الخميس، 19 نوفمبر 2009

البدون: مواطن يبحث عن وطن ووطن يبحث عن مواطن

2009-11-18

في نهاية كل سنة تخرج التقارير الدولية التي تعني بشأن الدول وأوضاع الانسان الذي يعيش فوق أرضها. وتتفاوت التقييمات بين الدول التي تكون على رأس القائمة وفيها الانسان يأمن على رزقة وينظر إلى مستقبلة بتفاؤل، وبين دول تقبع في قعر القائمة مثل أغلب الدول العربية وفيها الإنسان يعيش في المخيمات والمستوطنات في بعض الدول وفي المقابر والشوارع وعلى الأرصفة في بعضها الآخر، اما الدول التي حباها الله بما تحمله الأرض من خيرات وثروات من أنهار وبحار واراضي زراعية ونفط فالانسان فيها مهمش معزول ومجمد وكل مهمته في الحياة الأكل والشرب والتفريغ؟؟!!. من أهم المأخذ التي تحسب علينا في دول مجلس التعاون الخليجية منذ استقلال الدول، هو الانتقاد الدائم في التعامل مع ملف فئة في المجتمع مجردة من حقوقها المدنية والحقوقية والإنسانية بسبب عدم إيجاد حل جذري لمشكلتهم وتأجيلها تحت أسباب مختلفة مما أدى الى وجود حالات ومآس إنسانية نسمع عنها ونراها ويندى لها الجبين، وهذه الفئة لها مسميات عديدة حسب تعريف كل دولة لها،تتراوح بين (عديمي الجنسية، غير محددي الجنسية، البدون، حاملي البطاقات، حاملي الوثائق، المحرمين من التجنيس، ..الخ). لقد واجهت هذه الفئة ولاتزال معاناة حقيقية تمثلت في ضياع حقوقها الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف والعمل في القطاع العام والخاص، والتملك، وشهادات الميلاد والوفاة، وحرية الحركة والتنقل وإصدار رخصة القيادة والسفر والزواج والطلاق وفرض رسوم الإقامة وضرورة وجود الكفيل وغيرها من الحقوق والامتيازات، وسبب لهم ذلك مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وتربوية ونفسية، بل إن في بعض دول الخليج آلاف الاطفال الذين لا يحملون شهادات ميلاد تثبت هويتهم الشخصية, بل منهم من ولد ومات من دون أن تكون له أي وثيقة تحمل اسمه ونَسَبه؟؟!! ورغم المطالبات الأخلاقية والشرعية والدستورية وجهود منظمات حقوق الانسان وتوقيع المعاهدات والقوانين الدولية والمحلية التي تدعو الى إغلاق هذا الملف إلى الأبد إلا أن أوضاعهم وحالاتهم لاتزال مكانك سر؟؟!!
تعود أصول فئة غير محددي الجنسية "البدون" في الخليج في الغالب كما تبين التقارير الحكومية الخليجية الرسمية إلى قبائل عربية بدوية من مناطق رعي صحراوية تمتد من السعودية جنوباً إلى الكويت شرقاً و العراق شمالاً ويعود بعضهم إلى بادية سورية والأردن وهم من قبائل عربية كبيرة مثل بني تميم و شمر و عنزة، كما توجد فئة منهم ذات أصول تعود إلى مناطق في الساحل الشرقي للخليج العربي يطلق عليها منطقة فارس والأهواز في إيران. ويكمن حجم الخطورة الحقيقة في هذا الملف في عدم وجود إحصائيات دقيقة لمعرفة عدد هؤلاء بالتحديد في كل دولة خليجية وما الأسباب الحقيقة في عدم منحم الجنسية أسوة ببقية الجنسيات الاجنبية او العربية التي قامت غالبية دول الخليج بإعطائهم الجنسية وجعلتهم مسؤولين وصناع قرار في كثير من مؤسساتها وأجهزتها الرسمية منها والخاصة ومنهم لا يتكلم اللغة العربية أو لا يعرف ثقافة وتاريخ أو دين وعقيدة البلد المنتسب إليه؟؟!!
لقد لحظنا في السنوات الاخيرة أن السلطات في بعض الدول الخليجية فتحت الباب لدخول سماسرة الجنسيات و الجوازات للإقامة والترويج الإعلامي في وسائل الاعلام والصحف وقد جعل هذا الوضع أفراد هذه الفئة ضحايا لمافيا الجوازات، والجنسيات المزورة والعديد منهم حصلوا على جوازات وجنسيات لبلدان آسيوية وأفريقية وأمريكية جنوبية وجنسيات جزر في المحيط لا يعرفون مكانها على الخارطة واكتشف الكثير منهم أنهم ضحايا عمليات نصب وتزوير كما تعرضوا للاعتقال والسجن. وقد قرأت قصصا عن بعض الذين حصلوا على الجوازات المزورة، تقول إنهم عندما انتهت جوازاتهم وذهبوا الى تلك السفارات في بلدانهم طالبين تجديد الجواز وجدوا أن القائمين على السفارات استغربوا حصولهم على الجوازات التي لايوجد لها اساس أوملف في وزارات الداخلية في بلدانهم، وتساءلوا عن كيفية حصولهم عليها دون علم مسؤولي تلك السفارات او حكوماتهم؟؟!!.
آخر الاخبار جاءت من جزر القمر، فقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا منذ عدة أشهر يشير الى إن سلطات جزر القمر التي تحتاج بشكل ملحّ للأموال وجدت حلا خاصا بها يقضي ببيع جوازات البلد للأجانب في بلدان الخليج العربي الباحثين عن من يمنحهم الجنسية، وتوقعت الصحيفة أن تكون عائدات هذا المشروع واعدة, لكونها قد تساعد الدول الخليجية على وجود حل "إداري" لعشرات الآلاف من مواطنيها البدو المعروفين بـ"البدون" والذين ينظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية, ونظرا لذلك يمنعون من الحصول على وثائق هوية الدول الخليجية التي يقيمون فيها، الا ان الفرحة لم تكتمل فالخبر الذي جاء بعد ذلك بمدة قصيرة يحمل أنباء عن رفض مجلس النواب في جزر القمر مشروع القانون والذي يمنح الجنسية لاربعة الاف عائلة من "البدون" تسكن بالتحديد في السعودية والإمارات والكويت؟؟!!
في ملفات المنظمات والهيئات الدولية التي تتناول حقوق الانسان في قطر اخرها 2008 وجديدها سيخرج قبل نهاية السنه الحالية، تشير التقارير والاحصائيات المتداولة الى ان عدد البدون في قطر يقارب 1200 الى 1500 شخص واحدى المرجع هي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR.ORG) وهو رقم اتمنى من الاخوة ومن الدكتور علي بن صميخ رئيس اللجنة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ان يؤكده او ينفيه، ويعطينا احصائية دقيقة عن حجم هذه الفئة بالتحديد، ويزودنا بتفاصيل هذا الملف واين وصل وكيف يتم التعامل معه؟؟!! أن هذا الملف الانساني بالذات حساس و شائك ويجب ان لا يكون معلق أو مؤجل أو مرحل أو مجمد، بل يجب الاسراع في ايجاد حل نهائي له ولا يتم تركه متداول في التقارير الدولية، ومنظمات حقوق الانسان، وتقارير السفارات الاجنبية الداخلية، وتقارير وزارات الخارجية السنوية وخصوصا الامريكية والبريطانية؟؟!!
مع انتشار وسائل الاعلام الجديد (New Media) بدأت تظهر قضايا هذه الفئة الى العلن وتنقل حكاياتها الى العالم فتجد الكثير منهم يشارك في المنتديات والصفحات الاجتماعية التفاعلية والفيس بوك والتويتر، كما أنشأ العديد منهم صفحات تدوين خاصة على الاتنترنت (بلوغز) يعرض فيه الهموم والمآسي التي تعيشها هذه الفئة، كما أن هناك العديد من الاشرطة و الفيديوهات تنقل المحاضرات والندوات والقصص الحزينة على صفحات (اليوتيوب ) وهي فعلا تدمي القلب وتبكي العين، انها دعوة لوقف هذا العبث والعمل على إيجاد حل جذري وحقيقي لهذة الفئة المغلوبة على أمرها في الخليج العربي من قبل السلطات المختصة، كما يجب على الباحثين والاكاديمين والمثقفين بذل المزيد من الجهد في وضع هذه القضية الانسانية كأولية علي مائدة البحث وكشف جذورها ومعرفة أسبابها ودوافعها وطريقة علاجها.
هناك دراسة قيمة قام بها الدكتور فارس الوقيان و نشرت في مجلة السياسة الدولية العدد 175، يناير 2009 ، والدراسة تهدف إلى بحث قضية هذه الفئة في الكويت بالتحديد (تقدر الحكومة الكويتية عدد البدون على ارضها بحوالى 70 الف نسمة بينما تقدر منظمات غير حكومية عددهم بحوالى 120 الف)، وذلك وفقاً لسياق تاريخي يتناول بدايات تشكل القضية وتطور السياسات الرسمية التي تعاطت معها، ووجدت الدراسة ان تلك السياسات تنقسم وفقاً لطبيعتها وإجراءاتها لمراحل ثلاث هي (مرحلة الاعتراف ، مرحلة الرفض ، مرحلة الاتهام)، وطرحت الدراسة عدداً من الحلول لهذه القضية الشائكة تتمثل في: منح هذه الفئة حقوقهم المدنية والإنسانية كاملة (حق العلاج، والتعليم، والوظيفة، والزواج، ورخصة القيادة، وإصدار وثائق رسمية وغيرها) ومنح الجنسية لمستحقيها، إعطاء المرأة حق منح جنسيتها لأبنائها وزوجها أسوة بالرجل، إلغاء مواد القانون التي تمنع اللجوء إلى القضاء لإثبات الأحقية في الجنسية، وجعل القضاء يفصل في قضايا الجنسية، تشريع قوانين واضحة لوضع معايير منح الجنسية بحيث تؤخذ في الاعتبار مصالح الدولة ومفاهيم المواطنة والإنسانية والتنمية المستدامة، كاستقطاب الكفاءات ومن لهم الأحقية في اكتساب الجنسية، وممن قدم خدمات جليلة وغيرها من المعايير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق