الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

الجابر: الاعلام القطري والحذاء الصيني

موزاييك.. كيف سيكون شكل الإعلام القطري عام 2030؟
2009-10-21


لقد تنفسنا الصعداء عندما أعلن مجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي موافقته على اصدار قانون جديد للمطبوعات والنشر يواكب المرحلة الراهنة والمستقبلية، ويساهم في دعم الكوادر القطرية للعمل في الصحافة المحلية، وهي الخطوة التي جاءت لتروي ظمأ حلم تجاوز 30 سنة من الانتظار على امل الولوج الى تلك اللحظة في المرحلة التاريخية التي تحدث فيها نقطة التحول (Training point) لتفتح معها الابواب الموصدة وتشرع فيها النوافد المحكمة. فهل حانت هذه اللحظة التاريخية وهل سننجح في التعامل معها، وكيف سيكون شكل الاعلام القطري في عام 2030؟؟!!
كان هناك عرف وتقليد في الصين بدأ من القرن العاشر الميلادي واستمر الى بداية القرن العشرين وبالتحديد الى عام 1911م، وكان العرف او التقليد أو العادة التي اطلق عليها مصطلح الطريقة الصينية لربط الاقدام (Chinese Foot Binding) تقتضي ان توضع ارجل المولودة الانثى دون الذكر (مسكينة المرأة حتى في الصين التي نطلب فيها الحكمة) التي يتراوح عمرها من أربع إلى سبع سنوات، في حذاء على شكل قالب جامد أو يتم شدها وربطها في الاسر الفقيرة وتوضع في قماش محكم، وهي محاولة لوقف نمو القدمين وجعلها ضيقة وقصيرة في نفس الوقت بحيث لا يبلغ حجم قدميها أكثر من 3 الى 4 بوصات وهو حجم أرجل إنسان لايزال في مرحلة الطفولة المبكرة من عمره!! لقد كانت العملية كلها وطريقة تنفيذها مؤلمة وموجعة ومحزنة بسبب حشر الاصابع ببعضها البعض والتضييق على كاحل الرجل، وقد أدت في بعض الاحيان الى ان تصاب الاقدام بغرغرينا وتسمم في الدم مما تطلب قطعها بالاضافة الى أوجاع الظهر والمفاصل!!. ولقد تم الترويج للفكرة في بداياتها على اساس انها وسيلة ضرورية للجمال والزينة وتعلم الرقص الصيني التقليدي، فكل طبقات المجتمع الصيني بلا استثناء كانت تمجد المرأة التي تتمتع بقدم صغيرة، بل كانت الاسر والعائلات والقبائل التي لاتقوم باتباع هذه الطريقة تحمل خطيئة عدم الحصول على ازواج لبناتها، بل وتحمل الفتاه الذنب لأهلها لانهم لم يقوموا بربط قدميها!! ولكن الجانب المخفي في هذه العملية كان يتمثل في عدم استطاعة المرأة الهرب من البيت بسبب الاهانة والضرب عندما تكون متزوجة، والعامل الاخر يتمثل في إبقاء المرأة في المناطق الزراعية في العمل بالمزارع والحقول وعدم التفكير في الابتعاد كثيرا اذا قررت ترك العمل بحيث لا تستطيع الاعتماد على نفسها وتكون دائما بحاجة الى الاعتماد على الاخرين حتى تسهل السيطرة عليها!! (والله في كل مرة أقوم بها بسرد هذا الوضع الغريب العجيب أحاول أن أمسك دموعي فما أشبه الذي كان يجري في الصين "أمس" بواقع العالم العربي "اليوم")!!
قدم مجتمعنا الصغير في حجمه الكبير في مبادراته، نموذجا مميزا في حرية الصحافة والإعلام بإنشاء محطة الجزيرة الفضائية التي اعتبرت الحدث الأبرز في تاريخ الإعلام العربي منذ انطلاقه، وكان من المفترض والمأمول أن يستمر هذا التوجه ليشمل القطاعات الإعلامية الأخرى في المجتمع ولكن الانفتاح على الخارج لم يوازه انفتاح في الداخل وبقيت وسائل الإعلام التي تقع في المبنى الموازي لمحطة الجزيرة في مؤخرة الركب ولم تنافس حتى على مستوى الصعيد المحلي ناهيك عن المحيط الخليجي والعربي والدولي!! وفي ظل غياب قانون عصري لتنظيم وسائل الإعلام، ووجود قانون قديم مقيد لحرية الصحافة، أصيبت الساحة الإعلامية بانتكاسة كبيرة وتراجعت كل المكتسبات التي حصلنا عليها في رفع سقف الحرية منذ بداية السبعينيات ومنتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات وصولا الى اليوم، وأصبحت الدول التي كنا نسبقها في إرساء مبادئ حرية الرأي والتعبير وتعددية الطرح تتفوق علينا بجدارة لنجد أنفسنا تراجعنا سنة بعد الأخرى ولا نزال في التقييمات الدولية التي تتناول دراسة وضع الحريات الصحافية والاعلامية. وغدونا نعيش في تناقض صارخ بين إشادة بما تتمتع به محطة الجزيرة من جراءة في التناول والطرح لمختلف القضايا العربية والدولية وان أزعجت الكثير من الأشقاء والأصدقاء والأعداء على حد سواء وأدت إلى قطيعة سياسية ودبلوماسية، وبين غمز ولمز ومهاجمة القوانين والتشريعات المقيدة والمكبلة للصحافة المحلية ودورها بشكل خاص، ومساحة المناورة والتحرك والتوجهات التي تحكم وسائل الإعلام الداخلية بشكل عام منذ حل وزارة الإعلام قبل 11 سنة!!. بهذا الوضع غير الصحي أصبح وضع الإعلام أشبه بالأقدام التي وضعت في الحذاء الصيني وكان الفرق ان احدى الارجل (الاعلام الداخلي) كانت تلبس قالب الحذاء الصيني بينما الرجل الأخرى (الاعلام الخارجي) ظلت طليقة فنمت نموا طبيعيا، بينما تشوهت الأخرى ومازالت تعاني وتتألم وتتوجع ولا تستطيع السير بشكل سليم ناهيك عن الجري ودخول السباق أو الفوز بالماراثون!!
يبرز الإعلام ويتقدم وينمو في المجتمع القوي الفاعل النابض بالحياة والواثق في نفسه والعارف لامكانياته وقدراته والذي لايخشى او يهاب التجديد والتغيير والتطوير، وينحصر وينكمش ويتراجع ويهمش في المجتمع الضعيف والخائف والمتردد والمنغلق والمعقد والقائم على الرأي الواحد والفكر الواحد والتفسير الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد.. الإعلام الحر والمستقل يكون هو مبضع الجراح الذي يداوي دون خوف ووجل أو محاباة، الذي يحرر العقل من ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح، وينتشل الفكر من ثقافة الإقصاء والتهميش والاختزال، ويرسخ ثقافة الديمقراطية وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير ويخلق حراكا اجتماعيا حرا من خلال المراقبة والمحاسبة وكشف الحقائق، ويقف في وجه الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة.. الاعلام القوي الذي نريده في مجتمعنا اليوم يجب ان يكون البوصلة التي ترشدنا الى الطريق الصحيح عندما نضيع الاتجاهات، وينبغي أن يشكل خارطة الطريق التي ترينا الى اين نسير واين تجه، وهو نورنا عندما تشتد علينا الظلمة، وهو حناجرنا عندما نعجز عن الكلام، هو سمعنا الذي نثق به عندما يحاصرنا الصراخ. ولن ينهض ويتطور إعلامنا المحلي إلا من خلال التعامل والتفاعل الحضاري معه من قبل كبار المسؤولين في الوزارات والهيئات المختلفة، والتجاوب مع ما ينشره ويسلط الضوء عليه من هموم ومشاكل وقضايا؛ لأن هذا يمنحه الثقة في نفسه ويمده بالحماس اللازم للانطلاق إلى الأمام، كما أنه يزيد من ثقة الناس فيه وتفاعلهم معه وتوجههم إليه كقبلة لطرح مشاكلهم وشكاواهم.
اليوم نحن امام فرصة تاريخية في ان نبدأ بقوة وعزيمة وحشد للطاقات لنصنع مستقبلا واعدا للإعلام ليس في قطر فقط بل في العالم العربي، نستطيع اذا اردنا ان نكون نموذجا مميزا يقتدى به في المنطقة ومنارة يسترشد بها الآخرون الخائفون منهم والمترددون، والبداية الحقيقة هي بصياغة قانون عصري حضاري لتنظيم عمل الصحافة ووسائل الاعلام في قطر، قانون مميز يستفيد من كل التجارب المحيطة به في دول الجوار يأخذ منها أفضلها ويترك تلك التي تتسم بالتقييد والمنع والتنكيل والحبس، ويحمل في طياته اسس ومبادئ القوانين والتشريعات والحريات التي تنعم بها الدول المتقدمة، وبدوري أدعو إخواني المسئولين عن وسائل الاعلام الى ان يقتدوا بما قامت به الامانة العامة للتخطيط التنموي في صياغة رؤية قطر 2030 وهي سنة حميدة وكانت سابقة تحسب لهم، ولهم اجر من عمل بها، في الدعوة الى عقد الندوات وورش العمل والحوارت المفتوحة التي شاركت فيها الوزارات والأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني، كما شارك فيها مندوبون عن مختلف المنظمات الدولية ومن دول نجحت في تطوير خطط وطنية وتنفيذها، وذلك للخروج برؤية وطنية قطرية شاملة، وما احوجنا اليوم لنكرر نفس التجربة لنخرج برؤية وقانون شامل لوسائل الاعلام في قطر 2030.
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق