الأحد، 6 مارس 2011

صورة العالم العربي هل تتغير بعد الثورات العربية؟!

جريدة الشرق
7 مارس 2011

اليابان بعيون عربية (5)

لم أكن ارغب في مغادرة اليابان من دون مقابلة احد أهم الشخصيات (المستعربة) اليابانية المختصة في مجال الدراسات العربية وهو (نوبوأكي نوتوهارا)، الذي أثار كتابه "العرب وجهة نظر يابانية" الكثير من الجدل والعديد من الحوارات والنقاشات على جميع المستويات، ولا يزال كذلك كلما تطرق الحديث حول صورة العرب سواء في الغرب أو الشرق؟! للأسف انه برغم المحاولات، لم يسمح الجدول المزدحم بالسفر والزيارات والمقابلات في انجاز الرغبة الدفينة وربما هي حافز للعودة مرة أخرى إلى اليابان في المستقبل القريب لتحقيقها؟! ولد نوتوهارا عام (1940) في اليابان ودرس اللغة العربية وعلومها في بجامعة طوكيو، وحصل على زمالة في جامعة القاهرة، و زار بلاد الشام، وعاش مع البدو الرّحَّل، واليمن، والمغرب وغيرها من الدول العربية. وكانت اهتماماته الأدبية منصبة إلى ترجمة القصة القصيرة العربية. وكتابه "العرب وجهة نظر يابانية يقع في مائة وإحدى وأربعين صفحة، يتناول فيها تجربته في بلاد العربان. ومن أهم الملاحظات النفسية البارزة لتي يشير لها نوتوهارا عن العرب، أنهم يعانون من عقدة الشرف، وأنها عقدة تتحكم في مجمل سلوكياتهم. فقد كانت تربية العربي على يدي الخطاب التقليدي تؤكد له أن استشعار عيوب الذات هو استشعار للعار، فتكون النتيجة أن يهرب من هذا العار إلى لغة النقائض الشعرية: تبجيل الذات، وانتقاص الآخرين، وكأن ما يحدث على مستوى الكلام، يحدث على مستوى الواقع، فالانتصار اللفظي، يعيه العربي بوصفه انتصارا فعليا.
يذكر نوتوهارا أن الهاجس الأول الذي يشغله عند زيارته لعاصمة عربية هي غياب العدالة الاجتماعية « وهذا يعني غياب المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه الناس، مما يؤدي إلى الفوضى. ففي غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القوانين على الجميع بالتساوي يستطيع الناس أن يفعلوا كل شيء. ولذلك يكرر المواطنون دائما.. كل شيء ممكن هنا. وأضيف كل شيء ممكن لأن القانون لا يحمي الناس من الظلم. تحت ظروف غياب العدالة الاجتماعية تتعرض حقوق الإنسان للخطر. ولذلك يصبح الفرد هشا ومؤقتا وساكنا بلا فاعلية لأنه يعامل دائما بلا تقدير لقيمته كإنسان.. واستغرب باستمرار لماذا يستعملون كلمة الديمقراطية كثيرا في المجتمع العربي؟ ان ظروف الواقع العربي لا تسمح باستعمالها لأن ما يجري فعلا هو عكسها تماما». وهو يؤكد بأنه عندما تغيب الديمقراطية ينتشر القمع، وأن انتشاره هو واقع لا يحتاج إلى برهان في البلدان العربية. فالحاكم العربي حاكم مدى الحياة بالدولة كيفما كانت: على أساس ديني أو ملكي أو جمهوري أو كانت إمارة أم سلطنة. ويستنتج بأن الناس لذلك لا ينتظرون شيئاً لصالحهم. وهو يشير لمثال آخر أن معظم الصحف العربية تمنع من الدخول من بلد إلى بلد، والرقابة على الكتب والمجلات ليست بأقل من الرقابة على الصحافة. هنا مئات الكتب العربية، وغير عربية ممنوعة في معظم البلدان العربية، وخاصة الكتب التي تعالج الحقائق اليومية الملموسة للناس، والكتب التي تتعرض للدين أو الجنس أو حياة الفئات الحاكمة أو تتكلم عن واقع السجون والحريات العامة وما شابهها.. وهناك في كل سنة في معارض الكتب العربية قوائم طويلة بالكتب الممنوعة دون أن يستثنى من ذلك بلد عربي واحد.
ويسوق نوتوهارا في حديثه على انعدام الشعور بالمسئولية في الكثير في الدول العربية مثلاً على ذلك زيارته صديق له، ويقول: «عندما وصلتُ للحيّ الذي يسكنه فاجأتني القاذورات، وفضلات الطعام، وكافة أشكال النفايات، وأكياس الزبالة، كانت منشورة بعشوائية على الأرض،والشارع والزوايا...وصلتُ إلى البناية التي يسكن فيها ذلك الصديق، المدخل كان قذراً، والدرج أيضاً، ولكن لدهشتي فقد وجدتُ عالَماً آخر خلف باب صديقي. كان البيتُ نظيفاً للغاية، وكان مُرتَّباً، وأنيقاً، ومُريحاً. لقد فهمتُ أنّ كلّ ما يخص الملكية العامة يُعامله الناس كأنّه عدوّ فينتقمون منه، ولذلك نجد المقاعد في الحدائق العامّة مُكسَّرة، أو مخلوعة، ونجد معظم مصابيح الشوارع مُحطَّمة، كما أنّ دورات المياة قذرة بصورة لا توصف، وحتى المباني الحكومية فقد لحق بها كلّ أنواع التخريب الممكنة. تلك المظاهر السلبية اختفت من المجتمع الياباني. ولكنها لم تختف منذ زمن طويل. لقد استمرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات. ولكننا انتصرنا عليها وتحررنا منها وعرفنا مسؤوليتنا عن الملكية العامة معرفة جيدة.
ويعقد نوتوهارا مقارنة بالاهتمام بالمواهب الطفولية واحتوائها وتنميتها وإبرازها، ويروي حكاية طفل عربي كان في السّادسة من عمره عندما قابله أوّل مرّة. " كل شيء في ذلك الطّفل كان يوحي بأنّه سيصبح كاتبًا أو شاعرًا لو كان طفلاً في اليابان. بعد عشر سنوات رمى الطفل موهبته كلّها وأصبح راعيًا نموذجيًا كما يتوقّع منه المجتمع. لقد قابلتُ فتيات وفتياناً صغاراً موهوبين ولكنّهم انتهوا إلى أفراد عاديين لأنّهم لم يجدوا أي نوع من الرّعاية لأنّ المجتمع يحتاج إلى قدرة واحدة تناسبه كراع. المجتمع العربي عامة ليس عنده استعداد ليربي المواهب ويقوّيها. الأمر مختلف عندنا في اليابان لأننا نعتبر الموهبة الفردية قدرة تحقق نجاحًا في حياتنا. ولذلك يراقب الوالدان الطفل ويدققان في قدراته في الموسيقى والعلم والرّياضة. هذه ظاهرة اجتماعيّة عامّة في اليابان. كل والدين يراقبان، يبحثان، بعدئذ يقدمان كل إمكانياتهما لدعم موهبة الطفل."
وفي موقف أخر عن تصرفات الشاذة بطلها طفل أيضا شاهده في أحدى الدول العربية يقول نوتوهارا «كنتُ أجلس في بيت العُمدة في الريف، وكنّا نرى الشارع مباشرة، ولقد شاهدتُ يومها طفلاً يلف خيطاً على عنق عصفور صغير ويجرّه وراءه، والعصفور يرفرف على التراب. كان الطفلُ وكأنه يجر حماراً أو كلباً، وكان الناس يمرون بجانب الطفل دون أن يقولوا له شيئاً! إذن كان المنظر طبيعياً بالنسبة لهم; طفل يتسلى بلعبة! لقد فهمتُ الأمر وما شابهه على النحو التالي: ضعيف تحت سيطرة قويّ، والناس يقبلون سلوك المسيطِر القويّ، ويرضخون له... وبالنسبة لي فإنّني أتساءل: إذا سمح المجتمع بهذا المنظر فإلى أين سيصل؟».
من العبارات "المهمة" التي تطرق لها نوتوهارا انه كثيرا ما واجهه هذا السؤال في البلدان العربية: لقد ضربتكم أمريكا بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها؟ وهو يشير إلى أن "العرب عموما ينتظرون من اليابانيين عداء عميقا لأمريكا. ولكن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء. علينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنا أولا ثم نصححها. المشكلة ليست في أن نكره أمريكا أم لا. المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم نمارس نقدا ذاتيا بلا مجاملة لأنفسنا بعدئذ نختار الطريق الصحيح. ويختتم مقدمة كتاباته بعبارات بقوله" لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا لا ينتقدون أخطاءهم؟ لماذا يكررون الأخطاء نفسها؟ نعرف أن تصحيح الأخطاء يحتاج إلى وقت، لكن السؤال هو: كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟
يورد نوتوهارا قصة جميلة معبرة على شكل حوار مع الكاتب يوسف إدريس الذي زار اليابان عدة مرات، وقال له : إنه كان يبحث عن سر نهضة اليابان التي أدهشت العالم، والأسباب العميقة التي جعلت بلدا صغيرا معزولا كاليابان يصبح قوة صناعية واقتصادية كبرى. وبعد الزيارة الثالثة سأله: هل وجدت الإجابة في اليابان ؟ قال نعم! عرفت السبب. مرة كنت عائداً إلى الفندق في وسط طوكيو حوالي منتصف الليل، ورأيت عاملاً يعمل وحيداً. فوقفت أراقبه لم يكن معه أحد. ولم يكن يراقبه أحد ومع ذلك كان يعمل بجد ومثابرة كما لو أن العمل ملكه. عندئذ عرفت سبب نهوض اليابان: شعور ذلك العامل بالمسؤولية النابعة من داخله بلا رقابة. وعندما يتصرف شعب بكامله مثل ذلك العامل فإن ذلك الشعب جدير بأن يحقق ما حققتموه في اليابان.
قد تكون مجمل الآراء والانطباعات التي خرج بها نوتوهارا عن العرب صادمة للكثيرين ولكنها صورة تمثل ملامح من الأوضاع المزرية التي يعيشها العرب في عالم تتحكم به الأنظمة الشمولية المستبدة، وربما تكون مرحلة التغير في الدول العربية التي بدأ في تونس ومصر، بداية تشكيل نماذج مغايرة تبرز ملامح أكثر إشراقا لصورة الإنسان العربي الجديد؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق