الثلاثاء، 22 مارس 2011

الجنون في ليبيا.. التعقل في البحرين.. والحكمة في اليمن!

جريدة الشرق
2011-03-23

الاستعانة بالرمضاء والنار لكي توقف المجزرة بحق الشعب الليبي
أحداث المنامة غريبة على طبيعة شعبها المسالم المتسامح
اليمن يسير نحو أزمة شاملة تهدد كيان الدولة

اضطرنا ملك ملوك الديكتاتورية والمذابح الإنسانية في افريقيا والعالم العربي، ونحن البلد العربي الصغير الذي يقع على ضفاف الخليج (قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي تعهدت بالمشاركة في الجهود الدولية بهدف وقف سفك الدماء وحماية المدنيين في ليبيا)، أن نرسل أبناءنا ونشارك ونساند بلا تردد التدخل العسكري الذي جاء تحت غطاء دولي وبعد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبإجماع، والذي يقوم بقصف جوي وبحري لأهداف عسكرية للنظام القاتل. لقد تمت الاستعانة بالرمضاء والنار لكي نوقف المجزرة التي يقوم بها العقيد وقواته المرتزقة ضد الشعب الليبي وثورته. لولا التحالف الدولي والتدخل العسكري من كان يستطيع أن يوقف جنون العقيد الذي وعد بتطهير البلاد "زنقة زنقة"من كل من يفكر بالحرية أو حتى يحلم بها في منامه، حين بدأ في إرسال طائراته الحربية لتقتل الشعب الذي وصفه بالجرذان والمهلوسين، ولتجبرهم على حمل السلاح للدفاع عن حياتهم وعن أسرهم التي أصبحت أهدافاً لقصف قوات العقيد الليبي بعد أن كانت المطالبات سلمية ومشروعة!!.
الجيش الذي بناه العقيد استعدادا لهذا اللحظة في مواجهة الشعب خلال فتره حكمه التي تجاوزت أربعين سنة ونيف، يمتلك أحد أهم الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط، ويضم 374 طائرة مقاتلة وأكثر من 85 طائرة نقل عسكري و136 مروحية عسكرية، ويقدر عدد قواته الجوية ما بين 18 ألفاً و22 ألف فرد، وتوجد على أراضيه 13 قاعدة جوية. ووفقاً لمؤشرات عام 2010 تمتلك القوات الجوية الليبية تسعة أسراب من المقاتلات تتضمن 15 طائرة مقاتلة من طراز “ميراج إف”، و45 مقاتلة “ميج — 21”، و75 طائرة فلوجر “ميج — 23”، و94 طائرة “ميج — 25”، وعدد كبير من أسراب الطائرات المقاتلات العسكرية السوفيتية والأوروبية، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات محمولة على طائرات عمودية.
إن الدعم والمساندة لكفاح الشعب الليبي ضد هذا النظام الدموي والقمعي أصبح فرض عين على كل بالغ عاقل. فلم يعد هناك مجال لمسك العصا من النصف، والتذرع بالتدخل الخارجي والصليبي كما يصوره خطاب العقيد الذي اتهم القاعدة بمساندة الثورة وأعلن الحرب عليها وهو الآن يتبنى خطابها!! أو اتخاذ مواقف محايدة فهي كلها تصف في مصلحة ميزان القوى العسكرية الذي لا يزال يصب في مصلحة هذا النظام الجائر الذي قربت ساعة رحيله. ويجب أن نؤكد رفضنا أن يكون التدخل العسكري مقدمة للتحكم في ثروات الشعب الليبي الغني ووطنه بالبترول والغاز.

* البحرين "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه"
ما وقع في البحرين في الآونة الأخيرة من أحداث مؤسفة عنيفة وغير مسبوقة في تاريخها، بل غريبة على طبيعة شعبها المسالم المتسامح، يدعو إلى الكآبة والحزن على هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعا، فلم تكن العنصرية والطائفية والمذهبية والقبلية تتحكم في رقاب الجميع لو تم اللجوء إلى الحوار وإقرار المطالب المشروعة بطريقة حضارية وسلمية.
من الضروري العودة إلى تحكيم العقل ورجوع أصحاب المواقف الحكيمة والمعتدلة والعاقلة من جديد إلى الساحة من كل الأطراف، حتى لا ينزلق الجميع إلى حرب أهلية طائفية مثل لبنان، ولمنع التناحر والصراع والحقد والضغينة بين أبناء الشعب الواحد وان اختلفت مذاهبه بين (السنة والشيعة)، ولسد الطريق على التدخلات الأجنبية الخارجية التي تريد إشعال المنطقة من خلال صب الزيت على نار الفتنة، لكي تحقق أجنداتها الخاصة.
ندعو اخواننا ألا يلتفتوا إلى بعض الأصوات المتشنجة المتطرفة المحتقنة الطائفية التي تصدر مع شديد الأسف من بعض المنابر الإعلامية والفضائيات وبعض خطباء المساجد والجوامع والمآتم، حقيقة يفترض أن تكون هذه المنابر ودور العبادة مواقع لنشر فضيلة المحبة والتسامح والسلام بين الأنام لا أن تكون أماكن لتبادل الكراهية والتحريض والتجييش والعنف. كل أملي اليوم قبل الغد أن يعود الاستقرار إلى درة الخليج البحرين، ان أفضل مبادرة من الممكن أن تقدم للقضاء على التطرف والعنف والتهميش هي صياغة مشروع وطني يحول هذا البلد العزيز إلى نموذج يحتذى من الدول الخليجية الأخرى من خلال الانفتاح السياسي، وتفعيل نظام الملكية الدستورية، وتعزيز الدور البرلماني التشريعي، واحترام حقوق الأقلية، وتعزيز دور الوحدة الوطنية على قاعدة العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان. ما أجمل هذا الشعار لو تم الإيمان والعمل به في البحرين لتجاوز أزمة البحرين اليوم "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه".

* اتباع الحكمة في اليمن
"زينة الرجال" هو لقب السلاح في اليمن وهي من أخطر الظواهر انتشارا في صفوف الشعب اليمني (اليمنيون الذين يمتلكون أكثر من ستين مليون قطعة سلاح)، ورغم ذلك جاءت الثورة الشعبية في اليمن سلمية، حيث حرص المشاركون فيها على عدم التجاوب مع استفزازات النظام واللجوء إلى السلاح، إلا أن المطالبات بالإصلاح السياسي ورحيل الرئيس والنظام تعرضت للتصفية بطريقة دموية من قبل قوات الأمن الحكومية. لقد تمكن الرئيس اليمني الذي يمتلك قدرة كبيرة على التغيير وتبديل المواقف والتجاوب مع مختلف الأوضاع، وقد تجاوز العديد من الأزمات والانقلابات والصراعات وحرب الانفصال منتصف التسعينيات التي هددت نظامه، مما مهد إلى استمراره في السلطة لأكثر من ثلاثين عاما (يعد ثالث أطول رئيس عربي بقاء في كرسي الحكم)، ولكن طبيعة المرحلة الحالية التي يحركها جيل جديد من خلال الثورة الشعبية الشبابية ضيقت مساحة المناورة حتى لو شهدت تنازلت وتضحيات سياسية فهي كلها تعتبر أنها تصب في صالح استمرار النظام!! المؤكد أن اليمن يدفع ثمن تأجيل الإصلاح والتوريث ومنح السلطات للأقارب وتمركز اتخاذ القرارات المصيرية جلها في أشخاص معدودين!!
يرى العديد من المحللين السياسيين أن اليمن يسير نحو أزمة خطيرة اتسع نطاقها واستحكمت حلقاتها مهددة كيان الدولة وكل مكتسبات الشعب ونضالات أحرارها، كنتيجة محتمة لممارسة السلطة خارج إطار الدستور والقانون واتباع سياسة الإقصاء والتهميش وغياب العدالة، وأن قمع المعتصمين السلميين المحتشدين في الساحات العامة في عموم محافظات الجمهورية أدى إلى دوامة من الأزمات وتصاعدها كل يوم وتزداد تعقيدا وتدفع البلاد إلى شفير هاوية العنف والحرب الأهلية. اتباع الحكمة من قبل النظام ضروري للخروج من نفق الأزمة اليمنية الذي قد يتحول إلى انهار من دماء إذا ارتفعت وتيرة المواجهة بين النظام وقيادات الثورة الشعبية، والقبول بالعرض المقدم من قبل المعارضة اليمنية وبعض علماء الدين على الرئيس اليمني الذي ينص على رحيله قبل نهاية العام 2011، يعد احد المخارج الرئيسية لنزع فتيل انفجار الأزمة.

كلمة أخيرة
العيون اليوم تتجه بنظرها نحو دول الخليج وكيف ستتعامل مع التحديات المستقبلية التي تواجهها في ظل عواصف التغيير الجذرية التي تواجه العالم العربي، خصوصاً بعد التداعيات والأحداث التي وقعت في قلب الخليج وأطرافه في البحرين واليمن وعمان وإيران، وبروز التصريحات والتحركات عن بعض قادة مجلس التعاون الخليجي في ضرورة تبني مجموعة من الإصلاحات وتوسيع المشاركة السياسية وصناعة القرار من قبل أعضاء المجتمع ومؤسساته.. الشعوب الخليجية تطمح الى المزيد من الحريات والمشاركة.. فليس بالشرهات والعطايا وحدها يحيا الإنسان!!.

هناك تعليق واحد:

  1. تحياتي لك يا أستاذ خالد على منطق العقل الذي تدعو له في البحرين. وأشكرك على وصف مطالب الشعب البحريني بالمشروعة وهي بالفعل كذلك ولولا الفتنة التي سعت إليها الحكومة البحرينية حفاظا على موقعها لكان الشعب البحريني اليوم بسنته وشيعته مجمع على هذه المطالب.
    السنة والشيعة اخوان ومتوحدون في حب أوطانهم .. هذا ما يجب على الجميع فهمه والتأكيد عليه اليوم.
    أما المرجعيات الدينية عند الطرفين وللأسف فقد أصبحت جزءا من المشكلة

    ردحذف