الأربعاء، 26 مايو 2010

المنطقة العربية: تحديات وسيناريوهات مستقبلية

جريدة الشرق
2010-05-26
فوضى وركود وتحديث متسارع جنبا إلى جنب مع تفشي الأمية والجهل!!
الانقسام السني الشيعي في العراق ولبنان والبحرين من أخطر التحديات
المخاطر والأوجاع معروفة للجميع.. والمشكلة في اتخاذ قرار مواجهتها وتنفيذه؟!
انشعلنا في الأيام الماضية في إعادة قراءة مستقبل المنطقة وهي رؤية قديمة جديدة، ركزت على التعامل الاستراتيجي مع الدول العربية بشكل عام ودول منابع النفط بشكل خاص وهي الدول التي تقع بمنطقة الخليج بالتحديد، بالنظر إلى التحديات والصراعات والحروب الإقليمية التي واجهتها المنطقة ولا تزال، وقد أعاد الدكتور عبدالله النفيسي (المعروف بأطروحاته الرديكالية)، في محطة الجزيرة طرح الموضوع الذي اهتم به الرأي العام الخليجي، والذي أشار فيه إلى رؤية المحلل السياسي بالـ «سي أي ايه» أرون كاتز الذي أوضح أنه بحلول 2025، لن يبقى في الخليج والجزيرة العربية سوى 3 دول هي اليمن، المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان؟!
لم اهتم بالموضوع بقدر اهتمامي بموضوع آخر تناول الهواجس الحالية والمستقبلية مع فارق التوقيت الزماني والمكاني، وهو عبارة عن دراسة علمية نشرها دافيد أوتاوي (David B. Ottaway)، الباحث بمركز وودرو ويلسون للخبراء الدوليين، بعنوان "غد العرب" (The Arab Tomorrow)، والدراسة نشرها تقرير واشنطن، واستعرض فيها المؤلف أهم تحديات المنطقة العربية وسيناريوهات المستقبل. وأكد فيها أن حال الدول العربية مليء بالمتناقضات، حيث تسيطر الفوضى ويخيم الركود والجمود على الشارع العربي، مع وجود الثروات الهائلة وسرعة عملية التحديث وبناء المدن المتطورة الجديدة وزيادة الاستثمارات. كل هذا يوجد جنبا إلى جنب مع تفشي الأمية والجهل بين الشعوب العربية، مما ينبئ بحدوث كارثة حقيقية تهدد مستقبل الأمة العربية؟!.
من أهم ما تناولته الدراسة التعليق على الوضع الحالي الملغوم الذي تعيشه المنطقة العربية، فمع مرور الوقت ثبت زيف الأحلام والطموحات العربية نحو الوحدة التي تمت الدعوة إليها خلال العقود الماضية، فالدول العربية الـ(22) أعضاء الجامعة العربية، التي تضم 350 مليون مواطن عربي أصبحت تعيش في حالة من الفوضى والشجار والفرقة والانقسام اللامتناهي، على الرغم من وجود كيانات إقليمية صغيرة أدت إلى تحقيق تقدمٍ صغيرٍ نحو الوحدة العربية مثل: مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي (ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب وموريتانيا). وعرض الكاتب لعدد من الأزمات التي تمثل تحديا كبيرا أمام الوحدة العربية منها، الحروب الأهلية التي قطعت أوصال الأمة العربية في (السودان، لبنان والصومال)، تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية المسلحة في كل من (الجزائر، العراق والصومال)، انتشار الاحتقانات الطائفية بين السنة والشيعة في (العراق، لبنان والبحرين)، نشاط التيار الإسلامي المتشدد ضد الفكر الوسطي المستنير في كل من مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية، بالإضافة لانتشار الإرهاب المتمثل في تهديدات تنظيم القاعدة والتنظيمات المنتمية لها في الدول العربية — خاصة في العراق والسعودية — بالإضافة للحركات المتطرفة الأخرى. ويؤكد أوتاوي أن أخطر هذه التحديات هي الانقسامات بين السنة (90 % من سكان الوطن العربي) والأقلية من الشيعة المتمركزين في العراق ولبنان والبحرين، والذي ظهر في العصور الإسلامية الأولى وازدادت حدته مع قيام الثورة الإسلامية الشيعية في إيران وإنشاء الدولة الثيوقراطية. وبمرور الوقت تصاعد نفوذ إيران في المنطقة في محاولة لدعم الأقليات الشيعية الموجودة في الدول العربية ذات الأغلبية السنية، بالإضافة للتهديدات الناتجة عن تطوير إيران لقدراتها النووية. اما على المستوى الاقتصادي فتتجه الدول العربية المصدرة للبترول والغاز الطبيعي للتعاون مع الدول غير العربية، فدول الخليج تتجه شرقا للتعاون مع الهند والصين وباقي الدول الآسيوية، في حين تفضل دول المغرب العربي التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي. وعلى الصعيد السياسي لا توجد رؤية سياسية متجددة موحدة تتفق عليها الدول العربية لحل القضايا المعاصرة، وتواجه بها المد الإسلامي، وتكتفي فقط بالحفاظ على مخزون من الأفكار التاريخية البالية التي لا تصلح لهذا العصر الأمر الذي ينذر هو الآخر بكارثة حقيقية تهدد مستقبل هذه المنطقة؟!
رغم الإشكاليات والمصاعب والتحديات والأزمات، إلا أننا لا نجد العلاج الناجع والدواء الشافي لحال المنطقة العربية المستعصي، ومع ذلك نذكر أن نظريات علم الاجتماع التي تعرّف نظرية التغيير الاجتماعي المخطط، تشير إلى أن التغيير يقوم على أربعة أركان: الأول وجود رؤية إستراتيجية للتغيير، والثاني تحديد القوى السياسية الاجتماعية التي تضغط في سبيل التغيير، والثالث طرق مواجهة مقاومة التغيير، والرابع أهمية رصد التقدم في عملية التغيير عبر الزمن. ان المشكلة الحقيقية لأوضاع المنطقة العربية لا تكمن في معرفة المخاطر والتحليل والتفكيك للمشاكل ورصد الأوجاع والعلل المختلفة فهي معروفة للجميع، لكنها تكمن في المواجهة واتخاذ القرار والتنفيذ؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق