الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

نداء إلى وزير التعليم.. اتجه شرقا

التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة
الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر
نقترح عقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند واليابان فى مجال التعليم
المجتمعات تُهزَم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة)
نشر بتاريخ 23-12-2009

هل هناك صراع في المجتمع يحتل فيه التعليم الزاوية الأساسية؟ بالتأكيد.. نعم! فها نحن على أعتاب دخول العام القادم الذي نكمل فيه عشر سنوات عجاف من عمر الألفية في ظل الإشكاليات والتحديات التي تطرح نفسها في كل يوم، وفي ظل عدم حسمنا لكثير من الأمور المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، التي تحدد مصير مجتمعنا!، كما يكمل نظامنا التعليمي الذي بدأت حركة التغيير فيه (أو التجريب فيه، فلن نختلف كثيرا على التسمية)، عامه الثامن بعد أن انطلق في بداية 2002 بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم وتعيين اختصاصاته كجهة مستقلة، وانتهى بعودته إلى وزارة التعليم ودمجه فيها 2009م. فهل نستطيع أن نؤكد اليوم أن التعليم لا يزال يراوح مكانه ولا ينتج مخرجات تعليمية عالية الكفاءة، لا على المستوى العلمي والأكاديمي، ولا حتى في الوفاء بمتطلبات القبول في أي جامعة بالداخل قبل الخارج، ولا يسهم حتى في النجاح بسوق العمل، لا على المستوى المحلي ولا الدولي؟!

أين يكمن الخلل، وأين هي العلة، وما الذي ينقصنا؟ فالنسبة السكانية المحدودة والإمكانات والموارد المادية الكبيرة لدينا مقارنة بعدد السكان تعد أفضل من أمريكا واليابان وكل أوروبا، والاستقطاب والاستعانة بالخبراء والأجانب هي الأعلى في العالم، وبناء المدارس والمعاهد التعليمية وضخ الميزانيات الحكومية فيها بالمليارات لا تقارن بها غيرها، الأمر الذي يجب أن يجعل تجربتنا في قطر هي الأفضل، ويحولها إلى النموذج الأمثل في التقدم والنجاح والتطور، خصوصا في مستويات الانجازات والنتائج، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما، فنتائج الاختبارات المحلية والإقليمية والدولية ومنها النتائج الأخيرة التي أعلن عنها خلال السنة، والسنة الماضية وما قبلها وربما بعدها بسنوات قادمة، تبين أننا نقبع في مؤخرة الركب وبالتحديد في المرتبة قبل الأخيرة عند مقارنتنا مع كل الدول العربية الشقيقة من المحيط الخاثر إلى الخليج العاثر؟!
هل استنفدت الرؤية التي قدمت لإصلاح منظومة التعليم في قطر خياراتها الأخيرة ولم تعد قادرة على تقديم المزيد؟ فالخيارت التي قُدمت تراوحت بين قبول ورفض النموذج المركزي المعدل، و كان هو الخيار الأول الذي طرح على الطاولة، ومن الملاحظ أننا نعود رويدا رويدا إلى هذا الخيار المرفوض بعد التطورات الأخيرة في منظومة التعليم لمرحلة جديدة وفقدان مبدأ الاستقلالية!. أما نظام العقد المدرسي فحدث ولا حرج عن الأنظمة واللوائح والآليات وسياسة التجريب والخطأ في المبادرة ابتداءً من المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم إلى المسؤولين في المدارس المستقلة، مرورا بالمناهج وتدريسها والقائمين عليها وليس انتهاء بمجلس الأمناء ودوره في محاسبة ومتابعة أداء المدرسة وتقييم نتائجها ونتائج الطلبة ليقارنها بنتائج الأعوام السابقة، ويحاسب المدرسة بناء على ذلك ويحاسب نفسه أيضا، ويوما بعد يوم نكتشف أن (الخرق اكبر من الرقعة)؟! أما الخيار الثالث المتمثل في نظام الكوبونات التعليمية فهو أشبه بنادي امتياز خاص، لا نعرف الكثير عنه ولا عن أعضائه ولا عن مدى نجاحه ولا كيف نقيمه؟!
هل هناك خيارات أخرى لم تطرح بعد، وهل المشكلة تكمن في طرح الأفكارفقط دون تنفيذها وتحويلها الى واقع ملموس ومعاش وناجح على الأرض؟. فالأفكار مرمية على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما هو الخيار الرابع أريد أن أعترف بداية أنني لم أجد لوصف الفكرة التي أتحدث عنها ـ وأتمنى من الآخرين أن يشاركوا فيها ـ عبارة أفضل من مصطلح الخيار الرابع. والخيار الرابع هو خيار عمليٌ وليس نظرياً، تطبيقيٌ وليس تلقينياً، واقعيٌ وليس متخيلاً، الخيار الرابع هو أن نتجه شرقا وننفتح على التجارب العملية الناجحة في المنظومة التعليمية الآسيوية وننقل المبادرة التي ولدت في أجواء البرودة الغربية على ايدي راند إلى أحضان الشمس الدافئة الشرقية في الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وأن نتبنى النموذج الآسيوي التعليمي الناجح في هذه الدول وغيرها، وهو النموذج الذي يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات وتعزيز القدرات الأساسية، ويقوم على التطوير النوعي للتربية العلمية، ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، ويشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق.
هذا نداء أوجهه لوزير التعليم والتعليم العالي، أدعوه فيه اليوم إلى أن يترك بصمة مميزة يذكرها له المجتمع بالخير، وأن يكون هو السباق في تبني مبادرة الانفتاح على المنظومة التعليمية الشرقية من أوسع أبوابها، عله يدرس تجربة المنظومة التعليمية الهندية من الداخل، التي أخذ سحر نجاحها المميز ينتشر ويعم في العالم، الأمر الذي جعل اليابان تحسد الهند، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالاتي السابقة، وأن يطلع على تجربة تدريس المناهج في كوريا الجنوبية وآثارها الايجابية بعيدة المدى، التي لا تقيم وزناً كبيراً للاختبارات، بل تجعل اهتمامها مُنصباً على امتلاك طلابها للمعلومات والمهارات والمفاهيم الأساسية، ولو تَطَلَّب الأمر أن يستمر المدرسون مع الطلاب إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تتأكد المفاهيم، وترسخ المهارات، وتنمو المعارف، يمكن أن نستفيد من تايوان التي بدأت مشاريع تعليمية رائدة، أهمها إنشاء ما سمي بكليات المجتمع تحت شعار "تعليم مدى الحياة" وهدفها تقديم برامج تعليمية مرنة من ناحيتي المكان والزمان، كما أنها توفر تلقي الكورسات المقررة من خلال الراديو والتلفزيون والانترنت، ويتجاوز عددها اليوم 87 فرعا منتشرا في كل أقاليم البلاد، وتتولى إدارتها مؤسسات لا تسعى إلى الربحية، علما بأن أولها افتتح في عام 1998 وبعدد من الطلاب والطالبات لا يتجاوز الثلاثة الآلاف، ليرتفع العدد اليوم إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة (وهو عدد سكان قطر من المواطنين)، بالإضافة إلى التجارب العديدة المميزة في هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وخصوصا في مجال البرامج الداعمة الهادفة لإنشاء بنية أساسية متينة للبحث العلمي من مختبرات علمية وتجهيزات لوجستية وتنمية بشرية.
إن الانفتاح على التجربة الآسيوية يتمثل في افتتاح مدارس علمية مشتركة في قطر، ولتكن لدينا قناعة بتحقيق خطوة أولى، مرحلية، ونقوم بعقد شراكة قطرية ـ آسيوية مع الهند، واليابان، وتايوان على سبيل المثال، من خلالها نقوم بإنشاء 3 مدارس تستلهم أبرز 3 نماذج متميزة ناجحة ورائدة في المدارس الآسيوية في البلاد المذكورة، وتقوم عليها قيادات حصلت على دورات تدريبية، واستفادت من تجارب المسؤولين والمختصين في هذه المدارس في بلادها الأصلية، لكي يتم تطبيقها في المدارس التي أنشئت في قطر، بالإضافة إلى إرسال المؤهلين من القيادات التعليمية والتربوية وأعضاء هيئة التدريس للحصول على الدورات التدريبية، والمشاركة في ورش العمل والندوات والمؤتمرات في الدول الآسيوية، عوضا عن الدول العربية والأوروبية التي لا تقدم أي جديد، كما يتم تشجيع الطلبة وأولياء أمورهم على الإقبال على الابتعاث والدراسة في بعض الدول الآسيوية الرائدة من خلال تقديم المنح والامتيازات والحوافز..
هذه مجرد أفكار يؤخذ منها ويرد، والأفكار كما بيّنا على قارعة الطريق، ومن المهم أن نعلم جميعا أن مبادرتنا "تعليم لمرحلة جديدة" بحاجة إلى أن تغربل وتنعش وتجدد ويعاد إحياء الأمل فيها من جديد، وتفتح النوافذ بها والأبواب لدخول الشمس والهواء ولا أرى خيارات في خفض حالة الانبعاث المسببة للاحتباس الحراري والأجواء التعليمية المتردية في مجتمعنا خيرا من الانفتاح على التجربة الشرقية، يرى المفكر الجزائري الراحل، مالك بن نبي، أن المجتمعات تهزم بنوعين من الأفكار: (القاتلة) و(الميتة). فأما (القاتلة) فهي المستوردة من الخارج، وليس العيب في استيرادها من الخارج ولكن الإشكالية أنها لا تناسب البيئة المستوردة التي تتحرك فيها، فهي فكرة فقدت شخصيتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي ظلت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي، أما الأفكار (الميتة) فهي تلك الأفكار التي انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على الحركة والعطاء، فهي فكرة خذلت أصولها وانحرفت عن نموذجها المثالي ولم يعد لها جذور في محيط ثقافتها الأصلي، فإذا عددنا المدارس الحكومية جزءاً من الأفكار الميتة، هل تصبح المدارس المستقلة جزء من الأفكار القاتلة؟؟!! الحوار يبدأ هنا ولا ينتهي؟!
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق