الأربعاء، 14 أبريل 2010

إلى متى التستر على اغتيال البراءة والطفولة في عالمنا العربي؟

الاربعاء ١٤ ابريل ٢٠١٠
الشرق القطرية
فتيات في عمر الزهور.. يتساقطن في "محرقة" العادات والتقاليد!!
فتاوى صريحة ومستنيرة في القضية للعثيمين والقرضاوي والنجيمي والنفيس.. وآخرين
قراء رفضوا مقال الأسبوع الماضي.. وآخرون عززوه بالدليل الشرعي
"عريس" في الـ 65 أجرى الفحص للزواج من طفلة لم تكمل عامها الـ11!!
جب للعروس الغالية مرجيحة
ومربية تبلش بها وألعاب
وحلوى وعلك وبكله ومزليحة
ونعول أبولمبة وخمس ثياب
أنثى والأنثى جسم دون رويحة
في عالمٍ يحيا بفكر الغاب
تصيح ما به من يهب لصيحة
من طفلة ينهش بها الشياب
هذه الأبيات وردت على لسان الشاعرة حصة هلال "ريمية" التي حصلت على المركز الثالث في مسابقة "شاعر المليون"، (التي نعتذر لعدم تصويت الجمهور لها ومثلنا لا يعتذر، فرحم صحراء الجزيرة العربية لم ينضج بعد لإنجاب خنساء أخرى في القرن الحادي والعشرين؟!) الأبيات الشعرية الأربعة خصت بها الشاعرة الحملة التي تبنتها جمعيات خيرية في السعودية ومصر واليمن تحت شعار: «لا.. لزواج القاصرات»، وذلك استجابة لنداء مجلة «سيدتي» التي أطلقت هذه الحملة بهدف إيقاف زواج القاصرات في كافة بلاد الشرق الأوسط، وعبرت الشاعرة فيها عن رفضها القاطع لزواج الصغيرات، الذي يعد اغتيالا للبراءة والطفولة.
لقد سعدت كثيرا بالتجاوب الذي أثارته مقالتي في الأسبوع الماضي تحت عنوان (الأطفال.. بين اعتداءات الأساقفة وعادات العربان)، التي انتشرت في بعض المنتديات والمواقع الالكترونية المحلية والعربية، ورغم إن الانقسام كان واضحا بين الرافضين بكثرة والمؤيدين بقلة للأفكار المطروحة، فإن الوعي بخطورة القضية وتبعاتها لم يكن بالإمكان تجاهله أو تهمشيه أو القفز عليه، خصوصا أن البعد المحلي والإقليمي والدولي يفرض نفسه بقوة من خلالها، الأمر الذي يدعونا إلى مراجعة مواقفنا التشريعية والقانونية والفقهية والدينية من القضية برمتها، التي يكون فيها الأطفال الضحايا والقرابين غير المقدسة وكبش الفداء؟!
بعد مقالي مباشرة أعادت صحيفة "الرياض" السعودية الحديث عن المواقف المخزية من جديد حين ذكرت أن عجوزاً يبلغ من العمر 65 عاماً أجرى فحص اختبار الزواج في أحد المستشفيات رغبة في اقترانه بطفلة لم تكمل عامها الـ11، وأوضحت الصحيفة أن الدهشة بلغت حد الحيرة لدى البعض حين حضر والد الطفلة ووالدتها يسألان عن إنهاء إجراءات الزوج المنتظر وأبديا رغبتهما الملحة في إنهاء كل أوراقه دون تأخير، وتبيّن بعد إجراء الفحص أن "العريس العتيد" يعاني من التهاب الكبد الوبائي (B)، وفي هذه الحالة لابد من موافقة الطرف الآخر، ولكن الطرف الآخر قاصر لا يدرك مثل هذه الأمور وقراره ليس بيده بل بيد (الوليّ)؟!. قبلها بعدة أيام توفيت صبية يمنية في الثالثة عشرة من عمرها متأثرة بنزيف داخلي بعد زواجها بثلاثة أيام، وأشار التقرير الطبي الصادر عن المستشفى الذي نقلت إليه الصبية للعلاج، أنها عانت من تمزق في أعضائها التناسلية. قبلها بمدة قصيرة أيضا حملت الأخبار وفاة فتاة يمنية في الثانية عشرة من عمرها إثر إصابتها بنزيف وهي تضع مولودا. أما أغرب القضايا التي وردت عن هذه المحرقة الجماعية التي يشارك فيها المجتمع العربي والمسلم بشخوصه المختلفة فقد وردت عن فتاة زوجها والدها طلبا للمال حين كان عمرها سنتين فقط؟!.
لكن رغم كل تلك المآسي التي تحدث في بلاد العربان من قبل العامة والجهلاء، والداعمين لهم بآراء تناهض مقاصد الدين والشريعة، فإن التغيير الكبير قادم لا محالة، قد يتأخر قليلا لكنه في الطريق، وهو بدأ بالحملات الإعلامية ومنها "لا لزواج القاصرات"، التي انطلقت من مصر - السعودية - الإمارات - اليمن - الكويت - لبنان، وشاركت في دعمها وتأييدها شخصيات كبيرة من مسؤولين ومشايخ، مرورا بقرار النائب العام المصري إحالة 5 من عائلة واحدة، لمحاكمة جنائية عاجلة في محكمة الجنايات مع ثري خليجي في واقعة "زواج قاصر"، بتهم الاستغلال وتسهيل الاستغلال الجنسي لطفلة عمرها ١٤ سنة، مقابل مبالغ مالية، وجاء قرار النائب العام المصري بعد حملة واسعة شنتها السلطات المصرية للقبض على شبكة تخصصت في تزويج القاصرات في قرى محافظة 6 أكتوبر، التي عرفت بأنها مصدر رئيسي لتزويج القاصرات من أثرياء خليجيين. وأسفرت حملة أمنية مصرية عن ضبط 60 مأذونا زوجوا فتيات قاصرات لم يبلغن السن القانونية، وكانت وزيرة الدولة للأسرة والسكان المصرية كشفت عن دراسة حديثة أجريت على 3 مراكز، أظهرت أن نسبة زواج القاصرات بهذه المراكز بلغت 74 %. ومن جهتها أصدرت وزارة الصحة السعودية بيانا رسميا أعربت فيه عن رفضها لزواج القاصرات، محذرة من تداعياته. وجاء في البيان أن زواج القاصرات، له آثار صحية ونفسية سيئة على الفتيات الصغيرات، مثل اضطرابات الدورة الشهرية، وتأخر الحمل، وتمزق المهبل، والأعضاء المجاورة له، وازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام في سن مبكرة، وتزايد معدلات الإجهاض، والولادة المبكرة، إضافة إلى احتمالية الإصابة بأمراض ضغط الدم المرتفع، مما قد يؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي، وظهور تشوهات عظمية في الحوض، وعدم اقتصار الأمر على ذلك، بل تعديه إلى الإصابة ببعض الأمراض النفسية، التي تنتج عن الحرمان العاطفي، الذي تعاني منه الفتاة بعد افتقادها لحنان الوالدين، عقب زواجها، ومنها الهيستريا، والفصام، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الشخصية، وقد تتجه القاصرات إلى الإدمان، كوسيلة للهرب، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية تطول أطفال القاصرات، ومنها تأخر النمو العقلي، بسبب عدم قدرتها على رعاية أطفالها الرعاية التربوية الصحيحة".
لقد تكلمت عن صحوة الضمير والوعي الذي بدأ ينتشر في وسط الغابة الغوغائية التي نعيشها، فحين طالبني البعض في الرسائل التي بعثت إليّ، بالدليل الشرعي في عدم صحة زواج القاصرات بحجة أنني لست شيخ دين كي أقرر ما هو المباح وما هو المحرم، جاءتني رسائل أخرى مؤيدة تحمل الردود والأدلة الشرعية، حيث يؤكد الشيخ محمد بن صالح العثيمين شرعية منع هذا الزواج ولو كان مباحاً فيقول" ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا، فيما يرى الدكتور الشيخ القرضاوي أن سن 16 عاما هي الأنسب لزواج الفتاة، و18 عاما أنسب لزواج الفتى. ويؤكد عضو المجمع الفقهي د. محمد النجيمي: أنه لا يجوز تزويج الفتاة القاصرة التي تكون دون سن الخامسة عشرة، وأنه لابد أن تكون الفتاة بالغة راشدة، وهذا لا ينطبق على من لم تبلغ الخمسة عشر عاما. أما الدكتور سعود النفيس العميد السابق في كلية الشريعة بجامعه أم القرى، فيطالب بضرورة سن قوانين تحدد عمر 18 سنة كحد أدنى لزواج الفتيات، مشيرا إلى أن اتخاذ مثل هذه الخطوة جائز شرعا. وفي ما يتعلق باعتبار البعض البلوغ مقياسا للزواج يشير النفيس إلى"أن مجرد حصول البلوغ غير كافٍ لتزويج الفتاة"، مشددا على وجوب أن يكون الزواج مرهونا بالوصول إلى سن الرشد. أما عن قصة زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعائشة وهي ابنة تسع سنين فقد انبرى الكثير من الباحثين المعاصرين لتحقيقها تحقيقاً علمياً أثبت أن عمرها وقت زواجها لم يكن يقل عن 17عاماً وكان عدد من الباحثين في الفكر الإسلامي توصلوا إلى ذات النتيجة منهم المفكر عباس محمود العقاد في كتابه الصديقة بنت الصديق والشيخ الداعية خالد الجندي والدكتورة السعودية سهيلة زين العابدين عضوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والشيخ عدنان ابراهيم والباحث إسلام بحيري وغيرهم. وقد اعتمدت هذه الدراسات على كتب السيرة (الكامل تاريخ دمشق سير أعلام النبلاء تاريخ الطبري تاريخ بغداد وفيات الأعيان).
تغير الحال وتبدّل الأوضاع في المجتمعات لا يأتيان بين عشية وضحاها، وحتى لو تبين للقوم أن ما يقومون به جريمة وخطيئة لا تغتفر، فحسبهم أن يقولوا (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)، ونقول بدورنا (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع، أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق