الاثنين، 24 مايو 2010

الطباعة والانترنت.. ما أشبه اليوم بالبارحة

جريدةالشرق
21-5-2010

إذا سمحت لكم الظروف أن تزوروا مدينة ماينز القريبة من مدينة فرانكفورت في ألمانيا، فلابد أن تزوروا متحف يوهانس جوتنبرج الذي يعود إليه الفضل في إطلاق ثورة الطباعة في العالم عام (1450) والتي كانت محتكرة على طبقة معينة ومحظورة على الآخرين، ويمكن لزوار المتحف طبع أسمائهم على ماكينة الطباعة التي استخدمها آنذاك في طباعة النسخ الأولى من الكتاب المقدس، كانت تقنية طباعة الكتب قبل إنجاز جوتينبرج تعتمد على عمل لوح خشبي تبرز منه حروف الصفحة المراد طبعها، وكانت تلك الحروف الخشبية ثابتة لا يمكن إعادة استخدامها، مما يعني أن كل صفحة تحتاج إلى لوح خشبي جديد لطباعتها. مما جعل طباعة الكتب صناعة مكلفة وقليلة الكفاءة. أما طريقة جوتنبرج التي أحدثت ثورة في عالم الطباعة فكانت تقوم على استخدام حروف معدنية متحركة سهلة الرص وتحتفظ بألوان الطبع على سطحها لمدة طويلة. سهولة صف هذه الحروف جعلت بالإمكان إعادة استخدامها دون الحاجة إلى صبها من جديد كل مرة.
لقد فتح اختراع الطابعة الطريق أمام انتشار طباعة الكتب والصحف والمنشورات غير الدورية، والمجلات الشهرية في أوروبا والعالم، أما أول صحيفة متكاملة فكانت صحيفة "رولاسيون" الأسبوعية وتعني "علاقة"، وتأسست في مدينة ستراسبورج الألمانية عام 1605، ومن بعدها توالى انتشار الصحف في بازل (1610) وبرلين (1617) ولندن (1621) وباريس (1631) وتبعتها مدن أوروبية عديدة ، وترافقت التطورات في نشر الأخبار والأنباء والمعلومات مع زيادة الحريات وانتشار الأفكار الفلسفية حول مفاهيم الدولة والشعب والقانون والديمقراطية وظهور الحركات التنويرية والتي واجهت الثالوث القاتل: الإقطاع والكنيسة والاستبداد، وانتصرت عليه وأرست إحدى أهم نقاط التحول الأساسية في تاريخ البشرية.
ورغم أن الثورة انتشرت في مختلف أنحاء العالم إلا أن وصول ثمارها إلى العالم العربى والإسلامى تأخر كثيرا حتى أوائل القرن الثامن عشر، ويذكر أن أول كتاب تمت طباعته باللغة بالعربية باستخدام الحروف المعدنية المنفصلة طُبع في إيطاليا. ويرجع ذلك إلى تصدى السلاطين العثمانين لفكرة المطبعة بفتوى تحريم دينية فى أول الأمر نظرا لخوفهم من أن يتعرض أصحاب الغايات والأغراض إلى الكتب الدينية فيحرفوها، إلى جانب أن المطبعة يمكنها أن تخفض من أثمان الكتب فتجعلها فى متناول أكبر عدد ممكن من الناس، و بالتالى يحل العلم محل الجهل، ويذكر أن لبنان وسوريا عرفتا الطباعة قبل أى دولة عربية أخرى على يد الإرساليات المسيحية، كما دخلت التقنية الجديدة في الطباعة أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ومع انتشار الطباعة في القاهرة، نشأت الصحافة التي عرفتها مصر متأخرة عن أوروبا بثلاثة قرون كاملة ؟!
ورغم ما أحدثته الطباعة من ثورة عالمية إلا أ ن تاثيرها ظل محدوداً ونسبيا في العالم العربي والإسلامي إلى اليوم، فالتقارير الدولية تشير إلى أن العرب أقل الأمم في تأليف وإصدار الكتب، فهم لا ينتجون إلا أقل من نصف بالمائة من كتب العالم، وهم أقل أمم العالم في القراءة بشكل عام وفي قراءة الكتب بشكل خاص، فهم لا يقرأون كتاباً واحداً في كل عام، في حين أن معدلات القراءة في الغرب قد تصل إلى قراءة أكثر من كتاب في الشهر، كما أن العالم العربي كله يترجم من الكتب أقل مما يترجمه بلد واحد مثل اليونان، ويشكل عدد الكتب العربية 1% فقط تقريبا من الإنتاج العالمي، وما ترجم في العالم العربي منذ عصر المأمون حتى الآن أقل مما تترجمه إسبانيا وحدها في عام واحد.
لكن برزت في السنوات الأخيرة ثورة جديدة في عالم الاتصالات مع انتشار الانترنت وهي ثورة المدونات (البلوجز) كما يطلق عليها، والتي يبدو أن تأثيرها وانتشارها في العالم يعادل الثورة التي أحدثتها ثورة الطباعة في العالم من الانتشار بشكل أفقي وليس رأسياً، و الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل أنها لم تكن بعيدة عن بلاد العربان، وإن كانت بداياتها تبدو مقتصرة على مجموعة نخب إلا أن تأثيرها بدأ يمتد إلى الشارع يوما بعد الآخر؟!
لم تكن مسيرة التغيير والديمقراطية التي ساهمت في إشعالها ثورة الطباعة سهلة وميسرة بل قدمت في سبيلها التضحيات والملاحقات والترهيب والتعذيب والملاحقة والتكفير والتشريد والنفي والتنكيل والعنف والقتل والإحراق للكتاب والمؤلف والناشر والقارئ؟!، وهو مايحدث اليوم في ثورة الانترنت وفرسانها المدونين في البلدان الديكتاتورية والتولتارية والشمولية والتي يمثل العالم العربي والإسلامي مجمل جغرافيتها، لكن العزاء أن هذه هي الضريبة التي يجب أن تدفعها مسيرة الديمقراطية لكي تحدث تأثيرها في العالم العربي والإسلامي والذي طال انتظاره لأكثر من 1400 سنة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق