الأربعاء، 2 مارس 2011

الثورة الليبية النظام يريد إسقاط الشعب

2011-03-02
جريدة الشرق

رغم المليارات ثلث الشعب الليبي يعيش تحت خط الفقر!
الشعوب تتفاعل مع القطط.. والجرذان.. ومتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة؟!
أعراض مرضية سرطانية أصيبت بها الأنظمة العربية الشمولية
شهداء ليبيا سنبلة تموت اليوم لتملأُ الوادي سنابلْ غداً

من سخرية الأقدار أن يكون مبنى المحطة المتهمة في محاولة إسقاط نظام القذافي (الجزيرة) كما جاء في الخطب القذافية الأخيرة الطويلة منها والقصيرة، يفصل بينها وبين السفارة الليبية حائط وموقف في الشارع المقابل لحديقة الهيد بارك (Hyde Park) الشهيرة في لندن. أما في الجهة القريبة من زاوية الحديقة سيلفت نظر العابر هناك الاحتجاجات اليومية التي تقوم بها مجموعة من الشعب الليبي المغترب من رجال ونساء وأطفال، ضد استمرار النظام في السلطة واللجوء إلى المجازر والقمع ووقف إراقة دماء أبناء الشعب، وسيلاحظ أنهم يرفعون أعلام الاستقلال بشرائطها الملونة وهلالها ونجمتها مقابلا لشعار محطة الجزيرة؟ لن استغرب إذا تم تغير الشعار الشهير الذي انتشر في الستينيات بعد مرحلة الاستقلال من قبل "القومية، أو الدين، أو اليسارية، الديمقراطية هي الحل" إلى شعار عربي جديد وهو "الإعلام هو الحل" لتغيير الأنظمة الشمولية في العالم العربي؟! عند شارع الحديقة الخلفي أيضا وامتدادا إلى شارع المبنى التجاري (هارودز)، هناك الاحتجاجات والمظاهرات واللافتات المناهضة لديكتاتورية الأنظمة العربية المستبدة وتورث السلطة وتزوير الانتخابات وحقوق الانسان، وكل دولة عربية لها حظوة ونصيب من الهجوم والنقد دون استثناء من الخليج ومظاهرات بدون الكويت وفقراء البحرين إلى تغيير النظام اليمن وصولا إلى السودان والجزائر وموريتانيا. يالله لقد بدا المشهد العام مغايرا تماما، حتى الصورة النمطية التي ارتبطت بالعرب في تعليقات الصحف البريطانية نفسها كما تابعتها في الأيام الماضي من عاصمة الضباب لندن تحولت وتبدلت، وهي التي كانت قبل عدة أشهر فقط تركز على فئة من العرب، وعلى مخالفاتهم وكسرهم للأعراف وللقوانين المرورية، وتصرفاتهم واهتمامهم بأمور تافهة وسخيفة، فالمعروف عن صناعة الصورة التي ميزت العرب عن غيرهم بشكل عام أنه لم تكن لهم قضية حقيقية تشغلهم؟!
النظام الليبي يعاني من نفس الأعراض المرضية السرطانية التي أصيبت بها الأنظمة العربية الشمولية، والتي تقضي عليها واحدا بعد الآخر. غيبت الدولة ومؤسساتها واقتصرت صناعة القرارات المصيرية على أيدي أشخاص معدودين استحوذوا على المال والثروة والسلطة وأراضي ومشاريع ومقدرات الوطن، ونمت أرصدتهم المصرفية بالمليارات في الداخل والخارج على حد سواء، بينما يعيش المواطن على رغيف الفقر والحرمان والبؤس والجهل والتخلف والمرض، ولكي تحكم قبضتهم الحديدة جيرت المنظومة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية لكي يسبح بحمدهم بالغدو والآصال الرجال والنساء والأطفال، ومن يخرج منهم عن التعاليم المقدسة والكتاب الأخضر والأحمر والبنفسجي هو كافر وزنديق ويستخدم حبوب المخدرات والهلوسة يجب سحقه والقضاء عليه مثل القطط والكلاب الضالة والجرذان؟!
لا تكمن المشكلة مع القذافي كشخص فقط بل مع العقلية "القذافوية" وجماهيرها العربية التي ناصرتها وشجعتها ورعتها وروجت لها ومدحتها وسوقتها في المحافل والمنتديات، منهم زعماء وقادة وأدباء وكتاب وإعلاميون ومثقفون وفنانون ومشايخ وعلماء دين، ولم يبد هؤلاء أي أسف وندم وحسرة أو اعتذار، وبعضهم لا يختلف عن الذين غيروا جلدهم كالحرباء كما فعلوا مع الرئيس المصري السابق، والتونسي من قبله بعد سقوطهما! لقد أشادوا بعقلية العقيد الفذة كفيلسوف العصر ومجدد الأمة الذي حل مشكلة الصراع العربي - الإسرائيلي في نظرية "اسراطين"، وطرده آلاف الفلسطينيين العاملين ليعودوا إلى وطنهم الجديد، بعد اتفاق أوسلو؟! وارجع إليه الفضل في إعادة اكتشاف مفهوم الديمقراطية وحكم الشعب ليس عن طريق الشعب بل عن طريق اللجان الثورية التي أطلق عليها "ديمومة الكراسي". وهو عندهم كان البطل المغوار الذي لا يشق له غبار، الذي رفض رئيس اكبر دولة في العالم (رونالد ريجان) منازلته في ساحة عامة على طريقة "الكاوبوي". وهو راعي الشهامة ورافع راية العروبة الأصيلة، الحامل خيمته العربية أينما اتجهت قافلته في العالم عند مبنى الأمم المتحدة في نيويورك أو قصر الاليزيه في باريس أو الجامعة العربية بالقاهرة. وهو الزعيم الثائر على الامبريالية وحاربها عن طريق دعم المجموعات الانفصالية المسلحة في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وتفجير الطائرات مثل قضية لوكربي (Lockerbie). وهو الداعية الإسلامي الكبير الذي دعا مئات الفتيات الايطاليات إلى الدخول في الإسلام ووزع عليهن نسخة من القرآن الكريم و"الكتاب الأخضر" الذي ألفه، واطلق عليه إنجيل العصر الحديث، ومبلغا ماليا قدره 50 يورو! هو أيضا المصلح الاجتماعي العظيم، محرر المرأة الذي وضع مصيره في أيدي النساء دون الرجال، وعين نحو 400 حارسة خاصة له، واشترط عليهن العذرية وعدم الزواج، وتوافر قدر معين من الجمال، والقوام الفارع والبنية القوية الشبيهة ببنية الرجال، والولاء المطلق؟!
لقد حول الزعيم الثوري خلال فترة حكمه التي تمتد زهاء 42 عاماً، ثلث الشعب الليبي إلى العيش تحت خط الفقر، بينما تراوحت ثروة عائلته بين 80 و 130 مليار دولار - تتوزع حول 50 بلدا في العالم، وتتركز معظمها في أوروبا وبعض دول الخليج، وفي بنوك أمريكية، ويدير هذه الأموال المهندس نجل العقيد، الذي يتمتع بنفوذ في تحريك الثروات، وفي شراء الأسهم وعقد الصفقات. تُعتبر ليبيا ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في إفريقيا، ويقدر حجم احتياطاتها بأكثر من 45 مليار برميل، كما تمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي تقدر بـ1500 مليار متر مكعب مما يجعلها تحتل المركز الرابع إفريقياً. وتستطيع ثروة القذافي التي استولى عليها من مال الشعب، أن تسد حاجة سكان العالم العربي، البالغ تعدادهم نحو (340 مليون نسمة) من واردات الغذاء بين 3 و4 سنوات؟!
عندما احرق نيرون روما عام (64م)، جلس يغني بأشعار هوموروس وتناول بيدية آلة للطرب وجعل يتمتم من كلمات القصائد والأغاني التي قالها الشعراء في وصف طروادة أثناء احتراقها، وظل يتفرج لأكثر من أسبوع على البشر من رجال ونساء وأطفال وهم يحترقون، كما زاد في بطشه وفجوره للأحياء منهم ولم يترك أية وسيلة لتعذيبهم والتنكيل بهم إلا وفعلها، إلا أن ثار الشعب وممثلوه على سلطته وجبروته وأعوانه، فمات منتحراً في عام 68م. تصرفات نظام العقيد تعيد أحداث الماضي الدموي الاستعماري في ليبيا، من خلال قصف طرابلس وغيرها من المدن، سواء بالطائرات أو المدافع وغيرها من الأسلحة الثقيلة، والاستعانة بقوات المرتزقة التي تضم جنودا أفارقة من التشاد والنيجر والصومال وطيارين من صربيا وأوكرانيا، ضد الشعب في محاولة مستميتة للبقاء في السلطة. النظام يهدد ويتوعد بالقتل والملاحقة ولم يقدم على تنازل واحد، فلم يتم التطرق إلى مطالب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، العدالة اجتماعية، المشاركة السلطة، الانتخابات البرلمانية، لا اعتراف بالمطالب الحقوقية الأساسية للشعب الثائر، فلا احترام لحقوق الإنسان والحريات والرأي والتعبير والخروج والتظاهر، ولا حتى اعتذار على مقتل المئات برصاص قوات الأمن والمرتزقة! لقد قال العقيد في احدى خطبه العرجاء، إن "الشعب الذي لا يحبني لا يستحق الحياة". إن الشعب الليبي يستحق الحياة والعيش الكريم، ولقد آن الأوان أن يسقط هذا النظام الاستبدادي المنبوذ والمحاصر شعبيا وإقليميا ودوليا أمس وليس اليوم، يقينا أؤمن بأنها مسألة أيام معدودات ويرمى في مزبلة التاريخ؟!
من النوادر الطريفة انه سأل رجل غربي، مواطنا عربيا، قائلا: ما طموحاتك المستقبلية؟ فأجاب العربي: طموحي يكمن في الحصول على وظيفة محترمة، وسكن نظيف، وعيشة كريمة، فقال له الغربي: يبدو انك لم تفهم سؤالي يا سيدي؟ لقد سألتك عن طموحاتك وليس عن حقوقك؟! لقد مات نيرون وذهب إلى مزبلة التاريخ، وظلت روما عاصمة الجمال والصمود والحب والحياة، ومثلها ستظل طرابلس عاصمة الشعب الليبي العظيم بعد العقيد. رثاء لشهداء الثورة الليبية، استشهد بأبيات من قصيدة محمود درويش في أوراق الزيتون التي يقول فيها (نيرون مات، ولم تمت روما، بعينيها تقاتلْ!وحبوبُ سنبلةٍ تموت ستملأُ الوادي سنابلْ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق