السبت، 16 أكتوبر 2010

الانتقال من حوار الأديان إلى حوار المذاهب

2010-09-22
جريدة الشرق

الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر
قنوات فضائية تأجج الخلافات وتبث روح الفرقة والتعصب والكراهية
الصراعات السياسية والدينية وراء ضياع وانهيار الحضارة العربية الإسلامية
ضرورة القيام بصناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا

أصبحت الصورة واضحة كالشمس لا يمكن أن تخطئها العين، الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوما بعد الآخر ومخطئ من يحاول أن يتجاوزها ويقفز من عليها يقلل من شأنها وتأثيرها في المجتمع، والأفضل لنا جميعا أن نطرحها اليوم على طاولة ونواجهها ونصل إلى رؤية توفيقية في التعامل معها واحتوائها قبل أن قد تنفجر في أية لحظة غير معروفة ولا محسوبة غدا؟! تناقض عجيب لمسته في رمضان، فبينهم يتوجه البعض إلى الاستغفار والتوبة والتقرب إلى الله من شروق الشمس، نرهم بعد غيابها يتوجهون إلى القنوات الفضائية والبرامج الحوارية التي تدعي زورا وبهتانا أنها تسعى إلى الحوار، وما تقوم به هو إثارة الفتن والنعرات وتأجيج الخلافات وبث روح الفرقة والتعصب والكراهية والتباغض بين الأديان السماوية والمذاهب الدينية، خصوصا بين السنة والشيعة.
انشغلت الساحة الكويتية بقضية.. قضية المواطن الكويتي المطلوب أمنيا والهارب إلى لندن ياسر الحبيب، الذي اتهم في الكويت بالتعدي على الصحابة وأزواج الرسول الكريم وحكم بما لا يقل عن عشر سنوات، كما طالبت مجموعة من نواب مجلس الأمة الكويتي بسحب جنسيته وقد تبنى مجلس الوزراء الكويتي الطلب وقرر سحب الجنسية . في تعليق على سحب الجنسية أشار النائب حسين القلاف إلى أنه يؤيد سحب جنسية ياسر حبيب الذي أدخل البلد في فتنة، وأساء إلى أمِّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، شريطة أن تُسحَب الجنسية من كويتي آخر وهو عثمان الخميس الذي كفّر الشيعة ومسَّ الإمام المهدي عليه السلام. وأضاف نحن نعتقد أن ياسر أخطأ وأن عثمان ليس أقل خطأً منه، والبلد أعز من أي مثير للفتنة، أما الكيل بمكيالين فلن نقبله حتى لو كان على قطع الرقاب. وقد أعلن 60 أكاديميا شيعيا استنكارهم لتصرفات الحبيب، وتأكيدهم أنها لا تصب إلا في صالح المشروع الطائفي لأعداء الأمة، ودعوتهم إلى التصدي للفتنة الطائفية ووأدها، كما أكد أمين عام التحالف الإسلامي الوطني الكويتي أن الهارب المدعو الحبيب لا يمثل الشيعة بأي وجه من الوجوه، لافتا إلى انه ليس من أهل العلم وانه يتلقى دعما من جهات مشبوهة له. وأشار إلى أن المسلمين سنة وشيعة لا خلاف بينهم على حرمة المساس بعرض الرسول صلى الله عليه وسلم..
المجمع العالمي لأهل البيت استنكر بدوره تصريحات الحبيب وجاء في البيان الذي نشرته وسائل الإعلام، أن هذه التصريحات مخالفة للشرع، وتأتي في ظروف حرجة يواجه فيها المسلمون أشد التحديات، ويتعرضون لهجمات شرسة من أعدائهم المتربصين بهم. فمن جهة تواجه بعض البلدان الإسلامية غزوا أجنبيا، ومن جهة أخرى يواجه المسلمون حربا ناعمة تجسدت في الأيام الأخيرة بنوايا بعض المتعصبين إحراق القرآن الكريم، ومن جهة ثالثة فإن الإرهابيين التكفيريين قد ولغوا في دماء أبناء الأمة، ونراهم يزهقون في كل يوم أرواح الكثير من المسلمين الأبرياء في البلدان الإسلامية، وأخيرا نرى جمعا من المتعصبين الجهلة يؤججون نار الفتنة والتكفير التي أشعلها هؤلاء الإرهابيون. وفي خضم هذه الأجواء المتأزمة سمعنا شخصا نكرة يدعى: "ياسر الحبيب" يدلي بتصريحات ليست مخالفة للمعتقدات الإسلامية ولمتبنيات مدرسة أهل البيت فحسب، بل هي مخالفة للعقلانية والسياسة، وتصب في صالح الأهداف القديمة لأعداء الإسلام ومذهب أهل البيت، واليوم يستغل المستكبرون والإرهابيون التكفيريون هذه التصريحات أبشع استغلال.
حادثة أخرى أشعلت الساحة الخليجية وأثارت المخاوف من تصعيد التوتر السياسي والديني في الخليج وجاءت من البحرين، التي شهدت بدورها توترات طائفية بلغت ذروتها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتمثلت في اتهام أكثر من عشرين زعيما شيعيا معارضا جرى اعتقالهم في حملة واسعة بالتآمر للإطاحة بنظام الحكم من خلال التحريض على احتجاجات عنيفة وأعمال تخريب، حيث نقلت وسائل الإعلام في البحرين عن ممثلي الادعاء قولهم إنهم سيوجهون اتهامات إلى 23 رجلا بينهم اثنان خارج البلاد وناشطون في حقوق الإنسان.
ويبدو أن الأحداث والصراعات التي تقع في منطقتنا يصل تأثيرها إلى باكستان في نفس اللحظة أو ربما العكس صحيح أيضا؟! هناك نفذ انتحاري هجوما على مسيرة نظمتها الأقلية الشيعية في كستانية لدعم القدس والدفاع عنها، في "يوم القدس العالمي" في مدينة كويتا (جنوب غرب باكستان)، الذي راح ضحيته أكثر من سبعة وخمسين شخصاً وأصيب نحو مائتين وهي ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء في باكستان البعيدة أو العراق القريبة. من جانبه طالب الشيخ السعودي سلمان العودة علماء السنة والشيعة بوضع حدّ لِمَا أسماه (التَّهارُج الطائفي) لحفلات الدم والذم التي تقوم بها جماعات من الشيعة ضد الصحابة رضوان الله عليهم. كما طالب علماء السنة بإدانة التفجيرات الطائفية في باكستان والعراق وتعرية أيّ سند لهؤلاء الذين يقومون بممارسة القتل وإذكائه وما لذلك من عواقب وخيمة تسير بالمجتمعات نحو الفوضى والانهيار.
حذر يحيى ابو زكريا من أن الصراعات المختلفة الخفية والظاهرة، وهذه المنطلقات والرؤى الآخذة في الصعود ستكون الشرارة التي ستجهز على العالم الإسلامي، الذي أصبح اليوم مهيأ لأكبر معركة طائفية بل لأكبر حرب طائفية لم يعرفها الماضي الإسلامي عندما كان الخلاف المذهبي يندرج في سياق الرأي العلمي ومقارعة الرأي بالرأي، الذي تطور وأصبح حروب قبائل وممالك، بين القبائل المذهبية والطائفية وكانت الخلاصة ضياع العالم الإسلامي وانهيار الحضارة العربية الإسلامية. والإشكال العميق أن العقليات التكفيرية في هذا الفريق وذاك تنطلق من الماضي السحيق الذي لا يرقى إلى مستوى الإجماع بين المسلمين، فربّ رواية ضعيفة قد تفجرّ حربا بين السنة والشيعة، وربّ قول مؤرّخ قد يسيل دماء قبائل لسنوات. ولا يوجد أية محاولة جدية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فالتقريب في نظر السني هو تسنين الشيعي، والشيعي يعتبر التقريب مدخلا لتشييع السني، وغير ذلك من الأطروحات والآراء تندرج في سياق المداراة عند السني والتقية عند الشيعي.
بيقين نعتقد إذا كان حوار الأديان "فرض كفاية" فإن حوار المذهب في الخليج والعالم العربي والإسلامي اليوم هو "فرض عين" على كل مسلم ومسلمة، طفل، وبالغ وعاقل. فلن نقدر على صناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا ما لم نحقق التقدم والتغيير في المرحلة الأولى المتعلقة بحوار المذاهب الإسلامية داخل منظومة الدين نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق