الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مونديال "2022" في قطر.. موعد مع صناعة التاريخ

2010-12-08

* ضرورة توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة
* ما السر القطري الذي استطاع أن يتفوق على الآخرين؟!
* اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين

حتى أكبر المتشائمين ما كان يتوقع أن تخرج دول عظمى مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان واستراليا من استضافة نهائيات كأس العالم بهزيمة ساحقة. وتحظى باحتضان اكبر تظاهرة كروية في العالم بعد اثني عشر عاماً دولة صغيرة موجودة في الشرق الأوسط منطقة الصراعات والاحتقانات السياسية والضربات العسكرية المحتملة، وتقع على ضفاف بحر الخليج الذي لا يزال يتم الصراع على تسميته بالفارسي أو العربي، كان آخرها في افتتاح الألعاب الآسيوية في الصين؟! ولكنها كرة القدم التي تستطيع أن تنتصر فيها الفرق والدول والمنتخبات الصغيرة على الدول ذات الأحجام والسكان والمساحات الكبيرة. ويلعب فيها التخطيط والتكتيك والمهارات والظروف والحظوظ دورا كبيرا في الفوز وذلك ما يفسر عظمة هذه اللعبة واحتلالها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وهي ليست مجرد لعبة رياضية فقط؟!
عبرت صحيفة واشنطن بوست" الأمريكية (Washington Post) تحت عنوان "قطر تهزم الولايات المتحدة الأمريكية" عن دهشتها في قولها "حطمت واحدة من أصغر الدول على كوكب الأرض الأحلام الكبيرة للولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي تصويت تاريخي جرى بزيوريخ الخميس منح (الفيفا) استضافة كأس العالم لدولة شرق أوسطية أصغر من ولاية (كونيتيكت)، بعدما وعدت بخطط لملاعب كرة قدم مبتكرة يتم تكييف الهواء فيها، وموارد مالية ضخمة". كما أن ردة الفعل المعبرة لخيبة الأمل تمثلت في تصريح رئيس الولايات المتحدة، لذا اقترح توجيه أولى دعوات الافتتاح إلى رئيس الولايات المتحدة على الرغم من أن اوباما لن يكون في البيت الأبيض ساعتها؟! الجدير بالذكر أن عملية الاختيار للملف القطري تمت بطريقة ديمقراطية، وبالاقتراع الحر، وبناء على وقائع ومعطيات وملفات مفتوحة عن استعدادات وبنى تحتية رياضية وخبرة تنظيمية.
ما السر القطري الذي استطاع ان يتفوق على الآخرين؟! خلف الحربي في جريدة الجريدة الكويتية يشير الى انه لكي لا نقع ضحية للأوهام فإن علينا أن ندرك أن المسألة لا تتعلق بالأموال فقط، فكل الخليجيين يملكون المال وهم لا يترددون في إنفاقه دون حساب على كرة القدم، كما أن المسألة لا تتعلق بالدعم السياسي، فكل القيادات السياسية في الخليج تدعم الرياضة، ولكن السر القطري يكمن في أن القطريين اليوم أصبحوا قادرين على مخاطبة العالم باللغة التي يحبها ويقدرها، وإذا كان ثمة بلد عربي استطاع أن يدرك تحولات عصر العولمة ويحل ألغازها المعقدة فهو بلا شك قطر. لقد أدرك القطريون مبكرا أن مقاييس العولمة لا تعتمد على المساحة وعدد السكان بقدر ما تعتمد على الانفتاح والتأثير الإعلامي وتوظيف الأموال بالشكل الصحيح من أجل خدمة الأهداف السياسية الطموحة، لذلك لم يفوتوا الفرصة كي يمنحوا بلدهم مساحتها اللامعة في خرائط العولمة.
هل بإمكان دولة قطر الصغيرة التي لا يتعدى عدد سكانها 1،6 مليون نسمة تنظيم هذا المونديال الضخم؟ الإجابة جاءت في مقال لصحيفة فرانكفورتر الجماينا الالمانية في أن أحدا لم يكن قبل عشرين سنة يستطيع أن يحلم أن البحرين أو الإمارات ستتمكن من تنظيم مسابقات الفورمولا 1. كما نبهت الصحافة الألمانية الى أن هذه الدولة الصغيرة لا يتهددها خطر الإرهاب وعقدت مقارنة سريعة مع جنوب أفريقيا التي استضافت المونديال السابق والبرازيل التي ستستضيف المونديال المقبل، مؤكدة أن قطر هي الأكثر أمنا من كل تلك الدول التي تنتشر الجريمة المنظمة على أراضيها، أما مشكلة الحرارة الشديدة في قطر فإن التغلب عليها أمر ممكن في ظل تكييف الملاعب. رئيس لجنة التقييم "هارولد ماين نيكولز" يرد على المزاعم التي ترى قطر أنها دولة صغيرة قد لا تستطيع الوفاء بتعهداتها من أجل إقامة هذا الحدث الكبير قائلا: يجب عدم الخوف وعدم عقد مقارنة بين الدول المنظمة للبطولة، فأول بطولة في المونديال التي جرت في الاورجواي لم يكن هناك إلا ملعبان فقط وعشرة فرق والمسافة الزمنية التي تفصل بين قطر وأول مونديال في الاورجواي هي 80 سنة تغير فيها العالم كثيرا وأصبحت التقنيات خارقة في إنجاز ما لم يكن يعتقد أنه سينجز.
هل ستتغير الصورة النمطية المأخوذة عن المنطقة؟ أشارت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية (Financial Times) الى ان مفاجأة فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 أدت لتوحيد العرب بالفرحة العارمة فى المنطقة التى تشتهر بالانقسامات والخلافات. وأعربت عن املها أن تمثل استضافة قطر للبطولة فرصة للتخلص من ربط المنطقة العربية بالتشدد الإسلامي والسجل السيئ لحقوق الإنسان والحكم الاستبدادي. الجالية العربية المقيمة في ميونيخ ترى في تقرير نشرته "ايلاف" أن هذا الاختيار رغم تكلفته الكبيرة لدولة قطر الصغيرة إلا أنه سيكون فرصة للغرب والعالم ليتعرف على العرب وعلى الإسلام بشكل أكثر واقعية وبعيدا عن وسائل الإعلام الغربية التي طالما أججت مشاعر الكراهية بين الطرفين، وإن اختيار قطر سيسلط الأضواء مرة أخرى على العرب والمسلمين ولكن بشكل إيجابي هذه المرة ويقول يجب أن يقف العرب متضامنين مع قطر وألا يصابوا بعقدة الحسد والمنافسة ويتسببوا في إفشالها كما فعلوا مرات عديدة بسبب قناة الجزيرة. لقد تغيرت أوضاع المنطقة بالتأكيد في السنوات الأخيرة ولم تعد تمثل تلك الصورة السوداوية التي تشكلت في وسائل الإعلام الدولية خصوصا بعد أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتمثل شعوبا تعيش على أساس عرقي، ديني، طائفي، وتشعل الحروب من أجلها. من شاهد بطولة كأس الخليج لا حظ التنوع من لاعبين ومنظمين وجمهور وعشاق ومناصرين من قبل أصحاب الأديان والمذاهب والأعراق والملل. كان هناك المسلم الشيعي والسني الأباضي والزيدي والمسيحي واليهودي، العربي والأعجمي والكردي والفارسي الأصل والبلوشي والبدون وأجانب يحملون جنسيات عربية وغربية وغير ذلك. ومع المونديال ستشهد المنطقة نقطة تحول تاريخية مغايرة ستعصف بالعقليات والأفكار والتصورات السائدة فيها وعنها، وسيتعرف العالم كله وهو يشاهدنا عن قرب على حقيقة الأرض والإنسان الذي يعيش فيها وهو اختبار كبير أتمنى أن ننجح جميعا في تحقيقه.
عن فوائد المونديال العالمي تشير دراسة نشرتها وسائل الإعلام العالمية في نهاية مونديل 2010 في جنوب أفريقيا إلى تزايد فخر بلاد قوس قزح بهذا المحفل العالمي. وبالإضافة إلى نجاحها الكبير، كان لها دور كبير ومهم في تعزيز الإحساس بالوحدة الوطنية. وعندما سئل الجنوب أفريقيون سنة 2008 ما إذا كانوا يعتقدون أن من شأن كأس العالم أن تعزز شعورهم بالوحدة، أجاب 75%أن ذلك احتمال وارد. وقد أفادت نتائج الأبحاث التي أجريت عقب تنظيم الحدث أن العرس العالمي عزز فعلاً من ذلك الشعور؛ فقد أكد 91% أن البلد أصبح متحداً أكثر من قبل. كما أظهرت نتائج الأبحاث ارتفاعاً في مستوى الثقة الوطنية، حيث أكد تسعة من أصل كل عشرة مواطنين أنه، بعد تنظيم البطولة، أضحى بلدهم يتمتع بإحساس أقوى من حيث الثقة في إمكاناته؛ وصرح 87% بأنهم يشعرون بثقة أكبر في إمكانات بلدهم وقدراته. كما أشاد 98% من الذين شملتهم الدراسة بالجو السائد في جنوب أفريقيا. الزوار عادوا إلى بلدانهم بذكريات طيبة عن هذا البلد. فقد كانت آراء 84% من الضيوف الأجانب أكثر إيجابية عن البلد بعد تنظيم البطولة من قبل. كما أن نسبة الجنوب أفريقيين الذين كانوا يظنون أن الجريمة قد تشكل تهديداً بالنسبة للبطولة تراجعت من 66% التي سُجلت قبل تنظيم البطولة لتبلغ 27% بعد نهايتها.
مبروك للشعب القطري والعربي تنظيم العرس الكروي العالمي 2022، وصدق بن فطيس "قبل أمس كان الحلم بالخوف محفوفا.. واليوم صار الحلم.... بين كفوفنا" لكن هل القصة تنتهي هنا أم هي مجرد بداية مع تاريخ جديد تصنع قطر لنفسها؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق