الخميس، 10 ديسمبر 2009

التعلم من التجربة الهندية

تعليم لمرحلة جديدة... التعلم من التجربة الهندية
2009-12-10
الشرق

هل يأتي اليوم الذي يضطرنا الواقع ومتغيراته إلى أن نرسل أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية؟! أوالعكس أن نحول مدارسنا ومعاهدنا إلى نموذج يحاكي تجربة النموذج التعليمي الهندي الذي بدأ ينتشر في العالم، ولكن لماذا نموذج من الهند؟ وماالذي يستطيع أن يقدمه إلى التعليم في قطر أو الخليج أو العالم العربي؟! بالإضافة إلى العمالة التي تدير الاقتصاد والاستثمارات في بعض الدول الخليجية وتبني العمارات والناطحات، وتعتني بالبيوت والمنازل وتقوم بدور أولياء الأمور والآباء والأمهات في الدول الأخرى؟؟!!
اتخذت الهند في بداية العام الحالي 2009م قرارات استراتيجية على مستويات مختلفة لكن أهمها تمثل في مراجعة وتقييم المنظومة التعليمية الرسمية، حيث أنشأت مجلساً حكومياً لإدارة المدارس (التي يبلغ عددها حوالي 30.000 مدرسة في كافة أرجاء الهند). ومن صلاحية المجلس صياغة الإطار العام للمناهج كوسيلة من وسائل تحديث وعصرنة مؤسسات التعليم من خلال حقن المناهج بجرعات أكبر وأحدث من علوم العصر كالرياضيات والفيزياء وعلوم الحاسوب والاقتصاد واللغات الأجنبية، ولاقى القرار معارضة من قبل الحرس القديم الذين شمل القرار مدارسهم "خصوصا من التيارات الهندوسية والجماعات الإسلامية" والذين شككوا في القرار واتهموه بأنه محاولة تهدف إلى سلخ الهوية الدينية "كما حدث في الصراع مع بعض التيارات الدينية في الخليج والعالم العربي بعد أحداث سبتمبر 11". وقد سمح النمط الجديد بإعطاء الطالب فكرة عامة عن مختلف الأديان الأخرى كي يتمكن من فهم أفضل لشركائه في الوطن بعدما كانت المناهج تعلي من عقيدة أو بعض من العقائد والأديان وتطعن في العقائد والأديان الأخرى، كما اتخذ موقفاً محايداً من جميع المذاهب والفرق الدينية بعدما كانت المناهج السابقة ترفع من مكانة مذهب أو فرقة أو تيار إيديولوجي وتهمش الأخرى، كما ركز النمط التعليمي الجديد على تخريج طلاب في معظم التخصصات الحديثة "طب، هندسة، قانون، تكنولوجيا، اتصالات، كمبيوتر، اقتصاد"، بعدما كان التركيز على التخصصات التي تعتمد على "البصم"، التلقين والحفظ؟؟!!.. أما المناهج التي تركز على تعلم اللغات فهي تعتمد على تفعيل وسائل الإعلام من خلال إنشاء إذاعة داخلية خاصة في كل مدرسة وإصدار نشرات ومجلات باللغة الأجنبية بالإضافة إلى مشاركة الطلبة في عمل وتقديم وتمثيل مسرحيات درامية وأغان وموسيقى وألعاب لغوية ويتم التنافس في ذلك داخل المدارس وبين بعضها البعض، وأيضا من خلال توفير تدريب خاص ومستمر للمدرسين حتى يتمكنوا من تدريس المناهج والأساليب العلمية الجديدة بصورة مناسبة ومن لا يصلح منهم بعد التقييم لا يستمر ويبحث عن مكان آخر؟؟!!
قبل مدة جمعتنا الصدفة مع مجموعة من الزملاء المحسوبين على القطاع التعليمي عندنا وسألتهم عن مدى اطلاعهم على التجربة التعليمية الهندية ولكنهم تجاهلوا مناقشة الأمر تماما وشرعوا يعطونني دروساً عامة عن التجربة اليابانية والأمريكية والأوروبية، فأخبرتهم أن لدي اطلاعاً لا بأس به على تلك التجارب بحكم المهنة والدراسة في الخارج، وكررت سؤالي عما إذا كانوا مطلعين على التجربة التعليمية في الهند أو بعض الدول الآسيوية الأخرى، فقالوا (لا)، نحن غير مهتمين بتلك التجارب وهي لا تعنينا في شئ ؟؟!! وهي إجابة تدل على جهل كبير وتصورات نمطية مسبقة عن الدول الآسيوية التي تسبقنا بمراحل ولديها تجارب ناضجة وعلمية وتخدمنا بطريقة أفضل من التجارب الغربية التي تقدم الدراسات والتقارير العامة ولا تركز على دراسة وتشريح كل حالة منفردة بخصوصيتها من خلال بيان نقاط القوة أو الضعف أو إبراز الجوانب الإيجابية وإبعاد السلبية وتغيرها من الداخل وليس من الخارج وهو ما يمثل التحدي الحقيقي كما حدث من مؤسسة "راند" التي قامت بدراسة المنظومة التعليمية في قطر على سبيل المثال؟؟!!
الرد العلمي الذي أريد أن أكمل به حجتي على زملائي التربويين يكمن في التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) في بداية 2008، تحت عنوان "اليابانيون يحسدون المدارس الهندية" (Losing an Edge، Japanese Envy India’s Schools) ويمكن الحصول عليه في موقع الصحيفة على الانترنت، وجاء فيه أن اليابان تعاني من أزمة ثقة بخصوص قدرتها على التنافس مع جيرانها الآسيويين كالصين والهند في عدة مجالات، آخرها الجانب التعليمي، فالعديد من اليابانيين يشعرون بشيء من عدم الأمن بخصوص مدارس البلاد، التي كانت تخرج طلابا يحتلون دائما قمة المنافسات الدولية. وهوالأمر الذي لم يعد واقعاً، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى أن يتلقوا الدروس من الهند، البلد الذي يراه اليابانيون القوة العظمى الصاعدة في مجال التعليم، وقد شهدت المدارس الهندية في اليابان والتي تعد محدودة إقبالاً كبيراً من الطلاب اليابانيين للالتحاق بها، فلقد واجهت اليابان تحديا كبيرا عندما تراجع تصنيف اليابان في إعلان منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية، ففي الرياضيات تراجعت اليابان عن المركز الأول عام 2000 إلى المركز العاشر حاليا بعد تايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية. ومن المرتبة الثانية في العلوم عام 2000 إلى المرتبة السادسة في الوقت الحاضر؟؟!!. وتعليقا على ذلك أشار أستاذ الثقافة الآسيوية في جامعة صوفيا (يوشينوري موراي) إلى أن اليابان كانت تنظر إلى الصين والهند باعتبارهما دولتين متخلفتين. إلا أن نظرتها اليوم إلى جيرانها بدأت تتغير، وأصبحت تنظر الآن للصين والهند باعتبار أن لديهما ما يقدمان، أما العبارة الأصدق فقد جاءت على لسان (كارواوكاموتو) أستاذ سياسات التعليم في المعهد الوطني للدراسات السياسية بطوكيو والذي قال إن اهتمام اليابان بالتعلم من الهند، هو مثل اهتمام أمريكا بالتعلم من نظام التعليم الياباني.
وأشار التقرير إلى أن مستوى نظام التعليم الهندي المتفوق يتضح في مدرسة "ليتل انجيلز" الهندية في اليابان والخاصة بطلاب المرحلة الأولى (Little Angels)، فالأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عامين، يتعلمون العد حتى رقم 20، أما الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى ثلاث سنوات فيتعلمون استخدام الكومبيوتر، بينما يتعلم الأطفال الذين تصل أعمارهم خمس سنوات، الضرب وحل المسائل الرياضية وكتابة موضوعات بالإنجليزية بينما أقرانهم في المدارس اليابانية الأخرى لا يصلون إلى هذا المستوى إلا متأخرين ويعانون صعوبات كثيرة حتى يتجاوزوها، والذي يدخل المكتبات اليابانية خصوصا في القسم الخاص بالتعليم سيكتشف أن الكتب الأكثر مبيعا هي تلك التي تحمل عناوين مثل (تدريبات الرياضيات الهندية المتطرفة) و«الأسرار غير المعروفة للهنود». كما أن الصحف اليابانية تحمل العديد من التقارير عن الأطفال الهنود الذين يحفظون جداول الضرب، حتى بعد جدول ضرب تسعة، وهوالمقياس التقليدي لطلاب المدارس الابتدائية في اليابان؟؟!!
الإشكالية التي نعيشها حاليا هي أن لدينا نظاماً تعليمياً مقدماً على التبلور والتشكل وستتضح معالمه خلال السنوات القادمة بشكل أفضل، ومن الضروري العمل على إنجاح هذا النظام والمساهمة في خدمة هذه التجربة من خلال إشراك الجميع فيها وتقييمها بشكل مستمر من قبل رجل الشارع قبل المسئول في وزارة التعليم، ومع ذلك هناك هوة بين النظرية والتطبيق، بين الفهم والممارسة، بين الأهداف الموضوعة والسياسات المطبقة، والسبب في ذلك يشترك فيه الجميع (وزارة التعليم أصحاب التراخيص، المدارس، المناهج، المدرسون، مجالس الأمناء، وأولياء الأمور)، إلا أن الذنب الأكبر يتحمله المسئولون عن مبادرة (التعليم لمرحلة جديدة) وأصحاب القرار في المبادرة الذين يبدو أنهم يتجهون إلى سياسة الانزواء والانعزال السلبي، والمشي جنب الحائط، وممارسه دور العلاقات العامة، وتجنب الإقدام والمواجهة ولعب دور القائد الذي يتحمل التبعات والمواقف ويقف في مواجهة الجميع ليدافع عن قراراته ويوضح سياساته، وهوأشبه بما تقوم به الحكومة البريطانية بشكل دوري في البرلمان البريطاني في مواجهة المعارضة والإعلام والنخبة.
لقد طالبت مع غيري وزير التعليم والتعليم العالي بأن يدعو إلى حوار وطني يتناول مراجعة المنظومة التعليمية خلال السنوات الماضية من عمر التجربة، وقد سمع صدى صوتي إخواني القائمون على التعليم في المملكة العربية السعودية الذين بدأوا بالإعداد لمؤتمر مشابه بينما مازلنا نحن ننتظر الدور؟؟!! إن الخيارات أمامنا محددة، فإما أن نظل نتفرج على التجربة التعليمية دون مساهمة حقيقية فيها من قبل أصحابها المعنيين بها، أو ندخلها بقوة ونطرح الأسئلة الصعبة كما فعلت اليابان ونتعلم من التجارب الأخرى لكي يكون لدينا الخيار في حالة (الفشل) في إرسال أولادنا وطلابنا إلى المدارس الهندية في الدوحة لكي يتعلموا لمرحلة أفضل من الموجودة حاليا؟؟!!
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق