الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

أوضاع حرية الصحافة من سيئ إلى أسوأ؟!

2010-11-03
جريدة الشرق

تراجع الحريات الصحفية في معظم الدول العربية
الصحافة الوطنية تشهد درجة عالية من الرقابة الذاتية
رغم إشارات التحذير الكثيرة لم تظهر الخطوات التغييرية

الانتقال من الحالة السيئة إلى الأسوأ كان المشهد الذي عكس أوضاع حرية الصحافة العربية في تقرير "مراسلون بلا حدود" في عام 2010، فالتقرير يشير إلى الانتكاسة التي تعرضت لها الصحافة حتى في الدول التي كانت تتقدم القائمة العربية في المؤشر العالمي لحرية الصحافة؟!
وحسب التصنيف فقد احتلت لبنان المرتبة الأولى على الصعيد العربي بترتيب 78 ثم الإمارات في المرتبة 87، كما حلت موريتانيا وجيبوتي قبل الأردن في المرتبتين 95 و،110 على التوالي. لكن الوضع ليس كما يبدو فهو في لبنان تقهقر في تقرير المنظمة من المركز الـ61 في عام 2009، إلى المركز الـ78 في 2010. كما تراجع تصنيف الكويت التي كانت تتصدر القائمة في السنوات الأخيرة إلى الوراء بحوالي 27 مرتبة، حيث هبطت من المركز الـ 60 إلى المرتبة 87؟! وتراجعت أيضا قطر في المرتبة، 121، أما البحرين فقد خسرت في التصنيف 25 مرتبة، وذلك بعد أن كانت في العام الماضي 2009 تحتل المرتبة 119 عالميّاً، ليصبح ترتيب البحرين في العام الحالي 144 على الصعيد العالمي، كما تراجع المغرب ثماني مراتب عن قائمة العام الماضي ليحتل المركز 135 وتراجعت تونس من المرتبة 154 الى المرتبة 164. وجاءت ثلاث دول عربية هي اليمن وسوريا والسودان ضمن قائمة أسوأ 10 دول في مجال حرية الصحافة في العالم، إضافة إلى كوريا الشمالية وتركمنستان وإيران وبورما والصين ورواندا، فيما احتلت اريتريا المركز الأخير للمرة الرابعة على التوالي.
وعن أهم المعضلات التي تواجهها الصحافة في الدول العربية ذكر التقرير أنه ـ وبسبب ما تعرض له العديد من الصحفيين من المنع او التضيق ـ يضطر معظم الصحافيين المستقلين إلى اللجوء إلى الرقابة الذاتية تفادياً لتعرّضهم للملاحقة الحكومية والأمنية والقضائية وغيرها من المشاكل. أما الصحافيون الأجانب، فلا يحق لهم التنقّل في البلاد من دون دليل تعيّنه وزارة الإعلام. ويكون مصير كل من يخالف هذا التوجيه الطرد فيما يبقى الاحتجاز لمعاونيه. كما تحدث التقرير عن تقلص متواصل في حرية الصحافة، مشيرا إلى أن الاحتجاز التعسفي والتعذيب لا يزالان أمرا روتينيا. أما الوضع في دول الخليج، فقد أشار التقرير إلى أن الممارسة الصحافية لا تزال ضرباً من ضروب ألعاب التوازن، مما يحوّل أي تحليل انتقادي للقرارات الصادرة عن السلطات أو المتخذة بشأن البلاد بوجه عام إلى مهمة محفوفة بالمخاطر.. وبهذا، تلقي الضغوط السياسية — والاقتصادية — بثقلها على حرية تعبير قطاع الصحافة، وتشهد الصحافة الوطنية درجة عالية من الرقابة الذاتية. ومعظم العاملين في أسر التحرير المنتشرة في البلاد هم من الأجانب. وبما أن إقامتهم مرتبطة إلى حد بعيد باحترام الخطوط الحمراء التي تفرضها السلطة، فإنهم يضطرون لمضاعفة درجة الرقابة الذاتية الممارسة لتفادي طردهم من البلاد. وغالباً ما تعترض الصحافيين المكلّفين بالبحث في المسائل الاقتصادية عوائق مهمة تحول دون تغطيتهم السليمة للوقائع الاقتصادية. فيخشون أن يتهموا بالإساءة إلى صورة البلد الساعية إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية. ونظراً إلى صعوبة النفاذ إلى المعلومات في هذا المجال، يكتفون باستعادة ما ورد في البيانات الرسمية.. وفي تعليقه على الوضع في بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية منها قال الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" نرى أكثر من أي وقت مضى أن التطور الاقتصادي لا يترافق بالضرورة مع إصلاح المؤسسات واحترام الحقوق الأساسية. وعن قطر عرج التقرير على غياب القانون الذي يرعى شؤون الصحافة المكتوبة، وأشار إلى قانون المطبوعات الذي يعود إلى عام 1979 ولم يخضع لأي تعديل منذ ذلك التاريخ بالرغم من التحوّل الجذري الطارئ على المشهد الإعلامي. الذي يكثّف المواضيع الممنوع التداول فيها في حين أن صياغته نفسها تفسح المجال لشتى التفسيرات مانحاً السلطات صلاحيات مهمة قد تؤدي إلى حظر المؤسسة الصحافية من دون إمكانية اللجوء إلى القضاء واحتجاز صحافي على خلفية "الافتراء" و"التشهير". في خضم هذه الصعوبات، ولا يزال الصحافيون عزلاً لا سيما أنه ما من جمعية في قطر تدافع عنهم أمام أرباب عملهم والسلطات في غياب تام للحرية النقابية؟! والتقرير كرَّرَ ما نقوله في كل محفل صحفي محلي، أوعربي، أو دولي عن الأوضاع المتردية التي تعيشها الساحة الصحافية في مجتمعنا، ورغم إشارات التحذير الكثيرة التي طرحناها خلال السنوات الماضية لم تظهر أي خطوات تغيرية وإصلاحية ولا حياة لمن تنادي؟!
تقرير شبكة سي إن إن (CNN) الإخبارية برز كشاهد آخر يشير إلى أن الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه اليوم مرحلة عصيبة، بدءاً من مواجهة الاعتقالات التعسفية وغلق المطبوعات، وتوجيه الاتهامات لمعدي البرامج بالتليفزيون والمدونين، وذكر التقرير أن المشاكل تنبع من سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام، الأمر الذي يبدو وكأنه هو القاعدة العامة وليس الاستثناء فى منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن المنطقة يبدو، وكأنها كلما تقدمت خطوة نحو الاتجاه الصحيح، تتدهور معها خطوتين للخلف. وإن أغلب دول المنطقة لا تحد فقط من الحريات السياسية، ولكن تتحكم بقوة فى الآراء ولا تترك مساحة للمجتمع المدني، كما أنهم يحكمون رقابتهم على الإنترنت. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن نظم الحكم غير قادرة تماما على الانفتاح وتحرير الإعلام، لأنهم غير شعبيين بالمرة.
رغم الانتكاسة الكبيرة فإن هناك وضعا أسوأ من آخر، ونسبة الحرية في دولة أفضل منها في الأخرى، والحالة الأكثر وضوحا في مشهد الصحافة العربي تمثل في صدور مجلة "فوربس" الأمريكية (Forbes) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن قائمة "فوربس — الشرق الأوسط" لأقوى 50 صحيفة مطبوعة حضوراً على الإنترنت لعام 2010 في العالم العربي"، وقد اعتمدت المجلة على أفضل 200 موقع في كل دولة عربية من موقع وخدمة (اليكسا) وهو تابع لموقع (امازون) وتأسس سنة 1996 ومقره الولايات المتحدة. وجاءت مصر والكويت والجزائر والسعودية والإمارات على رأس القائمة، ثم الجزائر والسودان ولبنان تونس وليبيا والبحرين الأردن واليمن وسوريا، وحازت مؤسسة صحفية واحدة في قطر التي تنطلق من أرضها المحطة الإخبارية العربية الأولى (الجزيرة) على المراتب الأخيرة وهو مؤشر آخر على مدى الانتكاسة التي ابتليت بها الصحافة في قطر؟! لقد أشرت في مقال نشرته العام الماضي في هذه الزاوية تعليقا على التقارير التي تتناول الوضع الصحافي، أنها مسألة وقت ربما قد تستغرق عدة سنوات، وسنصبح في مؤخرة الدول العربية، ولكن الوقت لا ينتظر كما يشير إعلان محطة الجزيرة القطرية، لقد كانت قطر تتصدر المرتبة الثانية في تقارير قائمة العالم العربي في المساحة المتاحة لحرية الصحافة والتعبير والانفتاح الإعلامي، وهي اليوم تحصد المراتب الأخيرة عاماً بعد الآخر؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق