السبت، 16 أكتوبر 2010

لماذا تتقدم الصين ويتخلف العرب؟!

6/10/2010
جريدة الشرق

هل تستبدل الدول العربية المصالح الغربية بنظيرتها الصينية؟
مقارنة بالصين يبلغ عدد الأميين في العالم العربي نحو 100 مليون!
لا يهم لون القط أبيض أم أسود ما دام بارعاً في اصطياد الفئران.
إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً.

بينما يهتم الحلم الأمريكي بحياة لفرد ورفاهيته، يركز الحلم الصيني على حياة الجموع، وهو ما فهم من المبادرة الوطنية التي انطلقت في بداية العام الدراسي الجديد (2010- 2011) وجاءت على شاكلة إنتاج برنامج تلفزيوني مشترك بين وزارة التربية والتعليم ومحطة التلفزيون المركزي الصيني ويهدف إلى تحفيز التلاميذ على الحلم، من خلال إبراز مشاهير حققوا نجاحات، يودون تقاسمها مع الجيل الصاعد، لحثه على العمل واستنهاض آماله. ومن هؤلاء المشاهير العالم يوان لونغ بينغ المعروف باسم «أبو الأرز الهجين» والنجم السينمائي ليان جي إضافة إلى الملياردير العصامي ماي وان وآخرين من كبار الشخصيات الذين رووا خلال البرنامج قصص أحلامهم وتحدثوا عن تجاربهم وحكايات كفاحهم، حتى بلغوا مآربهم، وما يزالون يسعون إلى ما هو أفضل إلى خدمة وطنهم الجمهورية الصينية (The Republic of China). فهل الصين العملاق الاقتصادي القادم بقوة كثاني قوة اقتصادية عالمية تم تدشينها في (2010)، اقرب إلينا في التفكير من القوة العالمية الأولى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل يأتي اليوم الذي تستبدل فيه الدول العربية كل المصالح والمؤسسات والشركات الاقتصادية الغربية بالبديل الصيني؟! وتتحول حتى القواعد العسكرية الأمريكية وحماية آبار النفط الخليجية (هذا إذا كان هناك أبار نفط للمستقبل) إلى قواعد و حماية عسكرية صينية؟! وربما تساعد أيضا الأنظمة العربية الشمولية والمهتمة بالتوريث وتطبيق قوانين الطوارئ في عملية الانفتاح السياسي وتطبيق الديمقراطية؟!
تغيرت الصين بلا شك فهي اليوم من خلال تصريح رئيس الحكومة الصينية "وين جياباو" تشير أنها ماضية في إصلاح نظامها السياسي لتتمكن من المحافظة على الانجازات الاقتصادية التي حققتها، وقد أشار وين انه "يجب ضمان حقوق الشعب الديمقراطية والمشروعة... وخلق الظروف الكفيلة بالسماح للمواطنين بانتقاد الحكومة والإشراف عليها، كأسلوب لمعالجة "مشكلة التركيز المفرط للسلطة دون رقابة فعالة." وهو أشبه بانقلاب سياسي للصورة المروعة التي رسمت في ساحة (تياننمين) بالميدان الأحمر عام (1989)، من خلال الحركة الطلابية الني دعت إلى الديمقراطية وسحقت بالدبابات في الطريق العام؟! والسياسية الصينية اليوم تؤكد الرؤية التي أرساها الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ ، كبير مهندسى مسيرة الإصلاح والانفتاح في البلاد في قوله ( لا يهمّنا أبقينا في طريق اشتراكي أم سرنا في طريق رأسمالي، بل يهمّنا تطوير قوة، لإنتاج ورفع مستوى معيشة أبنائنا، وبناء الصين بناءً قوياً وحديثاً). في بكين لا يهم إن كان القطّ أبيض أم أسود، بل المهم قدرته على اصطياد الفئران. وهاهي في الربع الثاني من هذه السنة، تزيح اليابان عن المركز الثاني العالمي وتصبح الاقتصاد المنافس مباشرة للولايات المتحدة . فالنمو القوي منذ عقود يجعلها أكثر فأكثر محط إعجاب المستثمرين الذين يتدفقون إليها في سبيل الربح والتطور واكتشف العرب ذلك متأخرا كالعادة فذهبوا إلى الحج والناس عائدون (ولكن هل فاتت الفرصة فعلا) ؟! الصين تعدت أسيا وأوروبا وأمريكا ووصلت استثماراتها إلى أفريقيا و نتشرت بشكل كبيير، لقد ارتفع مجموع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا من (10)مليارات دولار سنة (2000) إلى (55)مليار سنة (2006)، والى (90) مليار سنة (2009)، مقارنة (86) مليار بين الولايات المتحدة وإفريقيا في (2009)، أي (9) أضعاف خلال 9 سنوات.
كانت الصين قيل عقدين تسعى للحصول على قروض ميسرة من البنك الدولي، وأثارت حينها خشية دول العالم الثالث الأخرى من تحويل أموال القروض بالبنك إلى الصين المديونة بالمليارات، لكنها اليوم تقدم المعونات للدول النامية في قارة أسيا وأفريقيا وتتمكن بقدرة مدهشة من تمويل حتى عجز الولايات المتحدة الكبير. صحيفة واشنطن بوست تشير إلى إن التحدي الذي تمثله الصين حاليا تحدي من نوع جديد، يختلف عن التحدي الذي مثلته منظمة أوبك في سبعينيات القرن الماضي عندما كانت تبدو قوة تطبق الخناق الاقتصادي على الغرب. أو كاليابان التي في ثمانينيات القرن الماضي خشي البعض من أن تستطيع الاستحواذ على كل شيء أميركي عزيز. فالتحدي الصيني يهدف إلى تحرير الاقتصاد والالتحاق بالمجتمع الدولي و دفع عجلة النمو الاقتصادي والقدرة على المنافسة في العالم.
يتعثر التعليم ومؤسساته في العالم العربي وتبلغ الأمية نسبة عالية لم تتخلص منها رغم عمر التعليم الذي بدا في بدابة القرن الماضي حيث يبلغ عدد الأميين نحو 100 مليون نسمة أكثريتهم من النساء (46 %)، وأن (75) مليوناً من إجمالي الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين(15-45) عاماً، يمما عني أن ثلث عدد السكان العالم العربي لا يعرف القراءة والكتابة. كما أظهرت دراسة مقارنة استندت عليها منظمة (الألكسو)، أن نسبة الأمية في العالم العربي، ستصبح الأولى في العالم خلال السنة الجارية بعدما كانت الثانية بعد أفريقيا. إلا أن الصين تشهد تطورات كبيرة في التربية والتعليم منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 30 سنة. ونجحت في تحقيق التعليم الالزامى لتسع سنوات من حيث الأساس بحلول عام 2000 بعد أن بذلت جهودها لأكثر من عشر سنوات منذ صدور قانون التعليم الالزامى في عام 1986, كما محت أمية الشباب. وخلال الأعوام الثلاثين الماضية، خرجت مدارس التعليم المهني المتوسط والتعليم المهني العالي أكثر من 100 مليون شخص يتمتعون بالمهارات المهنية الخاصة. ومنذ عام 2003, غطى مشروع "التعليم الطويل المدى " 360 ألف مدرسة ابتدائية وإعدادية ريفية في وسط الصين وغربها لتنويع الحياة الروحية لأكثر من 100 مليون طالب ريفي. وأرسلت الصين أكثر من 1.212 مليون طالب للدراسة في الخارج ابتداء من عام 1978 حتى نهاية عام 2007. وارتفع عدد هؤلاء الطلاب من 860 فى عام 1978 الى 144.5 ألف فى عام 2007. كما قبلت الصين أكثر من 1.23 مليون طالب قادمين من أكثر من 180 دولة ومنطقة في غضون الثلاثين عاما الماضية. و أقامت علاقات للتعاون والتبادل التعليمي مع 188 دولة ومنطقة, ووقعت على اتفاقيات بشأن الاعتراف المتبادل بالمؤهل الدراسي والدرجة الأكاديمية مع 33 دولة, وبلغ عدد الأجانب الذين درسوا اللغة الصينية 30 مليون شخص. وأقامت الصين 262 معهدا في 77 دولة ومنطقة. ومن جانبها, أقامت 46 دولة في العالم مراكز لامتحانات مستويات اللغة الصينية. ويذكر عبدالله المدني انه منذ أن أطلقت جامعة "جياوتونج" الصينية في شنغهاي في عام 2003 فكرة التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وهذا التصنيف الذي يشتمل على مقارنة أداء نحو 1200 جامعة ومؤسسة علمية حول العالم سنوياً يستقطب اهتمام الكثيرين، بل صار يثير الهلع والقلق لدى وزارات التعليم العالي، ولا سيما في الدول النامية غير الواثقة من جودة برامجها التعليمية. وليس أدل على أهمية هذا التصنيف مما ذكرته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في عام 2005 عنه من أنه صار مرجعاً معتمدا على نطاق واسع، أو مما ذكرته دورية "كرونيكل أوف هاير إيديوكيشن" التي وصفته بأنه أفضل وأقوى التصنيفات نفوذاً على المستوى العالمي، بالرغم من أن الصينيين حينما أطلقوا فكرته لم يهدفوا إلا إلى معرفة الهوة التي تفصل جامعاتهم عن الجامعات الأجنبية. ويمكن القول إن نفوذ هذا التصنيف يتأتى من الأدوات البحثية عالية المتانة التي تستخدم في التبويب بحسب قول مستشار جامعة أكسفورد "سير كريس باتن"، هذا ناهيك عن المعايير الدقيقة المستخدمة في عملية تصنيف الجامعات، والتي تشتمل على عدد من نال من خريجيها أو أساتذتها جوائز عالمية (كجائزة نوبل) في الحقول المعرفية المختلفة، وعدد البحوث والدراسات والاكتشافات المنجزة لخدمة البشرية، وعدد ونوعية الكتب والمطبوعات التي خرجت من مطابعها، ومدى مساهمتها في تطوير العلوم الإنسانية، وغيرها من العوامل. وحينما يتفحص المرء قائمة التصنيف الأكاديمي لعام 2010، سوف يجد أن الاكتساح كان كالعادة للجامعات الأميركية. حيث اشتملت قائمة أفضل 500 جامعة في العالم على 168 جامعة أميركية تتقدمها هارفارد (أفضل جامعات العالم للسنة الثامنة على التوالي)، وبيركلي وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وبرنستون وكولومبيا وشيكاغو بالترتيب وبعدها الجامعات الأوربية.
أما بالنسبة لمنطقة آسيا والباسفيكي، فإن القائمة اشتملت على 34 جامعة من اليابان و22 من الصين، و5 من تايوان، و5 من هونغ كونغ، و8 من كوريا الجنوبية، وجامعتين من كل من الهند وسنغافورة، 14 من استراليا، و5 من نيوزيلندة، و6 من إسرائيل (تتقدمها الجامعة العبرية صاحبة المرتبة 72) . أما ماليزيا التي كثر الحديث عن تقدمها العلمي، فلم تستطع أي من جامعاتها دخول القائمة للسنة الثامنة على التوالي. ويشير عبدالله المدني أن فضيحة ماليزيا لا تقارن بفضيحة المنطقة العربية التي خلت القائمة الصينية من اسم أقدم جامعاتها العصرية وهي جامعة القاهرة (تأسست عام 1908)، واسم أفضل جامعاتها وهي جامعة بيروت الأميركية (تأسست في عام 1866)، الأمر الذي يؤكد للمرة الألف وجود خلل كبير في نظام تعليمنا العالي. غير أن جامعتين سعوديتين هما "جامعة سعود الأول" و"جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" حفظتا ماء وجه العرب نسبياً بتواجدهما للمرة الأولى في القائمة. ونسبياً لأنهما احتلا مرتبتين متأخرتين هما 197 و 303 على التوالي، وهو ما حدا بالإعلام العربي إلى إخفاء الرقمين الأخيرين والاكتفاء بعبارة "أنهما كانتا ضمن أفضل 500 جامعة في العالم.
أنها الصين التي تبرهنا بأخبارها وإبداعاتها يوما بعد الأخر، وهانحن ننتقل من الحديث حول تقدم الغرب وتخلف العرب و سر التجربة اليابانية والوصفة الكورية الجنوبية والنمور الأسيوية، إلى تفسير واستيعاب المعجزات الصينية التي يوجد فيها (56) قومية من بين إجمالي عدد السكان الذي يقارب (مليارا و400 مليون) في عام (2015). وإلى المروجين والمدمنين للتنظير للغزو الثقافي، عشاق نظرية المؤامرات الخارجية في العالم العربي، نختم بالحكمة الصينية لكي نعرف لماذا تتقدم الصين وبقية دول العالم ويتخلف العرب ومن سار في ركبهم، تقول الحكمة (إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً، ولا نستطيع أن نمنع الهواء الملوّث من دخول منازلنا إذا فتحنا أبوابها، ومن غير المعقول أن نغلق أبوابنا ونوافذنا عندها نختنق ونتخلّف معرفيّاً، وكذلك سياسة الانفتاح فهي مثل فيضان النهر الجارف، ومع الفيضان تأتي دائماً جثث الحيوانات النافقة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق