الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

حرب الأسعار و جمعية حماية المستهلك

3/12/2009

هل ستنجح التجربة الجديدة في توزيع الصحف والمجلات الورقية بشكل مجاني على القراء، تلك الظاهرة التي بدات تنتشر في العالم تحت مسمى صيغة التوزيع المجاني ودفعت كبريات المؤسسات المسئولة عن اصدار المطبوعات والصحف الى التفكير فيها بجدية خصوصا بعد التاثير الكبير الذي اصابها نتيجة الأزمة المالية وما صاحبها من عجز في السيولة المادية ونقص في الإيرادات الإعلانية وتدهور في التوزيع بالإضافة إلى الديون والالتزامات.
قبل مدة قريبة اعلنت "لندن إيفننغ ستاندرد" (London Evening Standard) التي يعود صدورها الى 182 عاماً ، قرارها التاريخي بتوزيع نسختها الورقية بالمجان، وقد دهشت العام الماضي وأنا أتجول في مدينة الضباب بعد غياب طويل، بمدى ماتتمتع هذه الصحيفة من أهمية وانتشار عبر شبكة واسعة قادرة على التوزيع فوق الأرض وتحتها، بل ويقال إنه حتى عندما دخل عصر الانترنت والتحديات التي فرضها على الصحافة ووسائل الاعلام التقليدية ظلت هذه الصحيفة اللندنية الأقدر على الصمود تتلقفها الأيدي في الشوارع والممرات والإشارات ومحطات القطارات والاكشاك واماكن التسوق. وهي توزع مايقارب 850 الف نسخة في اليوم وهو عدد كل قراء الصحف في الخليج العربي؟؟!!. والتحدي الذي يشغل الصحيفة هو الوصول الى عدد قريب من مليون و300 ألف نسخة يوميًا وهو ما توزعه صحيفة "مترو" (Metro) والتي يعود صدورها الى عام 1999 كأول صحيفة يومية توزع بالمجان على شكل تابلويد (Tabloid).
ماقامت به الصحيفة فجر بركان خامد وجعل الصحف الاخرى تغيير سياساتها التسوقية وان كان معظمعا لم يجرأ على التوزيع بشكل مجاني رداً على التحدي الذي اثارته الصحيفة الا انها قامت بتخفيض ثمن النسخة وذلك لكي تحافظ على فرصتها في البقاء في السوق، وتحافظ على الدخل الاعلاني من قبل الشركات والمؤسسات والقراء.
الجدير بالملاحظة ان الخدمات المجانية غدت رأس الحربة في الاعلام التقليدي والاعلام الجديد على حد سواء وبينما نرى و نسمع عن الخسائر الفادحة التي تواجهها البنوك والشركات والمؤسسات الدولية الكبرى، نفاجأ بحصول الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات مجانية على ارباح بالمليارات مثل شركة جوجل، وياهو، ويوتيوب، ولينوكس. وقد نشر الصحفي الأمريكي، كريس أندرسون (Chris Anderson) كتاباً جديداً بعنوان "المجانية هي مستقبل السعر الجذري" (Free: The Future of a Radical Price) عرضه الاستاذ خليل حسن (وقد قام مشكورا بتخصيص جزء مهم من وقته للترجمة) في مقالة تحت عنوان (اقتصاد الصفر والإبداع التكنولوجي)، وقد تعرض الكتاب الى دراسة كيف يمكن لإبداعات تجارة الألفية الثالثة أن تسجل أرباحاً هائلة، بتوفير منتجاتها وخدماتها عن طريق توفيرها مجانا للمستخدمين، بدل بيعها بالطرق التقليدية. ويعتقد الكاتب بأن صعود اقتصاد المجانية هو نتيجة لتكنولوجية عصر الرقمية، المرتبطة بقانون "موور" الذي يلزم بخفض سعر وحدة التشغيل الآلي للكومبيوتر للنصف مع مرور الوقت كل سنتين، وتنخفض معه أسعار سعة الموجات وقوة التخزين بسرعة أكبر، ويقوم الانترنت بجمع الثلاثة معا. لذلك ينكمش سعر تكنولوجية الانترنت سنويا، لتقترب كلفة التجارة على الانترنت مع الوقت من الصفر، وليس من الغريب أن تتجه أسعار منتجات المستقبل في نفس الاتجاه.
الغريب انه على الرغم من الاحداث و التغيرات والتجارب التي نراها في الخارج نعود مرة اخرى الى ديارنا لنفاجأ بأن السلعة التي توزع بالمجان او ذات الاسعار المنخفضة هي الاغلى عندنا من اي مكان في العالم، على الرغم انه لاتوجد ضرائب مبيعات ولا رسوم كبيرة على دخول السلعة البلد بل هي الاقل رمزية في جميع انحاء العالم و لاتوجد لدينا حتى ضرائب سنوية على الدخل والارباح ومع ذلك نرى العجب ولانستطيع ان نفسر اسباب ذلك، ولاغرابة عندما نرى الكثير من الاهل و الزملاء والاصدقاء يتجهون الى الدول المجاورة الشقيقية وبالذات السعودية والامارات ليحصلوا على حاجاتهم ومستلزماتهم والتي عادة ماتكون بنصف الثمن الموجود في مجتمعنا من اثاث المنازل الى شراء مختلف انواع السيارات الخفيفة منها والثقيلة، وقطع الغيار، والمواد الغذائية والمنتوجات الزراعية والتمور بانواعها والسلع الحيوية.
احد الاصدقاء يقول لي انه (ما يمير البيت الا من الحساء) وفي كل عطلة أو اجازة رسمية يدعوني لمرافقته في سيارته العائلية ذات الدفع الرباعي والتي "تروح خماصا وتعود بطاناً"، وأذكر انه في بداية رمضان الماضي نشرت صحيفة الرياض السعودية تحقيقا بعنوان (القطريون في الأحساء لشراء مستلزمات رمضان)، جاء في تفاصيله: تدفقت آلاف الأسر القطرية صوب محافظة الاحساء بهدف شراء مستلزمات شهر رمضان المبارك وهي الظاهرة التي تتكرر في مثل هذا الموسم من كل عام، لكن هذا العام شهدت جميع محلات ومجمعات بيع مستلزمات شهر رمضان حضوراً لافتاً ومتزايداً للأسر القطرية التي وجدت في نوعية وجودة معروضات تلك المجمعات عنصراً جاذباً دفعها لقطع مسافة 250 كم من العاصمة القطرية الدوحة وحتى مدينة الهفوف، وأشارت تقديرات لعدد من الباعة إلى أن إجمالي حجم مشتريات القطريين لمستلزمات شهر رمضان من محافظة الأحساء يزيد عن 6 ملايين ريال؟؟!!.
هل يعود استمرار هذه الظاهرة الى احتكار بعض التجار للسلع الاستراتيجية، أوعدم وجود رقابة فاعلة تمنع استغلال وتلاعب بعض التجار في تحديد الاسعار حسب أهوائهم الشخصية لتحقيق أعلى معدلات في الأرباح، أوعدم التطبيق الصارم للقانون لتحقيق الردع العام والخاص، أوغياب جمعية اهلية للمستهلك، او تهميش دور المجلس البلدي (المنتخب) او كل ذلك مجتمعا؟؟!!، وحتى التوصيات في اجتماع البحرين الذي ناقش العام الماضي ظاهرة ارتفاع الأسعار بدول مجلس التعاون الخليجي ودعا للتوسع في انشاء الجمعيات التعاونية وجمعيات حماية المستهلك وتفعيل دورها في الرقابة على الأسواق لم تفعل ولا نعرف لماذا تم تجاهله وتغيبها في قطر بالذات؟؟!! متى سيحين الوقت المناسب لسماح بإنشاء جمعية لحماية حقوق المستهلك وهي التي تمت المطالبه بانشائها منذ اكثر من تلاثة عقود مضت من تاريخ الرزنامة القطرية؟!
أن عدم الترخيص لانشاء جمعية أدى بلاشك في عدم وجود وعي للمستهلك بحقوقه في الحصول على السلع والخدمات بأفضل الأثمان وجودة أعلى في الخدمات والمنتجات، ومواجهة عمليات الغش والتلاعب بالاسعار وتوفير الحماية القانونية للمستهلكين. الغريب ان مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة التجارة والأعمال، دعا مشكورا في اكثر من مناسبة الى اشهار جمعية حماية المستهلك وتحقيق نوع من الشراكة معها، للقيام بدورها في توعية المستهلك بحقوقه والاسهام في ترشيد الاستهلاك والانفاق الأسري والتعبير عن وجهة نظر المستهلك لدى الجهات الرسمية ذات العلاقة، وتبليغها بالممارسات الضارة بمصالح المستهلك وطلب تدخلها لوقف تلك الممارسات عند الاقتضاء، والمساهمة في خلق علاقات ثقة وتعاون بين المستهلك والمزود والمشاركة في الحوار والتشاور مع الجهات المعنية، والدفاع عن مصالح المستهلك، وإجراء الدراسات المرتبطة بحماية المستهلك ونشرها. فاذا كانت هناك مطالبات شعبية وحكومية فلماذا التأخير والمماطلة والتأجيل في الموافقة على اشهار الجمعية والتي تقدم بها عدد من الشخصيات القيادية القطرية البارزة في العمل الوطني و الاجتماعي؟؟!! ومن المستفيد من ذلك؟؟!!
الامر الذي نعرفه ونشاهده يوما بعد الاخر هو ان الاسعار والسلع في الخارج تنخفض حتى تصل الى صفر بينما تواصل الصعود عندنا الى ان تعانق السماء؟؟!!

خــــالـــد الجــابــر
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق