الأربعاء، 5 مايو 2010

الإنسان في قطر.. الوجه الآخر

2010-05-05

هل حان الوقت لفتح ملفاتنا المغلقة والتحدث عنها بصر احة وشفافية؟
لماذا يمتنع إعلامنا عن نشر تقارير عالمية تقدم رؤية تحليلية واقعية للمجتمع القطري؟
تقرير "نيويورك تايمز" سلط الضوء على جوانب محورية من حياة القطريين
لم يعد هناك مكان للترويج الدعائي والتهليل والتصفيق وحرق البخور..في عصر العولمة!

السؤال الذي بدأ يثير العديد من التساؤلات المحيرة والمستهجنة أيضا، هو لماذا يمتنع الكثير من الصحف ووسائل الإعلام في قطر عن تناول التقارير العالمية أو الدولية، التي تقدم رؤية تحليلية واقعية للمجتمع القطري، رغما أنها تنشر في وسائل الإعلام الأجنبية والعربية والخليجية وتنقلها المنتديات والمواقع الالكترونية القطرية، ورغم ذلك لا نجد لها أي إشارة في الإعلام المحلي بكل وسائله من تلفزيون وإذاعة وصحافة؟!. تقارير ودراسات كثيرة تنشر بشكل سنوي ودوري تتناول التنمية البشرية في قطر، وأوضاع حقوق الإنسان من وجهة نظر المنظمات العالمية، المجتمع المدني، التغيير في المنظومة الاجتماعية والفكرية، الأوضاع الصحية والنفسية وغيرها. لقد تجاهل بعض الصحف في قطر نشر أو تناول أو التعليق على التقرير، الذي أوردته أشهر صحيفة في العالم على صفحتها الرئيسية في الأسبوع الماضي، وهي صحيفة النيويورك تايمز، تحت عنوان، الثراء يضع خيارات غير صحية في قطر (Privilege Pulls Qatar Toward Unhealthy Choices)، (الترجمة بتصرف)، الأمر الذي اهتمت به وسائل الإعلام العالمية واستأثر بنصيب كبير من التعليقات المختلفة، هل تم التجاهل لان التقرير لم يكن كتلك التقارير، التي اعتدنا عليها في الخليج في السنوات الأخيرة، التي يطرب لها بعض الآذان، خصوصا في الدوحة ودبي والمنامة والكويت بالذات، على شاكلة "المعجزات الصحراوية" أسطورة الصحراء، "ومدن تنبت وسط الكثبان الذهبية"، إلى أن تغير الحال كما نرى يوما بعد الآخر، والتغيير جاء بالتحديد فاجعا بعد كارثة الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، فتحول الحديث إلى عناوين مثل "الإمارة والقرية الفقاعة"، و"الجزر الصناعية التي تغوص في الرمال الصحراوية المتحركة"، و"غياب الإنسان والتحسر على بقايا العمران". ورغم ردود الأفعال المتسرعة أحيانا في الإشادة أوالانتقاد، فإن وسائل الإعلام العالمية اليوم تتجاوز الحديث عن الصورة العامة الخارجية، التي لا تكون عاكسة للوضع الحقيقي الداخلي، إلى تقارير مفصلة ودقيقة تركز على عناصر التناقض في المجتمع العالمي، خصوصا العالم العربي؟! مثل الذين يتحدثون عن الديمقراطية في مجتمعات تحكم بقوانين الطوارئ، والتعددية في بلدان تدار من قبل الحزب الواحد، والاستقلالية في المؤسسات المدنية، التي تكون محسوبة على النظام والحكومة، وعن الحرية والتعبير في المؤسسات الصحفية والإعلامية المرتبطة بمؤسسات ووزارات الإعلام وهكذا.
التقرير لم يتطرق إلى "الجزيرة" المحطة العربية الأولى، ومؤسسة قطر للثقافة والعلوم والمجتمع وجامعاتها، ولا المبادرات الدبلوماسية الخارجية، بل ركز على وضعية المحور الرئيسي، وهو الإنسان، الذي يعيش فوق هذه الأرض الطيبة، يشير التقرير إلى أن قطر بالرغم من صغرها، تتميز بالأرقام الكبيرة، حيث يوجد بها ثاني أعلى إجمالي ناتج محلي بالنسبة للفرد في العالم، وثالث أعلى احتياطي غاز طبيعي، ومع ذلك، تحتل ترتيبا متقدما في أشياء أخرى غير مرغوب فيها بدرجة كبيرة، حيث إنها من أكثر الدول التي ينتشر بها مرض السكري والسمنة والاضطرابات الجينية، وذلك حسبما أجمع عليه خبراء صحة (محليون ودوليون)؟! وبحسب الصحيفة فإن القطريين الأصليين، الذين يبلغ عددهم نحو 250 ألف نسمة في دولة يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون، يعانون من مشكلات صحية خطيرة ترتبط بصورة مباشرة بنمط حياة له خصوصية وتقف وراءه الثروة البترولية والإصرار على الالتزام بتقاليد مجتمعية مثل زواج الأقارب، الذي قد يؤدي إلى اضطرابات جينية مثل العمى وغيره من الإعاقات العقلية المتنوعة. وتحتل قطر المرتبة الخامسة عالميا من ناحية نسبة المواطنين في المرحلة العمرية ما بين 20 و79 عاما الذين يعانون من السكري. والمرتبة السادسة عالميا من ناحية انتشار السمنة، وبها أعلى معدل للسمنة بين الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتبلغ نسبة النساء القطريات اللاتي يعانين من السمنة 73 في المائة، في مقابل 69 في المائة من الرجال. وتقع قطر في المرتبة السادسة عالميا أيضا من ناحية ظهور تشوهات خلقية بالنسبة لكل 1000 مولود حي (أين الاستراتيجية يا وزير الصحة؟!). وعن المخاوف المرتبطة بالهوية والثقافة ينوه التقرير إلى أن القطريين يعيشون داخل دولة لا تكبر عن ولاية كونيتيكت، ويمثلون أقلية وسط أكثر من مليون عامل أجنبي جذبتهم فرص العمل إلى قطر؟!
لقد تناولت في زاويتي المتواضعة في بيتنا الصغير"الشرق"، من العام الماضي إلى الوقت الراهن، ما يزيد على 15 تقريرا من بين عشرات التقارير الإقليمية والدولية عن قطر، في التنمية البشرية، الديمقراطية، المجتمع المدني والأهلي، المرأة، الطفل، حقوق الإنسان، الاتجار بالبشر، تقييم الصحافة، وحرية الرأي والتعبير والنشر، الى جانب قضايا تعليمية، ثقافية، فكرية، اقتصادية، وتجارية، وللأسف لم تنشر الصحف الأخرى أيا من تلك التقارير مع أنها موجودة ومتاحة ومتداولة في المواقع الالكترونية الخاصة بالمنظمات الدولية ويطلع عليها العالم وتنشرها وكالات الأنباء، ويتجاهلها المحسوبون على إعلامنا في قطر. والأدهى والأمر أنه لا يتم طرح هذه القضايا المختلفة على مستوى الحوار الوطني، ولا يتم تناولها في المؤتمرات والندوات والمحاضرات الأسبوعية، التي تعقد في الدوحة وضواحيها، ولا نستطيع حتى أن نعدها أو نعرف من المستفيد من ورائها، ولا تتم مناقشتها في البرامج والمحطات لا المحسوبة على الداخل (التلفزيون والإذاعة الرسميان) ولا في تلك المحسوبة على الخارج غير الرسمية (محطة الجزيرة وتوابعها)؟!
في عصر العولمة لم نعد نستطيع أن نظهر غير ما نبطن، ونعتمد على الترويج الدعائي، والتهليل، والتصفيق، وحرق البخور، وإبراز أشياء وإخفاء الأخرى، فسرعان ما ستنكشف اللعبة وان طالت خيوطها. وأذكر ما صرحت به أوبر وينفري (Oprah Winfrey) منذ مدة في برنامجها المشهور (Oprah)، في التعليق على أسلوب الحياة في إحدى الدول الخليجية الشقيقة، وهي تعني دول الخليج بشكل عام، فهي أشارات إلى أن "المصريين هم من يبني مساكنهم، والهنود هم من يكنس شوارعهم، والفلبينيين يربون أولادهم، الاندونيسيين يحضرون طعامهم، والأمريكيين يتولون الدفاع عنهم، بينما هم يتصرفون كـ «باريس هيلتون»، فهل وصف (أوبرا) صحيح في جله أو بعضه أو جزء منه أو انه ليس صحيحا على الإطلاق؟! هل حان الوقت أن نفتح كل ملفاتنا المغلقة ونتحدث بصراحة وشفافية لنواجه التحديات اليومية والمستقبلية في قطر قبل أن نتطرق للحديث عن اصطلاح منظومة الخليج والجامعة العربية والأمم المتحدة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق