الثلاثاء، 29 مارس 2011

المؤسسات القطرية.. معادلة الممكن والمستحيل والمطلوب

2011-03-30
جريدة الشرق
مركز الدوحة لحرية الإعلام آخر من يعلم!
أين دور المؤسسة العربية للديمقراطية؟
ضرورة أن توفر محطة الجزيرة الحماية لموظفيها في الحروب

لماذا تخصص ميزانية من الدولة تقدر بالملايين لمبنى متواضع القدرات والإمكانيات، ليس بمقدوره أن يمارس الدور المنوط به.. فهو لا يملك المعلومات لكي يزود الآخرين بها، وليست لديه قدرة على كتابة التقارير والبحوث والتعامل مع الأرقام والإحصائيات، ولا يملك أدوات ومصادر داخلية ناهيك عن الخارجية، وآخر من يتفاعل مع الأخبار والأحداث المحلية والإقليمية والدولية، ولا يملك حتى الحرية في التعليق على الأحداث ونشر التصريحات والبيانات، كما يعتبر آخر من يتحرك على الساحة الإعلامية والصحفية، وفي كثير من الأحيان يظل متفرجاً من بعيد؟! مركز الدوحة لحرية الإعلام الذي تأسس في عام (2008)، كان المأمول منه الكثير، والطموح المعلق عليه كبير، والشعار الذي رفعه المركز هو نشر ثقافة حرية الصحافة والإعلام وفي الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين الذين يتعرضون للمضايقات والاعتقالات، وسوء المعاملة بسبب نشاطهم المهني؟! لكنه اليوم لا يمثل إلى علامة استفهام كبيرة، من الإصرار على استمراره كيافطة على مبنى، دون أي دور حقيقي لا على الساحة الإعلامية الداخلية ولا على الخارجية؟! لقد فقدنا صحفياً قطرياً سقط شهيدا في المعركة الأخيرة، وانشغلت الساحة بالعديد من المعارك والأزمات والانتفاضات والتغيرات والثورات وقعت في شهور قليلة فقط في معظم دول العالم العربي، وكأن المركز لم يسمع بها ولا يعرف عنها الكثير وربما آخر أخبار المركز رسالة بعثها إلى محطة الجزيرة، ربما عن طريق فراش أو مراسل أو سائق تاكسي، أو ربما بواسطة السكرتيرة عن طريق الفاكس أو الإيميل تدين احتجاز طاقم الجزيرة في ليبيا! والحقيقية انه لا يكاد يضاهي مركز حرية الإعلام في سمعته إلا مؤسسة أخرى لا تبتعد عنه كثيراً في المسافة والرؤية وهي المؤسسة العربية للديمقراطية، التي تعيش في زمن آخر خارج العالم العربي؟! فالمؤسسة التي تم إعدادها لمثل هذه الأوقات تمخضت فولدت فأراً مشوها؟! مشكلة هذه المراكز والمؤسسات أنها لم تكن يوماً موجات صوتية بل أشبه بانعكاسات صدى.
البون شاسع بين المراكز التابعة لنا والمراكز العالمية الأخرى، ولا استثني حتى محطة الجزيرة، وهي قصص تحتاج إلى توثيق مطول. لقد مثلت حادثة صحفيي نيويورك تايمز (New Times) الأربعة الذين احتجزهم عناصر من القوات العسكرية المؤيدة للزعيم الليبي، مدى الفارق والاهتمام في التعامل، والمقارنة بين نوع التدريبات والدورات المقدمة عندنا وعندهم؟! وقد تحدث كثير مع بعض زملاء المهنة وتوصلنا إلى أن هناك أموراً كثيرة ينبغي التنبّه إليها لدى كل من يشارك في تغطية الحروب والاشتباكات العسكرية لدى شتى وكالات الأنباء العالمية والمؤسسات الإخبارية الدولية. لقد تحولت تلك الحاجة منذ سنوات طويلة إلى دورات تدريبية نظرية وعملية تحيط المشاركين فيها علماً بكيفية التعاطي مع الأحداث وطبيعة ردود الفعل الممكنة تجاه التصرفات العدائية تجاه العاملين في مجال الإعلام. ناهيك طبعاً عن الدورات الخاصة بالعلاجات الأساسية والإسعافات الأولية التي قد تكون سبباً في منع بعض حوادث الموت التي كثيراً ما تحصل بسبب جهل أفراد الطاقم المشارك. فما هي طبيعة الدورات التي تقوم بها الجزيرة لفريقها المشارك في المعارك بمختلف أطيافه، المراسل والمصور وحتى المذيع. وما هي طبيعة التوجيهات الإدارية من الجزيرة إلى موظفيها بشأن تغطية الحروب. فهناك مسؤولية شخصية تقع على عاتق من يتطوع لتغطية الأحداث العسكرية، ولكن في المقابل هناك تساؤل عن طبيعة مسؤولية المؤسسة الإعلامية تجاه مراسليها في هذا الشأن. إذ إن تطوع الطاقم الصحفي لا يعني بحال أن المؤسسة ملزمة بالاستجابة إلى رغبة موظفيها في الدخول إلى معمعة الحرب دون أخذ أسباب الحيطة والحذر فيها. فمن يعمل في مهنة الصحافة هو على الأرجح باحثٌ عن المتاعب، ولكن ذلك لا يعفي المؤسسة التي ينتمي إليها أن تهيئ له الأسباب وتضع لها الحدود التي تضمن له السلامة.. إن موافقة المؤسسات الإعلامي على خوض طاقم إعلامي لذلك الغمار دون أخذ كافة الاحتياطات اللازمة، حتى وإن كان طوعياً، يشي بأنها حريصة على نيل قصب السبق في نقل الخبر أكثر من حرصها على سلامة ناقله.
من ناحية أخرى ماذا عن طبيعة الحماية التي ترافق طاقم العمل وهو الذي كان منعدماً في التغطية التي كان يقوم بها أخونا الشهيد - رحمه الله - علي حسن الجابر، التي يُفترض في الشبكة توفيرها لطواقمها العاملة على الأرض. فما رأيناه أثناء تغطية الجزيرة لأحداث الثورة الليبية أن أحداً من مراسلي الجزيرة العربية لم يرتد الملابس المخصصة للحماية بما يشمل الخوذة الواقية أو السترة المضادة للرصاص. هذه الملابس باتت الآن جزءاً لا يتجزأ من عمل المراسل الإعلامي في البيئات الحربية. وهي بالإضافة إلى توفير الحماية له من الناحية الجسمانية، فإنها أيضاً أداة تعريف به لدى من لا يستطيع التعرف عليه بين الجموع، باعتبارها تبيّن أنها خاصة بالعاملين في مجال الإعلام الذين تحرّم القوانين الدولية والمهنية المساس بهم أو التعرض لهم أثناء أداء مهماتهم الصحفية. والأكيد أن أحداً من طاقم الجزيرة الذي تعرض للهجوم الذي أدى إلى استشهاد أخينا علي الجابر لم يكن يرتدي شيئاً من تلك الملابس الواقية، لا قبل الحادثة ولا بعدها. والعجيب أننا رغم مرور مدة على تلك الحادثة فإننا لا نزال نرى مراسلي الجزيرة دون أيٍّ من تلك المعدات والملابس. وهذا تحديداً ما يجعلنا نتساءل إن كانت شبكة الجزيرة جادة في توفير الحماية لموظفيها قبل أن يتعرضوا لحادث سوء، لا قدّر الله، في مقابل ما تزعمه من وفاء في حق أبنائها الشهداء بعد رحيلهم. فالأصل في ذلك الوفاء تحمّل المسؤولية تجاه أولئك الأشخاص بحفظ وجودهم، لا بتسمية استوديوهات الأخبار بأسمائهم بعد استشهادهم. وما يثير الدهشة والريبة في آنٍ معاً، أن طواقم العمل التابعة للقناة الانجليزية ظهرت على الشاشة التابعة لنفس شبكة الجزيرة وهم في كامل عدتهم، ويقال إن مراسليها في ليبيا لا يتحركون إلا في معية اثنين من رجال الأمن الشخصي المسلحين والمتخصصين في حماية الشخصيات العامة والتدخل لمنع الاعتداءات على الشخصيات والرد على المعتدين.
إذا صدقت المعلومات التي يذكرها الزملاء العاملون في الجزيرة، فليس من العدل توافر كل هذه الإمكانيات للعاملين في المحطة الانجليزية في مقابل انعدامها المطلق لدى مراسلي القناة العربية (وهي الأقدم من ناحية العمر المهني والأكثر من ناحية الخبرة العملية في تغطية الحروب)، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات عن طبيعة تعاطي إدارة شبكة الجزيرة مع موظفيها، وفي ما إذا كانت ثمة تفضيلات معينة تمليها حسابات الجنسية والانتماءات العرقية على أسلوب تعامل الإدارة مع العاملين فيها. فلو كان المراسل الذي لقي حتفه تابعاً لدولة أجنبية (غربية على وجه التحديد) لما توقف الأمر على مهرجانات الوفاء والوقفات التضامنية، بل تعداه للمساءلة القانونية عما تمّ توفيره من قبل الشبكة لحماية ذلك الشخص في بيئة لا يمكن وصفها بأقل من كونها عدائية. وما سيترتب على تلك المساءلات القانونية قد يكون مبلغاً جباراً من المال لصالح أسرة الفقيد (ذي جواز السفر الغربي غالباً) والتزامات كثيرة تجاه نظرائه في مواقع عمل كتلك لضمان عدم تكرار الحادثة مستقبلاً.
آخر كلمة: نحن نحتاج اليوم إلى مراجعة جذرية للمؤسسات والمراكز التي ندعمها بميزانياتنا ولا نحولها إلى مجرد واجهات وكلشيهات ووسائل ترويج دعائية لا تقدم ولا تضيف للمشهد المحلي والدولي شيئاً يذكر. وضرورة التعامل معها على معادلة الممكن والمستحيل والمطلوب خلال هذه المرحلة الانتقالية التي نعيشها في العالم العربي؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق