الأربعاء، 26 مايو 2010

رياح التغيير في مجتمع الخليج

2010-05-26
جريدة عالم اليوم

كتب خالد الجابر - كاتب قطري
الحوار الذي أجرته الكاتبة والصحفية مورين دوود «Maureen dowd» في الصحيفة الأشهر في العالم نيويورك تايمز «The New York Times»، مع الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي،لا يزال يثير الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية، عن الوضع في العالم العربي بشكل عام والخليج بشكل خاص. وقد تناولت ندوة حضرناها في عاصمة الضباب الأسبوع قبل الماضي التحديات التي تواجهها المنطقة العربية والشرق أوسطية، سواء ما يتصل منها بالعلاقات الدولية والإقليمية وبالتحديد التعنت الإسرائيلي، والإيراني النووي، أو ما يتعلق بحراك البنى العربية الداخلية عن طريق المسار الديمقراطي وتفعيل المجتمع المدني ومؤسساته وعن حقوق الإنسان والتقارير الدولية، لكنها ركزت على التصريحات القوية التي أطلقها الأمير سعود الفيصل وقال فيها «إن السعودية تتحرر الآن من أغلال الماضي. وتسير في اتجاه مجتمع ليبرالي». وأشار إلى أن «المطاوعة» ورجال الدين الذين ينفثون فتاويهم بين فترة وأخرى يعبرون عن إحباط ولا قدرة لهم على إعادة عقارب الساعة للوراء, وعندما سألته الصحفية عن مشاعر الترقب لدى بعض النساء السعوديات من ناحية السماح لهن بقيادة السيارات، رد عليها بهمهمة قائلا: «آمل ذلك». وأضاف: «في الزيارة المقبلة احضري معك رخصة سياقة دولية؟!».
التغيير في بنية المجتمع الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص بدأ يلفت الانتباه على جميع الأصعدة، وخطواته المتسارعة تسابق الزمن وتتقدم حتى على بعض الدول الخليجية والعربية التي بدأت بالانفتاح والتغيير لكنها راوحت مكانها بعد المضي بخطوات قصيرة، وكما اشار بعض الزملاء في مقالاتهم، فإن السعودية تشهد حراكا إبداعيا ثقافيا يشمل كافة الأطر، شعرا ونثرا، قصة ورواية، بجانب حركة نقدية في تصوري أنها الأبرز والأكثر تميزا عبر خريطة الوطن العربي، فلا يمكن الحديث عن النقد الأدبي الحديث في الوطن العربي دون استحضار أسماء الأعلام في المملكة العربية السعودية بدءا باسم الدكتور عبدالله الفدامي، عبدالعزيز السبيل، معجب الزهراني، سحمي الهاجري وعشرات الأسماء. أما عن الرواية، فهناك العديد من الأسماء لعل أبرزهم الآن حاصد جائزة «البوكر» في سابقة هي الأولى من نوعها لروائي ينتمي إلى هذه المنطقة وأعني عبده خال، ولكن هناك العديد من الأسماء في إطار الإبداع النسوي، مثل أميمة الخميسي، بدرية البشر، رجاء الصانع، صبا الحرز، وعشرات الأسماء الأخرى. أما في مجال المسرح فلا يمكن الحديث عن المسرح السعودي دون استحضار أسماء فهد ردة الحارثي وسامي الجمعان. وذكرت صحيفة السياسي أن الصراع يدور في السعودية حول معركة التحديث ومواكبة التغييرات، حيث يحتدم في العادة بين التيارات الليبرالية والتيارات الإسلامية المتشددة مالئاً الصحف ومواقع الإنترنت وشاشات التلفزيون. ولكن في الواقع يبدو أن من يقوم بالتغيير الحقيقي في السعودية هو فئة أخرى، هي فئة رجال الدين المعتدلين الذين يتم دعمهم على مستوى الدولة، كي يحدثوا أكبر قدر من التجديدات في الواقع السعودي الذي ظل لعقود يراوح في مكانه؟!
الحراك الاجتماعي ارتفعت حرارته وما زالت أصداؤه موجودة في المنتديات والمواقع الشخصية ليس في السعودية فقط بل أيضا بين شعوب دول الخليج المحافظة وبالتحديد قطر والإمارات والبحرين والكويت ايضا، وقد بدأ النقاش عندما افتتح العاهل السعودي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي يمكن أن يعلم فيها باحثون من الجنسين جنبا إلى جنب، بعدها جاء مدير هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة الشيخ احمد الغامدي، في تصريحاته التي حرك بها المياه الراكدة بعد حديثه عن مفهوم الاختلاط، وشكل حديثه عن بطلان أدلة تحريم الاختلاط محور اهتمام كبير لدى الأوساط الإعلامية والشعبية على حد سواء حيث أشار إلى أن القائلين بتحريم الاختلاط «استشهدوا بأحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها، أما الصحيحة منها فتدل على جواز الاختلاط لا على تحريمه كما زعموا». بدوره طالب الداعية السعودي أحمد بن عبدالعزيز بن باز السلطات في المملكة بحسم الخلافات في «قضايا الجدل العقيم» بقرارات سياسية منها السماح للمرأة بقيادة السيارة، وانتقد بن باز وهو نجل مفتي المملكة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز من يتصدون لقضايا حقوق المرأة بتكرار عبارة أن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقها في الوقت الذي يُعارضون فيه عمل النساء كبائعات في محلات بيع الملابس؟! كما دخل الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ قبل عدة أيام، وهو مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء في المملكة سابقا، المستشار الخاص السابق لأمير الرياض، ساحة الجدل الدائر حول الاختلاط، الذي أصبح واقعاً تعيشه المملكة، بينما يستمر السجال بين فئات عريضة من المجتمع والمتشددين على أعمدة الصحف ووسائل الإعلام. ويؤكد الشيخ عبداللطيف، الذي غاص في بحور النصوص الشرعية، بطلان نظرية المعارضين من خلال إيراده النصوص الشرعية التي تفرِّق بين فعل الخلوة المحرمة والاختلاط المباح.
الحوار مع الآخر المختلف في الديانة والمذهب ورفض التعصب والإقصاء والتكفير بدأ ينضج ويؤتي أكله في المجتمع الخليجي الذي كانت مصطلحاته وتقسيماته ورؤيته تدور حول تقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر ودار الحرب، فهناك المؤتمرات والندوات التي عقدت وتناولت قضايا داخلية حقيقية في المجتمع وليست خارجية، وأهمها مؤتمر حوار الأديان الذي حضره 200 عالم وفقيه يمثلون الأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية، ومؤتمر حوار الأديان في نيويورك بمقر الأمم المتحدة، بمشاركة أكثر من 80 دولة، ومؤتمر مكة المكرمة في يونيو 2008 بمشاركة 500 شخصية من 50 دولة إسلامية، وملتقى الحوار الوطني والذي ركز على ثقافة الحوار والوسطية وقبول الآخر بين المفكرين وممثلي المذاهب والفئات في المجتمع السعودي، من إسلامي سلفي إلى إسلامي شيعي، وإسلامي صوفي، أو أشعري وهكذا. كما عاد المصطلح الجديد القديم «الوهابية» للواجهة مجددا في الأوساط السعودية من خلال سلسلة مقالات وتعقيبات بين نخب مثقفة في المملكة ، وسط جدل حول المغزى من إطلاقها إن كان للإساءة أو إن كان فقط لتمييزهم كجماعة لها تصورات مختلفة في فهم الدين الإسلامي كباقي الطوائف الإسلامية، منها مقالة الدكتور خالد الدخيل التي قال فيها إن سبب نشوء الوهابية كان بسبب تصدع القبيلة آنذاك وليس الشرك؟!
ان نجاح الخطوات التغييرية في السعودية وفي دول الخليج الأخرى والتي تتناول الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري والاجتماعي سيخلق تاريخا مغايرا في المنطقة التي تواجه تحديات وانعطافات تاريخية مصيرية قد تعصف بحاضرها ومستقبلها. التجربة السعودية في التغيير أشبه بمشروع شامل للانتقال نحو المستقبل وهو درس نتمنى أن تتعلم منه بعض الدول العربية والإسلامية التي لا تزال مترددة في دخول المعركة حيث تقدم خطوة وتؤخر أخرى؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق