الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

"طاش" حكاية مسلسل خليجي لم تنته بعد

2010-09-08
الشرق- العالم اليوم
• الدراما الخليجية مصابة بعدوى التسطيح والصراخ والتهريج
• لا يوجد تغيير في الشكل والمضمون والكمية التي يتجرعها المشاهد في رمضان
• «تصانيف» يطرح مواضيع مكررة ومستهلكة ولا جديد تحت الشمس
• ضرورة وجود معاهد لتخريج كتاب النص والحوار والسيناريو والنقد

قبل بداية شهر رمضان تشتعل حدة منافسة الدراما الخليجية (هل نطلق عليها دراما خليجية أم مسلسلات تنطلق من الخليج)، وفي وسط العاصفة الهوجاء التي تنطلق من صحراء الخليج الحارقة صيفا القاتلة شتاء، تبرز أعمال تعد على أصابع اليد الواحدة تستحق ان تتابع من العامة، وتدرس من قبل الخاصة، ويأتي في مقدمتها مسلسل "طاش ما طاش" الذي لا يزال بعد (17) موسما يتابع من قبل الملايين في العالم العربي وليس الخليج والسعودية حصرا، فالمسلسل وصل اليوم إلى مكانة لا يكاد يجاريها في الشهرة والانتشار، صحافة وإذاعة أو تلفزيونا، في منطقتنا. وكانت بالسنوات الأخيرة لانتشار الفضائيات العربية وموقع تحميل الفيديو على الانترنت، الأثر الأكبر في خلق ظاهرة مميزة أطلق عليها (طاش) ورغم مراهنة الكثير على انتهاء موضتها، فانها تصر على البقاء والانفراد والتميز عن غيرها بصورة تدعو إلى الحيرة في التعامل معها وتفسيرها في الكثير من الأحيان؟! لا ادعي اني تابعت كل حلقات المسلسل ولا ازعم أن كل الحلقات تثير الإعجاب و(تكسر الدنيا)، بل ان عددا لا بأس به من الحلقات خصوصا تلك التي أثارت الجدل من حولها، تستحق الوقف عندها بجدارة. بداية التعرف على "طاش" جاءت عن طريق الإخوة والزملاء الأعزاء من الرياض وجدة، الذين عاشوا معنا سنوات الدراسة في الولايات المتحدة. وحتى يقطعوا وحشة الغربة كانوا يحضرون معهم حلقات "طاش" وغيرها مسجلة على أشرطة الفيديو، وحينما تطورت التكنولوجيا انتقلوا بعدها إلى أقراص (السي دي) وال(دي في دي)، وصولا إلى الديسك والفلاش والأقراص الصلبة الخارجية، وما زالوا الى هذه الساعة يرسلون لنا الحلقات الجديدة على شكل رابط عن طريق موقع اليوتيوب (YouTube).
تخيلوا أن بعض حلقات (طاش) التي أثارت جدلا من حولها عرضت في (2030) أي بعد عشرين سنة من الآن؟ ربما ستبدو الحلقة عادية وقد يعتبرها البعض سخيفة وركيكة ولا تستحق حتى المشاهدة؟! اليوم لو قلت لكم ان الأرض تدور حول الشمس ستسخرون مني بلا شك فهي معلومة بديهية يعرفها حتى طلاب الروضة! لكنها في الماضي لم تكن كذلك وكانت الحقيقة معكوسة حسب رأي ارسطو الذي تبنته الدولة والكنيسة، أي أن الشمس وبقية الكواكب تدور حول الأرض، وإذا حاول احد ما مخالفة هذه الأقوال والآراء فهو مهرطق وقد يكون مصيره المحرقة كما حدث مع برونو (Giordano Bruno)، الذي حرقه حيا وسط جمع غفير من المؤمنين الأبرار، وكانت ستتكرر مع جاليليو (Galileo Galilei). وبعدها بعقود ظل الطالب في جامعة أكسفورد (التي تعتبر الأولى على مستوى العالم حسب الإحصائية الأخيرة لتقيم الجامعات — (2010)، يغرم بغرامة تعادل عشرة شلنات وهو مبلغ ليس بسيطا بحسبة تلك الأيام إذا تجرأ وتحدى المعتقدات والتعاليم سواء لأرسطوا أو غيره من البقرات المقدسة؟! بعد عشرين سنة قد لا تعنينا حلقات سواقة المرأة للسيارة، وأقرباء أبطال المسلسل في لبنان مسيحيون وخالهم قس يحفظ القرآن، والزواج الجماعي، وقضية الاختلاط. ولكنها اليوم تعني الكثير، فهي تعتبر هرطقة وزندقة وخروجا عن الملة، وتستخدم لمحاربتها أسلحة وسائل الإعلام والإنترنت والمنابر للهجوم والتحريض والتكفير والتصفية الفكرية وحتى الجسدية؟! عكس ذلك كان المسلسل الخليجي المقابل له والذي يبث في الكويت وقطر «تصانيف»، فهو يطرح اليوم مواضيع مكررة ومستهلكة وهزيلة ولا جديد تحت الشمس، ولكنها لو عرضت منذ عشرين سنة مضت لكان الحال مختلفا والتأثير مغايرا.. انه سباق الزمن، والقدرة على التغيير في المجتمع، وتحدي قيود الزمان والمكان، والحكمة تقول من المستحيل أن تفوز في السباق ما لم تجرؤ على الجري وهو ما فعله (طاش) ولم يجرؤ عليه الآخرون في الخليج لسبب أو لآخر؟!.
الدراما الخليجية أو مسلسلاتها الرمضانية (لماذا رمضان بالذات)، بلغت ما يقارب ٥٠ مسلسلاً، وهو عدد كبير جدا للمتابع خلال السنة ليس شهرا واحدا، واغلبها يحاول بقدر الإمكان أن يصل إلى 30 حلقة كاملة ليختم بها، ويدخل على برامج العيد؟! داود الشريان يشير إلى أن التجربة الدرامية في السعودية والدول الأخرى الخليجية تثير الحزن، حتى بعض الدراما الكويتية الحديثة أصيب بعدوى التسطيح والصراخ والتهريج. في اختصار مخلّ، ومشكلة الدراما الخليجية كما يوضح الشريان أنها بدأت واستمرت على أيدي هواة، وأزمتها الأعمق أن الهواة يعيدون اختراع العجلة، وعلى نحو يثير الشفقة، لذلك بقيت الدراما في مسلسلات الخليج لا تختلف كثيراً عن المواقف التمثيلية البسيطة والساذجة التي كان يؤديها طلاب المدارس في القرن العشرين. والعلاج يكمن في وجود معاهد لتخريج أفواج من المهندسين والفنيين والمبدعين في الديكور والإضاءة، وفي كتابة النص، والحوار، والسيناريو، والنقد. ولا بد ان يعود الممثلون الى مواقعهم، فيتركون الإخراج للمخرجين، والإنتاج للمنتجين، والكتابة للمؤلفين.
صحيفة "الأخبار" ترى أن أبرز ما تتطلبه الدراما الخليجية حتى ترتقي بمستواها، هو الابتعاد عن الاستنساخ والاتجاه نحو الابتكار واختيار النجوم المناسبين، ثم الاستعانة بكتّاب مميزين من المنتجين والمحطات الفضائية. وتنقل عن مشعل المطيري، بطل مسلسل "خليكم مكاني" قوله إن المستوى الدرامي الخليجي الذي تقدّمه المحطات الفضائية محبطٌ، و"الأعمال الدرامية الخليجية لم تتطور منذ سنوات، وهي لم تخرج عن دائرة التجريب إلى حيز الاحتراف، فالخط هو نفسه يطغى عليه الطابع الكوميدي في السعودية على سبيل المثال في محاولة لاستنساخ "طاش ما طاش" الذي بقي يغرّد وحده خارج سرب التقليد".
الناقد محمود عبد الرحيم أيضا يشير إلى أن أغلب الأعمال العربية المعروضة على الشاشات ليست سوى "إعادة إنتاج واستنساخ لأعمال سابقة لذات المؤلف أو لآخرين، مع تغييرات شكلية غير جوهرية، لا تخرج عن الفكرة السالف طرحها، وذات المعالجة الدرامية المفتقرة للجاذبية والجدة، والمضمون الهزيل المحمل غالبا بقيم سلبية، فضلا عن غياب رؤية ذات أبعاد فكرية وجمالية، والدوران في فلك الأفكار المستهلكة، من دون عمق، أو اقتراب حقيقي وجدي من الواقع المعاش أو تعبير صادق عن الجماهير، وهمومها وتطلعاتها، بطريقة مبتكرة، وعلى نحو يثير الوعي العام، أو حتى يحقق متعة للمشاهد". ويؤكد في مقال له بصحيفة "القدس" أن مؤلفي ومخرجي الدراما التلفزيونية المصرية يتعاطون مع المسلسلات الرمضانية بمنطق "بائعي البضاعة المغشوشة، التي يظنون أن أحدا لن يلتفت إلى جودتها، ولن يريدها مهما كانت سيئة، وسط زحام العروض، بعد أن تحول رمضان لسوق مكتظ بالبرامج والمسلسلات، وموسم لطرح الكثير من الغث والقليل من السمين، خاصة مع التزايد المطرد في عدد المحطات التلفزيونية، وامتداد البث الملتهم لكل شيء وأي شيء على مدار الساعة".
بالرغم من الانتقادات الحادة التي توجه للاعمال المعروضة منذ سنوات، فلا يوجد هناك تغيير حقيقي في الشكل والمضمون والكمية التي يتجرعها المشاهد العربي في رمضان، والحقيقة انه لا توجد للمواطن العربي خيارات عديدة، فلا مشاركة سياسية في أحزاب وجمعيات مدنية لها قدرة على التغيير وطرح بديل، ولا انتخابات ديمقراطية حقيقية، وفي ظل وجود قوانين الطوارئ، احتكار السلطة، سياسة التوريث، الاحتقانات الطائفية، الفساد، والتقهقر السياسي والقيمي والوطني، تبقى المسلسلات هي العالم الافتراضي الذي ينفس فيه عن خياله وهواجسه وعقده وربما هرطقته. في النهاية هو يعيش في العالم العربي الذي لا يزال يعتقد إن الشمس والكواكب الأخرى تدور من حوله؟! ورحم الله عصر برونو وجاليليو الذي قال عنه شكسبير (ليس المهرطق من يحترق بالنار، بل المهرطق من يشعل المحرقة)؟!
مبروك عليكم عيد الفطر وكل عام وانتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق