الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

نظرة خليجية سلبية نحو مؤسسات المجتمع المدني!

2010-10-27
جريدة الشرق

عدد الجمعيات والمؤسسات الخاصة يتجاوز عشرة آلاف وعضوية مليون شخص من 48 مليوناً عدد سكان الخليج
معظم الجمعيات يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي
غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور

عدة تعريفات ارتبطت بمفهوم المجتمع المدني سواء تلك التي ارتبطت بالفكر أو الممارسة، إن مفهوم المجتمع المدني، ينطوي على تنظيم الناس لأنفسهم للمشاركة في حل مشكلاتهم والتعبير عن آرائهم ومبادئهم ومعتقداتهم، والدفاع عن مصالحهم في مواجهة الآخرين بشكل سلمي، والمدنية التي يشتق منها لفظ مدني تعني الأسلوب المتحضر في التعامل والتسامح مع الآخر كما يشير علي الصاوي. ولكن هل يوجد مجتمع مدني في منطقة الخليج، الدراسات المختلفة تشير الى أن عددها يتجاوز عشرة آلاف جمعية ومؤسسة خاصة بالمجتمع، كما يتراوح عدد المنتسبين المنضمّين إليها ما يزيد على مليون شخص من 48 مليوناً وهو عدد السكان في الخليج حسب الإحصائيات الرسمية. إلا أن الصفة الغالبة في هذه المؤسسات أن اغلبها مؤسسات خيرية أو يغلب عليها التوجّه الخيري والإنساني والطابع الدعوي الإسلامي في إطار حقوق الزكاة أو ما نسميه "التكافل الاجتماعي" لمساعدة من يحتاج إليه، لاسيما من ذوي الإعاقة أو الفئات الفقيرة أو الضعيفة، ويقول الباحث عبد الحسين شعبان، إن تداول مفهوم الشراكة والتحول الكوني باتجاه الإصلاح والاعتراف بدور المجتمع المدني، جعل الدولة الخليجية الريعية أمام سؤال كبير، إذ لا يتعلق الأمر بالاقتصاد ودور القطاع الخاص والاعتماد على اقتصاد السوق فحسب، بل يتعلق بدور المجتمع المدني، خصوصاً أن دولاً خليجية كانت قد وقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يتطلب تكييف قوانينها وأنظمتها، فضلاً عن دساتيرها لتتماشى مع الاتفاقيات الدولية، وإن تطلّب الأمر مراجعة ذلك ضمن نظرة شاملة في إطار المُنتظم العالمي، وهو ما يمكن إشراك المجتمع المدني فيه. وينوه شعبان بأن الخطاب الرسمي الخليجي يؤكد قيمة المشاركة ودور المجتمع المدني، إلا أن ثمة كوابح منظورة وأخرى غير منظورة بحكم طبيعة المجتمعات الخليجية المحافظة التي تحول أحياناً دون مشاركة فعّالة، ناهيكم عن المركزية في شكل الدولة، يضاف إليها التماهي بين الحاكم والسلطة أحياناً. ولعل أهم العقبات الفكرية والعملية التي تعترض المشاركة هي عدم وجود تشريعات تؤمن ذلك، فالحكومة في غالب الأحيان هي المخوّلة بالتشريع، ناهيكم عن أن التمويل بيدها، وهي تنظر إلى مؤسسات المجتمع المدني نظرة تصغيرية وتشكيكية، فإما أنها تعتبرها منظمات سياسية وفي خانة المعارضة أحياناً أو جزءا من توجهات خارجية، أو تتحفظ على أهدافها وأساليب عملها؟!
طبيعة المجتمع المدني الخليجي مرت بعدة مراحل، تطرق لها الباحث رمضان عويس، أهمها مرحلة البدايات وهي جاءت مع بدايات النصف الأول للقرن العشرين خاصة في دولتي البحرين والكويت، وقد غلب على هذه المرحلة مشاركة النخبة السياسية الحاكمة ذاتها في تكويناتها بجانب فئات التجار والصيادين والملاحين، كما غلبت على أهدافها النواحي الثقافية والأدبية والتنموية، ومن ثَم لم يكن غريباً أن تأتي مطالبها ومواقفها متناغمة إلى حد كبير مع مطالب النخبة الحاكمة والمنتدب البريطاني آنذاك. مرحلة الانتقال وترجع إلى خمسينيات القرن العشرين والستينيات، حيث بدأت دول تلك المنطقة تعرف شكلاً أكثر تبلوراً للدولة بالمعنى الحديث، ومن ثَم بدأت مطالب وتشكيلات مؤسسات المجتمع المدني تنحو نحو الجوانب السياسية وقضايا المشاركة الشعبية. وقد شهدت مجتمعات مثل البحرين والكويت ودبي مظاهرات وانتفاضات تصب في هذا الاتجاه. بعدها مرحلة الطفرة النفطية، حيث بدأت عوائد النفط تؤتي ثمارها وبدأت خطط التنمية الاقتصادية تتبلور بشكل واضح، كما أن مؤسسات الدولة بدأت في الترسخ، وتدعمت سياسات الدولة في مجال التعليم والخدمات بالشكل الذي نراه في وقتنا الحاضر، وهو ما وضع دول الخليج العربية في مراتب متقدمة في تصنيفات التنمية البشرية عالميّاً وعربيّاً، كما بدأت تلك الدول تتوسع في الأخذ بنظام المجالس الشورية سواء المنتخبة أو المعينة.
في كتابه عن المجتمع المدني الخليجي تحت عنوان "الديمقراطية العصيّة في الخليج العربي يقوم الدكتور باقر النجار بعرض وتحليل دقيق للمجتمع الخليجي وطبيعة مؤسسة الدولة وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في كل من الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر. ويستند إلى دراسة ميدانية شاملة تتضمن عشرات البيانات والجداول التي تتناول الهيئات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب، السياسية والدينية، وميادين نشاطها ووسائل تمويلها وأساليب عملها. ويرصد ما طرأ على هذه المعطيات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي ضوء المتغيرات التي تفرضها العولمة، ثم يستشرف مستقبل الإصلاح السياسي في منطقة الخليج. ويعتبر المؤلف أن المجتمع المدني عبارة عن تجمعات ذات هياكل تنظيمية، وهي تجمعات ومنظمات لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي المباشر للفرد المنتمي إليها أو الجماعة المشكلة لها. وأعضاؤها هم كذلك بفعل إرادتهم الحرة وخيارهم الشخصي، لا بفعل انتماءاتهم القبلية أو الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية. وهي منظمات تعمل في الفضاء القائم بين الدولة والعائلة. ولكونها منظمات مدنية، فإنها لا تمارس العمل السياسي كالأحزاب والمنظمات السياسية، إلا أن السياسة تتقاطع مع بعض أنشطتها، كما أنها لا تمثل العنصر الأصيل فيها كما هي حال الأحزاب والمنظمات السياسية. ومنظمات المجتمع المدني لا تأتي على وتيرة أو نسق موحد، وإنما هي تتشكل في إطار الفضاء والسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي السائد. وهي بذلك قد تختلف من مجتمع لآخر ومن سياق زمني لآخر، إلا أن جوهر تشكيلها ونشاطها اللاربحي والمجتمعي هو الباعث على تشكيلها. ويشير النجار الى أن التحولات التي شهدتها المنطقة، منذ «الطفرة النفطية» في السبعينيات مروراً بالثورة الإيرانية وحروب العراق الثلاث، ساهمت في حل بعض من المشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية لمجتمعات دول الخليج العربي. إلا أنها بالمقابل قد عمّقت من معضلات علاقة الدولة بالمجتمع في الداخل، وتحديداً في علاقتها مع الجماعات والفئات الأقل حظاً في نصيبها من الثروة النفطية، أو في علاقتها مع الفئات الطبقية الجديدة التي لم تعد قادرة على التكيف مع الآليات التقليدية في إدارة الدولة في مجتمعات بدت في جوانبها المادية والاقتصادية في غاية التعولم.
نصيحة يقدمها فؤاد إبراهيم لدول الخليج يذكر فيها أن المراقب لأوضاع الخليج خلال العقدين الماضيين يلحظ بوضوح كيف بدت الحاجة إلى أن تفسح دول الخليج المجال أمام ظهور مؤسسات أهلية تستوعب هذا التطور الكبير الذي شهدته هذه الدول مع اتساع حجم الطبقة الوسطى كمنتج أساسي لعملية التحديث. ففرص التعبير الحالية لم تعد كافية لاستيعاب حاجات المواطنين، والافتتان المكرور بما يسمى بالمجالس المفتوحة أو مجالس استشارية مترهلة أو الاحتجاج بنصوص مفتوحة في الدساتير أو النظم الأساسية لا يتجاوز غرضها حد "كليشيات" التجميل لن يلغي حقيقة كون هذه المجالس والنصوص تظل عاجزة عن توفير الضمانات الكفيلة بتلبية متطلبات مجتمعات مفتوحة على التجارب السياسية في العالم مع غياب مؤسسات أهلية قادرة على حث الدولة باتجاه تفعيل مواد النظام الأساسي أو الدستور. وحتى لا نضيف في رصيد المقولة الدارجة بأننا نسن القوانين حتى نخالفها، فإن الحاجة تجاوزت مجرد وضع قوانين معلبة فالقوانين تسن لتنظيم عمل المؤسسات للحيلولة دون تداخل مهماتها وأدوارها ولكن حين لا توجد هناك مؤسسات في الأصل فان وجود القوانين يصبح لغواً باطلاً، بل تصبح القوانين غطاء يحمل بداخله مبرر انتهاكه وخرقه. ثمة حاجات لدى مواطني هذه البلدان يراد لها أن تعبر عن نفسها في مؤسسات، فإما أن تتولى الدولة مهمة خلق المناخ المناسب ووضع الترتيبات القانونية لظهورها كما حدث في البحرين منذ ديسمبر الماضي أو أن ترعى الدولة المبادرات المستقلة التي يضطلع بها ذوو الكفاءات والمهتمون بتنمية المواهب وتمثيل المصالح العمومية. مع الإشارة إلى أن الرعاية لا تعني سوى تقديم الدعم المادي والمعنوي لها لا الانطلاق من فكرة الاستحواذ عليها أو ربطها بالجهاز البيروقراطي وإحالتها إلى مجرد جهاز ملحق بنشاطية الدولة كما الحال بالنسبة للنوادي الرياضية والأدبية والمؤسسات الصحفية التي بدأت مستقلة في نشأتها ثم تحولت إلى أجهزة ملحقة بماكينة الدولة.؟!
من الواضح أن هناك سعيا في معظم دول الخليج لتأخير التغيير قدر الإمكان لكنها فاتورة مكلفة ستدفع المنطقة ثمنها باهظا وان طال الزمن والسؤال لماذا تفعل ذلك؟!

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

شجون الحديث حول الديمقراطية والانفتاح في المجتمع

2010-10-20
جريدةالشرق

حل وزارة الإعلام جعل الفجوة كبيرة بين الإعلام الداخلي والخارجي
المنتديات والمواقع الإلكترونية تعرض الآراء التي لا تجرؤ الصحف على نشرها
ما أهم إشكاليات الديمقراطية وكيف نتعامل معها؟

يثير الحديث حول الديمقراطية في مجتمعنا الصغير والذي يطرحه بعض الزملاء في الصحف الشجون من جديد، فبعض الصحف تمتنع عن نشر مقالات الرأي والرأي الآخر لزملاء المهنة، والصحف الأخرى تنشر بتحفظ! مما يجعل الحوار ينتقل إلى المنتديات والمواقع الالكترونية التي تنشر المقالات الممنوعة مع التعليقات عليها بجرأة لم نعد نراها في الصحف المحلية، وهو مؤشر خطير يدل على أن الحديث حول حرية الرأي والتعبير والانفتاح الإعلامي في المجتمع مازال بعد كل هذه السنوات من حل وزارة الإعلام محل تساؤل كبير يطرح في كل محفل للمقارنة بين الإعلام الداخلي، متمثلا في محوره الأكبر الصحافة، والإعلام الخارجي ممثلا بمحطة الجزيرة وملاحقاتها! لا أريد أن ادخل في مجادلات وردود حول ما كتب فليس هذا ديدني، وإسهامي في الموضوع يأتي من قبيل الإضافة إلى الحوار الذي انفتح بين النخبة في مجتمعنا وبعضها لا نرى ولا نسمع منه إلا في المناسبات والمواسم والأعياد. الملاحظ في الحديث عن الديمقراطية أنها تطرح من قبل الجميع والكل له رؤيته الخاصة حولها وهو حق مشروع إلا أن في الحديث حول التفاصيل (الشيطان يكمن في التفاصيل حسب المثل الفرنسي) نلاحظ أن الحوار يأخذ بعدا آخر غير ديمقراطي إطلاقا ولا يحترم أهم عنصر من عناصرها وهو الاختلاف والتعددية في الطرح، لتبدأ بعدها التصنيفات العرقية والعائلية والمذهبية والقبلية! والغمز واللمز بتاريخ فلان ومواقف علان وتوجهاته الفكرية! لقد استرعى انتباهي الحوار الحضاري والراقي بين الزميلين عبدالعزيز الخاطر ومحمد الخليفي وأيضا مقال الزميلة مريم ال سعد والدكتور حسن السيد عن قضايا الوطن، وكم أتمنى أن يتم توسيع دائرة الحوار في مشاركة أعضاء المجتمع والنخبة المثقفة في تناول القضايا المصيرية في المجتمع من خلال إفساح المجال الإعلامي بكل أدواته الصحافة والإذاعة والتلفزيون والجزيرة وإنشاء المنتديات أو المواقع التفاعلية وعدم التضييق على حرية الفكر والرأي والتعبير التي تطرح من خلالها، وإذا كانت مبادراتنا قد طارت إلى بيروت ودارفور ومحافظة صعدة وغزة وطهران، ففي نهاية المطاف لا بد لها أن تعود أدراجها إلى الدوحة وتبدأ بترتيب البيت من الداخل؟!
انطلاقا من نقطة الصفر (Ground Zero) نطرح السؤال البديهي: ما هي الديمقراطية؟ كيف نفهم الديمقراطية في مجتمعاتنا التي مازالت تتحدث عنها نظريا ولم تدخل في عمق التجربة عمليا؟! وما أهم الإشكاليات التي تواجهها والتي تمنعها من أن تكون ثمرة يانعة في صحرائنا العربية. ومع أن التعريفات كثيرة ومتشعبة حول تعريف الديمقراطية وهي متاحة ومتداولة، دعونا نركز على الإشكاليات وأتذكر في هذا السياق مقالة علمية من أروع ما قرأت تناولت الإشكاليات بمنهج التفكيك وإعادة التركيب بمشرط المفكر العربي جورج طرابيشي الذي يختصر إشكاليات الديمقراطية في العالم العربي إلى ستّ إشكاليات محورية، هي: إشكالية المفتاح والتاج، إشكالية الثمرة والبذرة، إشكالية المفتاح، إشكالية الشرطي ورجل المباحث، إشكالية الذئب والحمل، إشكالية الصندوقين. وتعني إشكالية "المفتاح والتاج"، ما يعنيه السؤال الأبديّ: منِ الأسبقُ: البيضة أم الدجاجة؟ أي هل أن الديمقراطية سبب أم نتيجة؟ فالذين ينطلقون من أنها هي الخلاص المطلق لكل ما نعانيه في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، يجعلونها "شرطاً سابقاً لكلّ نتيجة لاحقةٍ"، ولكن طرابيشي يشير بأن ثمة حالاتٍ لم تحتمل فيها مجتمعاتٌ بعينها قبول الديمقراطية مع أن جسم هذه المجتمعات كان مريضاً، ومع ذلك رفضها كترياقٍ سحريّ. وهذه المجتمعات ليست إلا بعض الدول التي يقال عنها إنها مسقط رأس الديمقراطية وليست دول عالم ثالث أو متخلف أو متأخر أو مفوّتٍ ومثالا على ذلك يذكر تجارب كل من الديمقراطية الأمريكية المكارثية والديمقراطية الفرنسية في الجمهورية الرابعة… وغيرها.، يتساءل من هنا ليصل إلى الإشكالية الثانية: "هل الديمقراطية ثمرةٌ يانعةٌ أم هي أيضاً برسمِ الزرع؟"، ويعتبر أنه إذا استنبتنا الديمقراطية عن طريق المثاقفة في تربة غريبةٍ عن شروطها وطبيعتها ولم نجعل منها كائنا داخلياً وصالحاً للتكيف مع ما هو خاصّ فسرعان ما تذوي "وتتحوّل إلى عشب سامّ"… وقد فعل هذا كثيرٌ من الحركات السياسية التي استوردت البضاعة الأجنبية إلى جانب "الديمقراطية" لتنشرها في سوقٍ داخلية غير مؤهّلة للتعامل معها. فالديمقراطية، على هذا الأساس وكما يدعون، هي مفتاحٌ لكل الأبواب، ولكن لماذا يتجاهلون أنها "هي نفسها بحاجة إلى مفتاح، ولعل بابها لا ينفتح إلا بعد أن تكون سائر الأبواب الأخرى قد فتحت"؟
ويعتبر طرابيشي أن المفتاح الحقيقي للديمقراطية هو: شرطُ الحامل الاجتماعي لها. ويفسر ذلك بأن الديمقراطية هي من نتاج الحداثة التي كانت أصلاً نتاجاً للطبقة البرجوازية الأوروبية ولهذا "إن الديمقراطية وان لم تتواجد حيثما تواجدت البرجوازية فإنها تغيب حيثما غابتْ". ومن هنا تغيب الديمقراطية عن الدول التي تحكمها "الأنظمة الثورية الانقلابية" التي كانت تعتمد على توظيفِ المجتمع في خدمتها جاعلةً منه حقل صراعٍ مخابراتيّ يفسد بعضه بعضاً… و"يُفسد" فيه الأخ على أخيهِ، والابن على أبيه. وذلك من خلال الاعتماد على رجل المباحث في إدارة شؤون الدولة، لا رجل الشرطة. وهذه هي الإشكالية الثالثة، التي تغيب معها وظائف القانون التي يسعى إلى تحقيقها رجل الشرطة كحارسٍ للقانون وتمت الاستعاضة عنه برجل المخابرات الذي يشتغل وفق منطق الولاء الشخصي والطائفي والعشائري، أي غابت الدولة عن المجتمع العربي وحضرت بدلا منها صيغ وتشكيلات هجينة سرقت دورها وغيبت وظائفها… ويقول طرابيشي: "وبدون أن نماري في ضعف المجتمع المدني العربي وطراوة عوده وضيق هامش استقلالية المنظمات الناطقة باسمه ومحدودية فاعليتها، فإننا نعتقد أن مردّ المأزق الديمقراطي في العالم العربيّ ليس إلى قوة حضور الدولة، بل على العكس — ومهما بدت المفارقة قويةً — إلى استضعافها وتغييبها".
ومع هذا لا يقف طرابيشي موقف المعجبِ الرومانسي بالدولة أو المجتمع، فهذان ليسا ضحية ولا حملاً ولا يمكنُ اختصارُ المسألة إلى ثنائية نبرّئ أحدَ عنصريها ونلقي التهمة كلها على الجانب الآخر. وهذه ما يسميها بإشكاليةِ "الذئب والحمل". وفي الحقيقة، ومع قسوة الموقف هنا على المجتمع وناسهِ وعبادِه، والواضح أن طرابيشي يريد من هذه القسوة المفرطة أن يذكّرُ المجتمعَ ولاسيما "المدَنيّ — الأهلي" بدورِهِ ومسؤوليتِه في قضيةِ الديمقراطية… ولكن ما يراه من أمراضٍ خطيرةٍ مصاب بها هذا المجتمع ما هي في النهاية حسبما نرى إلا نتيجة لكل ما ذكره هو نفسه من تغييبِ دورِ الدّولة وإعطاءِ الأولوية للمباحث على حساب القانون، مما خلق شخصيةً اجتماعية متحلّلة من مسؤولياتها، تتمتع بالانتهازية والطائفية والفئوية، شخصية قبلتْ أن يُعادَ تجهيلها ثقافيا وسياسياً، إضافة إلى أميتها.
الإشكالية الأخيرة التي يراها طرابيشي في قضية الديمقراطية في عالمنا، هي إشكالية "الصندوقين"، صندوق الاقتراع وصندوق جمجمة الرأس، على حد تسميته. والسؤال عن المكان الحقيقي الذي ينبغي أن تتجلى فيه الديمقراطية يجب أن يكون سؤالاً أكثر شفافية وشجاعةً أيضا: هل هي في صناديق الاقتراع؟ أم هي في مكان آخر؟ كيف ينتخب الأميون قياداتهم السياسية وممثليهم للبرلمانات العربية وهي برلمانات مصنعة وفق الأكثرية الحاكمة دائماً؟ وما معنى صفة "المستقلين" التي يتم إطلاقها عادةً على المرشحين الذين لا ينتمون إلى أحزابٍ مشاركة في الحكم؟ يقول طرابيشي "فالديمقراطية هي بالأساس ظاهرة مجمتعيةٌ، والمجتمع هو في المقام الأول نسيج من العقليات. ولئن كانت الحرية الديمقراطية تنتهي لا محالة إلى صندوق الاقتراع، فإن الصندوق الأول الذي تنطلق منه وتختمر فيه هو جمجمة الرأس. وان لم يتضامن صندوق الرأس مع صندوق الاقتراع فان هذا الأخير لن يكون إلا معبرا إلى طغيان غالبية العدد". وللحديث بقية ربما تأخذ السنوات القادمة من عمرنا في الكتابة للصحف؟!

The widening gap between rich and poor in the Arab world

The Peninsula
Wednesday, 20 October 2010 03:11

The number of wealthy Arabs, according to the latest report by Forbes Arabia, is estimated at 34 billionaires, with a total wealth of approximately $115.8 billion. The magazine reports that Saudi Arabia, which is the Kingdom of wealthy Arabs, has maintained its leading position in the number of billionaires in the Arab world, averaging 14 billionaires with a total wealth of up to $60.5 billion, and they possess half of the wealth of all Arabs. Kuwait comes after Saudi Arabia in the ranking of Arab countries and the total wealth of Kuwaitis is listed at $11.5 billion, while the United Arab Emirates has been able to occupy third place with 6 Arab billionaires with a total wealth of up to $22.1 billion. Egypt came in fourth place, followed by Lebanon in fifth. According to reports by other international publications, the rate of per capita income in some capitals of the Gulf such as Abu Dhabi and Doha, for example, is over $87 thousand, while in Bahrain it is $35 thousand dollars, compared to $2400 in Yemen and $2300 in Sudan, which illustrates the gap between the haves and have nots in the Arab world.

The World Bank defines low-income countries (LIC) as those countries with a low per capita income of $600, and characterizes 45 countries as LICs. Most LICs exist in Africa, including at least 15 countries with an average per capita income of $300 per year. The United Nations Development Programme adds other criteria reflecting directly on humans’ level of well-being and quality of life, which expand the concept of poverty to include the quality of life. That index concludes that about 45% of people in 70 countries are poor living in communities that are not of low income. In other words, there are poor in the land of the rich, and it suffices to mention here that 30 million people live below the poverty line in the United States (15% of the population). In Arab States, the World Bank report warns of the impact of poverty and the huge disparity in wealth in the Middle East, especially in the generation of radical movements and groups, violence and extremism, which encourage young people to engage in them. The Report notes Yemen in this context, in which al Qaeda is active as well as several different terrorist insurgencies. Figures indicate that 6 countries in the Middle East are among the top 20 countries receiving U.S. aid, where Yemen received $152 million last year, while the West Bank received $800 million. The latest report by the news station CNN points out that more than a billion and a half Muslims live in the world, making up a promising market, but 39 per cent of them are below the poverty line, according to figures from the Organization of Islamic Countries (OIC). The Arab world is divided into groups in terms of wealth and poverty: the oil-rich group of countries, Libya and the Gulf Cooperation Council (GCC) (consisting of Saudi Arabia, Qatar and the UAE, Bahrain, Kuwait and the Sultanate of Oman), middle-income countries (MIC) including Egypt, Iraq, Jordan, Syria, Morocco, Tunisia and Algeria, and poor countries like Sudan, Yemen, Somalia, Mauritania, Djibouti and Palestine.

In a study on Arab poverty belts, Khalid Ali states that he cannot exclude the region of the oil-rich GCC from of the phenomenon of poverty belts for a variety of reasons. The GCC was not formed like the Mashreq countries and Morocco, as the development process depends on profit-taking coupled with unfairness in the distribution of resources between citizens and regions, leaving behind poverty belts. For example, in a rich city like Riyadh, no one dares to talk about the slums except after the visit of the Saudi King Abdullah bin Abdul Aziz (then-Crown) to such neighborhoods in November 2002. The crisis of poverty belts in the GCC deepens with the presence of foreign laborers working in cities and the capitals who then leave at the end of the day to live on the fringes in dire economic conditions both in terms of income and treatment. The seriousness of this issue is such that employment in the GCC includes more than 10 million foreign workers and 3 million members of their families. These workers’ protests in the GCC have been repetitive due to the ill-treatment to which they are exposed and delays in payments of their salaries.

Bill Gates’ last speech raised global concern “that 40 of the richest tycoons the United States have decided to convert half of their wealth to benefit the needy and the poor”. Bill Gates with his wife Melinda undertook the campaign “Pledge to Give”, with the support of the second-richest man in the US, Warren Buffett, who stated, after announcing the success of the first phase of the campaign, that “we’ve just started, but the volume of response is enormous and greater than we expected. Many of those we met promised more than half of their wealth, as posed by the campaign to benefit the needy and the poor”. Melinda adds, “we have a pool much larger than all of our expectations and we are very pleased and appreciate this response. We feel a great responsibility on ways to direct these funds to best achieve the goal at the highest level.” Their initiative is an attempt to apply the act of network relations on charitable work. As the campaign gained popularity, the wealthy sought to give back and share experiences in developing strategies. As Financial Times reports, currently, Gates and Buffett are transferring their model of charitable work to the world over constant visits to China and India to meet with some of the wealthiest businessmen. Gates expects that latter to be the second after the US in charitable work by the rich. During the Third International Conference on ICT for Development, which was held in the Qatari capital Doha, Buffet revealed that through technology, his organization is working to reduce the number of children who die under the age of five due to poverty by the year 2025.

It is a distinctly humane model that we cannot find a match for in the world, especially in Arab countries with the highest percentage of poverty, illiteracy and underdevelopment at the international level. Rich and wealthy Arabs are needed to undertake a related approach at the very least through investing their wealth in productive projects in Arab countries or in countries and regions of the marginalized and poor. That way, Arabs can bridge the gap between people lacking basic needs and life requirements rather than relying on imports from abroad forever, which is the case in all Arab countries, especially the six GCC states.

السبت، 16 أكتوبر 2010

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي

2010-10-13
جريدة الشرق

الدول العربية تعاني أكبر نسبة فقر وأمية وتخلف على المستوى الدولي
لا يمكن استثناء حتى منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر
تأثير الفقر يساعد على توليد جماعات العنف والتطرف

يقدر عدد الأثرياء العرب حسب تقرير مجلة "فوربس العربية" الأخير بحوالي 34 مليارديرا، بمجموع ثروات تقدّر بنحو 115.8 مليار دولار. وأشار تقرير المجلة إلى أن السعودية، التي تعد مملكة أثرياء العرب، حافظت على مركز الصدارة في عدد المليارديرات عربيّا، فقد بلغ 14 مليارديرا بمجموع ثروات يصل إلى 60.5 مليار دولار، وهم يمتلكون نصف ثروة أغنياء العرب، وجاءت الكويت بعد المملكة العربية السعودية في ترتيب الدول العربية، وبلغ إجمالي ثروات الكويتيين المدرجين في القائمة 11.5 مليار دولار، وتمكّنت دولة الإمارات من احتلال المرتبة الثالثة عربيا بـ 6 مليارديرات ومجموع ثروات يصل إلى 22.1 مليار دولار، وجاءت مصر في المرتبة الرابعة وبعدها لبنان في المرتبة الخامسة؟! وتشير تقارير دولية أخرى إلى أن معدل دخل الفرد في بعض العواصم الخليجية مثل ابوظبي والدوحة ـ على سبيل المثال ـ يبلغ أكثر من 87 ألف دولار، بينما يبلغ في البحرين 35 ألف دولار، وذلك مقابل 2400 دولار باليمن و2300 بالسودان وهو ما يبين الفجوة التي تفصل بين من يملك ومن لا يملك وما بين الفقراء والأغنياء في العالم العربي.
تقرير البنك الدولي يعرف الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في إفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنوياً. برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة. هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45 % من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفى هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايـات المتحـدة الأمريـكيـة (15 % من السكـان). أما في الدول العربية فقد حذر تقرير البنك الدولي من تأثير الفقر والفارق الكبير في الثروة بدول الشرق الأوسط، في توليد الحركات المتشددة وجماعات العنف والتطرف، وتشجيع الشباب على الانخراط فيها، مشيرين في هذا السياق إلى حالة اليمن التي نشط فيها تنظيم القاعدة وحركات تمرد مختلفة.. الأرقام تدل على أن ستة بلدان في الشرق الأوسط هي بين أكبر 20 دولة تتلقى المساعدات الأمريكية، فقد حصل اليمن على 152 مليون دولار العام الماضي، بينما نالت الضفة الغربية 800 مليون دولار. تقرير محطة (سي إن إن) الأخير أشار إلى أنه يعيش في العالم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم يشكلون سوقاً واعدة، ولكن 39 في المائة منهم دون خط الفقر، وفق أرقام منظمة المؤتمر الإسلامي. وينقسم العالم العربي إلى مجموعات من حيث الثروة والفقر: فمجموعة الأقطار النفطية الغنية، تضم "مجلس التعاون الخليجي وليبيا"، ومجموعة الأقطار المتوسطة الدخل وتشمل "مصر والعراق والأردن وسوريا والمغرب وتونس والجزائر"، والأقطار الفقيرة وتشمل السودان واليمن والصومال وموريتانيا وجيبوتي وفلسطين.
في دراسة عن أحزمة الفقر العربية يشير خالد على، إلى انه لا يمكن حتى استثناء منطقة الخليج الغنية بالنفط من ظاهرة أحزمة الفقر، وإن اختلفت أسباب تكونها عن الدول المشرقية والمغربية، فنمط التنمية الريعي المصحوب بعدم العدالة في توزيع الموارد بين المواطنين والمناطق، خلّف وراءه أحزمة فقر. فعلى سبيل المثال، في مدينة غنية كالرياض لم يكن أحد ليجرؤ أن يتحدث عن الأحياء الفقيرة بها، إلا بعد زيارة ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) قام بها إلى هذه الأحياء في نوفمبر 2002. وتتعمق أزمة أحزمة الفقر في الخليج، بوجود عمالة أجنبية تعمل في المدن والمركز، ثم تخرج منها في نهاية اليوم، لتعيش على هامشها في أوضاع اقتصادية مزرية سواء من حيث الراوتب أو المعاملة. وخطورة هذه العمالة أن حجمها في مجلس التعاون الخليجي (السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان) يصل إلى أكثر من 10 ملايين عامل أجنبي و3 ملايين من أفراد عائلاتهم. وتكرر احتجاج هؤلاء العمال في السنوات الأخيرة في دول الخليج على سوء المعاملة التي يتعرضون لها، والتأخر في تقاضي رواتبهم.
إعلان بيل غيتس الأخير أثار الاهتمام العالمي "بأن 40 من أغنى أثرياء الولايات المتحدة قد قرروا تحويل نصف ثرواتهم لصالح المحتاجين والفقراء" ويقوم بيل غيتس مع زوجته ميليندا بحملة "تعهد العطاء" ويشاركهما في قيادة الحملة ثاني أغنى أغنياء الولايات المتحدة، وارن بافيت، الذي قال بعد إعلانه عن نجاح المرحلة الأولى من الحملة: "لقد بدأنا للتو، ولكن حجم التجاوب هائل وأكبر مما كنا نتوقعه، كثير ممن التقينا بهم تعهدوا بأكثر من نصف ثرواتهم ـ حسبما تطرحه الحملة ـ لصالح المحتاجين والفقراء"، وقالت ميليندا: "لدينا بركة أكبر بكثير من كل توقعاتنا ونحن سعداء جدا ونقدر هذا التجاوب، ونشعر بمسؤولية كبيرة حول طرق توجيه تلك الأموال بشكل جيد يحقق الهدف بأعلى مستوى". المبادرة هي بمثابة محاولة لتطبيق فعل شبكة العلاقات على العمل الخيري. فكلما أصبح أكثر شيوعا، سعى الأثرياء للقيام به مع تقاسمهم للخيرات والتجارب وتشاركهم في وضع الاستراتيجيات وتبادل الآراء. كما يشير تقرير (الفايننشال تايمز)، وحاليا يقوم غيتس وبوفيت بنقل نموذجهما في العمل الخيري إلى العالم، في زيارات مستمرة إلى الصين للاجتماع مع بعض اغنى رجال الأعمال فيها والى الهند، التي توقع غيتس أن تكون الثانية بعد الولايات المتحدة في العمل الخيري على مستوى الأثرياء. وقد اشار غيتس في المؤتمر الدولي الثالث لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطوير الذي أقيم في العاصمة القطرية الدوحة، إلى أن مؤسسته تعمل من خلال الاستفادة من التكنولوجيا على تخفيض عدد الأطفال الذين يموتون تحت سن الخامسة، بسبب الفقر إلى النصف مع حلول عام (2025).
إنه نموذج إنساني مميز لا نكاد نجد له نظيراً في العالم وخصوصاً في الدول العربية التي تعاني من أكبر نسبة فقر وأمية وتخلف على المستوى الدولي، والمطلوب من الدول الغنية والأثرياء العرب القيام بخطوة مقاربة على الأقل ولا أقول مشابهة، من خلال توظيف أموالهم واستثمارها في المشاريع الإنتاجية في الدول العربية أو في دولهم والمناطق الهامشية والفقيرة فيها، حتى يمكن أن يتم ردم فجوة نقص الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للحياة، ولا يتم الاعتماد على استيرادها من الخارج للأبد، وهو الحاصل في جميع الدول العربية وبالذات الدول الخليجية الستة.

GCC arms race: An issue of safety and stability

Wednesday, 06 October 2010 03:52
Peninsula News Paper

Dsappointment hit the Director of Defense Sales within the US Department of Defense (Pentagon), as his expectations were not met this year in US arms’ sales to reach the $50bn target. Rather, they are likely to come closer to a level slightly less than sales for the fiscal year (FY) in 2009 of about $37.8bn. From his disappointment to our disappointments in this part of the world, as Arabian Business cites the International Advisory Forecast Foundation as noting that Gulf Co-operation Council (GCC) governments are expected to increase defense and armaments spending by 20 percent by the end of 2010, and reach $83bn by 2015 compared to $68.3bn this year. The UK’s Financial Times points out that GCC states asked the United States to provide weapons over the next four years worth $125bn.

The magazine states that international arms suppliers prioritize GCC markets and that US giants such as Boeing, Lockheed Martin, and Raytheon in addition to British and French companies, which are considered as minor in the GCC markets. Information issued by the International Peace Research Institute in Stockholm indicates that 33 percent of the arms shipments to the region head to the UAE. The study adds that countries depending heavily on oil and gas prices such as Saudi Arabia, Qatar, and Kuwait enjoy high liquidity and can easily purchase whatever they need. Even countries that do not have much wealth resulting from oil and gas exports such as Bahrain and Oman still have plenty of cash to help them buy what they need.

The International Institute for Strategic Studies in London notes that the Middle East, which was described as the most volatile region in the world, spends large amounts on arms, and is likely to remain the largest arms buyer in the coming years. Meanwhile, the US is the largest arms exporter in the world, followed by Britain and Russia. The Institute reports that expenditure on armaments has negative effects on the development process, where the relationship between arms and development is a positive relationship; the higher the defense expenditures of a country, the higher the negative impact on development. During the last thirty years, governments of developed and developing countries spent vast resources on arms, which could have gone to meet the basic needs of the citizens of those countries, and toward the elimination of poverty.

A special study published by the website “Al-Jazeerah” by Abdul Jalil Al-Marhoun addresses the amount of current spending on defense programs arms in the GCC, the percentage of arms in total expenditure, per capita annual defense spending, and arms sales that are long awaited in this sensitive region of the world. The study reports that the military expenditures of the world combined in 2009 amounted to a total of $1,531 billion, which represented 2.7% of global gross national product (GNP). The share of each person in the world of these expenditures equates to $224. As for the level of per capita annual military spending, in 2008 some GCC countries were among the highest 15 countries in the world. Oman was ranked third in the world after Israel and the US respectively with $1,650 per capita. Kuwait was ranked fifth in the world after Singapore with $1,600 per capita. Then, Saudi Arabia was sixth in the world with $1,500 per capita.

At the level of future prospects, the military procurement bill of GCC countries is estimated at about $300 billion over the next five years including $100 billion dollars for complimentary defense technologies for two GCC countries (according to estimates by the Financial Times). Also, maritime defense spending alone are expected to reach about $17.5 billion by 2020 as reported by Jane’s Information Group.

Among the major projects currently in motion, the study mentioned two deals for French Rafale fighter jets, one for the UAE and the other for Kuwait. In 2009, France announced that it is close to reaching an agreement with the UAE to sell 60 Rafale fighter jets worth between four and five billion euros. In the same context, according to French media reports, Paris is seeking to market an anti-missile defense system to GCC states, perhaps its inception will be in Kuwait. If these reports are accurate, it will mean a major shift in France’s position toward the GCC not only in the arms market but in the approach to GCC security in general. Additionally, the wounded, damaged Iraq seeks to purchase thirty-six F-161 aircrafts, each one worth about $100 million, with leadership training and maintenance facilities. Baghdad will also buy six transport planes from the company Lockheed Martin and related equipment with a total value of up to $1.5 billion. For its part, the Iraqi navy has plans to purchase four Italian-manufactured patrol vessels weighing 450 tonnes.

Is the defense and arms race going to protect the GCC region and provide its people with security and stability? Isn’t it enough that the GCC region has several complex security agreements in place, currently hosts military bases on its soil, and funds legendary defense contracts by draining the wealth, budgets, and strategic reserves of future generations? When and in which battle or field of war will the region need to make use of these weapons? And do the purchasing agreements allow for the weapons to be used in time of need? Take a lesson from Japan, which, by the end of the reign of Emperor Meiji, turned into the sole centralized, strong, military and imperialist state in south and east Asia. Its army committed the deadliest massacres against the peoples of China, Korea, Thailand, and the Philippines amongst others. The Americans shook the site of Pearl Harbor in 1941 that was attacked with nuclear bombs and forced into surrender and submission. Dr. Masoud Zahir summarizes Japan’s first modernization by stating that, “Japan, in the era of Meiji and his successors, succeeded in creating a strong imperialist state for a period exceeding half of a century” but the success of modernizing the military was at the expense of the community, leading to the destruction of the pillars of Japanese society in order to achieve expansion projects at the expense of neighboring Asian countries, and to realize imperialist dreams of major Japanese monopolies.

However, the story does not end there, rather, it inaugurates a realistic battle for the future. After Japan’s bitter, severe, and painful experiences in Hiroshima and Nagasaki, it knew that the way to achieve power is through investing in human’s education, development, and training in a peaceful environment - not an ideology of entering conflicts, wars, and battles. Article IX was adopted in the Japanese constitution to refrain from using weapons of a non-defense nature, not to produce any weapons for sale, and not to participate in military forces outside the framework of international cooperation under the auspices of the United Nations. Dr. Zahir indicates that the failure of Japan, forced or voluntary, in re-arming itself has had very positive effects in the rapid growth of its economy without overwhelming state budgets on annual useless military expenditures in the field of armaments. In fact, Japanese politicians continued to hold on to the motto: a “pacifist constitution for the demilitarized state” throughout 1945 – 1953, and did not pass but the most minor amounts of rearmament funds within the annual budgets of 1952-1955.

Will Arab and Islamic countries benefit from the Japanese experience endured over half a century without arms and military armament? Will they learn from the experience of state-building through the adoption of democratic choice, economic openness, and investment in human capital? Generally speaking, there are no indications of affirmative responses to those questions but perhaps there is still a chance.

لماذا تتقدم الصين ويتخلف العرب؟!

6/10/2010
جريدة الشرق

هل تستبدل الدول العربية المصالح الغربية بنظيرتها الصينية؟
مقارنة بالصين يبلغ عدد الأميين في العالم العربي نحو 100 مليون!
لا يهم لون القط أبيض أم أسود ما دام بارعاً في اصطياد الفئران.
إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً.

بينما يهتم الحلم الأمريكي بحياة لفرد ورفاهيته، يركز الحلم الصيني على حياة الجموع، وهو ما فهم من المبادرة الوطنية التي انطلقت في بداية العام الدراسي الجديد (2010- 2011) وجاءت على شاكلة إنتاج برنامج تلفزيوني مشترك بين وزارة التربية والتعليم ومحطة التلفزيون المركزي الصيني ويهدف إلى تحفيز التلاميذ على الحلم، من خلال إبراز مشاهير حققوا نجاحات، يودون تقاسمها مع الجيل الصاعد، لحثه على العمل واستنهاض آماله. ومن هؤلاء المشاهير العالم يوان لونغ بينغ المعروف باسم «أبو الأرز الهجين» والنجم السينمائي ليان جي إضافة إلى الملياردير العصامي ماي وان وآخرين من كبار الشخصيات الذين رووا خلال البرنامج قصص أحلامهم وتحدثوا عن تجاربهم وحكايات كفاحهم، حتى بلغوا مآربهم، وما يزالون يسعون إلى ما هو أفضل إلى خدمة وطنهم الجمهورية الصينية (The Republic of China). فهل الصين العملاق الاقتصادي القادم بقوة كثاني قوة اقتصادية عالمية تم تدشينها في (2010)، اقرب إلينا في التفكير من القوة العالمية الأولى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل يأتي اليوم الذي تستبدل فيه الدول العربية كل المصالح والمؤسسات والشركات الاقتصادية الغربية بالبديل الصيني؟! وتتحول حتى القواعد العسكرية الأمريكية وحماية آبار النفط الخليجية (هذا إذا كان هناك أبار نفط للمستقبل) إلى قواعد و حماية عسكرية صينية؟! وربما تساعد أيضا الأنظمة العربية الشمولية والمهتمة بالتوريث وتطبيق قوانين الطوارئ في عملية الانفتاح السياسي وتطبيق الديمقراطية؟!
تغيرت الصين بلا شك فهي اليوم من خلال تصريح رئيس الحكومة الصينية "وين جياباو" تشير أنها ماضية في إصلاح نظامها السياسي لتتمكن من المحافظة على الانجازات الاقتصادية التي حققتها، وقد أشار وين انه "يجب ضمان حقوق الشعب الديمقراطية والمشروعة... وخلق الظروف الكفيلة بالسماح للمواطنين بانتقاد الحكومة والإشراف عليها، كأسلوب لمعالجة "مشكلة التركيز المفرط للسلطة دون رقابة فعالة." وهو أشبه بانقلاب سياسي للصورة المروعة التي رسمت في ساحة (تياننمين) بالميدان الأحمر عام (1989)، من خلال الحركة الطلابية الني دعت إلى الديمقراطية وسحقت بالدبابات في الطريق العام؟! والسياسية الصينية اليوم تؤكد الرؤية التي أرساها الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ ، كبير مهندسى مسيرة الإصلاح والانفتاح في البلاد في قوله ( لا يهمّنا أبقينا في طريق اشتراكي أم سرنا في طريق رأسمالي، بل يهمّنا تطوير قوة، لإنتاج ورفع مستوى معيشة أبنائنا، وبناء الصين بناءً قوياً وحديثاً). في بكين لا يهم إن كان القطّ أبيض أم أسود، بل المهم قدرته على اصطياد الفئران. وهاهي في الربع الثاني من هذه السنة، تزيح اليابان عن المركز الثاني العالمي وتصبح الاقتصاد المنافس مباشرة للولايات المتحدة . فالنمو القوي منذ عقود يجعلها أكثر فأكثر محط إعجاب المستثمرين الذين يتدفقون إليها في سبيل الربح والتطور واكتشف العرب ذلك متأخرا كالعادة فذهبوا إلى الحج والناس عائدون (ولكن هل فاتت الفرصة فعلا) ؟! الصين تعدت أسيا وأوروبا وأمريكا ووصلت استثماراتها إلى أفريقيا و نتشرت بشكل كبيير، لقد ارتفع مجموع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا من (10)مليارات دولار سنة (2000) إلى (55)مليار سنة (2006)، والى (90) مليار سنة (2009)، مقارنة (86) مليار بين الولايات المتحدة وإفريقيا في (2009)، أي (9) أضعاف خلال 9 سنوات.
كانت الصين قيل عقدين تسعى للحصول على قروض ميسرة من البنك الدولي، وأثارت حينها خشية دول العالم الثالث الأخرى من تحويل أموال القروض بالبنك إلى الصين المديونة بالمليارات، لكنها اليوم تقدم المعونات للدول النامية في قارة أسيا وأفريقيا وتتمكن بقدرة مدهشة من تمويل حتى عجز الولايات المتحدة الكبير. صحيفة واشنطن بوست تشير إلى إن التحدي الذي تمثله الصين حاليا تحدي من نوع جديد، يختلف عن التحدي الذي مثلته منظمة أوبك في سبعينيات القرن الماضي عندما كانت تبدو قوة تطبق الخناق الاقتصادي على الغرب. أو كاليابان التي في ثمانينيات القرن الماضي خشي البعض من أن تستطيع الاستحواذ على كل شيء أميركي عزيز. فالتحدي الصيني يهدف إلى تحرير الاقتصاد والالتحاق بالمجتمع الدولي و دفع عجلة النمو الاقتصادي والقدرة على المنافسة في العالم.
يتعثر التعليم ومؤسساته في العالم العربي وتبلغ الأمية نسبة عالية لم تتخلص منها رغم عمر التعليم الذي بدا في بدابة القرن الماضي حيث يبلغ عدد الأميين نحو 100 مليون نسمة أكثريتهم من النساء (46 %)، وأن (75) مليوناً من إجمالي الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين(15-45) عاماً، يمما عني أن ثلث عدد السكان العالم العربي لا يعرف القراءة والكتابة. كما أظهرت دراسة مقارنة استندت عليها منظمة (الألكسو)، أن نسبة الأمية في العالم العربي، ستصبح الأولى في العالم خلال السنة الجارية بعدما كانت الثانية بعد أفريقيا. إلا أن الصين تشهد تطورات كبيرة في التربية والتعليم منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 30 سنة. ونجحت في تحقيق التعليم الالزامى لتسع سنوات من حيث الأساس بحلول عام 2000 بعد أن بذلت جهودها لأكثر من عشر سنوات منذ صدور قانون التعليم الالزامى في عام 1986, كما محت أمية الشباب. وخلال الأعوام الثلاثين الماضية، خرجت مدارس التعليم المهني المتوسط والتعليم المهني العالي أكثر من 100 مليون شخص يتمتعون بالمهارات المهنية الخاصة. ومنذ عام 2003, غطى مشروع "التعليم الطويل المدى " 360 ألف مدرسة ابتدائية وإعدادية ريفية في وسط الصين وغربها لتنويع الحياة الروحية لأكثر من 100 مليون طالب ريفي. وأرسلت الصين أكثر من 1.212 مليون طالب للدراسة في الخارج ابتداء من عام 1978 حتى نهاية عام 2007. وارتفع عدد هؤلاء الطلاب من 860 فى عام 1978 الى 144.5 ألف فى عام 2007. كما قبلت الصين أكثر من 1.23 مليون طالب قادمين من أكثر من 180 دولة ومنطقة في غضون الثلاثين عاما الماضية. و أقامت علاقات للتعاون والتبادل التعليمي مع 188 دولة ومنطقة, ووقعت على اتفاقيات بشأن الاعتراف المتبادل بالمؤهل الدراسي والدرجة الأكاديمية مع 33 دولة, وبلغ عدد الأجانب الذين درسوا اللغة الصينية 30 مليون شخص. وأقامت الصين 262 معهدا في 77 دولة ومنطقة. ومن جانبها, أقامت 46 دولة في العالم مراكز لامتحانات مستويات اللغة الصينية. ويذكر عبدالله المدني انه منذ أن أطلقت جامعة "جياوتونج" الصينية في شنغهاي في عام 2003 فكرة التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وهذا التصنيف الذي يشتمل على مقارنة أداء نحو 1200 جامعة ومؤسسة علمية حول العالم سنوياً يستقطب اهتمام الكثيرين، بل صار يثير الهلع والقلق لدى وزارات التعليم العالي، ولا سيما في الدول النامية غير الواثقة من جودة برامجها التعليمية. وليس أدل على أهمية هذا التصنيف مما ذكرته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في عام 2005 عنه من أنه صار مرجعاً معتمدا على نطاق واسع، أو مما ذكرته دورية "كرونيكل أوف هاير إيديوكيشن" التي وصفته بأنه أفضل وأقوى التصنيفات نفوذاً على المستوى العالمي، بالرغم من أن الصينيين حينما أطلقوا فكرته لم يهدفوا إلا إلى معرفة الهوة التي تفصل جامعاتهم عن الجامعات الأجنبية. ويمكن القول إن نفوذ هذا التصنيف يتأتى من الأدوات البحثية عالية المتانة التي تستخدم في التبويب بحسب قول مستشار جامعة أكسفورد "سير كريس باتن"، هذا ناهيك عن المعايير الدقيقة المستخدمة في عملية تصنيف الجامعات، والتي تشتمل على عدد من نال من خريجيها أو أساتذتها جوائز عالمية (كجائزة نوبل) في الحقول المعرفية المختلفة، وعدد البحوث والدراسات والاكتشافات المنجزة لخدمة البشرية، وعدد ونوعية الكتب والمطبوعات التي خرجت من مطابعها، ومدى مساهمتها في تطوير العلوم الإنسانية، وغيرها من العوامل. وحينما يتفحص المرء قائمة التصنيف الأكاديمي لعام 2010، سوف يجد أن الاكتساح كان كالعادة للجامعات الأميركية. حيث اشتملت قائمة أفضل 500 جامعة في العالم على 168 جامعة أميركية تتقدمها هارفارد (أفضل جامعات العالم للسنة الثامنة على التوالي)، وبيركلي وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وبرنستون وكولومبيا وشيكاغو بالترتيب وبعدها الجامعات الأوربية.
أما بالنسبة لمنطقة آسيا والباسفيكي، فإن القائمة اشتملت على 34 جامعة من اليابان و22 من الصين، و5 من تايوان، و5 من هونغ كونغ، و8 من كوريا الجنوبية، وجامعتين من كل من الهند وسنغافورة، 14 من استراليا، و5 من نيوزيلندة، و6 من إسرائيل (تتقدمها الجامعة العبرية صاحبة المرتبة 72) . أما ماليزيا التي كثر الحديث عن تقدمها العلمي، فلم تستطع أي من جامعاتها دخول القائمة للسنة الثامنة على التوالي. ويشير عبدالله المدني أن فضيحة ماليزيا لا تقارن بفضيحة المنطقة العربية التي خلت القائمة الصينية من اسم أقدم جامعاتها العصرية وهي جامعة القاهرة (تأسست عام 1908)، واسم أفضل جامعاتها وهي جامعة بيروت الأميركية (تأسست في عام 1866)، الأمر الذي يؤكد للمرة الألف وجود خلل كبير في نظام تعليمنا العالي. غير أن جامعتين سعوديتين هما "جامعة سعود الأول" و"جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" حفظتا ماء وجه العرب نسبياً بتواجدهما للمرة الأولى في القائمة. ونسبياً لأنهما احتلا مرتبتين متأخرتين هما 197 و 303 على التوالي، وهو ما حدا بالإعلام العربي إلى إخفاء الرقمين الأخيرين والاكتفاء بعبارة "أنهما كانتا ضمن أفضل 500 جامعة في العالم.
أنها الصين التي تبرهنا بأخبارها وإبداعاتها يوما بعد الأخر، وهانحن ننتقل من الحديث حول تقدم الغرب وتخلف العرب و سر التجربة اليابانية والوصفة الكورية الجنوبية والنمور الأسيوية، إلى تفسير واستيعاب المعجزات الصينية التي يوجد فيها (56) قومية من بين إجمالي عدد السكان الذي يقارب (مليارا و400 مليون) في عام (2015). وإلى المروجين والمدمنين للتنظير للغزو الثقافي، عشاق نظرية المؤامرات الخارجية في العالم العربي، نختم بالحكمة الصينية لكي نعرف لماذا تتقدم الصين وبقية دول العالم ويتخلف العرب ومن سار في ركبهم، تقول الحكمة (إذا فتحنا النوافذ، سيدخل الهواء الصحيّ والملوّث معاً، ولا نستطيع أن نمنع الهواء الملوّث من دخول منازلنا إذا فتحنا أبوابها، ومن غير المعقول أن نغلق أبوابنا ونوافذنا عندها نختنق ونتخلّف معرفيّاً، وكذلك سياسة الانفتاح فهي مثل فيضان النهر الجارف، ومع الفيضان تأتي دائماً جثث الحيوانات النافقة).

سباق التسلح.. هل يحمي المنطقة ويوفر لشعوبها الأمن والاستقرار؟!

2010-09-29
جريدة الشرق

الموردون الدوليون للأسلحة يضعون أولوية لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي!!
هل تستفيد الدول العربية والإسلامية من التجربة اليابانية خلال أكثر من نصف قرن من دون تسلح؟!

خيبة الأمل أصابت مدير وكالة مبيعات الأسلحة بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فتوقعاته لم تكن مصيبة هذه السنة في وصول مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى 50 مليار دولار، فهي على الأرجح ستقترب من الرقم المستهدف الذي يقل قليلا عن مستوى مبيعات السنة المالية 2009 وهو حوالي 37.8 مليار دولار!! ومن خيبة الأمل هناك إلى خيبات الأمل والرجاء والتحسر في عالمنا هنا، فمجلة أرابيان بيزنس نقلاً عن مؤسسة فوركاست انترناشيونال الاستشارية أشارت إلى انه من المتوقع زيادة إنفاق حكومات دول الخليج على الدفاع والتسليح بنسبة (20 %) بنهاية عام 2010. ليصل الإنفاق الخليجي على الدفاع والتسليح إلى (83) مليار دولار بحلول 2015 مقابل (68.3) مليار دولار هذا العام؟! صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أشارت إلى أن دولاً خليجية طلبت من الولايات المتحدة تزويدها بأسلحة خلال الأعوام الأربعة المقبلة بقيمة 125 مليار دولار!!
وذكرت المجلة أن الموردين الدوليين للأسلحة يضعون أولوية لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وأن الشركات الأمريكية العملاقة مثل بيونج ولوكهيد مارتن وراثين بالإضافة إلى الشركات البريطانية والفرنسية تعتبر بسيطة للغاية في أسواق الخليج!! وتوضح المعلومات الصادرة عن معهد بحوث السلام الدولي في استكهولم أن (33 %) من شحنات الأسلحة إلى المنطقة تتجه إلى دولة الإمارات، وأن الدول التي تعتمد على درجة كبيرة على أسعار النفط والغاز مثل السعودية وقطر والكويت لديها سيولة نقدية كبيرة، وبإمكانها شراء كل ما تحتاج إليه، وحتى الدول التي ليس لديها ثروة هائلة ناتجة عن صادرات النفط والغاز مثل البحرين وعمان ما يزال لديها وفرة نقدية تساعدها على شراء كل ما تحتاج إليه؟!. المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أشار إلى أن الشرق الأوسط الذي وصف بأنه أكبر منطقة مضطربة في العالم ينفق على شراء الأسلحة مبالغ كبيرة، ويتجه ليظل أكبر مشتر خلال السنوات القادمة، حيث تعَد الولايات المتحدة أكبر مصدر للسلاح في العالم، تليها بريطانيا وروسيا، وذكرت تقارير المعهد أن الإنفاق على التسلح له آثار سلبية على عملية التنمية، حيث إن العلاقة بين التسلح والتنمية علاقة طردية، فكلما زادت النفقات الدفاعية للدول، ظهر اثرها السلبي على التنمية. ففي خلال الثلاثين عاما الماضية أنفقت حكومات الدول المتقدمة والنامية، موارد ضخمة على التسلح، كان يمكن أن توجه لتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطني تلك الدول، والقضاء على حالات الفقر.
دراسة مميزة نشرها موقع (الجزيرة) للأستاذ عبدالجليل المرهون تناول فيها حجم الإنفاق الراهن على برامج الدفاع والتسلّح في دول الخليج العربي.. ونسب الإنفاق من النواتج القومية الإجمالية لبلدان المنطقة؟ وحصة الفرد السنوية من الإنفاق الدفاعي، وصفقات التسليح الجديدة التي ينتظرها هذا الإقليم الحساس من العالم. وقد ذكرت الدراسة أن النفقات العسكرية لدول العالم مجتمعة في عام 2009 بلغت ما مجموعه 1531 مليار دولار، وهي تعادل ما نسبته 2.7 % من إجمالي الناتج القومي العالمي. وتساوي حصة كل فرد في المعمورة من هذه النفقات 224 دولارا! وعلى مستوى حصة الفرد السنوية من الإنفاق العسكري، كانت هناك في عام 2008 بعض الدول الخليجية بين الدول الـ 15 الأولى عالميا على هذا الصعيد. فقد حلت عُمان في المرتبة الثالثة عالمياً، بعد كل من إسرائيل والولايات المتحدة على التوالي بواقع 1650 دولاراً للفرد. وجاءت الكويت في المرتبة الخامسة عالميا بعد سنغافورة بواقع 1600 دولار للفرد. أما السعودية فكانت السادسة عالميا بواقع 1500 دولار للفرد.. على مستوى الآفاق المستقبلية، يُقدر أن تبلغ فاتورة المشتريات العسكرية لأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية حوالي ثلاثمائة مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، منها مائة مليار دولار لتقنيات دفاعية متممة، لدولتين خليجيتين (وفقاً لتقديرات صحيفة فايننشال تايمز). كما يتوقع أن يصل الإنفاق على الدفاع البحري وحده في هذه الأقطار حوالي 17.5 مليار دولار بحلول عام 2020، وذلك وفقا لمؤسسة "جينز" الاستشارية.. ومن بين المشاريع الكبيرة المتداولة حاليا، عرجت الدراسة المذكورة على ذكر صفقتين لطائرات رافال الفرنسية، واحدة للإمارات والأخرى للكويت. فقد أعلنت فرنسا في 2009 أنها تقترب من التوصل إلى اتفاق مع الإمارات لبيعها 60 مقاتلة من رافال، قد تصل إلى ما بين أربعة وخمسة مليارات يورو، وفي السياق ذاته، تفيد تقارير إعلامية فرنسية بأن باريس تسعى لتسويق منظومة دفاع مضاد للصواريخ لدول الخليج العربي، ربما تكون بدايتها في الكويت. وإذا صحت هذه التقارير، فسوف يعني ذلك حدوث تحول كبير في موقع فرنسا، ليس في سوق السلاح الخليجي وحسب، بل وفي مقاربة أمن الخليج عامة. كذلك يسعى العراق الجريح المقطع الأوصال إلى شراء 36 طائرة من طراز "أف 161"، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو مائة مليون دولار، مع تسهيلات التدريب على القيادة والصيانة. وسوف تشتري بغداد أيضا ست طائرات نقل من شركة "لوكهيد مارتن"، ومعدات ذات صلة، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار وخمسمائة مليون دولار. وتترقب البحرية العراقية، من ناحيتها، أربع سفن دوريات زنة 450 طناً، إيطالية الصنع.
هل القوة وسباق التسلح سيحمي المنطقة وسيوفر لها ولشعوبها الأمن والاستقرار؟! أوَلا يكفي انها مرتبطة باتفاقيات أمنية معقدة وتستضيف على أرضها قواعد عسكرية بعقود خيالية تستنزف ثروات وميزانيات واحتياطات الأجيال الاستراتيجية، ومتى تم استخدام هذه الأسلحة؟ وفي أي معركة وساحة حربية!، وهل تسمح اتفاقيات الشراء في استخدامها وقت الحاجة؟! لنأخذ درس اليابان التي تحولت في نهاية عهد الإمبراطور المايجي إلى دولة مركزية عسكرية قوية وباتت الدولة الإمبريالية الوحيدة في جنوب وشرق آسيا، وارتكب جيشها مجازر دموية ضد شعوب الصين، وكوريا، وتايلاند، والفليبين وغيرها. وهزت الأمريكيين في موقع بيرل هاربر عام 1941، إلى أن تمت مهاجمتها بالقنابل النووية وأجبرت على الاستسلام والخضوع، ويلخص الدكتور مسعود ظاهر تجربة التحديث الأولى في اليابان بالقول: "نجحت اليابان في عهد مايجي وخلفائة بإقامة دولة إمبريالية قوية لفترة جاوزت نصف القرن، لكن نجاح مقولة "تحديث العسكر على حساب تحديث المجتمع"، قادت إلى تدمير ركائز المجتمع الياباني من أجل تحقيق مشاريع توسعية على حساب دول الجوار الآسيوي، ولخدمة أحلام إمبراطورية واحتكارات اليابان الكبرى.
لكن الحكاية لا تنتهي هنا بل تبدأ معركة المستقبل الحقيقية، فبعد التجربة المريرة القاسية المؤلمة التي تجرعتها في (هيروشيما وناجازاكي) عرفت أن خيار القوة يكمن في الاستثمار في الإنسان وتعليمه وتأهيله في بيئة سلام، وليست أيدولوجيته لدخول الصراعات والحروب والمعارك، وتبنت في المادة التاسعة من الدستور الياباني عدم التسلح بأسلحة غير دفاعية، وعدم إنتاج أي أسلحة للبيع، وعدم المشاركة في قوات عسكرية خارج إطار التعاون الدولي وتحت إشراف الأمم المتحدة. الدكتور ظاهر يشير إلى أن امتناع اليابان، القسري أو الطوعي، عن إعادة تسليح نفسها كانت له آثار إيجابية للغاية في نمو اقتصادها بسرعة دون إرهاق موازنات الدولة سنوياً بنفقات عسكرية غير مجدية في مجال التسلح، فقد تمسك الساسة اليابانيون بمقولة: "الدستور السلمي لدولة منزوعة السلاح" طوال سنوات 1945 — 1953، ولم يرصدوا سوى مبالغ هزيلة للغاية في مجال إعادة التسلح ضمن موازنات 1952 — 1955.
هل تستفيد الدول العربية والإسلامية من التجربة اليابانية خلال أكثر من نصف قرن من دون تسلح وعسكرية، وهل تتعلم من تجربة بناء الدولة عن طريق تبني الخيار الديمقراطي، والانفتاح الاقتصادي، والاستثمار في الإنسان؟.. بشكل عام لا توجد مؤشرات تشير إلى ذلك؟ ولكن الله أعلم؟!

الانتقال من حوار الأديان إلى حوار المذاهب

2010-09-22
جريدة الشرق

الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر
قنوات فضائية تأجج الخلافات وتبث روح الفرقة والتعصب والكراهية
الصراعات السياسية والدينية وراء ضياع وانهيار الحضارة العربية الإسلامية
ضرورة القيام بصناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا

أصبحت الصورة واضحة كالشمس لا يمكن أن تخطئها العين، الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوما بعد الآخر ومخطئ من يحاول أن يتجاوزها ويقفز من عليها يقلل من شأنها وتأثيرها في المجتمع، والأفضل لنا جميعا أن نطرحها اليوم على طاولة ونواجهها ونصل إلى رؤية توفيقية في التعامل معها واحتوائها قبل أن قد تنفجر في أية لحظة غير معروفة ولا محسوبة غدا؟! تناقض عجيب لمسته في رمضان، فبينهم يتوجه البعض إلى الاستغفار والتوبة والتقرب إلى الله من شروق الشمس، نرهم بعد غيابها يتوجهون إلى القنوات الفضائية والبرامج الحوارية التي تدعي زورا وبهتانا أنها تسعى إلى الحوار، وما تقوم به هو إثارة الفتن والنعرات وتأجيج الخلافات وبث روح الفرقة والتعصب والكراهية والتباغض بين الأديان السماوية والمذاهب الدينية، خصوصا بين السنة والشيعة.
انشغلت الساحة الكويتية بقضية.. قضية المواطن الكويتي المطلوب أمنيا والهارب إلى لندن ياسر الحبيب، الذي اتهم في الكويت بالتعدي على الصحابة وأزواج الرسول الكريم وحكم بما لا يقل عن عشر سنوات، كما طالبت مجموعة من نواب مجلس الأمة الكويتي بسحب جنسيته وقد تبنى مجلس الوزراء الكويتي الطلب وقرر سحب الجنسية . في تعليق على سحب الجنسية أشار النائب حسين القلاف إلى أنه يؤيد سحب جنسية ياسر حبيب الذي أدخل البلد في فتنة، وأساء إلى أمِّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، شريطة أن تُسحَب الجنسية من كويتي آخر وهو عثمان الخميس الذي كفّر الشيعة ومسَّ الإمام المهدي عليه السلام. وأضاف نحن نعتقد أن ياسر أخطأ وأن عثمان ليس أقل خطأً منه، والبلد أعز من أي مثير للفتنة، أما الكيل بمكيالين فلن نقبله حتى لو كان على قطع الرقاب. وقد أعلن 60 أكاديميا شيعيا استنكارهم لتصرفات الحبيب، وتأكيدهم أنها لا تصب إلا في صالح المشروع الطائفي لأعداء الأمة، ودعوتهم إلى التصدي للفتنة الطائفية ووأدها، كما أكد أمين عام التحالف الإسلامي الوطني الكويتي أن الهارب المدعو الحبيب لا يمثل الشيعة بأي وجه من الوجوه، لافتا إلى انه ليس من أهل العلم وانه يتلقى دعما من جهات مشبوهة له. وأشار إلى أن المسلمين سنة وشيعة لا خلاف بينهم على حرمة المساس بعرض الرسول صلى الله عليه وسلم..
المجمع العالمي لأهل البيت استنكر بدوره تصريحات الحبيب وجاء في البيان الذي نشرته وسائل الإعلام، أن هذه التصريحات مخالفة للشرع، وتأتي في ظروف حرجة يواجه فيها المسلمون أشد التحديات، ويتعرضون لهجمات شرسة من أعدائهم المتربصين بهم. فمن جهة تواجه بعض البلدان الإسلامية غزوا أجنبيا، ومن جهة أخرى يواجه المسلمون حربا ناعمة تجسدت في الأيام الأخيرة بنوايا بعض المتعصبين إحراق القرآن الكريم، ومن جهة ثالثة فإن الإرهابيين التكفيريين قد ولغوا في دماء أبناء الأمة، ونراهم يزهقون في كل يوم أرواح الكثير من المسلمين الأبرياء في البلدان الإسلامية، وأخيرا نرى جمعا من المتعصبين الجهلة يؤججون نار الفتنة والتكفير التي أشعلها هؤلاء الإرهابيون. وفي خضم هذه الأجواء المتأزمة سمعنا شخصا نكرة يدعى: "ياسر الحبيب" يدلي بتصريحات ليست مخالفة للمعتقدات الإسلامية ولمتبنيات مدرسة أهل البيت فحسب، بل هي مخالفة للعقلانية والسياسة، وتصب في صالح الأهداف القديمة لأعداء الإسلام ومذهب أهل البيت، واليوم يستغل المستكبرون والإرهابيون التكفيريون هذه التصريحات أبشع استغلال.
حادثة أخرى أشعلت الساحة الخليجية وأثارت المخاوف من تصعيد التوتر السياسي والديني في الخليج وجاءت من البحرين، التي شهدت بدورها توترات طائفية بلغت ذروتها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتمثلت في اتهام أكثر من عشرين زعيما شيعيا معارضا جرى اعتقالهم في حملة واسعة بالتآمر للإطاحة بنظام الحكم من خلال التحريض على احتجاجات عنيفة وأعمال تخريب، حيث نقلت وسائل الإعلام في البحرين عن ممثلي الادعاء قولهم إنهم سيوجهون اتهامات إلى 23 رجلا بينهم اثنان خارج البلاد وناشطون في حقوق الإنسان.
ويبدو أن الأحداث والصراعات التي تقع في منطقتنا يصل تأثيرها إلى باكستان في نفس اللحظة أو ربما العكس صحيح أيضا؟! هناك نفذ انتحاري هجوما على مسيرة نظمتها الأقلية الشيعية في كستانية لدعم القدس والدفاع عنها، في "يوم القدس العالمي" في مدينة كويتا (جنوب غرب باكستان)، الذي راح ضحيته أكثر من سبعة وخمسين شخصاً وأصيب نحو مائتين وهي ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء في باكستان البعيدة أو العراق القريبة. من جانبه طالب الشيخ السعودي سلمان العودة علماء السنة والشيعة بوضع حدّ لِمَا أسماه (التَّهارُج الطائفي) لحفلات الدم والذم التي تقوم بها جماعات من الشيعة ضد الصحابة رضوان الله عليهم. كما طالب علماء السنة بإدانة التفجيرات الطائفية في باكستان والعراق وتعرية أيّ سند لهؤلاء الذين يقومون بممارسة القتل وإذكائه وما لذلك من عواقب وخيمة تسير بالمجتمعات نحو الفوضى والانهيار.
حذر يحيى ابو زكريا من أن الصراعات المختلفة الخفية والظاهرة، وهذه المنطلقات والرؤى الآخذة في الصعود ستكون الشرارة التي ستجهز على العالم الإسلامي، الذي أصبح اليوم مهيأ لأكبر معركة طائفية بل لأكبر حرب طائفية لم يعرفها الماضي الإسلامي عندما كان الخلاف المذهبي يندرج في سياق الرأي العلمي ومقارعة الرأي بالرأي، الذي تطور وأصبح حروب قبائل وممالك، بين القبائل المذهبية والطائفية وكانت الخلاصة ضياع العالم الإسلامي وانهيار الحضارة العربية الإسلامية. والإشكال العميق أن العقليات التكفيرية في هذا الفريق وذاك تنطلق من الماضي السحيق الذي لا يرقى إلى مستوى الإجماع بين المسلمين، فربّ رواية ضعيفة قد تفجرّ حربا بين السنة والشيعة، وربّ قول مؤرّخ قد يسيل دماء قبائل لسنوات. ولا يوجد أية محاولة جدية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فالتقريب في نظر السني هو تسنين الشيعي، والشيعي يعتبر التقريب مدخلا لتشييع السني، وغير ذلك من الأطروحات والآراء تندرج في سياق المداراة عند السني والتقية عند الشيعي.
بيقين نعتقد إذا كان حوار الأديان "فرض كفاية" فإن حوار المذهب في الخليج والعالم العربي والإسلامي اليوم هو "فرض عين" على كل مسلم ومسلمة، طفل، وبالغ وعاقل. فلن نقدر على صناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا ما لم نحقق التقدم والتغيير في المرحلة الأولى المتعلقة بحوار المذاهب الإسلامية داخل منظومة الدين نفسه.

الانتقال من حوار الأديان إلى حوار المذاهب

2010-09-22
جريدة الشرق

الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر
قنوات فضائية تأجج الخلافات وتبث روح الفرقة والتعصب والكراهية
الصراعات السياسية والدينية وراء ضياع وانهيار الحضارة العربية الإسلامية
ضرورة القيام بصناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا

أصبحت الصورة واضحة كالشمس لا يمكن أن تخطئها العين، الخلافات المذهبية تحولت إلى كرة ثلج تكبر يوما بعد الآخر ومخطئ من يحاول أن يتجاوزها ويقفز من عليها يقلل من شأنها وتأثيرها في المجتمع، والأفضل لنا جميعا أن نطرحها اليوم على طاولة ونواجهها ونصل إلى رؤية توفيقية في التعامل معها واحتوائها قبل أن قد تنفجر في أية لحظة غير معروفة ولا محسوبة غدا؟! تناقض عجيب لمسته في رمضان، فبينهم يتوجه البعض إلى الاستغفار والتوبة والتقرب إلى الله من شروق الشمس، نرهم بعد غيابها يتوجهون إلى القنوات الفضائية والبرامج الحوارية التي تدعي زورا وبهتانا أنها تسعى إلى الحوار، وما تقوم به هو إثارة الفتن والنعرات وتأجيج الخلافات وبث روح الفرقة والتعصب والكراهية والتباغض بين الأديان السماوية والمذاهب الدينية، خصوصا بين السنة والشيعة.
انشغلت الساحة الكويتية بقضية.. قضية المواطن الكويتي المطلوب أمنيا والهارب إلى لندن ياسر الحبيب، الذي اتهم في الكويت بالتعدي على الصحابة وأزواج الرسول الكريم وحكم بما لا يقل عن عشر سنوات، كما طالبت مجموعة من نواب مجلس الأمة الكويتي بسحب جنسيته وقد تبنى مجلس الوزراء الكويتي الطلب وقرر سحب الجنسية . في تعليق على سحب الجنسية أشار النائب حسين القلاف إلى أنه يؤيد سحب جنسية ياسر حبيب الذي أدخل البلد في فتنة، وأساء إلى أمِّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، شريطة أن تُسحَب الجنسية من كويتي آخر وهو عثمان الخميس الذي كفّر الشيعة ومسَّ الإمام المهدي عليه السلام. وأضاف نحن نعتقد أن ياسر أخطأ وأن عثمان ليس أقل خطأً منه، والبلد أعز من أي مثير للفتنة، أما الكيل بمكيالين فلن نقبله حتى لو كان على قطع الرقاب. وقد أعلن 60 أكاديميا شيعيا استنكارهم لتصرفات الحبيب، وتأكيدهم أنها لا تصب إلا في صالح المشروع الطائفي لأعداء الأمة، ودعوتهم إلى التصدي للفتنة الطائفية ووأدها، كما أكد أمين عام التحالف الإسلامي الوطني الكويتي أن الهارب المدعو الحبيب لا يمثل الشيعة بأي وجه من الوجوه، لافتا إلى انه ليس من أهل العلم وانه يتلقى دعما من جهات مشبوهة له. وأشار إلى أن المسلمين سنة وشيعة لا خلاف بينهم على حرمة المساس بعرض الرسول صلى الله عليه وسلم..
المجمع العالمي لأهل البيت استنكر بدوره تصريحات الحبيب وجاء في البيان الذي نشرته وسائل الإعلام، أن هذه التصريحات مخالفة للشرع، وتأتي في ظروف حرجة يواجه فيها المسلمون أشد التحديات، ويتعرضون لهجمات شرسة من أعدائهم المتربصين بهم. فمن جهة تواجه بعض البلدان الإسلامية غزوا أجنبيا، ومن جهة أخرى يواجه المسلمون حربا ناعمة تجسدت في الأيام الأخيرة بنوايا بعض المتعصبين إحراق القرآن الكريم، ومن جهة ثالثة فإن الإرهابيين التكفيريين قد ولغوا في دماء أبناء الأمة، ونراهم يزهقون في كل يوم أرواح الكثير من المسلمين الأبرياء في البلدان الإسلامية، وأخيرا نرى جمعا من المتعصبين الجهلة يؤججون نار الفتنة والتكفير التي أشعلها هؤلاء الإرهابيون. وفي خضم هذه الأجواء المتأزمة سمعنا شخصا نكرة يدعى: "ياسر الحبيب" يدلي بتصريحات ليست مخالفة للمعتقدات الإسلامية ولمتبنيات مدرسة أهل البيت فحسب، بل هي مخالفة للعقلانية والسياسة، وتصب في صالح الأهداف القديمة لأعداء الإسلام ومذهب أهل البيت، واليوم يستغل المستكبرون والإرهابيون التكفيريون هذه التصريحات أبشع استغلال.
حادثة أخرى أشعلت الساحة الخليجية وأثارت المخاوف من تصعيد التوتر السياسي والديني في الخليج وجاءت من البحرين، التي شهدت بدورها توترات طائفية بلغت ذروتها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتمثلت في اتهام أكثر من عشرين زعيما شيعيا معارضا جرى اعتقالهم في حملة واسعة بالتآمر للإطاحة بنظام الحكم من خلال التحريض على احتجاجات عنيفة وأعمال تخريب، حيث نقلت وسائل الإعلام في البحرين عن ممثلي الادعاء قولهم إنهم سيوجهون اتهامات إلى 23 رجلا بينهم اثنان خارج البلاد وناشطون في حقوق الإنسان.
ويبدو أن الأحداث والصراعات التي تقع في منطقتنا يصل تأثيرها إلى باكستان في نفس اللحظة أو ربما العكس صحيح أيضا؟! هناك نفذ انتحاري هجوما على مسيرة نظمتها الأقلية الشيعية في كستانية لدعم القدس والدفاع عنها، في "يوم القدس العالمي" في مدينة كويتا (جنوب غرب باكستان)، الذي راح ضحيته أكثر من سبعة وخمسين شخصاً وأصيب نحو مائتين وهي ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء في باكستان البعيدة أو العراق القريبة. من جانبه طالب الشيخ السعودي سلمان العودة علماء السنة والشيعة بوضع حدّ لِمَا أسماه (التَّهارُج الطائفي) لحفلات الدم والذم التي تقوم بها جماعات من الشيعة ضد الصحابة رضوان الله عليهم. كما طالب علماء السنة بإدانة التفجيرات الطائفية في باكستان والعراق وتعرية أيّ سند لهؤلاء الذين يقومون بممارسة القتل وإذكائه وما لذلك من عواقب وخيمة تسير بالمجتمعات نحو الفوضى والانهيار.
حذر يحيى ابو زكريا من أن الصراعات المختلفة الخفية والظاهرة، وهذه المنطلقات والرؤى الآخذة في الصعود ستكون الشرارة التي ستجهز على العالم الإسلامي، الذي أصبح اليوم مهيأ لأكبر معركة طائفية بل لأكبر حرب طائفية لم يعرفها الماضي الإسلامي عندما كان الخلاف المذهبي يندرج في سياق الرأي العلمي ومقارعة الرأي بالرأي، الذي تطور وأصبح حروب قبائل وممالك، بين القبائل المذهبية والطائفية وكانت الخلاصة ضياع العالم الإسلامي وانهيار الحضارة العربية الإسلامية. والإشكال العميق أن العقليات التكفيرية في هذا الفريق وذاك تنطلق من الماضي السحيق الذي لا يرقى إلى مستوى الإجماع بين المسلمين، فربّ رواية ضعيفة قد تفجرّ حربا بين السنة والشيعة، وربّ قول مؤرّخ قد يسيل دماء قبائل لسنوات. ولا يوجد أية محاولة جدية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فالتقريب في نظر السني هو تسنين الشيعي، والشيعي يعتبر التقريب مدخلا لتشييع السني، وغير ذلك من الأطروحات والآراء تندرج في سياق المداراة عند السني والتقية عند الشيعي.
بيقين نعتقد إذا كان حوار الأديان "فرض كفاية" فإن حوار المذهب في الخليج والعالم العربي والإسلامي اليوم هو "فرض عين" على كل مسلم ومسلمة، طفل، وبالغ وعاقل. فلن نقدر على صناعة صورة حضارية عن أنفسنا وديننا ما لم نحقق التقدم والتغيير في المرحلة الأولى المتعلقة بحوار المذاهب الإسلامية داخل منظومة الدين نفسه.

"الإسلاموفوبيا" الخطاب الحضاري وصورة العرب والمسلمين

2010-09-15
جريدة الشرق
ضرورة تعزيز منهج التسامح بين أتباع كل الأديان في العالم
حكاية القس الأمريكي صناعة إعلامية بامتياز
الحوار والصبر والوقت والتعليم علاج لأمراض الكراهية

التطورات الأخيرة في المشهد تدعونا إلى الوقف عندها والإشادة بها، خصوصا المقال الأخير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز "The New York Times"، للإمام فيصل عبد الرؤوف، بعنوان بناء الإيمان "Building on Faith"، بتاريخ 7 سبتمبر 2010، وقد ذكر الإمام عبد الرؤوف انه من جولته التي زار فيها مجموعة من العواصم العربية والخليجية منها البحرين والإمارات وقطر، هدفت إلى تعزيز التفاهم بين أتباع كل الأديان في العالم لمواجهة التطرف، وتعزيز العلاقات بين المسلمين والغرب. وجعلته يرى الأمور بمنظار شامل خصوصا مسألة إقامة مركز ثقافي إسلامي يضم مسجداً على أرض خاصة على بعد خطوتين من الموقع الرمزي للاعتداء الإرهابي في الولايات المتحدة موضع جدل في الأسابيع الأخيرة. وقد أشار الإمام عبد الرؤوف إلى التوصل إلى تصور مشترك لبناء مركز حضاري عصري يصبح مقرا يجمع كل الديانات السماوية اليهودية، والمسيحية، والإسلام، والعقائد الأخرى، بالإضافة إلى بناء نصب تذكاري متعددة الأديان مخصصة لضحايا هجمات 11 سبتمبر، فهل يأتي اليوم الذي نرى المركز يتحول إلى مقر يجمع كل الديانات بما فيها رموز الديانات السماوية الثلاث الإمام والقس والحاخام؟!
المقال الذي نشرته تعليقا على زيارة للإمام فيصل عبد الرؤوف للخليج بتاريخ "1 سبتمبر 2010"، أعاد نشره الصحفي الزميل منصور الحاج في واشنطن على شكل خبر، وأشكره بدوري على الترويج للمقترح الذي تقدمت به، ونقلته عنه وسائل الإعلام الأخرى، وجاء فيه، اقترح كاتب صحفي تحويل ما بات يُعرف بمسجد "جراوند زيرو" القريب من المبنى الذي دمره إرهابيون مسلمون في أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى مقر يجمع جميع الأديان والملل. وتمنى خالد الجابر أن يقبل الإمام فيصل عبد الرؤوف القائم على مشروع بيت قرطبة هذا الاقتراح. وقال الجابر في مقال بعنوان "هل يتحول مشروع المركز الإسلامي في أمريكا إلى مقر يجمع كل الديانات؟!" إن اقتراحه سيساهم في تعزيز صورة الإسلام وإرساء ثقافة التسامح وسيحول الإمام فيصل عبد الرؤوف إلى زعيم روحي عالمي يشار إليه بالبنان كالدالاي لاما والأم تريزا. وجاء في المقال "لديَّ اقتراح أعرضه على الإمام عبدالرؤوف وربما هو في زيارته إلى الدوحة حاليا يسمعني عن قرب، وهو أن يحول مشروع المركز إلى مقر ومسمى ومحفل عالمي، يجمع كل الديانات والعقائد والملل والأعراق اليهودية، والمسيحية، والإسلام، البوذية والكونفوشية والهندوسية والشنتو والطاوية وأصحاب الفلسفات والمناهج الفكرية المعتبرة وغيرها". وأضاف "مشروع لا تتحكم فيه رؤية واحدة وأيديولوجيات ضيقة وقضايا سياسية وحزبية. مشروع يحمل نوايا صادقة تؤمن بالحوار الحضاري والتسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمي المشترك وثقافة التنوع. إذا كان الإمام عبدالرؤوف فعلا مؤمنا أن التوتر بين الغرب والمسلمين يمكن إنهاؤه في 10 أعوام كما تشير تصريحاته فهذا أفضل مشروع يبدأ فيه. والسؤال هل سيقبل الإمام فيصل عبدالرؤوف بهذا الاقتراح؟.
لا أدعي، ولا يشغلني، وليس مهما، إذا كان فيصل عبد الرؤوف قد اطلع على النداء الذي وجهته له أو صادف مقالات الزملاء الكُتَّاب في الصحف الغربية والعربية، حيث طلب منه البعض تحويل مركزه لكي يكون محصورا على الديانات الإبراهيمية الثلاث وليس الإسلام فقط، بالإضافة إلى بناء نصب تذكاري باسم ضحايا إرهاب 11 سبتمبر. أو استمع لنصائح أخرى أشارت عليه بكتابة أسماء ضحايا "11 سبتمبر" على جدران المركز. المهم ان هناك تغييراً ايجابياً في التصريحات التي كان يطلقها الرجل الأول المسئول عن بناء مشروع المركز، الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل في أمريكا والعالم. اليوم هو لا يكتفي بالتصريحات الإعلامية الهلامية حول ضرورة الحوار والتلاقي وذكر القصص التاريخ والشواهد على سماحة الإسلام وإيمانه بالتعددية وقبوله بالآخر، بل أصبح يدعو إلى مبادرة رائدة جامعة لا نظير لها في العالم العربي أو الغربي، وهي تأتي من خلفية إسلامية، ومن الممكن أن تتحقق على الأرض الدنيا وليس في السماء العليا؟! وذهب أبعد من ذلك في الحوار الذي أجراه مع "سي ان ان" في البرنامج المباشر الشهير "لاري كنج" (Larry King Live)، قبل عدة أيام مضت، في قوله انه على استعداد أن يعيد النظر في بناء مشروع المركز قرب موقع تحطيم برجي مركز التجارة العالمي إذا واجهته معارضة قوية. لقد علقت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية (The Los Angeles Times) في تغطيتها الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر، أن خطابا جديدا قد يساعد المسلمين في أمريكا في تحويل الكراهية والخوف إلى التسامح، وفي نصيحة من المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير، التي تأسست في عام 1913 لوقف تشويه صورة اليهود، إشارته أنه استنادا إلى تاريخ جماعة العدل والإحسان لمكافحة معاداة السامية خرجنا بنتيجة أن الصبر والوقت والتعليم، هو الحل الوحيد لهذا المرض من الكراهية، بالإضافة إلى بذل الكثير من الجهود للوصول إلى حوار مع الآخرين. والحقيقة أن صياغة خطاب حضاري جديد في العالم العربي والإسلامي يسهم في إثراء القيم الإنسانية، سيساعد في تحسين صورة العرب والمسلمين، ومواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، ولكن ما طبيعة هذا الخطاب، ومن الذي يجب أن يقوم عليه؟!
الحادثة الأخرى كانت شبه متوقعة لمن يعرف الولايات المتحدة من الداخل، وطبيعة وسائل الإعلام الجماهيرية (Mainstream media)، فحكاية القس الأمريكي المثير للجدل تيري جونز (Terry Jones)، الذي هدد بإحراق المصحف في الذكرى التاسعة لاعتداءات 11، صناعة إعلامية بامتياز، القس يتزعم كنيسة مغمورة بمنطقة جينسفيل بولاية فلوريدا، لم يسمع بها معظم سكان المدينة قبل الإعلان عن التهديد المزعوم، ولا يتجاوز أتباعها الخمسين، وكان يعمل قس في كنيسة أخرى وقد طلب منه المنتمون لتلك الكنيسة سنة 2008 تركها بسبب خلاف حول "أسلوبه في القيادة. وتشير صحيفة "جينسفيل صن" إلى أن المحكمة دانت جونز سنة 2002 وحكمت عليه بدفع غرامة بسبب استخدامه لقب دكتور بدون استحقاق. حتى أن ابنة القس الأمريكي اتهمته بعدم الأمانة في التعاملات المالية. وانشقت عن الكنيسة التي يرأسها، بل اعتبرت أباها رجلاً مجنوناً، لكن كيف استطاع هذا المجنون أن يحبس أنفاسنا ويشغل الدنيا، وهل العيب في عقليته هو أم في فهمنا نحن نحو التعامل مع وسائل الإعلام؟! كيف ستكون ردود أفعالنا في كل مرة لو خرجت شخصيات أخرى محسوبة على كنائس مغمورة من عشرات الآلاف من الكنائس في إحدى الضواحي المهجورة في إحدى المدن الأمريكية الهامشية، وعدد إتباعها لا يتجاوز الستين، وأرادت أن تحرق المصحف كما قامت مجموعة مسيحية متطرفة صغيرة بتمزيق صفحات من المصحف أمام البيت الأبيض؟! ولنذهب أبعد من ذلك، ماذا لو بلغنا أن رجلا يعيش في إحدى الجزر النائية في منطقة الكاريبي وعلمنا أن امرأة تعيش في خيمة على الحدود الإفريقية قرروا القيام بالفعل نفسه فكيف سيكون موقفنا! هل سنحرق الأخضر واليابس أم نتعامل بعقلانية مع الأحداث، ونطرح خطابا إنسانيا أخلاقيا لمواجهتها والتصدي لها، ونحول الكراهية إلى تسامح ونكسب الرهان الحضاري؟!