السبت، 16 أكتوبر 2010

سباق التسلح.. هل يحمي المنطقة ويوفر لشعوبها الأمن والاستقرار؟!

2010-09-29
جريدة الشرق

الموردون الدوليون للأسلحة يضعون أولوية لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي!!
هل تستفيد الدول العربية والإسلامية من التجربة اليابانية خلال أكثر من نصف قرن من دون تسلح؟!

خيبة الأمل أصابت مدير وكالة مبيعات الأسلحة بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فتوقعاته لم تكن مصيبة هذه السنة في وصول مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى 50 مليار دولار، فهي على الأرجح ستقترب من الرقم المستهدف الذي يقل قليلا عن مستوى مبيعات السنة المالية 2009 وهو حوالي 37.8 مليار دولار!! ومن خيبة الأمل هناك إلى خيبات الأمل والرجاء والتحسر في عالمنا هنا، فمجلة أرابيان بيزنس نقلاً عن مؤسسة فوركاست انترناشيونال الاستشارية أشارت إلى انه من المتوقع زيادة إنفاق حكومات دول الخليج على الدفاع والتسليح بنسبة (20 %) بنهاية عام 2010. ليصل الإنفاق الخليجي على الدفاع والتسليح إلى (83) مليار دولار بحلول 2015 مقابل (68.3) مليار دولار هذا العام؟! صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أشارت إلى أن دولاً خليجية طلبت من الولايات المتحدة تزويدها بأسلحة خلال الأعوام الأربعة المقبلة بقيمة 125 مليار دولار!!
وذكرت المجلة أن الموردين الدوليين للأسلحة يضعون أولوية لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وأن الشركات الأمريكية العملاقة مثل بيونج ولوكهيد مارتن وراثين بالإضافة إلى الشركات البريطانية والفرنسية تعتبر بسيطة للغاية في أسواق الخليج!! وتوضح المعلومات الصادرة عن معهد بحوث السلام الدولي في استكهولم أن (33 %) من شحنات الأسلحة إلى المنطقة تتجه إلى دولة الإمارات، وأن الدول التي تعتمد على درجة كبيرة على أسعار النفط والغاز مثل السعودية وقطر والكويت لديها سيولة نقدية كبيرة، وبإمكانها شراء كل ما تحتاج إليه، وحتى الدول التي ليس لديها ثروة هائلة ناتجة عن صادرات النفط والغاز مثل البحرين وعمان ما يزال لديها وفرة نقدية تساعدها على شراء كل ما تحتاج إليه؟!. المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أشار إلى أن الشرق الأوسط الذي وصف بأنه أكبر منطقة مضطربة في العالم ينفق على شراء الأسلحة مبالغ كبيرة، ويتجه ليظل أكبر مشتر خلال السنوات القادمة، حيث تعَد الولايات المتحدة أكبر مصدر للسلاح في العالم، تليها بريطانيا وروسيا، وذكرت تقارير المعهد أن الإنفاق على التسلح له آثار سلبية على عملية التنمية، حيث إن العلاقة بين التسلح والتنمية علاقة طردية، فكلما زادت النفقات الدفاعية للدول، ظهر اثرها السلبي على التنمية. ففي خلال الثلاثين عاما الماضية أنفقت حكومات الدول المتقدمة والنامية، موارد ضخمة على التسلح، كان يمكن أن توجه لتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطني تلك الدول، والقضاء على حالات الفقر.
دراسة مميزة نشرها موقع (الجزيرة) للأستاذ عبدالجليل المرهون تناول فيها حجم الإنفاق الراهن على برامج الدفاع والتسلّح في دول الخليج العربي.. ونسب الإنفاق من النواتج القومية الإجمالية لبلدان المنطقة؟ وحصة الفرد السنوية من الإنفاق الدفاعي، وصفقات التسليح الجديدة التي ينتظرها هذا الإقليم الحساس من العالم. وقد ذكرت الدراسة أن النفقات العسكرية لدول العالم مجتمعة في عام 2009 بلغت ما مجموعه 1531 مليار دولار، وهي تعادل ما نسبته 2.7 % من إجمالي الناتج القومي العالمي. وتساوي حصة كل فرد في المعمورة من هذه النفقات 224 دولارا! وعلى مستوى حصة الفرد السنوية من الإنفاق العسكري، كانت هناك في عام 2008 بعض الدول الخليجية بين الدول الـ 15 الأولى عالميا على هذا الصعيد. فقد حلت عُمان في المرتبة الثالثة عالمياً، بعد كل من إسرائيل والولايات المتحدة على التوالي بواقع 1650 دولاراً للفرد. وجاءت الكويت في المرتبة الخامسة عالميا بعد سنغافورة بواقع 1600 دولار للفرد. أما السعودية فكانت السادسة عالميا بواقع 1500 دولار للفرد.. على مستوى الآفاق المستقبلية، يُقدر أن تبلغ فاتورة المشتريات العسكرية لأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية حوالي ثلاثمائة مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، منها مائة مليار دولار لتقنيات دفاعية متممة، لدولتين خليجيتين (وفقاً لتقديرات صحيفة فايننشال تايمز). كما يتوقع أن يصل الإنفاق على الدفاع البحري وحده في هذه الأقطار حوالي 17.5 مليار دولار بحلول عام 2020، وذلك وفقا لمؤسسة "جينز" الاستشارية.. ومن بين المشاريع الكبيرة المتداولة حاليا، عرجت الدراسة المذكورة على ذكر صفقتين لطائرات رافال الفرنسية، واحدة للإمارات والأخرى للكويت. فقد أعلنت فرنسا في 2009 أنها تقترب من التوصل إلى اتفاق مع الإمارات لبيعها 60 مقاتلة من رافال، قد تصل إلى ما بين أربعة وخمسة مليارات يورو، وفي السياق ذاته، تفيد تقارير إعلامية فرنسية بأن باريس تسعى لتسويق منظومة دفاع مضاد للصواريخ لدول الخليج العربي، ربما تكون بدايتها في الكويت. وإذا صحت هذه التقارير، فسوف يعني ذلك حدوث تحول كبير في موقع فرنسا، ليس في سوق السلاح الخليجي وحسب، بل وفي مقاربة أمن الخليج عامة. كذلك يسعى العراق الجريح المقطع الأوصال إلى شراء 36 طائرة من طراز "أف 161"، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو مائة مليون دولار، مع تسهيلات التدريب على القيادة والصيانة. وسوف تشتري بغداد أيضا ست طائرات نقل من شركة "لوكهيد مارتن"، ومعدات ذات صلة، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار وخمسمائة مليون دولار. وتترقب البحرية العراقية، من ناحيتها، أربع سفن دوريات زنة 450 طناً، إيطالية الصنع.
هل القوة وسباق التسلح سيحمي المنطقة وسيوفر لها ولشعوبها الأمن والاستقرار؟! أوَلا يكفي انها مرتبطة باتفاقيات أمنية معقدة وتستضيف على أرضها قواعد عسكرية بعقود خيالية تستنزف ثروات وميزانيات واحتياطات الأجيال الاستراتيجية، ومتى تم استخدام هذه الأسلحة؟ وفي أي معركة وساحة حربية!، وهل تسمح اتفاقيات الشراء في استخدامها وقت الحاجة؟! لنأخذ درس اليابان التي تحولت في نهاية عهد الإمبراطور المايجي إلى دولة مركزية عسكرية قوية وباتت الدولة الإمبريالية الوحيدة في جنوب وشرق آسيا، وارتكب جيشها مجازر دموية ضد شعوب الصين، وكوريا، وتايلاند، والفليبين وغيرها. وهزت الأمريكيين في موقع بيرل هاربر عام 1941، إلى أن تمت مهاجمتها بالقنابل النووية وأجبرت على الاستسلام والخضوع، ويلخص الدكتور مسعود ظاهر تجربة التحديث الأولى في اليابان بالقول: "نجحت اليابان في عهد مايجي وخلفائة بإقامة دولة إمبريالية قوية لفترة جاوزت نصف القرن، لكن نجاح مقولة "تحديث العسكر على حساب تحديث المجتمع"، قادت إلى تدمير ركائز المجتمع الياباني من أجل تحقيق مشاريع توسعية على حساب دول الجوار الآسيوي، ولخدمة أحلام إمبراطورية واحتكارات اليابان الكبرى.
لكن الحكاية لا تنتهي هنا بل تبدأ معركة المستقبل الحقيقية، فبعد التجربة المريرة القاسية المؤلمة التي تجرعتها في (هيروشيما وناجازاكي) عرفت أن خيار القوة يكمن في الاستثمار في الإنسان وتعليمه وتأهيله في بيئة سلام، وليست أيدولوجيته لدخول الصراعات والحروب والمعارك، وتبنت في المادة التاسعة من الدستور الياباني عدم التسلح بأسلحة غير دفاعية، وعدم إنتاج أي أسلحة للبيع، وعدم المشاركة في قوات عسكرية خارج إطار التعاون الدولي وتحت إشراف الأمم المتحدة. الدكتور ظاهر يشير إلى أن امتناع اليابان، القسري أو الطوعي، عن إعادة تسليح نفسها كانت له آثار إيجابية للغاية في نمو اقتصادها بسرعة دون إرهاق موازنات الدولة سنوياً بنفقات عسكرية غير مجدية في مجال التسلح، فقد تمسك الساسة اليابانيون بمقولة: "الدستور السلمي لدولة منزوعة السلاح" طوال سنوات 1945 — 1953، ولم يرصدوا سوى مبالغ هزيلة للغاية في مجال إعادة التسلح ضمن موازنات 1952 — 1955.
هل تستفيد الدول العربية والإسلامية من التجربة اليابانية خلال أكثر من نصف قرن من دون تسلح وعسكرية، وهل تتعلم من تجربة بناء الدولة عن طريق تبني الخيار الديمقراطي، والانفتاح الاقتصادي، والاستثمار في الإنسان؟.. بشكل عام لا توجد مؤشرات تشير إلى ذلك؟ ولكن الله أعلم؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق