الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

لا توجد لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية

ملف الصحة واستراتيجية الوزير
2009-12-16

استبشرت خيرا باختيار وزير الصحة الحالي رغم أن تخصصه لا يربطه بالصحة لا من قريب ولا من بعيد، حتى لو كانت المسألة مرتبطة بالقدرة الشخصية والتمكن من القيادة، فمسألة وجود وزير أو مسؤول من خلفية تكنوقراطية (Technocracy) يعين في الوزارات أو الهيئات المتخصصة والتي يغلب عليها الطابع العلمي الفني التخصصي هي الخيار الامثل.. أقول: إنني استبشرت بقدوم وزير الصحة كشخصية ناجحة تمثل جيل العقد الثالث في مجتمعنا، وهو الجيل الذي ينتمي إليه الكثير من القيادات الشابة الواعدة التي أتيحت لها فرصة الاطلاع والاستفادة من تجربة الدراسة والعمل (في ومع) الخارج وفي الغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، كما استفادوا من التجربة العالمية في الإدارة والقيادة والعمل والممارسة، وهو الأمر الذي يعزز من القدرات ويوسع الإدراك المعرفي ويسهم في التلاقي والتفاعل مع الأفكار الجديدة والسياسات التنفيذية الجريئة، ويبقي استثمار هذه القدرات وتحقيق النجاح والتقدم وفرض التغيير مرتبطاً بالشخصية نفسها، لذا أعتقد أن الوقت حان لوضع هذا الجيل والشخصيات المحسوبة عليه تحت مجهر الاختبار!.. وأنا أدعو الله من كل قلبي أن يكون النجاح حليف وزير الصحة، بالإضافة إلى وزير التعليم أيضا (المحسوب على الجيل نفسه) في حمل المهمة الجسيمة والثقيلة المنوطة بهما، فعلى عاتقهما تقع مسؤولية حمل أهم ملفين في كل دول العالم وفي مجتمعنا خصوصا!، وأريد أن أرفع لهما راية التحذير من الآن، فأغلب الذين حملوا جمرة هذين الملفين اكتووا بنارها؟؟!!
يعتبر ملف الصحة من أعقد الملفات وأصعبها في التعامل على الإطلاق، فرغم الجهود التي تبذلها الدولة في الصرف المالي الباهظ وغير المحدود على الصحة، والضخ في الميزانيات السنوية للقطاع الطبي، إلى جانب تعزيز بنوده بتخصيص ميزانيات إضافية من الفائض، فإن واقع الوضع الصحي غير مرضٍ، ومتأخر، ويقبع في مؤخرة الركب، إذا ما قارناه حتى بالدول الخليجية الشقيقة وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، فمسلسل الأخطاء الطبية والإهمال الإداري ونقص الأدوية وغياب معايير الجودة والكفاءة في التعامل الطبي وتكاليف ومبالغ العلاج الخيالية أصبحت سمة يومية في المستشفيات، والمراكز الصحية الحكومية، والخاصة على حد سواء!، وربما تكون أهم معركة يدخلها وزير الصحة هي معركة البناء وإعادة الثقة، فالأوضاع الصحية في قطر تشهد تراجعا كبيرا وخطيرا فى الآونة الأخيرة، وأمام الوزير قائمة من التحديات يجب عليه التغلب عليها لإعادة الثقة بالخدمات الصحية التي تقدم إلى المواطن والمقيم، فالخدمات تتسم بصورة سلبية ومشوهة لدى الرأي العام، بسبب الأحداث الكثيرة التي تداخلت، ورسمت صورة قاتمة لها، وباتت تمثل عقداً كثيرة من الصعب تفكيكها والتعامل معها بسهولة، وهي أيضا أشبه بكرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر إذا تم تأجيلها والاكتفاء بالتفرج عليها؟! وقد تكون حادثة 60 حالة تزوير شهادات لممارسين في القطاع الطبي الخاص، قد أثارت ضجة كبيرة على مستوى الرأي العام، كما ان تصريح مدير ادارة التراخيص الطبية بالمجلس الاعلى للصحة انه كل اسبوع يتم اكتشاف ما بين شهادتين الى ثلاث شهادات مزورة لاشخاص يزاولون مهنة الطب او التمريض او المهن الفنية الطبية الاخرى قدموا من جميع انحاء العالم، يدعو الى الخيفة والحذر من طبيعة الاوضاع الصحية في قطر، ورغم انه تم تعاقد مع شركة عالمية لتقوم بعملية تدقيق في المستندات والشهادات العلمية، فإن من الواجب على الوزير ان يقوم بتشكيل لجنة متخصصة من كافة الجهات المعنية في الدولة لوضع ضوابط وآليات محددة وعقوبات رادعة على المستوى الطبي للحد من وصول حاملي الشهادات الطبية المزورة الى العمل وممارسة المهنة.
هل هناك استراتيجية خاصة بالوزير خلال السنوات الـ 5 القادمة في التعاطي والتعامل والارتقاء بالوضع الصحي في قطر، والذي يربط بين وزارته ومؤسسات الدولة المعنية والمجتمع بما فيه من مواطنين ومقيمين؟؟، وما هذه الاستراتيجية، ومتى سيتم الإعلان عنها؟! فنحن الى اليوم لم نشهد أي دراسة حقيقية تضع الوضع الصحي أمام مشرط الجراحة وتفتح الجروح الصدئة في الإشكاليات التي تعاني منها الاوضاع الصحية في قطر، فنحن لا نعرف ما أخطر الأزمات والمشاكل الصحية التي يواجهها الانسان في المجتمع، وما حجمها، وما السبب في وقوعها، وما مدى انتشارها، ومن الفئة التي تعاني منها، وكيف يمكن احتواؤها ووقفها وعلاجها والقضاء عليها، وما الخطة التنفذية الموضوعة، ومن هم القائمون عليها؟، وكم من الوقت تحتاج الى تنفيذها؟؟!! باختصار، وكما يعلم الوزير ـ ونعلم جميعا ـ لا توجد حاليا لا رؤية استراتيجية ولا خطط تنفيذية لا مرحلية ولا تكتيكية ولا حتى تلك التي تتعامل مع الازمات والطوارئ (لا قدر الله)، وعلى سبيل المثال، ففي حالة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات التي سببتها كارثة تسونامي في الكثير من الدول الآسيوية أو السيول الجارفة التي تعرضت لها مدينة جدة في السعودية قبل أسابيع، أو حتى وقوع هزة أرضية أو زلازل أو كارثة نووية أو انتشار مواد إشعاعية من مفاعل (بوشهر) على الضفة الأخرى من المياه الاقليمية القطرية (لا قدر الله)، فإننا نعلم جميعا أنه ليس هناك أماكن مجهزة يوضع فيها الضحايا والمنكوبون، ناهيك عن معالجتهم، ولا أعتقد أن إمكانيات مستشفى حمد العام والمباني التابعة له قادرة على التعامل مع هذه الحالات أو غيرها؟!
إننا نتساءل بصراحة: ما أجندة الوزير في التعامل مع الملفات الصحية المفتوحة، هل يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين فعالية النظام الصحي في قطر من خلال الاقتداء بتجارب دول أخرى كالدنمارك مثلا، ومتى ستتم إقامة قاعدة بيانات بشأن الوضع الصحي للسكان في قطر، ويتم ربط التحليل الذكي بالسجلات الطبية الالكترونية من أجل خدمة أفضل من حيث الجودة والتكلفة، ومتى سيكون لدى قطر ما يكفي من الكوادر الطبية الماهرة من أطباء وممرضين وفنيي مختبرات يمكنهم تقديم الرعاية الصحية الأولية الفاعلة كالوقاية ومعالجة الأمراض المزمنة والرعاية الاختصاصية، داخل البلاد في معظم الأحيان، ويصلون بالخدمات الصحية في البلاد الى المعايير العالمية فلا تكون هناك حاجة للعلاج في الخارج إلا في حالات استثنائية فحسب، وهل بات من الضروري تفعيل دور المراكز الصحية بشكل أكبر لتقوم بتخفيف الضغط على المستشفيات التي يجب أن تعنى بالحالات الصعبة فقط، ليتسنى للاختصاصيين فيها تكريس جهودهم للحالات المستعصية، وماذا عن الرقابة على القطاع الخاص في الخدمات التي يقدمها وفي الأسعار المرتفعة التي يفرضها على خدماته العلاجية، وما نوعية هذه الرقابة وكيف يتم تفعيلها، وأين هي التقارير السنوية التي تتناول الوضع الصحي بالمعدلات والإحصائيات والأرقام في مستشفيات ومراكز الدولة أو في مستوصفات القطاع الخاص، وماذا عن أولئك الذين يتم إرسالهم الى العلاج في مستشفيات الخارج بعيدا عن الوطن؟، وماذا عن حالة التذمر والاحتجاج والشكوى بين صفوف الأطباء على أوضاعهم وضعف رواتبهم مقارنة بنظرائهم في دول الخليج على سبيل المثال، وماذا عن الفنيين والمختصين في المختبرات والأقسام التخصصية الأخرى؟؟.
هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن هناك أكثر من توجه لدى مجموعة من الأطباء والوافدين للسفر إلى بعض الدول الخليجية في ظل الامتيازات الكبيرة التي تعرض عليهم، خاصة في السعودية والإمارات. كما أن هناك هجرة للأطباء من الوزارة للعمل في أماكن اخرى، واستقالات أطباء وافدين، بعضهم انتقل إلى دول أخرى، والبعض الآخر عاد إلى بلاده. وإضافة إلى ذلك تبدو البنية التحتية الصحية ايضا ضعيفة، فالقطاع يعاني ندرة الاختصاصيين والممرضات حسنات التدريب، وتقنيي المختبرات المهرة، كم معدل طبيب لكل ألف مواطن، هب أنه يقارب 1 % او اكثر، كم نسبة الاطباء القطريين ربما 2 %، ثم ما نسبة الممرضات والممرضين المواطنين ربما 4 في المائة؟! ماذا عن النقص في الطاقم الإداري، فقد لا تكون المشكلة الرئيسة في نوعية الأطباء والممرضات، بل في إدارة مرافق الصحة.. فهل ستتم شراكة بين القطاعين العام والخاص، كما فعلت كل من أبوظبي والبحرين في تدريب المديرين والمسؤولين والعاملين وتأهليهم للمناصب القيادية الصحية؟! وماذا عن أسعار الأدوية التي أصبحت مرتفعة بشكل مبالغ فيه، ولماذا لا تتوحد الأسعار، ولماذا لا تكون هناك رقابة على الأسعار وليس على الدواء فقط،؟!
من المصائب التي ابتلينا بها في هذا المجتمع ـ ولا يكاد يخلو منها بيت في قطر ـ انتشار مرض السرطان، فمعدلات الوفاة الناجمة عن مختلف أنواع السرطان قد تتجاوز نظيراتها في الدول الأخرى الخليجية والعربية والأجنبية ذات المعدلات السكانية الأعلى، فهل ستكون من أولويات الوزير إعادة النظر في هذا الميدان، بحيث يتم إيلاء تركيز أكبر، لتطوير المراكز الصحية وتزويدها بالمعدات المتقدمة للتشخيص والعلاج للمرض الخبيث، ويتم تزويدها بالكوادر الطبية الكفوءة؟! أخيرا هل يقوم الوزير في مبادرته الأولى بإعادة صياغة وهيكلة قطاعات الصحة وتشجيع أنماط الحياة الصحية بتنظيم حملات جيدة للتمويل تستهدف المشكلات الصحية والسلوكيات المؤثرة في الصحة العامة، وتنظيم توافر وأسعار المواد الغذائية غير الصحية والتبغ كفرض ضرائب عليها، وإجبار المؤسسات التي لها حقوق استيراد وبيع التبغ قي قطر على تخصيص جزء من أرباحها لدعم البرامج الصحية.
القائمة طويلة ونصحيتي لوزير الصحة أن يبدأ خطوة الألف ميل بوضع أهداف استراتيجية واضحة من أجل تحقيق نتائج صحية معينة، والتعاون مع شركاء ملتزمين وقادرين على تحقيق تغيير حقيقي في هذا القطاع، ربما يستمر الوزير في منصبه خمس سنوات وربما يرحل إلى مكان آخر.. لكن أمامه فرصة لكي يسطر له التاريخ أنه بدأ الخطوة الأولى وأمسك (الجمرة) بشجاعة بينما بقي الآخرون يتفرجون عليها لسنوات؟؟!!.
خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق