السبت، 16 أكتوبر 2010

"الإسلاموفوبيا" الخطاب الحضاري وصورة العرب والمسلمين

2010-09-15
جريدة الشرق
ضرورة تعزيز منهج التسامح بين أتباع كل الأديان في العالم
حكاية القس الأمريكي صناعة إعلامية بامتياز
الحوار والصبر والوقت والتعليم علاج لأمراض الكراهية

التطورات الأخيرة في المشهد تدعونا إلى الوقف عندها والإشادة بها، خصوصا المقال الأخير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز "The New York Times"، للإمام فيصل عبد الرؤوف، بعنوان بناء الإيمان "Building on Faith"، بتاريخ 7 سبتمبر 2010، وقد ذكر الإمام عبد الرؤوف انه من جولته التي زار فيها مجموعة من العواصم العربية والخليجية منها البحرين والإمارات وقطر، هدفت إلى تعزيز التفاهم بين أتباع كل الأديان في العالم لمواجهة التطرف، وتعزيز العلاقات بين المسلمين والغرب. وجعلته يرى الأمور بمنظار شامل خصوصا مسألة إقامة مركز ثقافي إسلامي يضم مسجداً على أرض خاصة على بعد خطوتين من الموقع الرمزي للاعتداء الإرهابي في الولايات المتحدة موضع جدل في الأسابيع الأخيرة. وقد أشار الإمام عبد الرؤوف إلى التوصل إلى تصور مشترك لبناء مركز حضاري عصري يصبح مقرا يجمع كل الديانات السماوية اليهودية، والمسيحية، والإسلام، والعقائد الأخرى، بالإضافة إلى بناء نصب تذكاري متعددة الأديان مخصصة لضحايا هجمات 11 سبتمبر، فهل يأتي اليوم الذي نرى المركز يتحول إلى مقر يجمع كل الديانات بما فيها رموز الديانات السماوية الثلاث الإمام والقس والحاخام؟!
المقال الذي نشرته تعليقا على زيارة للإمام فيصل عبد الرؤوف للخليج بتاريخ "1 سبتمبر 2010"، أعاد نشره الصحفي الزميل منصور الحاج في واشنطن على شكل خبر، وأشكره بدوري على الترويج للمقترح الذي تقدمت به، ونقلته عنه وسائل الإعلام الأخرى، وجاء فيه، اقترح كاتب صحفي تحويل ما بات يُعرف بمسجد "جراوند زيرو" القريب من المبنى الذي دمره إرهابيون مسلمون في أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى مقر يجمع جميع الأديان والملل. وتمنى خالد الجابر أن يقبل الإمام فيصل عبد الرؤوف القائم على مشروع بيت قرطبة هذا الاقتراح. وقال الجابر في مقال بعنوان "هل يتحول مشروع المركز الإسلامي في أمريكا إلى مقر يجمع كل الديانات؟!" إن اقتراحه سيساهم في تعزيز صورة الإسلام وإرساء ثقافة التسامح وسيحول الإمام فيصل عبد الرؤوف إلى زعيم روحي عالمي يشار إليه بالبنان كالدالاي لاما والأم تريزا. وجاء في المقال "لديَّ اقتراح أعرضه على الإمام عبدالرؤوف وربما هو في زيارته إلى الدوحة حاليا يسمعني عن قرب، وهو أن يحول مشروع المركز إلى مقر ومسمى ومحفل عالمي، يجمع كل الديانات والعقائد والملل والأعراق اليهودية، والمسيحية، والإسلام، البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية وأصحاب الفلسفات والمناهج الفكرية المعتبرة وغيرها". وأضاف "مشروع لا تتحكم فيه رؤية واحدة وأيديولوجيات ضيقة وقضايا سياسية وحزبية. مشروع يحمل نوايا صادقة تؤمن بالحوار الحضاري والتسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمي المشترك وثقافة التنوع. إذا كان الإمام عبدالرؤوف فعلا مؤمنا أن التوتر بين الغرب والمسلمين يمكن إنهاؤه في 10 أعوام كما تشير تصريحاته فهذا أفضل مشروع يبدأ فيه. والسؤال هل سيقبل الإمام فيصل عبدالرؤوف بهذا الاقتراح؟.
لا أدعي، ولا يشغلني، وليس مهما، إذا كان فيصل عبد الرؤوف قد اطلع على النداء الذي وجهته له أو صادف مقالات الزملاء الكُتَّاب في الصحف الغربية والعربية، حيث طلب منه البعض تحويل مركزه لكي يكون محصورا على الديانات الإبراهيمية الثلاث وليس الإسلام فقط، بالإضافة إلى بناء نصب تذكاري باسم ضحايا إرهاب 11 سبتمبر. أو استمع لنصائح أخرى أشارت عليه بكتابة أسماء ضحايا "11 سبتمبر" على جدران المركز. المهم ان هناك تغييراً ايجابياً في التصريحات التي كان يطلقها الرجل الأول المسئول عن بناء مشروع المركز، الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل في أمريكا والعالم. اليوم هو لا يكتفي بالتصريحات الإعلامية الهلامية حول ضرورة الحوار والتلاقي وذكر القصص التاريخ والشواهد على سماحة الإسلام وإيمانه بالتعددية وقبوله بالآخر، بل أصبح يدعو إلى مبادرة رائدة جامعة لا نظير لها في العالم العربي أو الغربي، وهي تأتي من خلفية إسلامية، ومن الممكن أن تتحقق على الأرض الدنيا وليس في السماء العليا؟! وذهب أبعد من ذلك في الحوار الذي أجراه مع "سي ان ان" في البرنامج المباشر الشهير "لاري كنج" (Larry King Live)، قبل عدة أيام مضت، في قوله انه على استعداد أن يعيد النظر في بناء مشروع المركز قرب موقع تحطيم برجي مركز التجارة العالمي إذا واجهته معارضة قوية. لقد علقت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية (The Los Angeles Times) في تغطيتها الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر، أن خطابا جديدا قد يساعد المسلمين في أمريكا في تحويل الكراهية والخوف إلى التسامح، وفي نصيحة من المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير، التي تأسست في عام 1913 لوقف تشويه صورة اليهود، إشارته أنه استنادا إلى تاريخ جماعة العدل والإحسان لمكافحة معاداة السامية خرجنا بنتيجة أن الصبر والوقت والتعليم، هو الحل الوحيد لهذا المرض من الكراهية، بالإضافة إلى بذل الكثير من الجهود للوصول إلى حوار مع الآخرين. والحقيقة أن صياغة خطاب حضاري جديد في العالم العربي والإسلامي يسهم في إثراء القيم الإنسانية، سيساعد في تحسين صورة العرب والمسلمين، ومواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، ولكن ما طبيعة هذا الخطاب، ومن الذي يجب أن يقوم عليه؟!
الحادثة الأخرى كانت شبه متوقعة لمن يعرف الولايات المتحدة من الداخل، وطبيعة وسائل الإعلام الجماهيرية (Mainstream media)، فحكاية القس الأمريكي المثير للجدل تيري جونز (Terry Jones)، الذي هدد بإحراق المصحف في الذكرى التاسعة لاعتداءات 11، صناعة إعلامية بامتياز، القس يتزعم كنيسة مغمورة بمنطقة جينسفيل بولاية فلوريدا، لم يسمع بها معظم سكان المدينة قبل الإعلان عن التهديد المزعوم، ولا يتجاوز أتباعها الخمسين، وكان يعمل قس في كنيسة أخرى وقد طلب منه المنتمون لتلك الكنيسة سنة 2008 تركها بسبب خلاف حول "أسلوبه في القيادة. وتشير صحيفة "جينسفيل صن" إلى أن المحكمة دانت جونز سنة 2002 وحكمت عليه بدفع غرامة بسبب استخدامه لقب دكتور بدون استحقاق. حتى أن ابنة القس الأمريكي اتهمته بعدم الأمانة في التعاملات المالية. وانشقت عن الكنيسة التي يرأسها، بل اعتبرت أباها رجلاً مجنوناً، لكن كيف استطاع هذا المجنون أن يحبس أنفاسنا ويشغل الدنيا، وهل العيب في عقليته هو أم في فهمنا نحن نحو التعامل مع وسائل الإعلام؟! كيف ستكون ردود أفعالنا في كل مرة لو خرجت شخصيات أخرى محسوبة على كنائس مغمورة من عشرات الآلاف من الكنائس في إحدى الضواحي المهجورة في إحدى المدن الأمريكية الهامشية، وعدد إتباعها لا يتجاوز الستين، وأرادت أن تحرق المصحف كما قامت مجموعة مسيحية متطرفة صغيرة بتمزيق صفحات من المصحف أمام البيت الأبيض؟! ولنذهب أبعد من ذلك، ماذا لو بلغنا أن رجلا يعيش في إحدى الجزر النائية في منطقة الكاريبي وعلمنا أن امرأة تعيش في خيمة على الحدود الإفريقية قرروا القيام بالفعل نفسه فكيف سيكون موقفنا! هل سنحرق الأخضر واليابس أم نتعامل بعقلانية مع الأحداث، ونطرح خطابا إنسانيا أخلاقيا لمواجهتها والتصدي لها، ونحول الكراهية إلى تسامح ونكسب الرهان الحضاري؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق