الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

نداء إلى وزير التعليم.. اتجه شرقا

التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة
الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر
نقترح عقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند واليابان فى مجال التعليم
المجتمعات تُهزَم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة)
نشر بتاريخ 23-12-2009

هل هناك صراع في المجتمع يحتل فيه التعليم الزاوية الأساسية؟ بالتأكيد.. نعم! فها نحن على أعتاب دخول العام القادم الذي نكمل فيه عشر سنوات عجاف من عمر الألفية في ظل الإشكاليات والتحديات التي تطرح نفسها في كل يوم، وفي ظل عدم حسمنا لكثير من الأمور المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، التي تحدد مصير مجتمعنا!، كما يكمل نظامنا التعليمي الذي بدأت حركة التغيير فيه (أو التجريب فيه، فلن نختلف كثيرا على التسمية)، عامه الثامن بعد أن انطلق في بداية 2002 بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته كجهة مستقلة، وانتهى بعودته إلى وزارة التعليم ودمجه فيها 2009م. فهل نستطيع أن نؤكد اليوم أن التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة، لا على المستوى العلمي والأكاديمي، ولا حتى في الوفاء بمتطلبات القبول في أي جامعة بالداخل قبل الخارج، ولا يسهم حتى في النجاح بسوق العمل، لا على المستوى المحلي ولا الدولي؟!

أين يكمن الخلل، وأين هي العلة، وما الذي ينقصنا؟ فالنسبة السكانية المحدودة والإمكانات والموارد المادية الكبيرة لدينا مقارنة بعدد السكان تعد أفضل من أمريكا واليابان وكل أوروبا، والاستقطاب والاستعانة بالخبراء والأجانب هي الأعلى في العالم، وبناء المدارس والمعاهد التعليمية وضخ الميزانيات الحكومية فيها بالمليارات لا تقارن بها غيرها، الأمر الذي يجب أن يجعل تجربتنا في قطر هي الأفضل، ويحولها إلى النموذج الأمثل في التقدم والنجاح والتطور، خصوصا في مستويات الانجازات والنتائج، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما، فنتائج الاختبارات المحلية والإقليمية والدولية ومنها النتائج الأخيرة التي أعلن عنها خلال السنة، والسنة الماضية وما قبلها وربما بعدها بسنوات قادمة، تبين أننا نقبع في مؤخرة الركب وبالتحديد في المرتبة قبل الأخيرة عند مقارنتنا مع كل الدول العربية الشقيقة من المحيط الخاثر إلى الخليج العاثر؟!
هل استنفدت الرؤية التي قدمت لإصلاح منظومة التعليم في قطر خياراتها الأخيرة ولم تعد قادرة على تقديم المزيد؟ فالخيارت التي قُدمت تراوحت بين قبول ورفض النموذج المركزي المعدل، و كان هو الخيار الأول الذي طرح على الطاولة، ومن الملاحظ أننا نعود رويدا رويدا إلى هذا الخيار المرفوض بعد التطورات الأخيرة في منظومة التعليم لمرحلة جديدة وفقدان مبدأ الاستقلالية!. أما نظام العقد المدرسي فحدث ولا حرج عن الأنظمة واللوائح والآليات وسياسة التجريب والخطأ في المبادرة ابتداءً من المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم إلى المسؤولين في المدارس المستقلة، مرورا بالمناهج وتدريسها والقائمين عليها وليس انتهاء بمجلس الأمناء ودوره في محاسبة ومتابعة أداء المدرسة وتقييم نتائجها ونتائج الطلبة ليقارنها بنتائج الأعوام السابقة، ويحاسب المدرسة بناء على ذلك ويحاسب نفسه أيضا، ويوما بعد يوم نكتشف أن (الخرق اكبر من الرقعة)؟! أما الخيار الثالث المتمثل في نظام الكوبونات التعليمية فهو أشبه بنادي امتياز خاص، لا نعرف الكثير عنه ولا عن أعضائه ولا عن مدى نجاحه ولا كيف نقيمه؟!
هل هناك خيارات أخرى لم تطرح بعد، وهل المشكلة تكمن في طرح الأفكارفقط دون تنفيذها وتحويلها الى واقع ملموس ومعاش وناجح على الأرض؟. فالأفكار مرمية على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما هو الخيار الرابع أريد أن أعترف بداية أنني لم أجد لوصف الفكرة التي أتحدث عنها ـ وأتمنى من الآخرين أن يشاركوا فيها ـ عبارة أفضل من مصطلح الخيار الرابع. والخيار الرابع هو خيار عمليٌ وليس نظرياً، تطبيقيٌ وليس تلقينياً، واقعيٌ وليس متخيلاً، الخيار الرابع هو أن نتجه شرقا وننفتح على التجارب العملية الناجحة في المنظومة التعليمية الآسيوية وننقل المبادرة التي ولدت في أجواء البرودة الغربية على ايدي راند إلى أحضان الشمس الدافئة الشرقية في الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وأن نتبنى النموذج الآسيوي التعليمي الناجح في هذه الدول وغيرها، وهو النموذج الذي يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويقوم على التطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، ويشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق.
هذا نداء أوجهه لوزير التعليم والتعليم العالي، أدعوه فيه اليوم إلى أن يترك بصمة مميزة يذكرها له المجتمع بالخير، وأن يكون هو السباق في تبني مبادرة الانفتاح على المنظومة التعليمية الشرقية من أوسع أبوابها، عله يدرس تجربة المنظومة التعليمية الهندية من الداخل، التي أخذ سحر نجاحها المميز ينتشر ويعم في العالم، الأمر الذي جعل اليابان تحسد الهند، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالاتي السابقة، وأن يطلع على تجربة تدريس المناهج في كوريا الجنوبية وآثارها الايجابية بعيدة المدى، التي لا تقيم وزناً كبيراً للاختبارات، بل تجعل اهتمامها مُنصباً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية، ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف، يمكن أن نستفيد من تايوان التي بدأت مشاريع تعليمية رائدة، أهمها إنشاء ما سمي بكليات المجتمع تحت شعار "تعليم مدى الحياة" وهدفها تقديم برامج تعليمية مرنة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توفر تلقي الكورسات المقررة من خلال الراديو والتلفزيون والانترنت، ويتجاوز عددها اليوم 87 فرعا منتشرا في كل أقاليم البلاد، وتتولى إدارتها مؤسسات لا تسعى إلى الربحية، علما بأن أولها افتتح في عام 1998 وبعدد من الطلاب والطالبات لا يتجاوز الثلاثة الآلاف، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة (وهو عدد سكان قطر من المواطنين)، بالإضافة إلى التجارب العديدة المميزة في هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وخصوصا في مجال البرامج الداعمة الهادفة لإنشاء بنية أساسية متينة للبحث العلمي من مختبرات علمية وتجهيزات لوجستية وتنمية بشرية.
إن الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر، ولتكن لدينا قناعة بتحقيق خطوة أولى، مرحلية، ونقوم بعقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند، واليابان، وتايوان على سبيل المثال، من خلالها نقوم بإنشاء 3 مدارس تستلهم أبرز 3 نماذج متميزة ناجحة ورائدة في المدارس الآسيوية في البلاد المذكورة، وتقوم عليها قيادات حصلت على دورات تدريبية، واستفادت من تجارب المسؤولين والمختصين في هذه المدارس في بلادها الأصلية، لكي يتم تطبيقها في المدارس التي أنشئت في قطر، بالإضافة إلى إرسال المؤهلين من القيادات التعليمية والتربوية وأعضاء هيئة التدريس للحصول على الدورات التدريبية، والمشاركة في ورش العمل والندوات والمؤتمرات في الدول الآسيوية، عوضا عن الدول العربية والأوروبية التي لا تقدم أي جديد، كما يتم تشجيع الطلبة وأولياء أمورهم على الإقبال على الابتعاث والدراسة في بعض الدول الآسيوية الرائدة من خلال تقديم المنح والامتيازات والحوافز..
هذه مجرد أفكار يؤخذ منها ويرد، والأفكار كما بيّنا على قارعة الطريق، ومن المهم أن نعلم جميعا أن مبادرتنا "تعليم لمرحلة جديدة" بحاجة إلى أن تغربل وتنعش وتجدد ويعاد إحياء الأمل فيها من جديد، وتفتح النوافذ بها والأبواب لدخول الشمس والهواء ولا أرى خيارات في خفض حالة الانبعاث المسببة للاحتباس الحراري والأجواء التعليمية المتردية في مجتمعنا خيرا من الانفتاح على التجربة الشرقية، يرى المفكر الجزائري الراحل، مالك بن نبي، أن المجتمعات تهزم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة). فأما (القاتلة) فهي المستوردة من الخارج، وليس العيب في استيرادها من الخارج ولكن الإشكالية أنها لا تناسب البيئة المستوردة التي تتحرك فيها، فهي فكرة فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي، أما الأفكار (الميتة) فهي تلك الأفكار التي انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على الحركة والعطاء، فهي فكرة خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي، فإذا عددنا المدارس الحكومية جزءاً من الأفكار الميتة، هل تصبح المدارس المستقلة جزء من الأفكار القاتلة؟؟!! الحوار يبدأ هنا ولا ينتهي؟!
Aljaberzoon@gmail.com

نداء إلى وزير التعليم.. اتجه شرقا



التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة
الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر
نقترح عقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند واليابان فى مجال التعليم
المجتمعات تُهزَم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة)
نشر بتاريخ 23-12-2009

هل هناك صراع في المجتمع يحتل فيه التعليم الزاوية الأساسية؟ بالتأكيد.. نعم! فها نحن على أعتاب دخول العام القادم الذي نكمل فيه عشر سنوات عجاف من عمر الألفية في ظل الإشكاليات والتحديات التي تطرح نفسها في كل يوم، وفي ظل عدم حسمنا لكثير من الأمور المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، التي تحدد مصير مجتمعنا!، كما يكمل نظامنا التعليمي الذي بدأت حركة التغيير فيه (أو التجريب فيه، فلن نختلف كثيرا على التسمية)، عامه الثامن بعد أن انطلق في بداية 2002 بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته كجهة مستقلة، وانتهى بعودته إلى وزارة التعليم ودمجه فيها 2009م. فهل نستطيع أن نؤكد اليوم أن التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة، لا على المستوى العلمي والأكاديمي، ولا حتى في الوفاء بمتطلبات القبول في أي جامعة بالداخل قبل الخارج، ولا يسهم حتى في النجاح بسوق العمل، لا على المستوى المحلي ولا الدولي؟!

أين يكمن الخلل، وأين هي العلة، وما الذي ينقصنا؟ فالنسبة السكانية المحدودة والإمكانات والموارد المادية الكبيرة لدينا مقارنة بعدد السكان تعد أفضل من أمريكا واليابان وكل أوروبا، والاستقطاب والاستعانة بالخبراء والأجانب هي الأعلى في العالم، وبناء المدارس والمعاهد التعليمية وضخ الميزانيات الحكومية فيها بالمليارات لا تقارن بها غيرها، الأمر الذي يجب أن يجعل تجربتنا في قطر هي الأفضل، ويحولها إلى النموذج الأمثل في التقدم والنجاح والتطور، خصوصا في مستويات الانجازات والنتائج، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما، فنتائج الاختبارات المحلية والإقليمية والدولية ومنها النتائج الأخيرة التي أعلن عنها خلال السنة، والسنة الماضية وما قبلها وربما بعدها بسنوات قادمة، تبين أننا نقبع في مؤخرة الركب وبالتحديد في المرتبة قبل الأخيرة عند مقارنتنا مع كل الدول العربية الشقيقة من المحيط الخاثر إلى الخليج العاثر؟!
هل استنفدت الرؤية التي قدمت لإصلاح منظومة التعليم في قطر خياراتها الأخيرة ولم تعد قادرة على تقديم المزيد؟ فالخيارت التي قُدمت تراوحت بين قبول ورفض النموذج المركزي المعدل، و كان هو الخيار الأول الذي طرح على الطاولة، ومن الملاحظ أننا نعود رويدا رويدا إلى هذا الخيار المرفوض بعد التطورات الأخيرة في منظومة التعليم لمرحلة جديدة وفقدان مبدأ الاستقلالية!. أما نظام العقد المدرسي فحدث ولا حرج عن الأنظمة واللوائح والآليات وسياسة التجريب والخطأ في المبادرة ابتداءً من المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم إلى المسؤولين في المدارس المستقلة، مرورا بالمناهج وتدريسها والقائمين عليها وليس انتهاء بمجلس الأمناء ودوره في محاسبة ومتابعة أداء المدرسة وتقييم نتائجها ونتائج الطلبة ليقارنها بنتائج الأعوام السابقة، ويحاسب المدرسة بناء على ذلك ويحاسب نفسه أيضا، ويوما بعد يوم نكتشف أن (الخرق اكبر من الرقعة)؟! أما الخيار الثالث المتمثل في نظام الكوبونات التعليمية فهو أشبه بنادي امتياز خاص، لا نعرف الكثير عنه ولا عن أعضائه ولا عن مدى نجاحه ولا كيف نقيمه؟!
هل هناك خيارات أخرى لم تطرح بعد، وهل المشكلة تكمن في طرح الأفكارفقط دون تنفيذها وتحويلها الى واقع ملموس ومعاش وناجح على الأرض؟. فالأفكار مرمية على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما هو الخيار الرابع أريد أن أعترف بداية أنني لم أجد لوصف الفكرة التي أتحدث عنها ـ وأتمنى من الآخرين أن يشاركوا فيها ـ عبارة أفضل من مصطلح الخيار الرابع. والخيار الرابع هو خيار عمليٌ وليس نظرياً، تطبيقيٌ وليس تلقينياً، واقعيٌ وليس متخيلاً، الخيار الرابع هو أن نتجه شرقا وننفتح على التجارب العملية الناجحة في المنظومة التعليمية الآسيوية وننقل المبادرة التي ولدت في أجواء البرودة الغربية على ايدي راند إلى أحضان الشمس الدافئة الشرقية في الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وأن نتبنى النموذج الآسيوي التعليمي الناجح في هذه الدول وغيرها، وهو النموذج الذي يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويقوم على التطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، ويشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق.
هذا نداء أوجهه لوزير التعليم والتعليم العالي، أدعوه فيه اليوم إلى أن يترك بصمة مميزة يذكرها له المجتمع بالخير، وأن يكون هو السباق في تبني مبادرة الانفتاح على المنظومة التعليمية الشرقية من أوسع أبوابها، عله يدرس تجربة المنظومة التعليمية الهندية من الداخل، التي أخذ سحر نجاحها المميز ينتشر ويعم في العالم، الأمر الذي جعل اليابان تحسد الهند، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالاتي السابقة، وأن يطلع على تجربة تدريس المناهج في كوريا الجنوبية وآثارها الايجابية بعيدة المدى، التي لا تقيم وزناً كبيراً للاختبارات، بل تجعل اهتمامها مُنصباً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية، ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف، يمكن أن نستفيد من تايوان التي بدأت مشاريع تعليمية رائدة، أهمها إنشاء ما سمي بكليات المجتمع تحت شعار "تعليم مدى الحياة" وهدفها تقديم برامج تعليمية مرنة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توفر تلقي الكورسات المقررة من خلال الراديو والتلفزيون والانترنت، ويتجاوز عددها اليوم 87 فرعا منتشرا في كل أقاليم البلاد، وتتولى إدارتها مؤسسات لا تسعى إلى الربحية، علما بأن أولها افتتح في عام 1998 وبعدد من الطلاب والطالبات لا يتجاوز الثلاثة الآلاف، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة (وهو عدد سكان قطر من المواطنين)، بالإضافة إلى التجارب العديدة المميزة في هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وخصوصا في مجال البرامج الداعمة الهادفة لإنشاء بنية أساسية متينة للبحث العلمي من مختبرات علمية وتجهيزات لوجستية وتنمية بشرية.
إن الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر، ولتكن لدينا قناعة بتحقيق خطوة أولى، مرحلية، ونقوم بعقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند، واليابان، وتايوان على سبيل المثال، من خلالها نقوم بإنشاء 3 مدارس تستلهم أبرز 3 نماذج متميزة ناجحة ورائدة في المدارس الآسيوية في البلاد المذكورة، وتقوم عليها قيادات حصلت على دورات تدريبية، واستفادت من تجارب المسؤولين والمختصين في هذه المدارس في بلادها الأصلية، لكي يتم تطبيقها في المدارس التي أنشئت في قطر، بالإضافة إلى إرسال المؤهلين من القيادات التعليمية والتربوية وأعضاء هيئة التدريس للحصول على الدورات التدريبية، والمشاركة في ورش العمل والندوات والمؤتمرات في الدول الآسيوية، عوضا عن الدول العربية والأوروبية التي لا تقدم أي جديد، كما يتم تشجيع الطلبة وأولياء أمورهم على الإقبال على الابتعاث والدراسة في بعض الدول الآسيوية الرائدة من خلال تقديم المنح والامتيازات والحوافز..
هذه مجرد أفكار يؤخذ منها ويرد، والأفكار كما بيّنا على قارعة الطريق، ومن المهم أن نعلم جميعا أن مبادرتنا "تعليم لمرحلة جديدة" بحاجة إلى أن تغربل وتنعش وتجدد ويعاد إحياء الأمل فيها من جديد، وتفتح النوافذ بها والأبواب لدخول الشمس والهواء ولا أرى خيارات في خفض حالة الانبعاث المسببة للاحتباس الحراري والأجواء التعليمية المتردية في مجتمعنا خيرا من الانفتاح على التجربة الشرقية، يرى المفكر الجزائري الراحل، مالك بن نبي، أن المجتمعات تهزم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة). فأما (القاتلة) فهي المستوردة من الخارج، وليس العيب في استيرادها من الخارج ولكن الإشكالية أنها لا تناسب البيئة المستوردة التي تتحرك فيها، فهي فكرة فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي، أما الأفكار (الميتة) فهي تلك الأفكار التي انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على الحركة والعطاء، فهي فكرة خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي، فإذا عددنا المدارس الحكومية جزءاً من الأفكار الميتة، هل تصبح المدارس المستقلة جزء من الأفكار القاتلة؟؟!! الحوار يبدأ هنا ولا ينتهي؟!
Aljaberzoon@gmail.com

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

لا توجد لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية

ملف الصحة واستراتيجية الوزير
2009-12-16

استبشرت خيرا باختيار وزير الصحة الحالي رغم أن تخصصه لا يربطه بالصحة لا من قريب ولا من بعيد، حتى لو كانت المسألة مرتبطة بالقدرة الشخصية والتمكن من القيادة، فمسألة وجود وزير أو مسؤول من خلفية تكنوقراطية (Technocracy) يعين في الوزارات أو الهيئات المتخصصة والتي يغلب عليها الطابع العلمي الفني التخصصي هي الخيار الامثل.. أقول: إنني استبشرت بقدوم وزير الصحة كشخصية ناجحة تمثل جيل العقد الثالث في مجتمعنا، وهو الجيل الذي ينتمي إليه الكثير من القيادات الشابة الواعدة التي أتيحت لها فرصة الاطلاع والاستفادة من تجربة الدراسة والعمل (في ومع) الخارج وفي الغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، كما استفادوا من التجربة العالمية في الإدارة والقيادة والعمل والممارسة، وهو الأمر الذي يعزز من القدرات ويوسع الإدراك المعرفي ويسهم في التلاقي والتفاعل مع الأفكار الجديدة والسياسات التنفيذية الجريئة، ويبقي استثمار هذه القدرات وتحقيق النجاح والتقدم وفرض التغيير مرتبطاً بالشخصية نفسها، لذا أعتقد أن الوقت حان لوضع هذا الجيل والشخصيات المحسوبة عليه تحت مجهر الاختبار!.. وأنا أدعو الله من كل قلبي أن يكون النجاح حليف وزير الصحة، بالإضافة إلى وزير التعليم أيضا (المحسوب على الجيل نفسه) في حمل المهمة الجسيمة والثقيلة المنوطة بهما، فعلى عاتقهما تقع مسؤولية حمل أهم ملفين في كل دول العالم وفي مجتمعنا خصوصا!، وأريد أن أرفع لهما راية التحذير من الآن، فأغلب الذين حملوا جمرة هذين الملفين اكتووا بنارها؟؟!!
يعتبر ملف الصحة من أعقد الملفات وأصعبها في التعامل على الإطلاق، فرغم الجهود التي تبذلها الدولة في الصرف المالي الباهظ وغير المحدود على الصحة، والضخ في الميزانيات السنوية للقطاع الطبي، إلى جانب تعزيز بنوده بتخصيص ميزانيات إضافية من الفائض، فإن واقع الوضع الصحي غير مرضٍ، ومتأخر، ويقبع في مؤخرة الركب، إذا ما قارناه حتى بالدول الخليجية الشقيقة وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، فمسلسل الأخطاء الطبية والإهمال الإداري ونقص الأدوية وغياب معايير الجودة والكفاءة في التعامل الطبي وتكاليف ومبالغ العلاج الخيالية أصبحت سمة يومية في المستشفيات، والمراكز الصحية الحكومية، والخاصة على حد سواء!، وربما تكون أهم معركة يدخلها وزير الصحة هي معركة البناء وإعادة الثقة، فالأوضاع الصحية في قطر تشهد تراجعا كبيرا وخطيرا فى الآونة الأخيرة، وأمام الوزير قائمة من التحديات يجب عليه التغلب عليها لإعادة الثقة بالخدمات الصحية التي تقدم إلى المواطن والمقيم، فالخدمات تتسم بصورة سلبية ومشوهة لدى الرأي العام، بسبب الأحداث الكثيرة التي تداخلت، ورسمت صورة قاتمة لها، وباتت تمثل عقداً كثيرة من الصعب تفكيكها والتعامل معها بسهولة، وهي أيضا أشبه بكرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر إذا تم تأجيلها والاكتفاء بالتفرج عليها؟! وقد تكون حادثة 60 حالة تزوير شهادات لممارسين في القطاع الطبي الخاص، قد أثارت ضجة كبيرة على مستوى الرأي العام، كما ان تصريح مدير ادارة التراخيص الطبية بالمجلس الاعلى للصحة انه كل اسبوع يتم اكتشاف ما بين شهادتين الى ثلاث شهادات مزورة لاشخاص يزاولون مهنة الطب او التمريض او المهن الفنية الطبية الاخرى قدموا من جميع انحاء العالم، يدعو الى الخيفة والحذر من طبيعة الاوضاع الصحية في قطر، ورغم انه تم تعاقد مع شركة عالمية لتقوم بعملية تدقيق في المستندات والشهادات العلمية، فإن من الواجب على الوزير ان يقوم بتشكيل لجنة متخصصة من كافة الجهات المعنية في الدولة لوضع ضوابط وآليات محددة وعقوبات رادعة على المستوى الطبي للحد من وصول حاملي الشهادات الطبية المزورة الى العمل وممارسة المهنة.
هل هناك استراتيجية خاصة بالوزير خلال السنوات الـ 5 القادمة في التعاطي والتعامل والارتقاء بالوضع الصحي في قطر، والذي يربط بين وزارته ومؤسسات الدولة المعنية والمجتمع بما فيه من مواطنين ومقيمين؟؟، وما هذه الاستراتيجية، ومتى سيتم الإعلان عنها؟! فنحن الى اليوم لم نشهد أي دراسة حقيقية تضع الوضع الصحي أمام مشرط الجراحة وتفتح الجروح الصدئة في الإشكاليات التي تعاني منها الاوضاع الصحية في قطر، فنحن لا نعرف ما أخطر الأزمات والمشاكل الصحية التي يواجهها الانسان في المجتمع، وما حجمها، وما السبب في وقوعها، وما مدى انتشارها، ومن الفئة التي تعاني منها، وكيف يمكن احتواؤها ووقفها وعلاجها والقضاء عليها، وما الخطة التنفذية الموضوعة، ومن هم القائمون عليها؟، وكم من الوقت تحتاج الى تنفيذها؟؟!! باختصار، وكما يعلم الوزير ـ ونعلم جميعا ـ لا توجد حاليا لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية لا مرحلية ولا تكتيكية ولا حتى تلك التي تتعامل مع الازمات والطوارئ (لا قدر الله)، وعلى سبيل المثال، ففي حالة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات التي سببتها كارثة تسونامي في الكثير من الدول الآسيوية أو السيول الجارفة التي تعرضت لها مدينة جدة في السعودية قبل أسابيع، أو حتى وقوع هزة أرضية أو زلازل أو كارثة نووية أو انتشار مواد إشعاعية من مفاعل (بوشهر) على الضفة الأخرى من المياه الاقليمية القطرية (لا قدر الله)، فإننا نعلم جميعا أنه ليس هناك أماكن مجهزة يوضع فيها الضحايا والمنكوبون، ناهيك عن معالجتهم، ولا أعتقد أن إمكانيات مستشفى حمد العام والمباني التابعة له قادرة على التعامل مع هذه الحالات أو غيرها؟!
إننا نتساءل بصراحة: ما أجندة الوزير في التعامل مع الملفات الصحية المفتوحة، هل يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين فعالية النظام الصحي في قطر من خلال الاقتداء بتجارب دول أخرى كالدنمارك مثلا، ومتى ستتم إقامة قاعدة بيانات بشأن الوضع الصحي للسكان في قطر، ويتم ربط التحليل الذكي بالسجلات الطبية الالكترونية من أجل خدمة أفضل من حيث الجودة والتكلفة، ومتى سيكون لدى قطر ما يكفي من الكوادر الطبية الماهرة من أطباء وممرضين وفنيي مختبرات يمكنهم تقديم الرعاية الصحية الأولية الفاعلة كالوقاية ومعالجة الأمراض المزمنة والرعاية الاختصاصية، داخل البلاد في معظم الأحيان، ويصلون بالخدمات الصحية في البلاد الى المعايير العالمية فلا تكون هناك حاجة للعلاج في الخارج إلا في حالات استثنائية فحسب، وهل بات من الضروري تفعيل دور المراكز الصحية بشكل أكبر لتقوم بتخفيف الضغط على المستشفيات التي يجب أن تعنى بالحالات الصعبة فقط، ليتسنى للاختصاصيين فيها تكريس جهودهم للحالات المستعصية، وماذا عن الرقابة على القطاع الخاص في الخدمات التي يقدمها وفي الأسعار المرتفعة التي يفرضها على خدماته العلاجية، وما نوعية هذه الرقابة وكيف يتم تفعيلها، وأين هي التقارير السنوية التي تتناول الوضع الصحي بالمعدلات والإحصائيات والأرقام في مستشفيات ومراكز الدولة أو في مستوصفات القطاع الخاص، وماذا عن أولئك الذين يتم إرسالهم الى العلاج في مستشفيات الخارج بعيدا عن الوطن؟، وماذا عن حالة التذمر والاحتجاج والشكوى بين صفوف الأطباء على أوضاعهم وضعف رواتبهم مقارنة بنظرائهم في دول الخليج على سبيل المثال، وماذا عن الفنيين والمختصين في المختبرات والأقسام التخصصية الأخرى؟؟.
هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن هناك أكثر من توجه لدى مجموعة من الأطباء والوافدين للسفر إلى بعض الدول الخليجية في ظل الامتيازات الكبيرة التي تعرض عليهم، خاصة في السعودية والإمارات. كما أن هناك هجرة للأطباء من الوزارة للعمل في أماكن اخرى، واستقالات أطباء وافدين، بعضهم انتقل إلى دول أخرى، والبعض الآخر عاد إلى بلاده. وإضافة إلى ذلك تبدو البنية التحتية الصحية ايضا ضعيفة، فالقطاع يعاني ندرة الاختصاصيين والممرضات حسنات التدريب، وتقنيي المختبرات المهرة، كم معدل طبيب لكل ألف مواطن، هب أنه يقارب 1 % او اكثر، كم نسبة الاطباء القطريين ربما 2 %، ثم ما نسبة الممرضات والممرضين المواطنين ربما 4 في المائة؟! ماذا عن النقص في الطاقم الإداري، فقد لا تكون المشكلة الرئيسة في نوعية الأطباء والممرضات، بل في إدارة مرافق الصحة.. فهل ستتم شراكة بين القطاعين العام والخاص، كما فعلت كل من أبوظبي والبحرين في تدريب المديرين والمسؤولين والعاملين وتأهليهم للمناصب القيادية الصحية؟! وماذا عن أسعار الأدوية التي أصبحت مرتفعة بشكل مبالغ فيه، ولماذا لا تتوحد الأسعار، ولماذا لا تكون هناك رقابة على الأسعار وليس على الدواء فقط،؟!
من المصائب التي ابتلينا بها في هذا المجتمع ـ ولا يكاد يخلو منها بيت في قطر ـ انتشار مرض السرطان، فمعدلات الوفاة الناجمة عن مختلف أنواع السرطان قد تتجاوز نظيراتها في الدول الأخرى الخليجية والعربية والأجنبية ذات المعدلات السكانية الأعلى، فهل ستكون من أولويات الوزير إعادة النظر في هذا الميدان، بحيث يتم إيلاء تركيز أكبر، لتطوير المراكز الصحية وتزويدها بالمعدات المتقدمة للتشخيص والعلاج للمرض الخبيث، ويتم تزويدها بالكوادر الطبية الكفوءة؟! أخيرا هل يقوم الوزير في مبادرته الأولى بإعادة صياغة وهيكلة قطاعات الصحة وتشجيع أنماط الحياة الصحية بتنظيم حملات جيدة للتمويل تستهدف المشكلات الصحية والسلوكيات المؤثرة في الصحة العامة، وتنظيم توافر وأسعار المواد الغذائية غير الصحية والتبغ كفرض ضرائب عليها، وإجبار المؤسسات التي لها حقوق استيراد وبيع التبغ قي قطر على تخصيص جزء من أرباحها لدعم البرامج الصحية.
القائمة طويلة ونصحيتي لوزير الصحة أن يبدأ خطوة الألف ميل بوضع أهداف استراتيجية واضحة من أجل تحقيق نتائج صحية معينة، والتعاون مع شركاء ملتزمين وقادرين على تحقيق تغيير حقيقي في هذا القطاع، ربما يستمر الوزير في منصبه خمس سنوات وربما يرحل إلى مكان آخر.. لكن أمامه فرصة لكي يسطر له التاريخ أنه بدأ الخطوة الأولى وأمسك (الجمرة) بشجاعة بينما بقي الآخرون يتفرجون عليها لسنوات؟؟!!.
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

الخميس، 10 ديسمبر 2009

التعلم من التجربة الهندية

تعليم لمرحلة جديدة... التعلم من التجربة الهندية
2009-12-10
الشرق

هل يأتي اليوم الذي يضطرنا الواقع ومتغيراته إلى أن نرسل أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية؟! أوالعكس أن نحول مدارسنا ومعاهدنا إلى نموذج يحاكي تجربة النموذج التعليمي الهندي الذي بدأ ينتشر في العالم، ولكن لماذا نموذج من الهند؟ وماالذي يستطيع أن يقدمه إلى التعليم في قطر أو الخليج أو العالم العربي؟! بالإضافة إلى العمالة التي تدير الاقتصاد والاستثمارات في بعض الدول الخليجية وتبني العمارات والناطحات، وتعتني بالبيوت والمنازل وتقوم بدور أولياء الأمور والآباء والأمهات في الدول الأخرى؟؟!!
اتخذت الهند في بداية العام الحالي 2009م قرارات استراتيجية على مستويات مختلفة لكن أهمها تمثل في مراجعة وتقييم المنظومة التعليمية الرسمية، حيث أنشأت مجلساً حكومياً لإدارة المدارس (التي يبلغ عددها حوالي 30.000 مدرسة في كافة أرجاء الهند). ومن صلاحية المجلس صياغة الإطار العام للمناهج كوسيلة من وسائل تحديث وعصرنة مؤسسات التعليم من خلال حقن المناهج بجرعات أكبر وأحدث من علوم العصر كالرياضيات والفيزياء وعلوم الحاسوب والاقتصاد واللغات الأجنبية، ولاقى القرار معارضة من قبل الحرس القديم الذين شمل القرار مدارسهم "خصوصا من التيارات الهندوسية والجماعات الإسلامية" والذين شككوا في القرار واتهموه بأنه محاولة تهدف إلى سلخ الهوية الدينية "كما حدث في الصراع مع بعض التيارات الدينية في الخليج والعالم العربي بعد أحداث سبتمبر 11". وقد سمح النمط الجديد بإعطاء الطالب فكرة عامة عن مختلف الأديان الأخرى كي يتمكن من فهم أفضل لشركائه في الوطن بعدما كانت المناهج تعلي من عقيدة أو بعض من العقائد والأديان وتطعن في العقائد والأديان الأخرى، كما اتخذ موقفاً محايداً من جميع المذاهب والفرق الدينية بعدما كانت المناهج السابقة ترفع من مكانة مذهب أو فرقة أو تيار إيديولوجي وتهمش الأخرى، كما ركز النمط التعليمي الجديد على تخريج طلاب في معظم التخصصات الحديثة "طب، هندسة، قانون، تكنولوجيا، اتصالات، كمبيوتر، اقتصاد"، بعدما كان التركيز على التخصصات التي تعتمد على "البصم"، التلقين والحفظ؟؟!!.. أما المناهج التي تركز على تعلم اللغات فهي تعتمد على تفعيل وسائل الإعلام من خلال إنشاء إذاعة داخلية خاصة في كل مدرسة وإصدار نشرات ومجلات باللغة الأجنبية بالإضافة إلى مشاركة الطلبة في عمل وتقديم وتمثيل مسرحيات درامية وأغان وموسيقى وألعاب لغوية ويتم التنافس في ذلك داخل المدارس وبين بعضها البعض، وأيضا من خلال توفير تدريب خاص ومستمر للمدرسين حتى يتمكنوا من تدريس المناهج والأساليب العلمية الجديدة بصورة مناسبة ومن لا يصلح منهم بعد التقييم لا يستمر ويبحث عن مكان آخر؟؟!!
قبل مدة جمعتنا الصدفة مع مجموعة من الزملاء المحسوبين على القطاع التعليمي عندنا وسألتهم عن مدى اطلاعهم على التجربة التعليمية الهندية ولكنهم تجاهلوا مناقشة الأمر تماما وشرعوا يعطونني دروساً عامة عن التجربة اليابانية والأمريكية والأوروبية، فأخبرتهم أن لدي اطلاعاً لا بأس به على تلك التجارب بحكم المهنة والدراسة في الخارج، وكررت سؤالي عما إذا كانوا مطلعين على التجربة التعليمية في الهند أو بعض الدول الآسيوية الأخرى، فقالوا (لا)، نحن غير مهتمين بتلك التجارب وهي لا تعنينا في شئ ؟؟!! وهي إجابة تدل على جهل كبير وتصورات نمطية مسبقة عن الدول الآسيوية التي تسبقنا بمراحل ولديها تجارب ناضجة وعلمية وتخدمنا بطريقة أفضل من التجارب الغربية التي تقدم الدراسات والتقارير العامة ولا تركز على دراسة وتشريح كل حالة منفردة بخصوصيتها من خلال بيان نقاط القوة أو الضعف أو إبراز الجوانب الإيجابية وإبعاد السلبية وتغيرها من الداخل وليس من الخارج وهو ما يمثل التحدي الحقيقي كما حدث من مؤسسة "راند" التي قامت بدراسة المنظومة التعليمية في قطر على سبيل المثال؟؟!!
الرد العلمي الذي أريد أن أكمل به حجتي على زملائي التربويين يكمن في التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) في بداية 2008، تحت عنوان "اليابانيون يحسدون المدارس الهندية" (Losing an Edge، Japanese Envy India’s Schools) ويمكن الحصول عليه في موقع الصحيفة على الانترنت، وجاء فيه أن اليابان تعاني من أزمة ثقة بخصوص قدرتها على التنافس مع جيرانها الآسيويين كالصين والهند في عدة مجالات، آخرها الجانب التعليمي، فالعديد من اليابانيين يشعرون بشيء من عدم الأمن بخصوص مدارس البلاد، التي كانت تخرج طلابا يحتلون دائما قمة المنافسات الدولية. وهوالأمر الذي لم يعد واقعاً، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى أن يتلقوا الدروس من الهند، البلد الذي يراه اليابانيون القوة العظمى الصاعدة في مجال التعليم، وقد شهدت المدارس الهندية في اليابان والتي تعد محدودة إقبالاً كبيراً من الطلاب اليابانيين للالتحاق بها، فلقد واجهت اليابان تحديا كبيرا عندما تراجع تصنيف اليابان في إعلان منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية، ففي الرياضيات تراجعت اليابان عن المركز الأول عام 2000 إلى المركز العاشر حاليا بعد تايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية. ومن المرتبة الثانية في العلوم عام 2000 إلى المرتبة السادسة في الوقت الحاضر؟؟!!. وتعليقا على ذلك أشار أستاذ الثقافة الآسيوية في جامعة صوفيا (يوشينوري موراي) إلى أن اليابان كانت تنظر إلى الصين والهند باعتبارهما دولتين متخلفتين. إلا أن نظرتها اليوم إلى جيرانها بدأت تتغير، وأصبحت تنظر الآن للصين والهند باعتبار أن لديهما ما يقدمان، أما العبارة الأصدق فقد جاءت على لسان (كارواوكاموتو) أستاذ سياسات التعليم في المعهد الوطني للدراسات السياسية بطوكيو والذي قال إن اهتمام اليابان بالتعلم من الهند، هو مثل اهتمام أمريكا بالتعلم من نظام التعليم الياباني.
وأشار التقرير إلى أن مستوى نظام التعليم الهندي المتفوق يتضح في مدرسة "ليتل انجيلز" الهندية في اليابان والخاصة بطلاب المرحلة الأولى (Little Angels)، فالأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عامين، يتعلمون العد حتى رقم 20، أما الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى ثلاث سنوات فيتعلمون استخدام الكومبيوتر، بينما يتعلم الأطفال الذين تصل أعمارهم خمس سنوات، الضرب وحل المسائل الرياضية وكتابة موضوعات بالإنجليزية بينما أقرانهم في المدارس اليابانية الأخرى لا يصلون إلى هذا المستوى إلا متأخرين ويعانون صعوبات كثيرة حتى يتجاوزوها، والذي يدخل المكتبات اليابانية خصوصا في القسم الخاص بالتعليم سيكتشف أن الكتب الأكثر مبيعا هي تلك التي تحمل عناوين مثل (تدريبات الرياضيات الهندية المتطرفة) و«الأسرار غير المعروفة للهنود». كما أن الصحف اليابانية تحمل العديد من التقارير عن الأطفال الهنود الذين يحفظون جداول الضرب، حتى بعد جدول ضرب تسعة، وهوالمقياس التقليدي لطلاب المدارس الابتدائية في اليابان؟؟!!
الإشكالية التي نعيشها حاليا هي أن لدينا نظاماً تعليمياً مقدماً على التبلور والتشكل وستتضح معالمه خلال السنوات القادمة بشكل أفضل، ومن الضروري العمل على إنجاح هذا النظام والمساهمة في خدمة هذه التجربة من خلال إشراك الجميع فيها وتقييمها بشكل مستمر من قبل رجل الشارع قبل المسئول في وزارة التعليم، ومع ذلك هناك هوة بين النظرية والتطبيق، بين الفهم والممارسة، بين الأهداف الموضوعة والسياسات المطبقة، والسبب في ذلك يشترك فيه الجميع (وزارة التعليم أصحاب التراخيص، المدارس، المناهج، المدرسون، مجالس الأمناء، وأولياء الأمور)، إلا أن الذنب الأكبر يتحمله المسئولون عن مبادرة (التعليم لمرحلة جديدة) وأصحاب القرار في المبادرة الذين يبدو أنهم يتجهون إلى سياسة الانزواء والانعزال السلبي، والمشي جنب الحائط، وممارسه دور العلاقات العامة، وتجنب الإقدام والمواجهة ولعب دور القائد الذي يتحمل التبعات والمواقف ويقف في مواجهة الجميع ليدافع عن قراراته ويوضح سياساته، وهوأشبه بما تقوم به الحكومة البريطانية بشكل دوري في البرلمان البريطاني في مواجهة المعارضة والإعلام والنخبة.
لقد طالبت مع غيري وزير التعليم والتعليم العالي بأن يدعو إلى حوار وطني يتناول مراجعة المنظومة التعليمية خلال السنوات الماضية من عمر التجربة، وقد سمع صدى صوتي إخواني القائمون على التعليم في المملكة العربية السعودية الذين بدأوا بالإعداد لمؤتمر مشابه بينما مازلنا نحن ننتظر الدور؟؟!! إن الخيارات أمامنا محددة، فإما أن نظل نتفرج على التجربة التعليمية دون مساهمة حقيقية فيها من قبل أصحابها المعنيين بها، أو ندخلها بقوة ونطرح الأسئلة الصعبة كما فعلت اليابان ونتعلم من التجارب الأخرى لكي يكون لدينا الخيار في حالة (الفشل) في إرسال أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية في الدوحة لكي يتعلموا لمرحلة أفضل من الموجودة حاليا؟؟!!
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

حرب الأسعار و جمعية حماية المستهلك

3/12/2009

هل ستنجح التجربة الجديدة في توزيع الصحف والمجلات الورقية بشكل مجاني على القراء، تلك الظاهرة التي بدات تنتشر في العالم تحت مسمى صيغة التوزيع المجاني ودفعت كبريات المؤسسات المسئولة عن اصدار المطبوعات والصحف الى التفكير فيها بجدية خصوصا بعد التاثير الكبير الذي اصابها نتيجة الأزمة المالية وما صاحبها من عجز في السيولة المادية ونقص في الإيرادات الإعلانية وتدهور في التوزيع بالإضافة إلى الديون والالتزامات.
قبل مدة قريبة اعلنت "لندن إيفننغ ستاندرد" (London Evening Standard) التي يعود صدورها الى 182 عاماً ، قرارها التاريخي بتوزيع نسختها الورقية بالمجان، وقد دهشت العام الماضي وأنا أتجول في مدينة الضباب بعد غياب طويل، بمدى ماتتمتع هذه الصحيفة من أهمية وانتشار عبر شبكة واسعة قادرة على التوزيع فوق الأرض وتحتها، بل ويقال إنه حتى عندما دخل عصر الانترنت والتحديات التي فرضها على الصحافة ووسائل الاعلام التقليدية ظلت هذه الصحيفة اللندنية الأقدر على الصمود تتلقفها الأيدي في الشوارع والممرات والإشارات ومحطات القطارات والاكشاك واماكن التسوق. وهي توزع مايقارب 850 الف نسخة في اليوم وهو عدد كل قراء الصحف في الخليج العربي؟؟!!. والتحدي الذي يشغل الصحيفة هو الوصول الى عدد قريب من مليون و300 ألف نسخة يوميًا وهو ما توزعه صحيفة "مترو" (Metro) والتي يعود صدورها الى عام 1999 كأول صحيفة يومية توزع بالمجان على شكل تابلويد (Tabloid).
ماقامت به الصحيفة فجر بركان خامد وجعل الصحف الاخرى تغيير سياساتها التسوقية وان كان معظمعا لم يجرأ على التوزيع بشكل مجاني رداً على التحدي الذي اثارته الصحيفة الا انها قامت بتخفيض ثمن النسخة وذلك لكي تحافظ على فرصتها في البقاء في السوق، وتحافظ على الدخل الاعلاني من قبل الشركات والمؤسسات والقراء.
الجدير بالملاحظة ان الخدمات المجانية غدت رأس الحربة في الاعلام التقليدي والاعلام الجديد على حد سواء وبينما نرى و نسمع عن الخسائر الفادحة التي تواجهها البنوك والشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، نفاجأ بحصول الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات مجانية على ارباح بالمليارات مثل شركة جوجل، وياهو، ويوتيوب، ولينوكس. وقد نشر الصحفي الأمريكي، كريس أندرسون (Chris Anderson) كتاباً جديداً بعنوان "المجانية هي مستقبل السعر الجذري" (Free: The Future of a Radical Price) عرضه الاستاذ خليل حسن (وقد قام مشكورا بتخصيص جزء مهم من وقته للترجمة) في مقالة تحت عنوان (اقتصاد الصفر والإبداع التكنولوجي)، وقد تعرض الكتاب الى دراسة كيف يمكن لإبداعات تجارة الألفية الثالثة أن تسجل أرباحاً هائلة، بتوفير منتجاتها وخدماتها عن طريق توفيرها مجانا للمستخدمين، بدل بيعها بالطرق التقليدية. ويعتقد الكاتب بأن صعود اقتصاد المجانية هو نتيجة لتكنولوجية عصر الرقمية، المرتبطة بقانون "موور" الذي يلزم بخفض سعر وحدة التشغيل الآلي للكومبيوتر للنصف مع مرور الوقت كل سنتين، وتنخفض معه أسعار سعة الموجات وقوة التخزين بسرعة أكبر، ويقوم الانترنت بجمع الثلاثة معا. لذلك ينكمش سعر تكنولوجية الانترنت سنويا، لتقترب كلفة التجارة على الانترنت مع الوقت من الصفر، وليس من الغريب أن تتجه أسعار منتجات المستقبل في نفس الاتجاه.
الغريب انه على الرغم من الاحداث و التغيرات والتجارب التي نراها في الخارج نعود مرة اخرى الى ديارنا لنفاجأ بأن السلعة التي توزع بالمجان او ذات الاسعار المنخفضة هي الاغلى عندنا من اي مكان في العالم، على الرغم انه لاتوجد ضرائب مبيعات ولا رسوم كبيرة على دخول السلعة البلد بل هي الاقل رمزية في جميع انحاء العالم و لاتوجد لدينا حتى ضرائب سنوية على الدخل والارباح ومع ذلك نرى العجب ولانستطيع ان نفسر اسباب ذلك، ولاغرابة عندما نرى الكثير من الاهل و الزملاء والاصدقاء يتجهون الى الدول المجاورة الشقيقية وبالذات السعودية والامارات ليحصلوا على حاجاتهم ومستلزماتهم والتي عادة ماتكون بنصف الثمن الموجود في مجتمعنا من اثاث المنازل الى شراء مختلف انواع السيارات الخفيفة منها والثقيلة، وقطع الغيار، والمواد الغذائية والمنتوجات الزراعية والتمور بانواعها والسلع الحيوية.
احد الاصدقاء يقول لي انه (ما يمير البيت الا من الحساء) وفي كل عطلة أو اجازة رسمية يدعوني لمرافقته في سيارته العائلية ذات الدفع الرباعي والتي "تروح خماصا وتعود بطاناً"، وأذكر انه في بداية رمضان الماضي نشرت صحيفة الرياض السعودية تحقيقا بعنوان (القطريون في الأحساء لشراء مستلزمات رمضان)، جاء في تفاصيله: تدفقت آلاف الأسر القطرية صوب محافظة الاحساء بهدف شراء مستلزمات شهر رمضان المبارك وهي الظاهرة التي تتكرر في مثل هذا الموسم من كل عام، لكن هذا العام شهدت جميع محلات ومجمعات بيع مستلزمات شهر رمضان حضوراً لافتاً ومتزايداً للأسر القطرية التي وجدت في نوعية وجودة معروضات تلك المجمعات عنصراً جاذباً دفعها لقطع مسافة 250 كم من العاصمة القطرية الدوحة وحتى مدينة الهفوف، وأشارت تقديرات لعدد من الباعة إلى أن إجمالي حجم مشتريات القطريين لمستلزمات شهر رمضان من محافظة الأحساء يزيد عن 6 ملايين ريال؟؟!!.
هل يعود استمرار هذه الظاهرة الى احتكار بعض التجار للسلع الاستراتيجية، أوعدم وجود رقابة فاعلة تمنع استغلال وتلاعب بعض التجار في تحديد الاسعار حسب أهوائهم الشخصية لتحقيق أعلى معدلات في الأرباح، أوعدم التطبيق الصارم للقانون لتحقيق الردع العام والخاص، أوغياب جمعية اهلية للمستهلك، او تهميش دور المجلس البلدي (المنتخب) او كل ذلك مجتمعا؟؟!!، وحتى التوصيات في اجتماع البحرين الذي ناقش العام الماضي ظاهرة ارتفاع الأسعار بدول مجلس التعاون الخليجي ودعا للتوسع في انشاء الجمعيات التعاونية وجمعيات حماية المستهلك وتفعيل دورها في الرقابة على الأسواق لم تفعل ولا نعرف لماذا تم تجاهله وتغيبها في قطر بالذات؟؟!! متى سيحين الوقت المناسب لسماح بإنشاء جمعية لحماية حقوق المستهلك وهي التي تمت المطالبه بانشائها منذ اكثر من تلاثة عقود مضت من تاريخ الرزنامة القطرية؟!
أن عدم الترخيص لانشاء جمعية أدى بلاشك في عدم وجود وعي للمستهلك بحقوقه في الحصول على السلع والخدمات بأفضل الأثمان وجودة أعلى في الخدمات والمنتجات، ومواجهة عمليات الغش والتلاعب بالاسعار وتوفير الحماية القانونية للمستهلكين. الغريب ان مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة التجارة والأعمال، دعا مشكورا في اكثر من مناسبة الى اشهار جمعية حماية المستهلك وتحقيق نوع من الشراكة معها، للقيام بدورها في توعية المستهلك بحقوقه والاسهام في ترشيد الاستهلاك والانفاق الأسري والتعبير عن وجهة نظر المستهلك لدى الجهات الرسمية ذات العلاقة، وتبليغها بالممارسات الضارة بمصالح المستهلك وطلب تدخلها لوقف تلك الممارسات عند الاقتضاء، والمساهمة في خلق علاقات ثقة وتعاون بين المستهلك والمزود والمشاركة في الحوار والتشاور مع الجهات المعنية، والدفاع عن مصالح المستهلك، وإجراء الدراسات المرتبطة بحماية المستهلك ونشرها. فاذا كانت هناك مطالبات شعبية وحكومية فلماذا التأخير والمماطلة والتأجيل في الموافقة على اشهار الجمعية والتي تقدم بها عدد من الشخصيات القيادية القطرية البارزة في العمل الوطني و الاجتماعي؟؟!! ومن المستفيد من ذلك؟؟!!
الامر الذي نعرفه ونشاهده يوما بعد الاخر هو ان الاسعار والسلع في الخارج تنخفض حتى تصل الى صفر بينما تواصل الصعود عندنا الى ان تعانق السماء؟؟!!

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

من محطة الدوحة الى محطة الجزيرة

الاعلام في قطر
من محطة "الدوحة" الى محطة "الجزيرة"
25/11؟2009

هناك أربع محطات رئيسية شكلت علامة فارقة في مسيرة الاعلام القطري ودعنا نقول (الاعلام في قطر) على شاكله (قناة الجزيرة في قطر)؟! حتى نستطيع أن نوصل الصورة بشكل أشمل، وهذه المحطات التي يرجع لها الفضل في تشكيل الدور الإعلامي الرائد لمجتمعنا قد لعبت دورا كبيرا في إبراز ووضع قطر على الخارطة العربية والاسلامية والدولية.
المحطة الاولى تمثلت في إصدار مجلة الدوحة الثقافية والتي لاقت انتشاراً منقطع النظير في العالم العربي وترسخت في ذاكرة الثقافة العربية وصدر العدد الأول منها سنة (1969).
المحطة الثانية جاءت مع انطلاقة مجلة الصقر التي صدرت سنة (1977 ) وانتشرت أيضا على نطاق واسع وعلى مستوى دولي وكانت من أبرز المحطات في نشر الثقافة الرياضية في زمانها.
المحطة الثالثة تبلورت في بروز نجم مجلة الامة التي صدر العدد الأول منها في (1980) وذلك بمناسبة مرور ألف وأربعمائة سنة على الهجرة النبوية، وركزت على القضايا الدينية وانتشرت أيضا على المستوى العربي والاسلامي وساهمت في انتشار فكر الوسطية والاعتدال في زمن الافكار المتخلفة والمتشددة والمتزمته والتكفيرية التي تاتي من داخل العالم العربي، والأفكار الإلحادية والإباحية التي تأتي من خارجه؟! ولقد لاحظتُ في زياراتي لبعض الجمعيات الثقافية والإنسانية في جنوب شرق آسيا بالذات، وفي بعض الدول العربية، خصوصا في مصر وسوريا والمغرب وموريتانيا، أنها لازالت تحتفظ ببعض اعداد هذه المجلة في أرشيفها الى يومنا هذا.
المحطة الرابعة تشكلت مع إطلاق محطة الجزيرة الفضائية (1996) والتي كانت أول قناة فضائية إخبارية عربية محترفة في العالم، وشكلت العلامة الابرز في تاريخ الإعلامي العربي القائم على التعبئة والتبعية والترويج والتضليل (Propaganda Machine)، والتي احتفلت بمرور 13 عاما على انطلاقها ، على الرغم مما يحمله الرقم 13 من هواجس باعتباره (الرقم غير المحظوظ Bad Luck)، وهو دائما ما يذكرني بالفنادق الكبيرة في نيويورك والتي لا يوجد فيها طابق برقم 13، بل يوجد طابق 14 بعد طابق 12، والسبب أن عدداً كبيراً من النزلاء يخافون الإقامة في الطابق (13)؟؟!!. ومع ذلك أتقدم بالتهنئة لمحطتنا الرائدة (قناة الجزيرة في قطر).
كان لرواج هذه المحطات الثلاث بالتحديد في حقبتي السبعينيات والثمانينيات بشكل خاص دور مؤثر في نشر الوعي الفكري الخلاق والثقافة الهادفة، وكانت تقف وراء هذا النجاح بعض الكوادر الوطنية في قطر من أصحاب القرار ورؤساء التحرير والمثقفين في تلك الفترة، ولولا جهود هؤلاء لما انتشرت محطات "الدوحة" و"الصقر" و"الأمة" على مستوى عربي وإقليمي و عالمي. واليوم اختفت وغابت بعض هذه المحطات عن الوجود بسبب الازمة المالية التي ضربت الخليج في منتصف الثمانينيات، والبعض الآخر تجاوزه الزمن، ورغم المحاولات المستميتة التي لاتزال تسعى لبث الروح فيها من جديد من خلال إعادة اصدار الاسماء نفسها إلا أن المحاولات جميعها لم تفلح في إعادة أيام الأمجاد الأولى، فقد تجاوزها قطار الزمن بمراحل ولم تعد إلا أسماء أشبه بالاشياء العتيقة التي تحفظ في صندوق الذاكرة و تثير في النفس رغبة تذكر اللحظة التاريخية الفريدة والزمن الجميل الذي ولى ومضى إلى غير رجعة؟؟!!. ونرجو أن لا يعيد التاريخ نفسه في يوم ما وتجد المحطة الرابعة "محطة الجزيرة" في انتظارها مصيرا مشابهاً لما آلت إليه المحطات الأخرى.؟؟!!
لقد قرأت الحوار الذي استضافة فيه "الشرق" مدير شبكة الجزيرة بتاريخ (2009-11-11)، والذي يدعو إلى إقامة حوار صريح وتقييم حقيقي لوضع المحطة خلال 13 سنة وهذا ما نريد أن نقوم به في هذا المقال والمقالات القادمة إذا كتب الله لها أن تخرج إلى النور؟!
تناقلت الأنباء منذ مدة قصيرة أن إدارة المؤسسة اللبنانية للارسال 'ال بي سي' اتخذت قراراً بصرف حوالى 140 موظفاً من مختلف القطاعات أغلبهم في قسم الأخبار تحت حجة إعادة هيكلة المؤسسة، وأضافت تلك الأنباء أن بعض ممن شملهم قرار الصرف عادوا إلى المؤسسة عن طريق التعاقد على الساعة أو على البرامج. وقد سبقت قناة 'ال بي سي' مؤسة إعلامية أخرى وهي مؤسسة "النهار" العريقة تحت حجة العجز المالي, كما دخلت قناة «إيه آر تي» في مفاوضات لبيع قنواتها الرياضية بمبلغ قياسي بلغ مليارين و750 مليون. وقد فقدت «إيه آر تي» في السنوات الأخيرة الكثير من البطولات التي كانت مصدر قوتها لمصلحة قنوات أخرى، وحتى المعلقون الرياضيون بدؤوا التسرب منها إلى هذه القنوات مما اضطرها للتخلي عن تحمل الخسائر وهي الشركة القائمة على مبدأ الربح ولا تأتي ميزانيتها من ميزانيات الحكومات.
وعلى مستوى عالمي، أفادت أنباء أخرى في نفس الوقت أن قناة «آي.تي.في» البريطانية أعلنت تسريح 600 موظف في مختلف المجالات وتنفيذ إجراءات أخرى من أجل الحد من الإنفاق. ويأتي القرار في حين أعلنت «آي تي في» عن خسائر تقدر بـ 2.7 مليار دولار في العام 2008، وبناء عليه ستقفل القناة أحد استوديوهاتها في مدينة ليدز وتسرح 150 من موظفيها هناك، في حين تسرح المئات الآخرين في لندن. أما الخبر الأكثر سخونة (Breaking news) فقد تمثل في إقدام هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي (BBC) على خفض رواتبها العالية بمقدار 40%، وكانت البي بي سي قد بدأت بتخفيض عدد العاملين لديها بمقدار 7200 وظيفة خلال الأربع سنوات الماضية، وأعلنت أنها ستقوم بتخفيضات تصل إلى 1200 وظيفة أخرى في محاولة منها لتوفير ما قيمته 1.9 مليار جنيه استرليني (ثلاثة مليارات دولار) مع حلول عام 2013. والدرس الذي نخرج به جميعا من كل ما سبق هو أنه لا توجد أي مؤسسة محصنة ضد هذه التغييرات اليوم أو غدا بسبب الأوضاع العالمية المتقلبة؟؟!!
من الاشكاليات التي تعرضت لها محطاتنا الاعلامية القطرية المذكورة أنها عملت لاجل اليوم ولم تعمل لأجل الغد، من أجل الحاضر وليس المستقبل، من أجل خدمة فترة معينة ورؤية زمنية وليس استراتيجية، من أجل تحقيق هدف أو غاية وليس أهداف وغايات، وغالبا ما توجهت لخدمة "تكنيس الجامع" وأهملت البيت، واركزت على قطف الثمار وليس زراعة البذور، وعلى سياسة حرق المراحل وليس نضج التجربة؟؟!! ورغم صرف مبالغ بمئات الملايين عليها وتزوبدها بالخبرات من كل بقاع الأرض، فإنها لم تخرج جيلاً ثانيا وثالثا ليتسلم القيادة ويتعلم من تراكم التجربة ويستفيد من الخبرات ويواصل المسيرة، فبمجرد أن توقف الدعم وتراجعت مداخيل النفط ودخلنا مرحلة شد الحزم، شد العاملون في المحطات الثلاث الأولي (الدوحة – الصقر – الأمة) رحالهم إلى مكان آخر - وذلك من حقهم - وتركونا نعيش على أطلال التاريخ ونتغنى بالإرث الذي فقدناه والمرحلة التي هجرتنا ونردد بالحسرة قصيدة امرئ القيس (قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل). لم تكن هذه المحطات مدرسة حقيقية تخدم الداخل قبل الخارج، انتهت محطة (الأمة) ولم تخرج لنا علماء ومشايخ ومتنوريين، و انزوى دور (الدوحة) ولم تمدنا بكتاب وأدباء ومثقفين ومفكرين، وتراجع دور (الصقر) ولم تترك كفاءات ومحللين وناقدين؟!. ومحطة الجزيرة اليوم تسير على الخطى نفسها، ربما يكون عدد العاملين القطريين وصل الى 22% وهو رقم ضئيل ومخجل إذا حسبناه خلال 13 سنة من عمر القناة، وأدركنا أنه يتعلق بموظفيين وموظفات وفنيين في قسم الأرشيف والمونتاج والاتصالات والجرافيك والخدمات والعلاقات العامة ؟؟!! كم عدد القيادين ومتخذي القرار وكبار المسئولين، و كم عدد الذين يمكن أن يتولو قيادة القناة وإدارة دفتها واتخاذ القرارت المصيرية فيها لو تمت إعادة هيكلة المؤسسة أو خفض نفقاتها او رحيل العاملين فيها إلى محطات فضائية أخرى (وصل عدد المحطات الإخبارية الناطقة بالعربية 15 محطة، والمحطة رقم 16 ستظهر في نهاية السنة من إحدى دول العربية الكبرى)، هل حقا لا يوجد مؤهلون وقيادات تصلح لقيادة الجزيرة؟؟!! التاريخ يقول عكس ذلك فالمحطة بدأت وكبرت على أكتاف قيادات قطرية وبمساعدة أشقاءها العرب ووأصدقائها الأجانب العاملين فيها، واليوم وللاسف لا نكاد نرى أي قيادات تذكر وآخر قيادي رحل كان نائب المدير العام الذي غادر قبل عدة اشهر بعد خمس سنوات من العمل بشبكة الجزيرة الفضائية ؟؟!!.
(13) سنة مرت من عمر "الجزيرة" وكانت حافلة بالاستنفار وصراعات الحروب والمعارك السياسية والدبلوماسية والضرب فوق وتحت الحزام، أصابت القناة في بعضها وأخطأت في البعض، ولكن بلاشك كان لها تأثيرها. والسؤال المطروح اليوم هو كيف سيكون شكل السنوات القادمة هل سيتم التغيير جوهريا أم سيقتصر على الشكل الجديد (New Look)؟؟!! وهل ستلحق "الجزيرة" بالمحطات السابقة للإعلام القطري أم تستفيد من أخطائها وتستمر؟؟!! كل ما أستطيع القيام به حالياً هو الدعاء بالتوفيق لمحطتنا القطرية الرابعة والأخيرة (Happy 13th Anniversary) و (Good Luck).

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

الخميس، 19 نوفمبر 2009

البدون: مواطن يبحث عن وطن ووطن يبحث عن مواطن

2009-11-18

في نهاية كل سنة تخرج التقارير الدولية التي تعني بشأن الدول وأوضاع الانسان الذي يعيش فوق أرضها. وتتفاوت التقييمات بين الدول التي تكون على رأس القائمة وفيها الانسان يأمن على رزقة وينظر إلى مستقبلة بتفاؤل، وبين دول تقبع في قعر القائمة مثل أغلب الدول العربية وفيها الإنسان يعيش في المخيمات والمستوطنات في بعض الدول وفي المقابر والشوارع وعلى الأرصفة في بعضها الآخر، اما الدول التي حباها الله بما تحمله الأرض من خيرات وثروات من أنهار وبحار واراضي زراعية ونفط فالانسان فيها مهمش معزول ومجمد وكل مهمته في الحياة الأكل والشرب والتفريغ؟؟!!. من أهم المأخذ التي تحسب علينا في دول مجلس التعاون الخليجية منذ استقلال الدول، هو الانتقاد الدائم في التعامل مع ملف فئة في المجتمع مجردة من حقوقها المدنية والحقوقية والإنسانية بسبب عدم إيجاد حل جذري لمشكلتهم وتأجيلها تحت أسباب مختلفة مما أدى الى وجود حالات ومآس إنسانية نسمع عنها ونراها ويندى لها الجبين، وهذه الفئة لها مسميات عديدة حسب تعريف كل دولة لها،تتراوح بين (عديمي الجنسية، غير محددي الجنسية، البدون، حاملي البطاقات، حاملي الوثائق، المحرمين من التجنيس، ..الخ). لقد واجهت هذه الفئة ولاتزال معاناة حقيقية تمثلت في ضياع حقوقها الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والعمل في القطاع العام والخاص، والتملك، وشهادات الميلاد والوفاة، وحرية الحركة والتنقل وإصدار رخصة القيادة والسفر والزواج والطلاق وفرض رسوم الإقامة وضرورة وجود الكفيل وغيرها من الحقوق والامتيازات، وسبب لهم ذلك مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وتربوية ونفسية، بل إن في بعض دول الخليج آلاف الاطفال الذين لا يحملون شهادات ميلاد تثبت هويتهم الشخصية, بل منهم من ولد ومات من دون أن تكون له أي وثيقة تحمل اسمه ونَسَبه؟؟!! ورغم المطالبات الأخلاقية والشرعية والدستورية وجهود منظمات حقوق الانسان وتوقيع المعاهدات والقوانين الدولية والمحلية التي تدعو الى إغلاق هذا الملف إلى الأبد إلا أن أوضاعهم وحالاتهم لاتزال مكانك سر؟؟!!
تعود أصول فئة غير محددي الجنسية "البدون" في الخليج في الغالب كما تبين التقارير الحكومية الخليجية الرسمية إلى قبائل عربية بدوية من مناطق رعي صحراوية تمتد من السعودية جنوباً إلى الكويت شرقاً و العراق شمالاً ويعود بعضهم إلى بادية سورية والأردن وهم من قبائل عربية كبيرة مثل بني تميم و شمر و عنزة، كما توجد فئة منهم ذات أصول تعود إلى مناطق في الساحل الشرقي للخليج العربي يطلق عليها منطقة فارس والأهواز في إيران. ويكمن حجم الخطورة الحقيقة في هذا الملف في عدم وجود إحصائيات دقيقة لمعرفة عدد هؤلاء بالتحديد في كل دولة خليجية وما الأسباب الحقيقة في عدم منحم الجنسية أسوة ببقية الجنسيات الاجنبية او العربية التي قامت غالبية دول الخليج بإعطائهم الجنسية وجعلتهم مسؤولين وصناع قرار في كثير من مؤسساتها وأجهزتها الرسمية منها والخاصة ومنهم لا يتكلم اللغة العربية أو لا يعرف ثقافة وتاريخ أو دين وعقيدة البلد المنتسب إليه؟؟!!
لقد لحظنا في السنوات الاخيرة أن السلطات في بعض الدول الخليجية فتحت الباب لدخول سماسرة الجنسيات و الجوازات للإقامة والترويج الإعلامي في وسائل الاعلام والصحف وقد جعل هذا الوضع أفراد هذه الفئة ضحايا لمافيا الجوازات، والجنسيات المزورة والعديد منهم حصلوا على جوازات وجنسيات لبلدان آسيوية وأفريقية وأمريكية جنوبية وجنسيات جزر في المحيط لا يعرفون مكانها على الخارطة واكتشف الكثير منهم أنهم ضحايا عمليات نصب وتزوير كما تعرضوا للاعتقال والسجن. وقد قرأت قصصا عن بعض الذين حصلوا على الجوازات المزورة، تقول إنهم عندما انتهت جوازاتهم وذهبوا الى تلك السفارات في بلدانهم طالبين تجديد الجواز وجدوا أن القائمين على السفارات استغربوا حصولهم على الجوازات التي لايوجد لها اساس أوملف في وزارات الداخلية في بلدانهم، وتساءلوا عن كيفية حصولهم عليها دون علم مسؤولي تلك السفارات او حكوماتهم؟؟!!.
آخر الاخبار جاءت من جزر القمر، فقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا منذ عدة أشهر يشير الى إن سلطات جزر القمر التي تحتاج بشكل ملحّ للأموال وجدت حلا خاصا بها يقضي ببيع جوازات البلد للأجانب في بلدان الخليج العربي الباحثين عن من يمنحهم الجنسية، وتوقعت الصحيفة أن تكون عائدات هذا المشروع واعدة, لكونها قد تساعد الدول الخليجية على وجود حل "إداري" لعشرات الآلاف من مواطنيها البدو المعروفين بـ"البدون" والذين ينظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية, ونظرا لذلك يمنعون من الحصول على وثائق هوية الدول الخليجية التي يقيمون فيها، الا ان الفرحة لم تكتمل فالخبر الذي جاء بعد ذلك بمدة قصيرة يحمل أنباء عن رفض مجلس النواب في جزر القمر مشروع القانون والذي يمنح الجنسية لاربعة الاف عائلة من "البدون" تسكن بالتحديد في السعودية والإمارات والكويت؟؟!!
في ملفات المنظمات والهيئات الدولية التي تتناول حقوق الانسان في قطر اخرها 2008 وجديدها سيخرج قبل نهاية السنه الحالية، تشير التقارير والاحصائيات المتداولة الى ان عدد البدون في قطر يقارب 1200 الى 1500 شخص واحدى المرجع هي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR.ORG) وهو رقم اتمنى من الاخوة ومن الدكتور علي بن صميخ رئيس اللجنة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ان يؤكده او ينفيه، ويعطينا احصائية دقيقة عن حجم هذه الفئة بالتحديد، ويزودنا بتفاصيل هذا الملف واين وصل وكيف يتم التعامل معه؟؟!! أن هذا الملف الانساني بالذات حساس و شائك ويجب ان لا يكون معلق أو مؤجل أو مرحل أو مجمد، بل يجب الاسراع في ايجاد حل نهائي له ولا يتم تركه متداول في التقارير الدولية، ومنظمات حقوق الانسان، وتقارير السفارات الاجنبية الداخلية، وتقارير وزارات الخارجية السنوية وخصوصا الامريكية والبريطانية؟؟!!
مع انتشار وسائل الاعلام الجديد (New Media) بدأت تظهر قضايا هذه الفئة الى العلن وتنقل حكاياتها الى العالم فتجد الكثير منهم يشارك في المنتديات والصفحات الاجتماعية التفاعلية والفيس بوك والتويتر، كما أنشأ العديد منهم صفحات تدوين خاصة على الاتنترنت (بلوغز) يعرض فيه الهموم والمآسي التي تعيشها هذه الفئة، كما أن هناك العديد من الاشرطة و الفيديوهات تنقل المحاضرات والندوات والقصص الحزينة على صفحات (اليوتيوب ) وهي فعلا تدمي القلب وتبكي العين، انها دعوة لوقف هذا العبث والعمل على إيجاد حل جذري وحقيقي لهذة الفئة المغلوبة على أمرها في الخليج العربي من قبل السلطات المختصة، كما يجب على الباحثين والاكاديمين والمثقفين بذل المزيد من الجهد في وضع هذه القضية الانسانية كأولية علي مائدة البحث وكشف جذورها ومعرفة أسبابها ودوافعها وطريقة علاجها.
هناك دراسة قيمة قام بها الدكتور فارس الوقيان و نشرت في مجلة السياسة الدولية العدد 175، يناير 2009 ، والدراسة تهدف إلى بحث قضية هذه الفئة في الكويت بالتحديد (تقدر الحكومة الكويتية عدد البدون على ارضها بحوالى 70 الف نسمة بينما تقدر منظمات غير حكومية عددهم بحوالى 120 الف)، وذلك وفقاً لسياق تاريخي يتناول بدايات تشكل القضية وتطور السياسات الرسمية التي تعاطت معها، ووجدت الدراسة ان تلك السياسات تنقسم وفقاً لطبيعتها وإجراءاتها لمراحل ثلاث هي (مرحلة الاعتراف ، مرحلة الرفض ، مرحلة الاتهام)، وطرحت الدراسة عدداً من الحلول لهذه القضية الشائكة تتمثل في: منح هذه الفئة حقوقهم المدنية والإنسانية كاملة (حق العلاج، والتعليم، والوظيفة، والزواج، ورخصة القيادة، وإصدار وثائق رسمية وغيرها) ومنح الجنسية لمستحقيها، إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لأبنائها وزوجها أسوة بالرجل، إلغاء مواد القانون التي تمنع اللجوء إلى القضاء لإثبات الأحقية في الجنسية، وجعل القضاء يفصل في قضايا الجنسية، تشريع قوانين واضحة لوضع معايير منح الجنسية بحيث تؤخذ في الاعتبار مصالح الدولة ومفاهيم المواطنة والإنسانية والتنمية المستدامة، كاستقطاب الكفاءات ومن لهم الأحقية في اكتساب الجنسية، وممن قدم خدمات جليلة وغيرها من المعايير.

الخميس، 12 نوفمبر 2009

من يكتب الذاكرة التاريخية

المذكرات الشخصية و السيرة الذاتية في قطر
12-11-2009

كان علينا ان نتخذ قراراً سريعا في أن نذهب الى دنفر كلورادوا (Denver, Colorado) أو أن نعود أدرجنا الى الدوحة، بعد غياب طويل قررنا الرجوع مرة أخرى إلى مقاعد الدراسة وبالتحديد في جامعة ستنافورد (Stanford University) للحصول على دبلومات تخصيصة في القيادة والادارة واتخاذ القرارات ورسم وصياغة الاستريجيات الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي أنصح كل مهتم بهذا المجال ان يطلع عليه ويدخل التجربة بلا تردد فقد بدأت تنتشر بشكل واسع في معظم جامعات العالم ومعاهده الكبرى مثل هارفرد (Harvard University) وييل (Yale University) وورتن (The Wharton University of Pennsylvania) ونيويورك (New York University) ولندن سكول (London School of Economics and Political Science ) تحت مسمى (Executive Education)، كما انه لا يوجد استثمار في العالم أفضل من الاستثمار في النفس وبناء الشخصية وتطويرها، وقررنا ان لا نفوّت تلك اللحظة التاريخية ونذهب الى دنفر دون تردد ليس فقط لزيارة المدينة التي ستقوم باستضافة المؤتمر العام للحزب الديمقراطي ((DNC)) الذي سيقوم بترشيح أول مرشح أسود في تاريخة لخوض الانتخابات الامريكية 2008 م، بل أيضا لرؤية زعيم تاريخي درسنا وقرأنا عنه الكثير على مقاعد الدراسة وهو السيناتور ادوارد كيندي (Eadweard Kenday) ؟؟!! السيناتور ادوارد كيندي أو (تيد) كما يطلق عليه والملقب بأسد مجلس الشيوخ وأكثرهم حنكة سياسية ومرونة تفاوضية في تاريخ الولايات المتحدة وهو الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي جون كيندي الذي اغتيل عام 1963، والسيناتور روبرت كيندي الذي اغتيل في عام 1968م، السيناتور ادوارد كيندي الذي غادر الدنيا قبل عدة شهور مضت قال عنه اوباما (لا نزال نسمع صوته يزأر في قاعة مجلس الشيوخ، وقد احمر وجهه، وهو يدق بيده على المنضدة، مؤيدا للإصلاح الصحي، أو لحقوق العمال، أو للحقوق المدنية». وأضاف أوباما:لا نبكي عليه اليوم بسبب اسمه، أو بسبب منصبه، لكن، لأننا نحب هذا البطل الطيب الذي واجه الآلام والكوارث. ليس من أجل ثروة أو طموح أو ترف أو سلطة، لكن من اجل الشعب والوطن اللذين أحبهما) .

مناسبة الحديث عن السيناتور كيندي الذي توفي بسبب مرض سرطان الدماغ، هو صدور مذكراته او سيرته الشخصية "البوصلة الحقيقية" (True Compass: A Memoir by Edward M. Kennedy) قبل أيام مضت والتي تتحدث عن حياته العائلية وعمله كعضو في مجلس الشيوخ الاميركي وعن مسائل تتعلق بالحقوق المدنية التي شهدها وبفضيحة ووترغيت وإيرلندا الشمالية وحرب فيتنام، وفي سيرته الذاتية تحدث كينيدي عن مشاعره وعواطفه تجاه زوجته الثانية فيكتوريا (Victoria Reggie) وهي من اصول عربية وبالتحديد من مدينة زغرتا، في شمال لبنان ، وسعادته بها والمشاعر الدافئة التي نشرتها حوله، وقد وصفها بأنها محامية لامعة وشخصية صلبة، ولقد تزوجت السناتور الراحل سنة 1992، وكان يكبرها باثنتين وعشرين سنة، وكان هذا الزواج زواجا بين سلالتين عريقتين في عالم السياسة، سلالة كيندي الكاثوليكية الايرلندية الاصل، وسلالة عريجي المارونية (الكاثوليكية)، اللبنانية الاصل، كما اشار الى مقتل العديد من افراد آل كينيدي في حوادث مأساوية بإيمان عميق بالقدر، وتطرق كينيدي ايضا إلى الفضيحة الاولى التي كادت تدمر حياته. ففي عام 1950، عرض عليه احد الطلبة تقديم امتحان اللغة الاسبانية بدلا عنه، وذلك عندما كان طالبا في السنة الاولى من جامعة هارفرد. ويعلق على تلك الحادثة قائلا: "قال لي والدي ان هناك اناساً يرتكبون الاخطاء في حياتهم دون ان ينكشف امرهم، ولكنك لست من اولئك".

تعد المذكرات أو السير الشخصية أفضل الأنماط الأدبية التي تكشف عن الجانب الخفي في الإنسان، ويعود ذلك إلى حالة الصدق المفترضة مع النفس عند كتابة اليوميات وإلى تلك الشفافية المتوقعة عند تسجيل الموقف وإبداء الرأي وقراءة الحدث، وهذا ما دعا البعض إلى إدراج اليوميات ضمن أدب الاعتراف، ومن أبرز السير الشخصية التي انتشرت بشكل واسع في الآونة الاخيرة وأثارت ردود أفعال كبيرة وترجمت الى لغات كثيرة تلك المذكرات التي تناولت الحديث عن الجوانب الخفية لكتابها او تجارب الحياة اليومية التي اظهرت الجوانب القيادية في شخصياتهم أو أثرت في فكرهم وسلوكياتهم و تعتبر مذكرات الرؤساء الامريكين هي الحدث الابرز في ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، فتأتي المذكرات التي تشرح صعود نجم الفرس الاسود ودخوله البيت الابيض (باراك حسين أوباما) في مقدمة الكتب الاكثر مبيعا "أحلام من أبي: حكاية العرق والإرث" (Dreams from My Father: A Story of Race and Inheritance). وفيه يعود أوباما في كتابه إلى أصل الحكاية، حين وصل أبوه ذو الاصول المسلمة الى امريكا عام 1959 ليلتحق بجامعة هاواي وهو في الثالثة والعشرين من عمره، ليكون أول طالب أفريقي في تلك الجامعة وفيها قابل فتاة أمريكية بيضاء خجولة لم تكن قد تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها وربط بينهما رباط الحب وتزوجا وأنجبا مؤلف الكتاب، وينقل أوباما من فصل إلى آخر حياته بتفاصيلها الدقيقة؛ حياته طفلا في هاواي، وذكرياته ومغامراته بل شقاوته الصبيانية في إندونيسيا، وحياته العاطفية ومشاعره، ثم يعرض تأملاته عن أحوال السود في أمريكا ومحاولاته التغلغل داخل نفوسهم ويكشف للعالم جراح العنصرية التي لم تندمل بعد. كما يثير أوباما الإعجاب عند الحديث عن عرقه ولونه وأبناء عرقه، فهو محب مدافع يعد لمشروع تغييري نهضوي كبير، ولا يقتصر أمره على الحب، بل يصب جهده التنظيمي الكبير لمصلحة مشروعه الاجتماعي، وكذلك لا يتنكر لأي مرحلة من مراحل حياته، وعلى الرغم من أنه عاش حياة منفصلة تماماً عن والده وإخوته من أبيه إلا أننا نجد مواقف عديدة تدل على اعتزازه وعاطفته القوية.


كما تحتل بعدها السيرة الذاتية للرئيس الامريكي الأسبق بيل كلنتون المرتبه التالية في مذكراته حياتي (My Life) والتي تشرح أسباب خروجه من البيت الابيض و علاقته مع إحدى العاملات المتدربات فيه (مونيكا لوينسكي) وسنوات الطفولة في ولاية أركنسا و زوج أمه الذي أطلق عليها الرصاص في غرفة النوم وزمن الطفولة حيث كان الطفل الأبيض الوحيد الذي يلعب مع الأطفال السود في الحي الذي يسكن فيه؟؟!! كما تناول الكتاب الكثير من الأزمات السياسية العالمية التي لعب أبرز الأدوار في محاولة السيطرة عليها و من أهمها سعيه لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين و الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأن يصافح كل منهما الآخر و جهوده في التوصل الي سلام فلسطيني إسرائيلي في محادثات كامب ديفيد الثانية.

وربما تبقى سلسلة الكتب التي أصدرها الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر في السنوات الاخيرة هي العنوان الابرز في اهمية اصدار السير والمذكرات الشخصية واهمية الدور الذي تلعبه في تنوير القارئ والرأي العام في الكثير من الجوانب المختلفة، ولقد ظلت مذكرات كارتر عن السلام في الشرق الاوسط بين العرب واسرائيل مثيرة للجدل لتشبيهه معاملة إسرائيل للفلسطينيين بمعاملة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا للسكان السود آنذاك, كما وجهت له انتقادات حادة بسبب لقاءاته مع زعماء قادة حماس ودوره في التوصل إلى هدنة بينهم وبين إسرائيل. وقد أثار كتابه الاخير في بداية 2009 م بعنوان "نستطيع إحلال السلام في الأرض المقدسة. خطة ستنجح" (We Can Have Peace in the Holy Land: A Plan That Will Work)، صدى واسعا وهو يشرح فيه تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وتجربته مع تلك المنطقة، والعقبات التي تعترض عملية السلام، والتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المتأزم، وقد ركز كارتر على شرح رؤيته لمعالم الطريق الذي ينبغي أن تنتهجه الولايات المتحدة لتحقيق السلام في المنطقة، وهي الرؤية القائمة على دعم مبادرة السلام العربية والتعامل مع كافة الأطراف بما في ذلك حماس وإيران وسوريا. ويرى كارتر في إدارة أوباما فرصة لتحقيق هذه الرؤية. وقد أثمرت جهود كارتر لتحقيق السلام في دول مثل هاييتي وكوريا الشمالية عن فوزه بجائزة نوبل عام 2002، حتى أن كثيرًا من الأمريكيين يرى أن دور كارتر وتأثيره برزا عقب خروجه من البيت الأبيض على عكس الحال عندما كان داخله، الا ان المفارقة ان البعض وخصوصا في المدونات الالكترونية قد اتهم كارتر بأنه رئيس فاشل وغبي ومخرب ودعوه إلى عدم التدخل في شؤون السياسة الخارجية كما طلب البعض منه العودة إلى مزرعته في جورجيا وتركيز جهوده على زراعة الفستق.

ولكن تبقى المذكرات والسير الشخصية الأقرب الى الروح والمحببة الى النفس تلك التي تتناول قصة الصراع والكفاح وتاريخ وجغرافية منطقتنا ودولنا العربية والاسلامية بالتحديد، ولم يشدني كتاب في السنوات الاخيرة لأعود وأقرأه أكثر من مرة كما فعلت مع مذكرات الدكتور احمد الخطيب التي صدرت بعنوان ( الكويت من الإمارة إلى الدولة - ذكريات العمل الوطني والقومي)، والتي تحدث فيها عن نشأته ، ودراسته في الكويت ثم بالجامعة الأمريكية في بيروت ، وكيفية اعتناقه للفكر القومي الذي كان طاغيًا فترة شبابه، وعن أحوال بعض دول الخليج، وتجربتها الأولى مع الديمقراطية، ثم عن نظرته للفكر القومي في صعوده وتراجعه. وتكمن أهمية هذه المذكرات في كونها أتت من واحد من أبرز القوميين في الخليج العربي ان لم يكن ابرزهم على الاطلاق؟؟!! وقد وصفها الدكتور غانم التجار بأنها أطلقت تراث الكتب السياسية في الخليج.

لقد حصلت على الكتاب وأنا عائد في طريقي الى الدوحة بعد تمضية عدة أيام في عاصمة الضباب حين وقعت عيني على مذكرات الخطيب في مكتبة صغيرة تقع في احد اركان شارع العرب الشهير اجور رود (Edgware Road), ولم يفارق يدي الا بعد ان انتهيت من قرأته من الغلاف الى الغلاف لأعود الى الانترنت واحصل على بقية المذكرات في جزئها الثاني الذي نشرته جريدة الجريدة الكويتية كاملا بعنوان (الكويت من الدولة إلى الإمارة). والكتاب صدر عن المركز الثقافي العربي في بيروت في 2009م، وأنا انصح كل من يهتم بالاطلاع على أصالة التجربة الديمقراطية الكويتية بأن يطلع على تلك المذكرات. والحق أنه قد شدني حديث الخطيب عن تاريخ وتجربة الفكر القومي خصوصا في الخليج في بداياته وتطوراته والشعور المعادي للغرب خصوصا بعد النكبة العربية، وقال الخطيب في مذكراته في نقد الفكر القومي (ولعلنا كحركة قوميين عرب، قد نسينا الأهداف الأخرى، فلم يكن برنامجنا يتضمن أي مشروع نهضوي وتنموي، يراعي مصلحة أغلبية المجتمع المسحوقة، ولم يكن لدينا برنامج اجتماعي أو اقتصادي. وكانت قضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مجمدة، لا بل حتى قضية الوحدة التي كانت المدخل لتحررنا لم تجد الاهتمام الذي تستحقه. فلم يكن عندنا مشروع وحدوي واضح يجيب عن مشكلات الاختلافات الإقليمية ومشكلات الأقليات. لا بل إن كل الأحزاب العربية المنادية بالوحدة بما فيها حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي لم يكن عندها أي تصور واضح حول نوعية الوحدة التي نطالب بها. لذلك فوجئنا بوحدة مصر وسورية عام 1958، وظهر التخبط واضحاً فولدت الجمهورية العربية المتحدة مع أمراضها المميتة التي أدت إلى فشلها بسرعة عجيبة) واضاف (إن السبب في هذا القصور بالنسبة إلينا كحركة قوميين عرب كان واضحاً، فقد كان معظم القادة المؤسسين للحركة من الأطباء، بينما كان بيننا قلة تحمل شهادة جامعية في العلوم السياسية أو الفلسفة أو أي من العلوم الاجتماعية، فلم تكن لديهم أية خبرة عملية. كذلك فإن الأحزاب السياسية العربية خصوصاً في المشرق العربي تعد جديدة نسيباً، وليس لها تاريخ طويل في العمل السياسي، باستثناء الأحزاب الشيوعية التي كانت تتصادم مع طموحات الشعب القومية وكذلك مع انتمائه الديني) وقال أيضا (كذلك فإن الفكر القومي السائد آنذاك كان معظمه فكراً عنصرياً فاشياً متعالياً، يرى نفسه شعب الله المختار ويحتقر الطبقات الشعبية الواسعة، ويضمر العداء للأقليات غير العربية، مما سبب نفور هذه الفئات التي وجدت في الأحزاب الشيوعية ملاذاً لها بسبب ذلك التهميش. أو كما نرى حالياً كيف أن هذه الفئات الشعبية أصبحت المادة الأساسية للأحزاب الدينية وبرزت منها قيادات مهمة تتصدر الحركات السياسية مما هو واضح وبشكل صارخ).
وتطرقت مذكرات الخطيب ايضا الى مساهمة قيادات فكرية خليجية في الفكر القومي العربي وقد أشاد بدور القطري في هذا المجال حين ذكر الدور الذي قام به هو وزملاؤه في تأسيس الحركة الوطنية والقومية في الخليج من خلال تأسيس مكتب خليجي مشترك تساهم في ميزانيته الكويت والبحرين وقطر، وقال ان الدعم المادي والميزانية غالبا ما يساهم فيها أعضاء من الكويت وقطر مناصفة.

أما في قطر، فلا يوجد الكثير من المذكرات الشخصية ولا أذكر في هذا المجال إلا مقالة يتيمة قد تعتبر أشبه ببداية لقصة طويلة بحاجة ان تروى يوما ما كتبها الدكتور علي خليفة الكواري تعليقا على وفاة الرمز والقيادي الوطني المغفور له ان شاء الله الوجيه ناصر بن عبدالله المسند، بعنوان (رحم الله ناصر المسند الرجل الرمز)، ولا أعرف سبب إحجام رجالات قطر المعاصرين لمراحل النهضة القطرية والتغيير والتطور في بنية الدولة منذ بدايتها، عن الحديث عن تجربتهم معها، فالمرحلة التاريخية التي تعود لعقود مضت، شهدت تغييرات جذرية كبييرة بحاجة لأن يُكتب عنها وتُقيّم ويستفاد من دروسها المختلفة، لتعرف الاجيال الجديدة ما حدث من تغيير وتطور وتراجع ومراجعة وتأخر وتقدم في تاريخ مجتمعها خصوصا أثناء مرحلة التغيرات الكبيرة في الخليج و العالم العربي والدولي في فترة الخمسينيات والسيتينيات ووصولا إلى ما تشهده قطر اليوم، وهناك العديد من الوزراء وكبار المسئولين وصناع القرار والقيادات الفكرية والاكاديمية والاعلامية والتربوية والاقتصادية بالاضافة الى الذين عملوا في المجال الدبلوماسي سفراء للبلاد في الخارج، مؤهلون لأن يتقدموا الركب و يدلوا بدلوهم ويحكوا عن ماشاهدوه وعايشوه وعرفوه.
فهل تشهد الساحة في الفترة المقبلة انطلاقة لكتابة السير الشخصية للشخصيات القطرية البارزة، هل ستكتمل حكاية السواعد السمر : قصة النفط في قطر التحفة الرائعة (Masterpiece) لعميد الصحافة القطرية ناصر محمد عثمان، وهل سنعرف ماذا حدث من تفاصيل بعد ضياع فرص التنمية للدكتور علي خليفة الكواري، و ماذا عن الدستور القطري والنظام السياسي في قطر خلال 50 سنة مضت وأهم التجارب فيه ليخبرنا عنها د يوسف عبيدان، وهل ستكمل الدكتورة موزة الجابر التاريخ والتطور الاقتصادي والاجتماعي في قطر والذي بدأ من عام 1930 – و توقف عام 1973م لتروي لنا الاحداث التي وقعت بعد ذلك، وصولا الى عام 2010م، هل سيطلعنا الدكتور حسن النعمة على تجربته الدبلوماسية والادبية خصوصا في اروقة الامم المتحدة، وهل سيفتح الدكتور حجر احمد حجر بمبضع الجراحة جسد الحقبة الادبية القطرية التي لم تعد تصخ دماء في الساحة كما كانت، وربما قد تحدثنا الدكتورة كلثم جبر عن الساحة الثقافية في قطر خلال العقود الاربع الماضية لتخبرنا عن زمن لم نعد نعرفه عنه الكثير؟! وماذا عن غيرهم فهل سيتحدث الصامتون والساكتون والمنزوون والمنعزلون ام سيقبون في مقعدهم الوثير يتفرجون ولا يشاركون؟؟!!
إن كل انفتاح على الذات هو انفتاح على العالم, وكل كتابة فردية حقيقية من داخل العزلة ، هي كتابة عنا نحن، لأن الذين يكتبون من أعماق وحدتهم يكتبون إلينا." "سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir.

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

التغيير فى الصحافة القطرية

موزايك.. التغيير فى الصحافة القطرية
2009-11-04

نحتاج لقانون عصري وحضاري جديد ينظم وسائل الاعلام ويفتح الباب للتغيير الجذري
الصحف القطرية يجب عليها التطوير في شكلها واخراجها سنويا خصوصا في صفحاتها على الانترنت
نطالب بالسماح باصدار صحف جديدة وضخ دماء شابة للعمل في المؤسسات الصحفية ودعمهم وتأهيلهم ماديا ومعنويا.

اذا كان هناك فضل يعود الى مؤسسة حكومية في استقطاب وابراز القيادات الاعلامية القطرية فهو يرجع الى المكتب الصحفي في وزارة الخارجية الذي يطلق عليه اليوم مكتب الرصد الاعلامي فكل الذين عملوا في المكتب وتولوا رئاسته على مدار السنوات الماضية ساهموا في إثراء الساحة القطرية المحلية بالخبرة والكفاءة والتجربة والحرفية العالية في التعامل مع وسائل الاعلام المحلية والدولية وخصوصا دهاليز الصحافة وعقدها وهمومها اليومية. واذا اثنى على جهود جهة في مؤسسة حكومية، فاتمنى ان تقوم المؤسسات والجهات الحكومية والرسمية خصوصا، في ابراز الكفاءات والمؤهلين ودفعهم لخدمة الساحة الوطنية كقيادات واصحاب قرار ومبادرات وليسوا مجرد موظفين واصحاب كراسي ومناصب تحت حجة وجود قطري يشغل المكان خير من أجنبي؟؟!!
التغيير الذي بدأ يظهر في المؤسسات الصحفية يدعونا الى ان نفتح ملف واقع الصحافة القطرية الذي بدأ خلال السنوات الخمس الماضية في التبلور بشكل واضح لا تخطئه العين الناقدة، فالصحافة القطرية بدأت تظهر عليها اليوم اعراض الكبر فلم تعد شابة ورشيقة كما في السابق بل هي مصابة بالتخمة والترهل وقلة الحركة بعدما اعتمدت كثيرا على الأكل من موائد الاخرين ووجباتهم الدسمة منها والسريعة، لم تعد الصحافة تعتمد على الدعم الحكومي السنوي المباشر الذي توقف منذ زمن طويل كما ان الدعم غير المباشر المتمثل في اشتراك المؤسسات والشركات في كل الصحف المحلية العربية والانجليزية بدأ يتلاشى تدريجيا وأصبح كثير من المؤسسات يكتفي بصحيفة واحدة تحت حجة تقليل المصروفات وترشيد النفقات، كما تدهورت الاعلانات ومداخيلها بشكل دراماتيكي في ظل الازمة العالمية وانعكاساتها على المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، وبدوره توجه القارئ الى الاخبار والمعلومات التي تبثها المحطات الاخبارية على مدار الساعة للحصول على "وجبته اليومية"، بالاضافة الى التعليقات والتحليلات التي يستضاف لها الخبراء والمعلقون والمثقفون من نيويورك الى جزر القمر؟؟!! كما ان المشاركات القوية والمساهمات والتعليقات المميزة والاطروحات الجريئة التي كانت تربط الصحيفة بالقارئ وتنشر بشكل أسبوعي او يومي في بعض الجرائد تحت عنوان (بريد القراء) انتقلت بدورها الى الاعلام الجديد وبالتحديد الى المنتديات القطرية والصفحات الاجتماعية التفاعلية مثل بلوجرز ووتويتر والفيس بوك، بل أكاد أجزم بأن هذا الوسائل بدأت تغني الكثير عن قراءة ومتابعة الصحف المحلية والاخبار اليومية لانها تأتي بكل ما نشر او سينشر حتى قبل ان تنشره الصحف في اليوم الآخر؟؟!!. وظلت حرية التعبير في قطر والصحافة بالتحديد تتراجع في مستويات التقييم الدولي وآخرها التقرير الذي نشرته مؤسسة مراسلون بلا حدود قبل عدة ايام، وإذا لم يخرج قانون عصري ينظم وسائل الاعلام ويفتح الباب للتغيير الجذري فمن المتوقع أن نكون في مؤخرة الركب خلال اقل من 5 سنوات بعدما كنا في مقدمته وأقول خمس سنوات لانني بطبعي غالبا ما أكون متفائلا اكثر من اللازم؟؟!!
السؤال: هل مصير الصحف القطرية الى الزوال في ظل الاوضاع الصعبة التي تعيشها؟؟!! الجواب هو (لا)، ليس بعد. ان التحديات التي تواجهها الصحف يجب ان تدفعها لمواكبة التطوير والتغيير في الشكل والمضمون في المظهر والجوهر واهم ساحة صحفية يمكن ان تستفيد الصحف القطرية من تجربتها هي ساحة الصحافة الكويتية التي تحتل المركز المتقدمة عربيا بلا منازع في التقييمات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير. وبدورنا نتقدم بالتهنئة للصحافة الكويتية الشقيقة لاحتلال الكويت للمركز الأول بين دول الشرق الأوسط لحرية الصحافة عن عام 2009 حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود " والذي وضع الكويت في المركز الـ 60 عالميا والأول عربيا.
الكويت شهدت محاولات عديدة لتعديل قانون المطبوعات والنشر الذي صدر في عام 1961 وكان ابرزها واهمها التعديلات القانونية التي عرضت على المجلس البرلماني في 1971 (السنة نفسها التي اصدرنا فيها قانون المطبوعات والنشر القطري الحالي) الى ان نجحت المحاولات في 6 مارس 2006 بعدما آمن الجميع ان الوقت حان للتغيير الحقيقي واللحاق بالركب بعد فوات الاوان، في 6 مارس 2006 لتحصد الكويت ثمار التغيير وتتقدم على كل الدول العربية الكبيرة والصغيرة؟؟!!لقد كان القانون القديم واسعا ومطاطا وهلامياً ومليئا بالعقوبات والغرامات وكان يعطي حق منح وسحب وتعطيل استخدام التراخيص الصحفية بمقتضى قرار إداري دون أن يكون للمتظلم حق اللجوء للقضاء، اما القانون الجديد فيعتبر قفزة الى الامام حيث ينص على حظر الغاء الترخيص للصحف من دون قرار نهائي من المحكمة، كما يسمح القانون للمواطنين الذين رفضت طلباتهم لترخيص اصدارات جديدة ان يتقدموا بشكوى امام المحكمة، ويعزز القانون في مواده مبدأ الرقابة الذاتية، ويطرح مبدأ «البقاء للأصلح»، والبقاء ليس هو الاستمرار في الصدور على حساب الإعلان التجاري، وانما بمحاكاة واقع المجتمع وهمومه وبروز صحافة الجرأة والمصداقية، رغم ذلك وصف بعض المحللين مثل الكاتب الصحفي أحمد الدين القانون بأنه «خطوتان للأمام وخطوة للخلف، إذ يقر بمبدأ تعقيب القرار الإداري بالقضاء ويلغي عقوبة التعطيل الإداري للصحف إلا أنه بالمقابل يحيل العديد من المواضيع إلى قوانين أخرى مثل قانون الجزاء وقانون أمن الدولة وهما قانونان يتضمنان عقوبات أشد مما ينص عليه قانون المطبوعات، إضافة إلى أنه يخالف مبدأ إقليمية الجريمة ويوقع العقوبة على الناشر المحلي بدلا من المؤلف. ومع ذلك تمكنت الصحافة الكويتية من تعزيز فكرة السلطة الرابعة، وبغض النظر عن كون المسائل التي تثار إيجابية أو سلبية بالنسبة للمواطنين، فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية تنظران الآن إلى الإعلام ودوره بعين الاحترام والتقدير.
يحسب لقانون المطبوعات الكويتي أنه فتح الباب لإصدار صحف ومجلات ومطبوعات جديدة (يرجع صدور آخر صحيفة كويتية قبل القانون الجديد إلى عام 1972)، واليوم يقدر عدد الصحف الكويتية بحوالي 15 صحيفة يومية ناطقة بالعربية وثلاث صحف تصدر بالإنجليزية، ومع ان هذا العدد يعتبر كبيرا اذا ما قيس بحجم القراء وعدد السكان في الكويت حيث تشير الاستطلاعات ان ما يقدر بـ 20 % من السكان الكويتيين يقرأون الصحف بشكل يومي، الا ان كل جريدة تمكنت من الاستحواذ على جمهورها والاحتفاظ بقرائها وعشاقها ومحبيها المطلعين على أخبارها المتابعين لها، ومازالت الصحف التي تأسست منذ 40 سنة متربعة على عرش التوزيع رغم المنافسة والتحدي الذي فرضته الصحف الجديدة على الساحة، فقد استوعبت حجم التحديات المفروضة واصبحت لصيقة اكثر من قبل بالقراء من خلال عرض اطروحاتهم وافكارهم وتبني قضاياهم المعيشية والدفاع عنها، كما ان زيادة عدد الصحف وتنوعها في اضافة رؤى جديدة ساهمت في رفع الوعي الوطني وزيادة التنوع الفكري والثقافي في المجتمع.
ان المرحلة التي ندخلها تستوجب الحديث عن ضرورة التغيير في الساحة الصحفية القطرية، فالصحف يجب عليها التطوير في شكلها واخراجها سنويا خصوصا في صفحاتها على شبكة الانترنت وادخال وسائل الاعلام الجديدة مثل الصفحات التفاعلية ومشاركة القارئ في التعليق على الاخبار والمقالات، واضافة صفحات لبعض القراء الذين يحبون المساهمة بأقلامهم أو ربط موقعهم بموقع الجريدة، ولابد من التركيز على الاخبار التي تشد انتباه القارئ، وابراز القضايا المحلية في مقدمة الاخبار وعلى صدر الصفحات الاولى وفي العناوين الرئيسية وارجاع الاخبار الدولية والصفحات والصور التي ليس لها ارتباط بمعلومة مهمة او خبر انفرادي للصحيفة الى الصفحات الاخيرة وليس العكس كما هو حاصل حاليا؟؟!! ولابد ايضا من الاستعجال في المطالبة بصدور قانون عصري وحضاري جديد لوسائل الاعلام وللمطبوعات والنشر، وضرورة تغيير القيادات الصحفية ورؤساء التحرير ومحاسبتهم عن طريق الانتاجية والانتشار والانفرادات التي تحصل عليها الصحيفة بشكل يومي، كما يجب ومن الضروري كسر الاحتكار الذي تجاوز اكثر من 30 سنة وفتح الباب لاصدار صحف جديدة وضخ دماء شابة للعمل في المؤسسات الصحفية ودعمهم وتأهيلهم ماديا ومعنويا. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يوجهنا اليوم، فهل سننجح في الاختبار؟؟!! ام سنظل نتراجع الى الخلف سنة بعد اخرى؟؟!!

Aljaberzoon@gmail.com

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

ثورة تويتر تغير وجه الصحافة العالمية

موزايك
2009-10-28
تويتر جعل العالم غرفة شات صغيرة على الانترنت
الانطلاقة الكبيرة لتويتر حدثت في تغطية الانتخابات الإيرانية
استخدام موقع "تويتر" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ازداد بنسبة 300 %
عدد مستخدمي تويتر في قطر يعدون على أصابع اليد..

قبل أن نستقل القطار لنصل إلى مدينة ليستر عن طريق لندن توجهنا إلى المحل الصغير في المحطة الذي يبيع الصحف والمأكولات السريعة ليفاجئنا خبر صحيفة الجاردين البريطانية (The Guardian) الواسعة الانتشار الذي يشير إلى أن الصحيفة قررت أن يكون لها السبق من بين الصحف العالمية في أن تتحول بالكامل إلى خدمة اخبارية تقوم بالبث عن طريق موقع تويتر (Twitter) " موقع الاتصال الاجتماعي العالمي "، وجاء في الخبر. أن الصحيفة تقوم على العمل بمشروع تحويل أرشيفها الذي يرجع إلى ما قارب 188 سنة إلى آلية متوافقة مع ما يعرض في موقع «تويتر»، بحيث يتم اختصار كل قصة تقوم الصحيفة بنشرها إلى 140 حرفا فقط في كل صفحة مدونة فمثلا أن تعرض الخبر التالي الذي يذكر انه وفي عام 1940 قصة تقول (هتلر يجتاح بولندا والحلفاء يعلنون الحرب "اقرأ المزيد على الرابط المرفق مع الخبر") أو على شاكلة (مارتن لوثر كينج يلقي خطبته المشهورة لدى حلم (I Have a Dream) إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم،" للمزيد، الكلمة كاملة تجدونها على يوتيوب "Youtube"). ولما رجعنا إلى موقع الصحيفة بعد ذلك اكتشفنا أن القصة كان لها صدى غير عادي وتفاعل معها الجمهور الذي يتابع الصحيفة من كل أرجاء العالم وليس بريطانيا ما بين مؤيد ومعارض ومتعجب ومتسائل ومتشائل، إلا إن اكتشفنا أن القصة كانت بمجملها عبارة عن كذبة ابريل فلقد نسينا تماما أننا كنا في بداية شهر الكذب اللطيف؟؟!! الكذب كان اقرب من الحقيقة منه إلى الخيال فبعد هذه الحادثة أتيحت لي الفرصة أن أشارك في ندوتين وثلاثة مؤتمرات عن وسائل الإعلام كان الموضوع الرئيسي فيها تويتر بلا منازع.
انطلقت بداية الإعلام الجماهيري بالة التلغراف فى الثلاثينات والأربعينات من القرن التاسع عشر، ليتبعها التليفون احدث في النصف الأول من القرن العشرين من حيث لسرعة جمع المعلومات ونقلها. ليدخل الراديو والتليفزيون ليحدث الانقلاب الكبير في مفهوم الإعلام وممارسته.. وصولا الى الانترنت لتكون أولاً وسيلة متاحة غير مكلفة عمليا وسريعة جداً في نشر الخبر وتوزيعه،، لتضع مستخدم الانترنت، في جانبي الخبر وليس في جانب واحد منه، أي في جانب المنتج والمتلقي معاً. العالم لم يعد قرية صغيرة كما تنبأ بذلك مارشال ماكلوهان بل هو اليوم عبارة عن غرقة شات صغيرة على الانترنت كما نرها يوميا على موقع تويتر الذي أنشىء في عام 2007 ويجذب ملايين المشتركين شهريا ويصعب احصاء عدد المستخدمين لأن الموقع يتيح للمشتركين أن يصلوا إليه عن طريق الحواسيب الشخصية والهواتف الجوالة والتجهيزات الإلكترونية الأخرى. والفرق بين تويتر وموقع الفيس بوك (Facebook) لان الأخير يمكن أن تتم مهاجمته وعرقلته بأي شكل من الأشكال، لكن إغلاق موقع «تويتر» او مهاجمته لا يؤثر على أعضاء «تويتر». لذلك يجب أن تغلق الخدمة بأسرها حتى تؤثر عليهم وهو ما يحدث بعض الأحيان بغرض القيام باصلاحات للموقع. وفي رسالة التي يتم ارسالها الى موقع "تويتر" يسمح بكتابة 140 حرفا فقط. وتظهر الرسالة على الصفحة الشخصية للمستخدم، وترسل إلى أصدقائه المتابعين لصفحته. ويمكن للشخص أن يقصر تلقي الرسائل على دائرة أصدقائه فقط أو السماح للجميع بالاطلاع عليها. وشعار تويتر هو عبارة عن عصفور ازرق (Bluebird) ولفظ "تويتر" يعني إصدار أصوات صغيرة عالية حادة متتابعة مثل أصوات العصافير، أو التحدث بسرعة وخفة.
جاءت الانطلاقة الكبيرة لتويتر في تغطية الانتخابات الإيرانية 2009 والتي أطلق عليها ثورة تويتر وجاءت التغطية منذ بداية انطلاق التظاهرات عندما كانت المعلومات الرسمية لا تزال شبه غائبة وعندما كانت وسائل الإعلام التقليدية لا تزال تجهد لمعرفة حجم الاعتداءات وتحاول الحصول على تأكيدات لا تستطيع من دونها تبنّي اي معلومة رسميا والاّ فقدت صدقيتها، وتحاول حجز الهواء لبث رسائلها وسط ازدحام المراسلين والوسائل. فالكثير من المعلومات التي لم يستطع المراسلون الأجانب نقلها من طهران نقلها إيرانيون عاديون عبر تويتر إلى الخارج لتنتقل بعدها إلى موقع فيس بوك ثم موقع «يو تيوب» او العكس. ونيجة لذلك لجأت كل من قنوات «سي إن إن» و«ام اس أن بي سي» الأخبار مباشرة من «تويتر» خلال تغطيتها للأحداث في إيران، مشددة على أهمية التواصل مع الإيرانيين مباشرة. واستخدمت وسائل إعلام مثل مجلة «تايم» وصحيفة «نيويورك تايمز» الأخبار من «تويتر» لشرح المزيد من التفاصيل عن الأحداث في إيران، بينما استخدمت الموقع أيضا لنشر أخبارها.
الأخبار التي نقلها المشاركون من موقع الحدث كانت عفوية وبسيطة ومؤثرة في نفس الوقت، كان المشاركون ممن شاهدوا أو صوروا الأحداث، متحرروين من كل ما يحكم الخبر في الوسائل التقليدية. لم يكونوا مهتمين باكتمال عناصر القصة وإضافة بعض التفاصيل ولا حتى انتظار تحرير الخبر أو انتظار ساعة النشر والطبع التوزيع او انتظار الأقمار الصناعية لتنقل رسالته إلى الراديو أو تليفزيونيه، فهم كتبوا ما سمعوا وشاهدوه وفي ثانية أرسلوه إلى الانترنت ليطلع عليه العالم بعد ذلك. والجدير بالذكر ان مجلة تايم الأمريكية اختارت مؤسسي موقع تويتر ضمن مائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم 2009 إلى جانب كبار صناع القرار في مجال السياسة والاقتصاد ونجوم السينما والغناء والرياضة. كما تحول "تويتر" في عام 2008 إلى أداة للأعمال، بدءاً من رجال الأعمال الصغار حتى الشركات الكبرى، وأصبح أفضل أداة إعلام اجتماعي للشركات والمشروعات، لأنه أسرع طريقة لنشر المعلومات لأكبر عدد من الأشخاص خاصةً للذين يعتمدون على الإنترنت في عملهم، كما يعد أداة تسويق رائعة وأداة للتواصل مع الآخرين من خلال التحدث مع المهتمين في أي مكان في العالم بمجال عمل محدد.
بالنسبة إلى وضع تويتر في العالم العربي فقد أشارت دراسة شركة الاستشارات والعلاقات العامة سبوت أون (Spot on Public Relations) في يوليو (2009)، أن استخدام موقع "تويتر" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد ازداد خلال الأشهر القليلة الماضية من مائة بالمائة إلى 300 بالمائة، وأظهر تقرير إنَّ هناك ما يقارب 12.266 مستخدماً لخدمة تويتر مسجِّلين في العالم العربي، في حين أنَّ الموقع الإلكتروني بحدِّ ذاته يجذب زيارات فريدة من المستخدمين غير المشتركين أكثر بكثير من تلك التي يقوم بها المشتركون في الموقع. وتضمُّ دول مجلس التعاون الخليجي حالياً 8.212 مستخدماً مسجِّلا في موقع تويتر، علماً أنَّ الإمارات العربية المتحدة تستحوذ على ما يقارب 60 % من إجمالي عدد المستخدمين من دول مجلس التعاون الخليجي. وبالتساوي مع استخدام موقع فيسبوك Facebook في جميع أرجاء المنطقة، تتمتَّع كلٌّ من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بأعلى نسبة انتشار لخدمة تويتر؛ إذ تضمُّ 1741 مستخدماً في مصر، و1405 مستخدمين في السعودية، و4952 مستخدماً في الإمارات. أما في نهاية عام 2008، فكانت دول مجلس التعاون الخليجي تضمُّ ما مجموعه أقل من 1000 مستخدم لموقع تويتر. كما انضمت الملكة رانيا ملكة الأردن إلى قائمة الشخصيات التي تستخدم «تويتر». فقد ذكرت وسائل الاعلام أن الملكة أطلقت صفحة خاصة على موقع «تويتر» عبر الإنترنت بمناسبة زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للأردن. وكتبت الملكة في خانة السيرة الذاتية تصف نفسها بـ«أم وزوجة لديها وظيفة ممتعة». الغريب أن (القاعدة) قد عرفت أهمية موقع التواصل الاجتماعي تويتر وهي تحاول أن تضع بصماتها هناك كما فعلت في الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك أو من خلال ارسالها اشرطة للجزيرة أو استخدامها الانترنت للتجنيد وبث الرسائل للخلايا النائمة والله يستر على ما سيأتي.
الغريب انك إذا دخلت إلى موقع تويتر ستلاحظ أن عدد الموجودين من قطر يعدون على أصابع اليد، ودعوني اختم بحكاية قد توضح سبب ذلك، يحكى أن رجلاً كان يملك صقراً نادراً وثميناً، يحبه كحبه لأبنائه فهو مصدر رزقه بعد الله خرج الرجل ذات يوم غائم وأطلق طيره على مجموعة من الحبارى رغم عدم ملاءمة الجو للصيد فغاب الصقر وطالت غيبته. وأمضى صاحبه نهاره يصيح ويراقب ويبحث عنه دون جدوى وبعد طول المسير والتعب والعطش رأى من بعيد راعيا يرعى إبله فلما وصل إليه وجلس عنده وسلم عليه سأله عن الطير فقال الراعي لا اعرف طيرك ولكن جاءني طيران ووقعا تحت هذه الشجرة وأخذا يتعاركان فاقتربت منهما وضربتهما بالعصا ثم ذبحتهما وها هما في النار، بعد قليل ينضجان فنأكلهما معاً ذهب الرجل إلى النار وحفر التراب بيديه وإذا بطيره ومعه حبارى صعق الرجل وقال: يا مجنون هذا هو طيري وهو لا يؤكل، فالحبارى هي التي تؤكل، قال الراعي وما الفرق بين الحباري والصقر كليهما في النهاية مجرد طيور؟؟!!، حزن الرجل وبكى حيث لا يفيد البكاء والندم ثم أطلق المثل المشهور" اللي ما يعرف الصقر يشويه" وعلى نفس المنول نقول إلا (ما يعرف التويتر يحرقه).

Aljaberzoon@gmail.com

حوار الأديان..تعقيباً على الجابر

تعقيباً على مقال خالد الجابر
د. الصادق الفقيه: حوار الأديان.. صواب هوحتى مطلع الفجر
2009-10-12


نشرت جريدة "الشرق" الغراء، في عددها رقم 7783، الصادر بتاريخ يوم الأربعاء 18 شوال 1430هـ، الموافق7 أكتوبر 2009، في الجزء الثاني، على صدر صفحة محليات السابعة، وفي باب "موزايك" مقالاً بعنوان: "حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر". ومع هذا القطع الحاد بالفشل، قال الأخ الكاتب خالد الجابر إن تأثيرات مؤتمر حوار الأديان تجسدت "في الجانب البروتوكولي والاحتفالي دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش"، وقدم دعوة لـ"المسؤولين بمؤتمر الدوحة لحوار الأديان لطرح مبادرات ومشاريع وتوسيع نطاق المشاركين". وهذه دعوة حق تُذكر بما هو مرصود لأصل الفكرة، التي قام عليها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، ولا تنفي أن المبادرات والمشاريع وتنويع وتوسيع نطاق المشاركين هي الوسيلة المبررة للغاية.
ورغم ظاهر التقييم، الذي يبدو قاسياً؛ إذا اكتفى القارئ بالإطلالة على مقدمة المقال، فإن ما حفلت به تفاصيل السرد الغنية بالمعلومات، وحشد المراجعة التاريخية لأنشطة الحوار بين الأديان، التي تخللها دفق من الأفكار الحافزة على مزيد من هذا الحوار، يصل بنا إلى حقيقة مؤداها أن الأستاذ الجابر، مؤمن بما مضى وما سيأتي من لقاءات الحوار بين الأديان، ولكن يريد أن يطمئن قلبه إلى أن الجهد، الذي يبذل الآن وغدا، يجب أن يبين طلعه بمبادرات، وتينع ثمرته بمشاريع، ويؤتي أوكله في كل حين بتوسيع قاعدة المشاركة فيه، وفيما ما يعتقده من ضرورة "محاصرة حدة التوتر، والتخفيف من وضع الاحتقان، وإفساح المجال لفهم الآخر"، وغيرها من مطلوبات الواقع المعاش، أي ضرورة رؤية الواقع كما هو، وليس الواقع الافتراضي الذي يحلم به المتحاورون.
والمعروف أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، الذي أشّر عليه اتهام الأخ الجابر وتوجه إليه نداؤه، قد نشأ، كما تقول ديباجته، كثمرة لتوصيات مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان، الذي عقد في الدوحة شهر مايو2007، وتم افتتاحه رسمياً في 14 مايو2008. ويمثل نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي، وتسخير فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لخدمة الإنسانية، الدور الرئيسي للمركز. وذلك بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات ذات الصلة، وأن يكون مرجعية عالمية في مجال حوار الأديان، دون أن يغفل الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالعلاقة بين القيم الدينية والقضايا الحياتية. ويعمل على توسيع مضمون الحوار ليشمل كل القضايا المتفاعلة مع الدين، ويكون بيت خبرة يوفر معلومات علمية وتعليمية وتدريبية في مجاله.
وسبيله إلى ذلك، وكما هو موصوف في أدبياته، المؤتمرات، والندوات، والورش، والاجتماعات المتخصصة، التي تعقد لمناقشة موضوعات ذات خصوصية مشتركة بين أتباع الأديان المختلفة، حيث يدعى إليها متخصصون وعلماء دين وباحثون لإثرائها بالبحث والنقاش، ويتم نشر نتائج هذه المناقشات في كتيبات يصدرها المركز بصورة دورية، تعميما للفائدة. وحتى لا يكون نتاج جهده حبيسا للقاعات وغرف الفنادق المغلقة يصدر المؤتمر مجلة علمية دورية، باللغتين العربية والإنجليزية، ورغم أنها ذات طابع علمي منهجي، وتتضمن العديد من البحوث المحكّمة، إلا أنها تناقش مختلف القضايا الفكرية والإنسانية والحوارية بين الأديان، التي تصلح لأن يطلع عليها الخاصة والعامة من الناس.
ولا يخالج أي متابع شك في أن الانتقال بفكرة الحوار بين الأديان إلى الواقع العربي والإسلامي، الذي ابتدرته دولة قطر، قبل سنوات خلت، ما أريد به إلا هذه الملامسة المباشرة مع الواقع المحلي والإقليمي، ومن ثم، حمل تأثيراته إلى المجال العالمي؛ إدراكاً شفيفاً لقصد التقارب الإنساني، الذي تتعزز به فرص التفاهم والاستقرار، والذي يمكِّن لشروط النهوض الجماعي أن تفعل فعلها الحميد في سلام وإسعاد الجميع؛ بمختلف أديانهم وثقافاتهم وحضارتهم وحواضرهم. ولا ظن عندي في أن المثل الشعبي "حط بينك وبين النار عالم وأطلع منها سالم"، كان حاضراً في أي ذهن أدركت فطنته وسلامة قريحته رجاحة الأهداف الكلية، والمقاصد الجمعية لحوار الأديان، حتى ولوكان هذا الحوار بين نخب تتناجى بقصيد الوجد في غرف الفنادق المغلقة.
فقصد التعارف والتفاهم معلق بهذه اللقاءات، التي تهدف أول ما تهدف إلى الاعتراف بالاختلاف، وترسيخ مبدأ الاحترام، الذي يمكن من اكتشاف مساحة المشترك مع الآخر المختلف، وليس إيجاد التطابق وخلق الإتحاد. وفي كتاب الأب كريستيان فان نسبن "مسيحيون ومسلمون.. إخوة أمام الله"، الذي يسجل الخبرة العملية في حوار الأديان، ويحكي تجربة عميقة للآثار الإيجابية للحوار، ويقول اعترافاً كيف أنه خرج بجسده وعقله من شرنقة الذات، ومع الزمن أدرك "كم يمثل الاتصال الشخصي والصداقة الحقيقية والمخلصة باباً واسعاً لاكتشاف دين آخر، وبدون هذا تظل المعرفة النظرية مهما كانت كبيرة تنطوي على خلل، فالدين بالفعل هو واقع يشكله الأشخاص المتدينون قبل أن يكون نظاما دينيا".
ويقيني أن مركز الدوحة يؤمن بأن تناول الحوار، خاصة في جانب الأديان، يفرض مجالا وحيزا هاما من التأني، حتى يتسنى للمتحاورين أن يرسموا لمسار أفكارهم خطى تمكنها من استحضار مختلف المداخل والاتجاهات الممكِنة والممكِّنة لمستوى بناء أطروحة سليمة في علاقة الحوار مع المقوم المنهجي داخل الحقل المعرفي لكل دين؛ لتحقيق البعد الاستراتيجي في الحوار وعلاقة الأديان بعضها ببعض. من هذا المنطلق، فإن إثارة موضوع حوار الأديان بخصوصياته المتشعبة افتراضا، بل يقينا، يطرح تحديات جمة، مثلما يتيح فرصاً لا حدود لها. وبذلك يستدعي استراتيجيات قصد الاحتكام للقيم المشتركة والتعارف والتفاهم والتعاون إليه من جهة، والاشتغال عليه بتنظيم اللقاءات وعقد الندوات والمؤتمرات من جهة ثانية. إذ أن الحديث حول حقل الأديان الواسع والرحب، يولد بالضرورة تساؤلات كبيرة، ويطرح إشكاليات تتجه إلى استفسار الواقع، نظراً لعدة اعتبارات منهجية ومفاهيمية؛ وبالتأكيد أخلاقية، وموضوعية، كتلك التي أشار إليها مقال الأخ الجابر.
فالقراءة المعرفية في فلسفة حوار الأديان تطل بنا على مشارف حقيقة الواقع الإنساني المعاش، وتنقلنا بعقلانية التدرج الحكيم من خطر التدمير الذاتي، الذي نتعمده بالقطيعة والكراهية، التي أصبحت أكثر فاعلية وقدرة في مجالات الشر؛ من خلال امتلاكنا لأسلحة الإبادة الشاملة، والتي باتت تهدد المصير الإنساني على هذه الأرض، إلى ضرورة التعارف الراشد، والوعي العميق بهذه الأزمة الوجودية، والذي ينبغي أن نتقصده باستنارة التسامح؛ المحصن بإيجابية معرفة "الآخر". وقد أثبتت تجربة حوار الأديان التاريخية، التي عرض الأخ الجابر لجزء مهم منها، أن التعاطي بين المتحاورين قد برهن على إمكانية تحريك عدد كبير من قضايا الخلاف الساكنة، وأوجد حولها فهماً، إن لم نقل اتفاقا، يمكِّن من اللقاء والتعاون والتضامن، مع وجودها.
ومنطلق حوار الأديان هنا يتسق مع منطق قصد الحكمة، ووجوب السعي إليها أينما كانت، لأنها ضالة المؤمن. لهذا، فإن المناداة به في المجال الدولي، وتفعيله على النطاق الإقليمي، وتوطينه على مستوى الدولة، وتعزيزه بين أطياف وشرائح المجتمع المتحد، وترسيخه بين مذاهب وطوائف الدين الواحد، يمثل فكرة عقلانية، وركيزة موضوعية، وسياسة إستراتيجية، في ظل واقع مختلف وعالم مضطرب. ومن هنا، فإن مؤتمرات حوار الأديان الستة الماضية، والسابع، الذي يلتئم في الدوحة هذا الشهر، وكل تلك التي ستشهدها السنوات القادمة، هي ضرورية لدولة قطر، وللمنطقة العربية، وللعالم الإسلامي، كما هي ضرورية للعالم بأسره. ومثلما يعبر حوار الأديان عن حاجة أخلاقية تتولد من الإحساس بالذات والآخر، فإنه يعد انعكاساً للظروف التاريخية التي نعيش فيها بسكونها واضطرابها، وبكل ما يعتمل داخلها من صنوف التعاون، وكل ما يعتورها من أدواء الصراع وفظائع الاحتراب.
وحوار الأديان المطلوب، كما ندعوإليه وينادي به الأخ الجابر، يجب أن يقوم على فلسفة تستوعب ملامح وأطر الواقع المعاش، وما يقتضي ذلك من مبادرات، ومشروعات، وتوسيع قنوات المشاركة، ضماناً للنتائج والمخرجات، بحيث تجعل للقاء المتحاورين قيمة عملية تحفزهم على بذل مزيد من الجهد لتحقيق كل الشروط والحوار، الذي يهدف إلى احترام الاختلاف. وذلك بمعرفة سياقه وفهمه وتحليله، وإدراك وضع الذات، وفهم وضع الآخر لمواجهة التحديات المشتركة، وضرورة أن يبني الجميع مجتمعا إنسانيا للأسرة الإنسانية؛ يعيش فيه كل فرد حياة كريمة وحرة، في إطار من المساواة والعلاقات الحقيقية، والقدرة على أن ننظر للاختلاف بطريقة إيجابية، وأن تكون الانتماءات الدينية والثقافية متكاملة، وليست متعارضة.
وإذا أردنا أن نضع مبادئ للحوار، وأسسا للقاء وقواعده، فإننا لن نجد أمثل من تقديرات الأب كريستيان فان نسبن، الذي أشرنا إلى كتابه سابقاً، ومنها الحرية الداخلية العميقة. وتعني الحرية الروحية، التي تسمح بتجاوز المواقف الانفعالية، وشفاء الذاكرة، والتي تجعل حب الله يحرره من ضغائنه وأحقاده. ومنها معرفة للآخر ومعتقده بنظامه الديني والثقافي والإيديولوجي، والعلاقة الشخصية العميقة مع هذا الآخر، التي تسمح باكتشاف الإيمان الديني. ومعرفة السياق الثقافي والاجتماعي، والتمييز بين ما يأتي من الثقافة، وما يأتي من الدين بالمعنى الدقيق. وتجاوز الخطاب المزدوج والكلام المحفوظ المكرر. والوصول إلى تحديد لمعنى الحوار يوضح الالتباسات المفاهيمية. واختيار أطراف الحوار، فلا نفرط في محاباة فئة بعينها، أوإهمال أخرى؛ بقصد، أوبغير قصد. وقبول المساءلة دون خوف ولا عقد، مع الاهتمام بتجلية الحق، والاعتراف بالغيرية، أي باختلاف الإسلام عن المسيحية، وعن اليهودية، وغيرها من الأديان، دون اهمال المشترك الأعظم بينها.
ويؤكد حوار الأديان على عدة أمور يمكنها أن تحقق معنى أن يكون المسلمون والمسيحيون واليهود، وغيرهم من أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى، معا في مجتمع الدولة الواحدة، وفي دائرة إقليم واحد، وفي فضاء الأسرة البشرية كلها. وفي مجتماعتنا الخاصة ما يؤشر على هذه الحقيقة ويبينها، إلا أن المؤمل إبراز إيجابياتها في عقولنا بجلاء حضورها الفعلي في واقع الناس. ويتطلب ذلك تجاوز الأحكام المسبقة والمتبادلة بين الأطراف المختلفة، التي تولد المخاوف والنبذ المتبادل. وتعني ترك الأحكام المسبقة التعميمات وإخراج الإشكاليات من سياقها. وينبغي قطع الدائرة المفرغة من الحذر المتبادل، ومن الاتهامات والاتهامات المضادة، وتأسيس قاعدة من الثقة المتبادلة، والتي لا تستبعد الصراحة لتناول كل المخاوف، والإجابة على الأسئلة المطروحة بوضوح.
وهنا فقط، يمكن بناء مجتمع يعمل لخدمة الإنسان؛ باستلهام الإيمان في تقديم مبادئ تحترم كرامة هذا الإنسان، كل الإنسان، وكل البشر. فبالحوار نستطيع أن نكتب التاريخ معا، وأن ندرس مشكلات المجتمع بصورة مشتركة، ونستشرف مستقبلا مشتركا. وإذا رأينا فينا من انتدب نفسه ليسعى بين الناس بالحسنى، داعيا لكلمة الخير، مبشراً بروح التفاهم، محفزا على التسامح، فلا نُبخِسنّ من عمله شيئا. ولكن علينا أن نقول بمثل ما قال الأخ الجابر، إن الحوار خير، فلنؤديه بكل استحقاقاته؛ نلتزم فيه الجدية، ونصعد به إلى سمو غاياته، وجلال أهدافه. ولأن أي حوار حول الأديان هوأمر إيمان بقدسية الحياة وقيمة الإخاء الإنساني، فإن جهد الناس محمود بقدره، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
الدكتور الصادق الفقيه

حوار الأديان..تعقيباً على الجابر

تعقيباً على مقال خالد الجابر
د. الصادق الفقيه: حوار الأديان.. صواب هوحتى مطلع الفجر
2009-10-12


نشرت جريدة "الشرق" الغراء، في عددها رقم 7783، الصادر بتاريخ يوم الأربعاء 18 شوال 1430هـ، الموافق7 أكتوبر 2009، في الجزء الثاني، على صدر صفحة محليات السابعة، وفي باب "موزايك" مقالاً بعنوان: "حوار الأديان فشل في محاصرة حدة التوتر وفهم الآخر". ومع هذا القطع الحاد بالفشل، قال الأخ الكاتب خالد الجابر إن تأثيرات مؤتمر حوار الأديان تجسدت "في الجانب البروتوكولي والاحتفالي دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع اليومي المعاش"، وقدم دعوة لـ"المسؤولين بمؤتمر الدوحة لحوار الأديان لطرح مبادرات ومشاريع وتوسيع نطاق المشاركين". وهذه دعوة حق تُذكر بما هو مرصود لأصل الفكرة، التي قام عليها مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، ولا تنفي أن المبادرات والمشاريع وتنويع وتوسيع نطاق المشاركين هي الوسيلة المبررة للغاية.
ورغم ظاهر التقييم، الذي يبدو قاسياً؛ إذا اكتفى القارئ بالإطلالة على مقدمة المقال، فإن ما حفلت به تفاصيل السرد الغنية بالمعلومات، وحشد المراجعة التاريخية لأنشطة الحوار بين الأديان، التي تخللها دفق من الأفكار الحافزة على مزيد من هذا الحوار، يصل بنا إلى حقيقة مؤداها أن الأستاذ الجابر، مؤمن بما مضى وما سيأتي من لقاءات الحوار بين الأديان، ولكن يريد أن يطمئن قلبه إلى أن الجهد، الذي يبذل الآن وغدا، يجب أن يبين طلعه بمبادرات، وتينع ثمرته بمشاريع، ويؤتي أوكله في كل حين بتوسيع قاعدة المشاركة فيه، وفيما ما يعتقده من ضرورة "محاصرة حدة التوتر، والتخفيف من وضع الاحتقان، وإفساح المجال لفهم الآخر"، وغيرها من مطلوبات الواقع المعاش، أي ضرورة رؤية الواقع كما هو، وليس الواقع الافتراضي الذي يحلم به المتحاورون.
والمعروف أن مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، الذي أشّر عليه اتهام الأخ الجابر وتوجه إليه نداؤه، قد نشأ، كما تقول ديباجته، كثمرة لتوصيات مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الأديان، الذي عقد في الدوحة شهر مايو2007، وتم افتتاحه رسمياً في 14 مايو2008. ويمثل نشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي، وتسخير فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لخدمة الإنسانية، الدور الرئيسي للمركز. وذلك بالتعاون مع الأفراد والمؤسسات ذات الصلة، وأن يكون مرجعية عالمية في مجال حوار الأديان، دون أن يغفل الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالعلاقة بين القيم الدينية والقضايا الحياتية. ويعمل على توسيع مضمون الحوار ليشمل كل القضايا المتفاعلة مع الدين، ويكون بيت خبرة يوفر معلومات علمية وتعليمية وتدريبية في مجاله.
وسبيله إلى ذلك، وكما هو موصوف في أدبياته، المؤتمرات، والندوات، والورش، والاجتماعات المتخصصة، التي تعقد لمناقشة موضوعات ذات خصوصية مشتركة بين أتباع الأديان المختلفة، حيث يدعى إليها متخصصون وعلماء دين وباحثون لإثرائها بالبحث والنقاش، ويتم نشر نتائج هذه المناقشات في كتيبات يصدرها المركز بصورة دورية، تعميما للفائدة. وحتى لا يكون نتاج جهده حبيسا للقاعات وغرف الفنادق المغلقة يصدر المؤتمر مجلة علمية دورية، باللغتين العربية والإنجليزية، ورغم أنها ذات طابع علمي منهجي، وتتضمن العديد من البحوث المحكّمة، إلا أنها تناقش مختلف القضايا الفكرية والإنسانية والحوارية بين الأديان، التي تصلح لأن يطلع عليها الخاصة والعامة من الناس.
ولا يخالج أي متابع شك في أن الانتقال بفكرة الحوار بين الأديان إلى الواقع العربي والإسلامي، الذي ابتدرته دولة قطر، قبل سنوات خلت، ما أريد به إلا هذه الملامسة المباشرة مع الواقع المحلي والإقليمي، ومن ثم، حمل تأثيراته إلى المجال العالمي؛ إدراكاً شفيفاً لقصد التقارب الإنساني، الذي تتعزز به فرص التفاهم والاستقرار، والذي يمكِّن لشروط النهوض الجماعي أن تفعل فعلها الحميد في سلام وإسعاد الجميع؛ بمختلف أديانهم وثقافاتهم وحضارتهم وحواضرهم. ولا ظن عندي في أن المثل الشعبي "حط بينك وبين النار عالم وأطلع منها سالم"، كان حاضراً في أي ذهن أدركت فطنته وسلامة قريحته رجاحة الأهداف الكلية، والمقاصد الجمعية لحوار الأديان، حتى ولوكان هذا الحوار بين نخب تتناجى بقصيد الوجد في غرف الفنادق المغلقة.
فقصد التعارف والتفاهم معلق بهذه اللقاءات، التي تهدف أول ما تهدف إلى الاعتراف بالاختلاف، وترسيخ مبدأ الاحترام، الذي يمكن من اكتشاف مساحة المشترك مع الآخر المختلف، وليس إيجاد التطابق وخلق الإتحاد. وفي كتاب الأب كريستيان فان نسبن "مسيحيون ومسلمون.. إخوة أمام الله"، الذي يسجل الخبرة العملية في حوار الأديان، ويحكي تجربة عميقة للآثار الإيجابية للحوار، ويقول اعترافاً كيف أنه خرج بجسده وعقله من شرنقة الذات، ومع الزمن أدرك "كم يمثل الاتصال الشخصي والصداقة الحقيقية والمخلصة باباً واسعاً لاكتشاف دين آخر، وبدون هذا تظل المعرفة النظرية مهما كانت كبيرة تنطوي على خلل، فالدين بالفعل هو واقع يشكله الأشخاص المتدينون قبل أن يكون نظاما دينيا".
ويقيني أن مركز الدوحة يؤمن بأن تناول الحوار، خاصة في جانب الأديان، يفرض مجالا وحيزا هاما من التأني، حتى يتسنى للمتحاورين أن يرسموا لمسار أفكارهم خطى تمكنها من استحضار مختلف المداخل والاتجاهات الممكِنة والممكِّنة لمستوى بناء أطروحة سليمة في علاقة الحوار مع المقوم المنهجي داخل الحقل المعرفي لكل دين؛ لتحقيق البعد الاستراتيجي في الحوار وعلاقة الأديان بعضها ببعض. من هذا المنطلق، فإن إثارة موضوع حوار الأديان بخصوصياته المتشعبة افتراضا، بل يقينا، يطرح تحديات جمة، مثلما يتيح فرصاً لا حدود لها. وبذلك يستدعي استراتيجيات قصد الاحتكام للقيم المشتركة والتعارف والتفاهم والتعاون إليه من جهة، والاشتغال عليه بتنظيم اللقاءات وعقد الندوات والمؤتمرات من جهة ثانية. إذ أن الحديث حول حقل الأديان الواسع والرحب، يولد بالضرورة تساؤلات كبيرة، ويطرح إشكاليات تتجه إلى استفسار الواقع، نظراً لعدة اعتبارات منهجية ومفاهيمية؛ وبالتأكيد أخلاقية، وموضوعية، كتلك التي أشار إليها مقال الأخ الجابر.
فالقراءة المعرفية في فلسفة حوار الأديان تطل بنا على مشارف حقيقة الواقع الإنساني المعاش، وتنقلنا بعقلانية التدرج الحكيم من خطر التدمير الذاتي، الذي نتعمده بالقطيعة والكراهية، التي أصبحت أكثر فاعلية وقدرة في مجالات الشر؛ من خلال امتلاكنا لأسلحة الإبادة الشاملة، والتي باتت تهدد المصير الإنساني على هذه الأرض، إلى ضرورة التعارف الراشد، والوعي العميق بهذه الأزمة الوجودية، والذي ينبغي أن نتقصده باستنارة التسامح؛ المحصن بإيجابية معرفة "الآخر". وقد أثبتت تجربة حوار الأديان التاريخية، التي عرض الأخ الجابر لجزء مهم منها، أن التعاطي بين المتحاورين قد برهن على إمكانية تحريك عدد كبير من قضايا الخلاف الساكنة، وأوجد حولها فهماً، إن لم نقل اتفاقا، يمكِّن من اللقاء والتعاون والتضامن، مع وجودها.
ومنطلق حوار الأديان هنا يتسق مع منطق قصد الحكمة، ووجوب السعي إليها أينما كانت، لأنها ضالة المؤمن. لهذا، فإن المناداة به في المجال الدولي، وتفعيله على النطاق الإقليمي، وتوطينه على مستوى الدولة، وتعزيزه بين أطياف وشرائح المجتمع المتحد، وترسيخه بين مذاهب وطوائف الدين الواحد، يمثل فكرة عقلانية، وركيزة موضوعية، وسياسة إستراتيجية، في ظل واقع مختلف وعالم مضطرب. ومن هنا، فإن مؤتمرات حوار الأديان الستة الماضية، والسابع، الذي يلتئم في الدوحة هذا الشهر، وكل تلك التي ستشهدها السنوات القادمة، هي ضرورية لدولة قطر، وللمنطقة العربية، وللعالم الإسلامي، كما هي ضرورية للعالم بأسره. ومثلما يعبر حوار الأديان عن حاجة أخلاقية تتولد من الإحساس بالذات والآخر، فإنه يعد انعكاساً للظروف التاريخية التي نعيش فيها بسكونها واضطرابها، وبكل ما يعتمل داخلها من صنوف التعاون، وكل ما يعتورها من أدواء الصراع وفظائع الاحتراب.
وحوار الأديان المطلوب، كما ندعوإليه وينادي به الأخ الجابر، يجب أن يقوم على فلسفة تستوعب ملامح وأطر الواقع المعاش، وما يقتضي ذلك من مبادرات، ومشروعات، وتوسيع قنوات المشاركة، ضماناً للنتائج والمخرجات، بحيث تجعل للقاء المتحاورين قيمة عملية تحفزهم على بذل مزيد من الجهد لتحقيق كل الشروط والحوار، الذي يهدف إلى احترام الاختلاف. وذلك بمعرفة سياقه وفهمه وتحليله، وإدراك وضع الذات، وفهم وضع الآخر لمواجهة التحديات المشتركة، وضرورة أن يبني الجميع مجتمعا إنسانيا للأسرة الإنسانية؛ يعيش فيه كل فرد حياة كريمة وحرة، في إطار من المساواة والعلاقات الحقيقية، والقدرة على أن ننظر للاختلاف بطريقة إيجابية، وأن تكون الانتماءات الدينية والثقافية متكاملة، وليست متعارضة.
وإذا أردنا أن نضع مبادئ للحوار، وأسسا للقاء وقواعده، فإننا لن نجد أمثل من تقديرات الأب كريستيان فان نسبن، الذي أشرنا إلى كتابه سابقاً، ومنها الحرية الداخلية العميقة. وتعني الحرية الروحية، التي تسمح بتجاوز المواقف الانفعالية، وشفاء الذاكرة، والتي تجعل حب الله يحرره من ضغائنه وأحقاده. ومنها معرفة للآخر ومعتقده بنظامه الديني والثقافي والإيديولوجي، والعلاقة الشخصية العميقة مع هذا الآخر، التي تسمح باكتشاف الإيمان الديني. ومعرفة السياق الثقافي والاجتماعي، والتمييز بين ما يأتي من الثقافة، وما يأتي من الدين بالمعنى الدقيق. وتجاوز الخطاب المزدوج والكلام المحفوظ المكرر. والوصول إلى تحديد لمعنى الحوار يوضح الالتباسات المفاهيمية. واختيار أطراف الحوار، فلا نفرط في محاباة فئة بعينها، أوإهمال أخرى؛ بقصد، أوبغير قصد. وقبول المساءلة دون خوف ولا عقد، مع الاهتمام بتجلية الحق، والاعتراف بالغيرية، أي باختلاف الإسلام عن المسيحية، وعن اليهودية، وغيرها من الأديان، دون اهمال المشترك الأعظم بينها.
ويؤكد حوار الأديان على عدة أمور يمكنها أن تحقق معنى أن يكون المسلمون والمسيحيون واليهود، وغيرهم من أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى، معا في مجتمع الدولة الواحدة، وفي دائرة إقليم واحد، وفي فضاء الأسرة البشرية كلها. وفي مجتماعتنا الخاصة ما يؤشر على هذه الحقيقة ويبينها، إلا أن المؤمل إبراز إيجابياتها في عقولنا بجلاء حضورها الفعلي في واقع الناس. ويتطلب ذلك تجاوز الأحكام المسبقة والمتبادلة بين الأطراف المختلفة، التي تولد المخاوف والنبذ المتبادل. وتعني ترك الأحكام المسبقة التعميمات وإخراج الإشكاليات من سياقها. وينبغي قطع الدائرة المفرغة من الحذر المتبادل، ومن الاتهامات والاتهامات المضادة، وتأسيس قاعدة من الثقة المتبادلة، والتي لا تستبعد الصراحة لتناول كل المخاوف، والإجابة على الأسئلة المطروحة بوضوح.
وهنا فقط، يمكن بناء مجتمع يعمل لخدمة الإنسان؛ باستلهام الإيمان في تقديم مبادئ تحترم كرامة هذا الإنسان، كل الإنسان، وكل البشر. فبالحوار نستطيع أن نكتب التاريخ معا، وأن ندرس مشكلات المجتمع بصورة مشتركة، ونستشرف مستقبلا مشتركا. وإذا رأينا فينا من انتدب نفسه ليسعى بين الناس بالحسنى، داعيا لكلمة الخير، مبشراً بروح التفاهم، محفزا على التسامح، فلا نُبخِسنّ من عمله شيئا. ولكن علينا أن نقول بمثل ما قال الأخ الجابر، إن الحوار خير، فلنؤديه بكل استحقاقاته؛ نلتزم فيه الجدية، ونصعد به إلى سمو غاياته، وجلال أهدافه. ولأن أي حوار حول الأديان هوأمر إيمان بقدسية الحياة وقيمة الإخاء الإنساني، فإن جهد الناس محمود بقدره، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
الدكتور الصادق الفقيه

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

الجابر: الاعلام القطري والحذاء الصيني

موزاييك.. كيف سيكون شكل الإعلام القطري عام 2030؟
2009-10-21


لقد تنفسنا الصعداء عندما أعلن مجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي موافقته على اصدار قانون جديد للمطبوعات والنشر يواكب المرحلة الراهنة والمستقبلية، ويساهم في دعم الكوادر القطرية للعمل في الصحافة المحلية، وهي الخطوة التي جاءت لتروي ظمأ حلم تجاوز 30 سنة من الانتظار على امل الولوج الى تلك اللحظة في المرحلة التاريخية التي تحدث فيها نقطة التحول (Training point) لتفتح معها الابواب الموصدة وتشرع فيها النوافد المحكمة. فهل حانت هذه اللحظة التاريخية وهل سننجح في التعامل معها، وكيف سيكون شكل الاعلام القطري في عام 2030؟؟!!
كان هناك عرف وتقليد في الصين بدأ من القرن العاشر الميلادي واستمر الى بداية القرن العشرين وبالتحديد الى عام 1911م، وكان العرف او التقليد أو العادة التي اطلق عليها مصطلح الطريقة الصينية لربط الاقدام (Chinese Foot Binding) تقتضي ان توضع ارجل المولودة الانثى دون الذكر (مسكينة المرأة حتى في الصين التي نطلب فيها الحكمة) التي يتراوح عمرها من أربع إلى سبع سنوات، في حذاء على شكل قالب جامد أو يتم شدها وربطها في الاسر الفقيرة وتوضع في قماش محكم، وهي محاولة لوقف نمو القدمين وجعلها ضيقة وقصيرة في نفس الوقت بحيث لا يبلغ حجم قدميها أكثر من 3 الى 4 بوصات وهو حجم أرجل إنسان لايزال في مرحلة الطفولة المبكرة من عمره!! لقد كانت العملية كلها وطريقة تنفيذها مؤلمة وموجعة ومحزنة بسبب حشر الاصابع ببعضها البعض والتضييق على كاحل الرجل، وقد أدت في بعض الاحيان الى ان تصاب الاقدام بغرغرينا وتسمم في الدم مما تطلب قطعها بالاضافة الى أوجاع الظهر والمفاصل!!. ولقد تم الترويج للفكرة في بداياتها على اساس انها وسيلة ضرورية للجمال والزينة وتعلم الرقص الصيني التقليدي، فكل طبقات المجتمع الصيني بلا استثناء كانت تمجد المرأة التي تتمتع بقدم صغيرة، بل كانت الاسر والعائلات والقبائل التي لاتقوم باتباع هذه الطريقة تحمل خطيئة عدم الحصول على ازواج لبناتها، بل وتحمل الفتاه الذنب لأهلها لانهم لم يقوموا بربط قدميها!! ولكن الجانب المخفي في هذه العملية كان يتمثل في عدم استطاعة المرأة الهرب من البيت بسبب الاهانة والضرب عندما تكون متزوجة، والعامل الاخر يتمثل في إبقاء المرأة في المناطق الزراعية في العمل بالمزارع والحقول وعدم التفكير في الابتعاد كثيرا اذا قررت ترك العمل بحيث لا تستطيع الاعتماد على نفسها وتكون دائما بحاجة الى الاعتماد على الاخرين حتى تسهل السيطرة عليها!! (والله في كل مرة أقوم بها بسرد هذا الوضع الغريب العجيب أحاول أن أمسك دموعي فما أشبه الذي كان يجري في الصين "أمس" بواقع العالم العربي "اليوم")!!
قدم مجتمعنا الصغير في حجمه الكبير في مبادراته، نموذجا مميزا في حرية الصحافة والإعلام بإنشاء محطة الجزيرة الفضائية التي اعتبرت الحدث الأبرز في تاريخ الإعلام العربي منذ انطلاقه، وكان من المفترض والمأمول أن يستمر هذا التوجه ليشمل القطاعات الإعلامية الأخرى في المجتمع ولكن الانفتاح على الخارج لم يوازه انفتاح في الداخل وبقيت وسائل الإعلام التي تقع في المبنى الموازي لمحطة الجزيرة في مؤخرة الركب ولم تنافس حتى على مستوى الصعيد المحلي ناهيك عن المحيط الخليجي والعربي والدولي!! وفي ظل غياب قانون عصري لتنظيم وسائل الإعلام، ووجود قانون قديم مقيد لحرية الصحافة، أصيبت الساحة الإعلامية بانتكاسة كبيرة وتراجعت كل المكتسبات التي حصلنا عليها في رفع سقف الحرية منذ بداية السبعينيات ومنتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات وصولا الى اليوم، وأصبحت الدول التي كنا نسبقها في إرساء مبادئ حرية الرأي والتعبير وتعددية الطرح تتفوق علينا بجدارة لنجد أنفسنا تراجعنا سنة بعد الأخرى ولا نزال في التقييمات الدولية التي تتناول دراسة وضع الحريات الصحافية والاعلامية. وغدونا نعيش في تناقض صارخ بين إشادة بما تتمتع به محطة الجزيرة من جراءة في التناول والطرح لمختلف القضايا العربية والدولية وان أزعجت الكثير من الأشقاء والأصدقاء والأعداء على حد سواء وأدت إلى قطيعة سياسية ودبلوماسية، وبين غمز ولمز ومهاجمة القوانين والتشريعات المقيدة والمكبلة للصحافة المحلية ودورها بشكل خاص، ومساحة المناورة والتحرك والتوجهات التي تحكم وسائل الإعلام الداخلية بشكل عام منذ حل وزارة الإعلام قبل 11 سنة!!. بهذا الوضع غير الصحي أصبح وضع الإعلام أشبه بالأقدام التي وضعت في الحذاء الصيني وكان الفرق ان احدى الارجل (الاعلام الداخلي) كانت تلبس قالب الحذاء الصيني بينما الرجل الأخرى (الاعلام الخارجي) ظلت طليقة فنمت نموا طبيعيا، بينما تشوهت الأخرى ومازالت تعاني وتتألم وتتوجع ولا تستطيع السير بشكل سليم ناهيك عن الجري ودخول السباق أو الفوز بالماراثون!!
يبرز الإعلام ويتقدم وينمو في المجتمع القوي الفاعل النابض بالحياة والواثق في نفسه والعارف لامكانياته وقدراته والذي لايخشى او يهاب التجديد والتغيير والتطوير، وينحصر وينكمش ويتراجع ويهمش في المجتمع الضعيف والخائف والمتردد والمنغلق والمعقد والقائم على الرأي الواحد والفكر الواحد والتفسير الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد.. الإعلام الحر والمستقل يكون هو مبضع الجراح الذي يداوي دون خوف ووجل أو محاباة، الذي يحرر العقل من ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح، وينتشل الفكر من ثقافة الإقصاء والتهميش والاختزال، ويرسخ ثقافة الديمقراطية وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير ويخلق حراكا اجتماعيا حرا من خلال المراقبة والمحاسبة وكشف الحقائق، ويقف في وجه الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة.. الاعلام القوي الذي نريده في مجتمعنا اليوم يجب ان يكون البوصلة التي ترشدنا الى الطريق الصحيح عندما نضيع الاتجاهات، وينبغي أن يشكل خارطة الطريق التي ترينا الى اين نسير واين تجه، وهو نورنا عندما تشتد علينا الظلمة، وهو حناجرنا عندما نعجز عن الكلام، هو سمعنا الذي نثق به عندما يحاصرنا الصراخ. ولن ينهض ويتطور إعلامنا المحلي إلا من خلال التعامل والتفاعل الحضاري معه من قبل كبار المسؤولين في الوزارات والهيئات المختلفة، والتجاوب مع ما ينشره ويسلط الضوء عليه من هموم ومشاكل وقضايا؛ لأن هذا يمنحه الثقة في نفسه ويمده بالحماس اللازم للانطلاق إلى الأمام، كما أنه يزيد من ثقة الناس فيه وتفاعلهم معه وتوجههم إليه كقبلة لطرح مشاكلهم وشكاواهم.
اليوم نحن امام فرصة تاريخية في ان نبدأ بقوة وعزيمة وحشد للطاقات لنصنع مستقبلا واعدا للإعلام ليس في قطر فقط بل في العالم العربي، نستطيع اذا اردنا ان نكون نموذجا مميزا يقتدى به في المنطقة ومنارة يسترشد بها الآخرون الخائفون منهم والمترددون، والبداية الحقيقة هي بصياغة قانون عصري حضاري لتنظيم عمل الصحافة ووسائل الاعلام في قطر، قانون مميز يستفيد من كل التجارب المحيطة به في دول الجوار يأخذ منها أفضلها ويترك تلك التي تتسم بالتقييد والمنع والتنكيل والحبس، ويحمل في طياته اسس ومبادئ القوانين والتشريعات والحريات التي تنعم بها الدول المتقدمة، وبدوري أدعو إخواني المسئولين عن وسائل الاعلام الى ان يقتدوا بما قامت به الامانة العامة للتخطيط التنموي في صياغة رؤية قطر 2030 وهي سنة حميدة وكانت سابقة تحسب لهم، ولهم اجر من عمل بها، في الدعوة الى عقد الندوات وورش العمل والحوارت المفتوحة التي شاركت فيها الوزارات والأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني، كما شارك فيها مندوبون عن مختلف المنظمات الدولية ومن دول نجحت في تطوير خطط وطنية وتنفيذها، وذلك للخروج برؤية وطنية قطرية شاملة، وما احوجنا اليوم لنكرر نفس التجربة لنخرج برؤية وقانون شامل لوسائل الاعلام في قطر 2030.
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com