولا يقتصر أمره على الحب، بل يصب جهده التنظيمي الكبير لمصلحة مشروعه الاجتماعي، وكذلك لا يتنكر لأي مرحلة من مراحل حياته، وعلى الرغم من أنه عاش حياة منفصلة تماماً عن والده وإخوته من أبيه إلا أننا نجد مواقف عديدة تدل على اعتزازه وعاطفته القوية.


كما تحتل بعدها السيرة الذاتية للرئيس الامريكي الأسبق بيل كلنتون المرتبه التالية في مذكراته حياتي (My Life) والتي تشرح أسباب خروجه من البيت الابيض و علاقته مع إحدى العاملات المتدربات فيه (مونيكا لوينسكي) وسنوات الطفولة في ولاية أركنسا و زوج أمه الذي أطلق عليها الرصاص في غرفة النوم وزمن الطفولة حيث كان الطفل الأبيض الوحيد الذي يلعب مع الأطفال السود في الحي الذي يسكن فيه؟؟!! كما تناول الكتاب الكثير من الأزمات السياسية العالمية التي لعب أبرز الأدوار في محاولة السيطرة عليها و من أهمها سعيه لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين و الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأن يصافح كل منهما الآخر و جهوده في التوصل الي سلام فلسطيني إسرائيلي في محادثات كامب ديفيد الثانية.

وربما تبقى سلسلة الكتب التي أصدرها الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر في السنوات الاخيرة هي العنوان الابرز في اهمية اصدار السير والمذكرات الشخصية واهمية الدور الذي تلعبه في تنوير القارئ والرأي العام في الكثير من الجوانب المختلفة، ولقد ظلت مذكرات كارتر عن السلام في الشرق الاوسط بين العرب واسرائيل مثيرة للجدل لتشبيهه معاملة إسرائيل للفلسطينيين بمعاملة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا للسكان السود آنذاك, كما وجهت له انتقادات حادة بسبب لقاءاته مع زعماء قادة حماس ودوره في التوصل إلى هدنة بينهم وبين إسرائيل. وقد أثار كتابه الاخير في بداية 2009 م بعنوان "نستطيع إحلال السلام في الأرض المقدسة. خطة ستنجح" (We Can Have Peace in the Holy Land: A Plan That Will Work)، صدى واسعا وهو يشرح فيه تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتجربته مع تلك المنطقة، والعقبات التي تعترض عملية السلام، والتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المتأزم، وقد ركز كارتر على شرح رؤيته لمعالم الطريق الذي ينبغي أن تنتهجه الولايات المتحدة لتحقيق السلام في المنطقة، وهي الرؤية القائمة على دعم مبادرة السلام العربية والتعامل مع كافة الأطراف بما في ذلك حماس وإيران وسوريا. ويرى كارتر في إدارة أوباما فرصة لتحقيق هذه الرؤية. وقد أثمرت جهود كارتر لتحقيق السلام في دول مثل هاييتي وكوريا الشمالية عن فوزه بجائزة نوبل عام 2002، حتى أن كثيرًا من الأمريكيين يرى أن دور كارتر وتأثيره برزا عقب خروجه من البيت الأبيض على عكس الحال عندما كان داخله، الا ان المفارقة ان البعض وخصوصا في المدونات الالكترونية قد اتهم كارتر بأنه رئيس فاشل وغبي ومخرب ودعوه إلى عدم التدخل في شؤون السياسة الخارجية كما طلب البعض منه العودة إلى مزرعته في جورجيا وتركيز جهوده على زراعة الفستق.

ولكن تبقى المذكرات والسير الشخصية الأقرب الى الروح والمحببة الى النفس تلك التي تتناول قصة الصراع والكفاح وتاريخ وجغرافية منطقتنا ودولنا العربية والاسلامية بالتحديد، ولم يشدني كتاب في السنوات الاخيرة لأعود وأقرأه أكثر من مرة كما فعلت مع مذكرات الدكتور احمد الخطيب التي صدرت بعنوان ( الكويت من الإمارة إلى الدولة - ذكريات العمل الوطني والقومي)، والتي تحدث فيها عن نشأته ، ودراسته في الكويت ثم بالجامعة الأمريكية في بيروت ، وكيفية اعتناقه للفكر القومي الذي كان طاغيًا فترة شبابه، وعن أحوال بعض دول الخليج، وتجربتها الأولى مع الديمقراطية، ثم عن نظرته للفكر القومي في صعوده وتراجعه. وتكمن أهمية هذه المذكرات في كونها أتت من واحد من أبرز القوميين في الخليج العربي ان لم يكن ابرزهم على الاطلاق؟؟!! وقد وصفها الدكتور غانم التجار بأنها أطلقت تراث الكتب السياسية في الخليج.

لقد حصلت على الكتاب وأنا عائد في طريقي الى الدوحة بعد تمضية عدة أيام في عاصمة الضباب حين وقعت عيني على مذكرات الخطيب في مكتبة صغيرة تقع في احد اركان شارع العرب الشهير اجور رود (Edgware Road), ولم يفارق يدي الا بعد ان انتهيت من قرأته من الغلاف الى الغلاف لأعود الى الانترنت واحصل على بقية المذكرات في جزئها الثاني الذي نشرته جريدة الجريدة الكويتية كاملا بعنوان (الكويت من الدولة إلى الإمارة). والكتاب صدر عن المركز الثقافي العربي في بيروت في 2009م، وأنا انصح كل من يهتم بالاطلاع على أصالة التجربة الديمقراطية الكويتية بأن يطلع على تلك المذكرات. والحق أنه قد شدني حديث الخطيب عن تاريخ وتجربة الفكر القومي خصوصا في الخليج في بداياته وتطوراته والشعور المعادي للغرب خصوصا بعد النكبة العربية، وقال الخطيب في مذكراته في نقد الفكر القومي (ولعلنا كحركة قوميين عرب، قد نسينا الأهداف الأخرى، فلم يكن برنامجنا يتضمن أي مشروع نهضوي وتنموي، يراعي مصلحة أغلبية المجتمع المسحوقة، ولم يكن لدينا برنامج اجتماعي أو اقتصادي. وكانت قضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مجمدة، لا بل حتى قضية الوحدة التي كانت المدخل لتحررنا لم تجد الاهتمام الذي تستحقه. فلم يكن عندنا مشروع وحدوي واضح يجيب عن مشكلات الاختلافات الإقليمية ومشكلات الأقليات. لا بل إن كل الأحزاب العربية المنادية بالوحدة بما فيها حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي لم يكن عندها أي تصور واضح حول نوعية الوحدة التي نطالب بها. لذلك فوجئنا بوحدة مصر وسورية عام 1958، وظهر التخبط واضحاً فولدت الجمهورية العربية المتحدة مع أمراضها المميتة التي أدت إلى فشلها بسرعة عجيبة) واضاف (إن السبب في هذا القصور بالنسبة إلينا كحركة قوميين عرب كان واضحاً، فقد كان معظم القادة المؤسسين للحركة من الأطباء، بينما كان بيننا قلة تحمل شهادة جامعية في العلوم السياسية أو الفلسفة أو أي من العلوم الاجتماعية، فلم تكن لديهم أية خبرة عملية. كذلك فإن الأحزاب السياسية العربية خصوصاً في المشرق العربي تعد جديدة نسيباً، وليس لها تاريخ طويل في العمل السياسي، باستثناء الأحزاب الشيوعية التي كانت تتصادم مع طموحات الشعب القومية وكذلك مع انتمائه الديني) وقال أيضا (كذلك فإن الفكر القومي السائد آنذاك كان معظمه فكراً عنصرياً فاشياً متعالياً، يرى نفسه شعب الله المختار ويحتقر الطبقات الشعبية الواسعة، ويضمر العداء للأقليات غير العربية، مما سبب نفور هذه الفئات التي وجدت في الأحزاب الشيوعية ملاذاً لها بسبب ذلك التهميش. أو كما نرى حالياً كيف أن هذه الفئات الشعبية أصبحت المادة الأساسية للأحزاب الدينية وبرزت منها قيادات مهمة تتصدر الحركات السياسية مما هو واضح وبشكل صارخ).
وتطرقت مذكرات الخطيب ايضا الى مساهمة قيادات فكرية خليجية في الفكر القومي العربي وقد أشاد بدور القطري في هذا المجال حين ذكر الدور الذي قام به هو وزملاؤه في تأسيس الحركة الوطنية والقومية في الخليج من خلال تأسيس مكتب خليجي مشترك تساهم في ميزانيته الكويت والبحرين وقطر، وقال ان الدعم المادي والميزانية غالبا ما يساهم فيها أعضاء من الكويت وقطر مناصفة.

أما في قطر، فلا يوجد الكثير من المذكرات الشخصية ولا أذكر في هذا المجال إلا مقالة يتيمة قد تعتبر أشبه ببداية لقصة طويلة بحاجة ان تروى يوما ما كتبها الدكتور علي خليفة الكواري تعليقا على وفاة الرمز والقيادي الوطني المغفور له ان شاء الله الوجيه ناصر بن عبدالله المسند، بعنوان (رحم الله ناصر المسند الرجل الرمز)، ولا أعرف سبب إحجام رجالات قطر المعاصرين لمراحل النهضة القطرية والتغيير والتطور في بنية الدولة منذ بدايتها، عن الحديث عن تجربتهم معها، فالمرحلة التاريخية التي تعود لعقود مضت، شهدت تغييرات جذرية كبييرة بحاجة لأن يُكتب عنها وتُقيّم ويستفاد من دروسها المختلفة، لتعرف الاجيال الجديدة ما حدث من تغيير وتطور وتراجع ومراجعة وتأخر وتقدم في تاريخ مجتمعها خصوصا أثناء مرحلة التغيرات الكبيرة في الخليج و العالم العربي والدولي في فترة الخمسينيات والسيتينيات ووصولا إلى ما تشهده قطر اليوم، وهناك العديد من الوزراء وكبار المسئولين وصناع القرار والقيادات الفكرية والاكاديمية والاعلامية والتربوية والاقتصادية بالاضافة الى الذين عملوا في المجال الدبلوماسي سفراء للبلاد في الخارج، مؤهلون لأن يتقدموا الركب و يدلوا بدلوهم ويحكوا عن ماشاهدوه وعايشوه وعرفوه.
فهل تشهد الساحة في الفترة المقبلة انطلاقة لكتابة السير الشخصية للشخصيات القطرية البارزة، هل ستكتمل حكاية السواعد السمر : قصة النفط في قطر التحفة الرائعة (Masterpiece) لعميد الصحافة القطرية ناصر محمد عثمان، وهل سنعرف ماذا حدث من تفاصيل بعد ضياع فرص التنمية للدكتور علي خليفة الكواري، و ماذا عن الدستور القطري والنظام السياسي في قطر خلال 50 سنة مضت وأهم التجارب فيه ليخبرنا عنها د يوسف عبيدان، وهل ستكمل الدكتورة موزة الجابر التاريخ والتطور الاقتصادي والاجتماعي في قطر والذي بدأ من عام 1930 – و توقف عام 1973م لتروي لنا الاحداث التي وقعت بعد ذلك، وصولا الى عام 2010م، هل سيطلعنا الدكتور حسن النعمة على تجربته الدبلوماسية والادبية خصوصا في اروقة الامم المتحدة، وهل سيفتح الدكتور حجر احمد حجر بمبضع الجراحة جسد الحقبة الادبية القطرية التي لم تعد تصخ دماء في الساحة كما كانت، وربما قد تحدثنا الدكتورة كلثم جبر عن الساحة الثقافية في قطر خلال العقود الاربع الماضية لتخبرنا عن زمن لم نعد نعرفه عنه الكثير؟! وماذا عن غيرهم فهل سيتحدث الصامتون والساكتون والمنزوون والمنعزلون ام سيقبون في مقعدهم الوثير يتفرجون ولا يشاركون؟؟!!
إن كل انفتاح على الذات هو انفتاح على العالم, وكل كتابة فردية حقيقية من داخل العزلة ، هي كتابة عنا نحن، لأن الذين يكتبون من أعماق وحدتهم يكتبون إلينا." "سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir.

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

التغيير فى الصحافة القطرية

موزايك.. التغيير فى الصحافة القطرية
2009-11-04

نحتاج لقانون عصري وحضاري جديد ينظم وسائل الاعلام ويفتح الباب للتغيير الجذري
الصحف القطرية يجب عليها التطوير في شكلها واخراجها سنويا خصوصا في صفحاتها على الانترنت
نطالب بالسماح باصدار صحف جديدة وضخ دماء شابة للعمل في المؤسسات الصحفية ودعمهم وتأهيلهم ماديا ومعنويا.

اذا كان هناك فضل يعود الى مؤسسة حكومية في استقطاب وابراز القيادات الاعلامية القطرية فهو يرجع الى المكتب الصحفي في وزارة الخارجية الذي يطلق عليه اليوم مكتب الرصد الاعلامي فكل الذين عملوا في المكتب وتولوا رئاسته على مدار السنوات الماضية ساهموا في إثراء الساحة القطرية المحلية بالخبرة والكفاءة والتجربة والحرفية العالية في التعامل مع وسائل الاعلام المحلية والدولية وخصوصا دهاليز الصحافة وعقدها وهمومها اليومية. واذا اثنى على جهود جهة في مؤسسة حكومية، فاتمنى ان تقوم المؤسسات والجهات الحكومية والرسمية خصوصا، في ابراز الكفاءات والمؤهلين ودفعهم لخدمة الساحة الوطنية كقيادات واصحاب قرار ومبادرات وليسوا مجرد موظفين واصحاب كراسي ومناصب تحت حجة وجود قطري يشغل المكان خير من أجنبي؟؟!!
التغيير الذي بدأ يظهر في المؤسسات الصحفية يدعونا الى ان نفتح ملف واقع الصحافة القطرية الذي بدأ خلال السنوات الخمس الماضية في التبلور بشكل واضح لا تخطئه العين الناقدة، فالصحافة القطرية بدأت تظهر عليها اليوم اعراض الكبر فلم تعد شابة ورشيقة كما في السابق بل هي مصابة بالتخمة والترهل وقلة الحركة بعدما اعتمدت كثيرا على الأكل من موائد الاخرين ووجباتهم الدسمة منها والسريعة، لم تعد الصحافة تعتمد على الدعم الحكومي السنوي المباشر الذي توقف منذ زمن طويل كما ان الدعم غير المباشر المتمثل في اشتراك المؤسسات والشركات في كل الصحف المحلية العربية والانجليزية بدأ يتلاشى تدريجيا وأصبح كثير من المؤسسات يكتفي بصحيفة واحدة تحت حجة تقليل المصروفات وترشيد النفقات، كما تدهورت الاعلانات ومداخيلها بشكل دراماتيكي في ظل الازمة العالمية وانعكاساتها على المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، وبدوره توجه القارئ الى الاخبار والمعلومات التي تبثها المحطات الاخبارية على مدار الساعة للحصول على "وجبته اليومية"، بالاضافة الى التعليقات والتحليلات التي يستضاف لها الخبراء والمعلقون والمثقفون من نيويورك الى جزر القمر؟؟!! كما ان المشاركات القوية والمساهمات والتعليقات المميزة والاطروحات الجريئة التي كانت تربط الصحيفة بالقارئ وتنشر بشكل أسبوعي او يومي في بعض الجرائد تحت عنوان (بريد القراء) انتقلت بدورها الى الاعلام الجديد وبالتحديد الى المنتديات القطرية والصفحات الاجتماعية التفاعلية مثل بلوجرز ووتويتر والفيس بوك، بل أكاد أجزم بأن هذا الوسائل بدأت تغني الكثير عن قراءة ومتابعة الصحف المحلية والاخبار اليومية لانها تأتي بكل ما نشر او سينشر حتى قبل ان تنشره الصحف في اليوم الآخر؟؟!!. وظلت حرية التعبير في قطر والصحافة بالتحديد تتراجع في مستويات التقييم الدولي وآخرها التقرير الذي نشرته مؤسسة مراسلون بلا حدود قبل عدة ايام، وإذا لم يخرج قانون عصري ينظم وسائل الاعلام ويفتح الباب للتغيير الجذري فمن المتوقع أن نكون في مؤخرة الركب خلال اقل من 5 سنوات بعدما كنا في مقدمته وأقول خمس سنوات لانني بطبعي غالبا ما أكون متفائلا اكثر من اللازم؟؟!!
السؤال: هل مصير الصحف القطرية الى الزوال في ظل الاوضاع الصعبة التي تعيشها؟؟!! الجواب هو (لا)، ليس بعد. ان التحديات التي تواجهها الصحف يجب ان تدفعها لمواكبة التطوير والتغيير في الشكل والمضمون في المظهر والجوهر واهم ساحة صحفية يمكن ان تستفيد الصحف القطرية من تجربتها هي ساحة الصحافة الكويتية التي تحتل المركز المتقدمة عربيا بلا منازع في التقييمات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير. وبدورنا نتقدم بالتهنئة للصحافة الكويتية الشقيقة لاحتلال الكويت للمركز الأول بين دول الشرق الأوسط لحرية الصحافة عن عام 2009 حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود " والذي وضع الكويت في المركز الـ 60 عالميا والأول عربيا.
الكويت شهدت محاولات عديدة لتعديل قانون المطبوعات والنشر الذي صدر في عام 1961 وكان ابرزها واهمها التعديلات القانونية التي عرضت على المجلس البرلماني في 1971 (السنة نفسها التي اصدرنا فيها قانون المطبوعات والنشر القطري الحالي) الى ان نجحت المحاولات في 6 مارس 2006 بعدما آمن الجميع ان الوقت حان للتغيير الحقيقي واللحاق بالركب بعد فوات الاوان، في 6 مارس 2006 لتحصد الكويت ثمار التغيير وتتقدم على كل الدول العربية الكبيرة والصغيرة؟؟!!لقد كان القانون القديم واسعا ومطاطا وهلامياً ومليئا بالعقوبات والغرامات وكان يعطي حق منح وسحب وتعطيل استخدام التراخيص الصحفية بمقتضى قرار إداري دون أن يكون للمتظلم حق اللجوء للقضاء، اما القانون الجديد فيعتبر قفزة الى الامام حيث ينص على حظر الغاء الترخيص للصحف من دون قرار نهائي من المحكمة، كما يسمح القانون للمواطنين الذين رفضت طلباتهم لترخيص اصدارات جديدة ان يتقدموا بشكوى امام المحكمة، ويعزز القانون في مواده مبدأ الرقابة الذاتية، ويطرح مبدأ «البقاء للأصلح»، والبقاء ليس هو الاستمرار في الصدور على حساب الإعلان التجاري، وانما بمحاكاة واقع المجتمع وهمومه وبروز صحافة الجرأة والمصداقية، رغم ذلك وصف بعض المحللين مثل الكاتب الصحفي أحمد الدين القانون بأنه «خطوتان للأمام وخطوة للخلف، إذ يقر بمبدأ تعقيب القرار الإداري بالقضاء ويلغي عقوبة التعطيل الإداري للصحف إلا أنه بالمقابل يحيل العديد من المواضيع إلى قوانين أخرى مثل قانون الجزاء وقانون أمن الدولة وهما قانونان يتضمنان عقوبات أشد مما ينص عليه قانون المطبوعات، إضافة إلى أنه يخالف مبدأ إقليمية الجريمة ويوقع العقوبة على الناشر المحلي بدلا من المؤلف. ومع ذلك تمكنت الصحافة الكويتية من تعزيز فكرة السلطة الرابعة، وبغض النظر عن كون المسائل التي تثار إيجابية أو سلبية بالنسبة للمواطنين، فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية تنظران الآن إلى الإعلام ودوره بعين الاحترام والتقدير.
يحسب لقانون المطبوعات الكويتي أنه فتح الباب لإصدار صحف ومجلات ومطبوعات جديدة (يرجع صدور آخر صحيفة كويتية قبل القانون الجديد إلى عام 1972)، واليوم يقدر عدد الصحف الكويتية بحوالي 15 صحيفة يومية ناطقة بالعربية وثلاث صحف تصدر بالإنجليزية، ومع ان هذا العدد يعتبر كبيرا اذا ما قيس بحجم القراء وعدد السكان في الكويت حيث تشير الاستطلاعات ان ما يقدر بـ 20 % من السكان الكويتيين يقرأون الصحف بشكل يومي، الا ان كل جريدة تمكنت من الاستحواذ على جمهورها والاحتفاظ بقرائها وعشاقها ومحبيها المطلعين على أخبارها المتابعين لها، ومازالت الصحف التي تأسست منذ 40 سنة متربعة على عرش التوزيع رغم المنافسة والتحدي الذي فرضته الصحف الجديدة على الساحة، فقد استوعبت حجم التحديات المفروضة واصبحت لصيقة اكثر من قبل بالقراء من خلال عرض اطروحاتهم وافكارهم وتبني قضاياهم المعيشية والدفاع عنها، كما ان زيادة عدد الصحف وتنوعها في اضافة رؤى جديدة ساهمت في رفع الوعي الوطني وزيادة التنوع الفكري والثقافي في المجتمع.
ان المرحلة التي ندخلها تستوجب الحديث عن ضرورة التغيير في الساحة الصحفية القطرية، فالصحف يجب عليها التطوير في شكلها واخراجها سنويا خصوصا في صفحاتها على شبكة الانترنت وادخال وسائل الاعلام الجديدة مثل الصفحات التفاعلية ومشاركة القارئ في التعليق على الاخبار والمقالات، واضافة صفحات لبعض القراء الذين يحبون المساهمة بأقلامهم أو ربط موقعهم بموقع الجريدة، ولابد من التركيز على الاخبار التي تشد انتباه القارئ، وابراز القضايا المحلية في مقدمة الاخبار وعلى صدر الصفحات الاولى وفي العناوين الرئيسية وارجاع الاخبار الدولية والصفحات والصور التي ليس لها ارتباط بمعلومة مهمة او خبر انفرادي للصحيفة الى الصفحات الاخيرة وليس العكس كما هو حاصل حاليا؟؟!! ولابد ايضا من الاستعجال في المطالبة بصدور قانون عصري وحضاري جديد لوسائل الاعلام وللمطبوعات والنشر، وضرورة تغيير القيادات الصحفية ورؤساء التحرير ومحاسبتهم عن طريق الانتاجية والانتشار والانفرادات التي تحصل عليها الصحيفة بشكل يومي، كما يجب ومن الضروري كسر الاحتكار الذي تجاوز اكثر من 30 سنة وفتح الباب لاصدار صحف جديدة وضخ دماء شابة للعمل في المؤسسات الصحفية ودعمهم وتأهيلهم ماديا ومعنويا. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يوجهنا اليوم، فهل سننجح في الاختبار؟؟!! ام سنظل نتراجع الى الخلف سنة بعد اخرى؟؟!!

Aljaberzoon@gmail.com