الأربعاء، 14 أبريل 2010

أم «البدون».. تطلق النار على «كرو»

14/04/2010
العالم اليوم
كان انتصارا تاريخيا دشن عصرا جديدا، فيه حرية الإنسان تأتي أولا وأخيرا، رغم أن الثمن كان باهظا من حروب ودماء بين الأخوة والأشقاء وأبناء العم والخوال، والأصدقاء والفرقاء والخصوم، بين من يملك ولا يملك، بين الحالمين والمحبطين، بين أنصار الحقوق، العدل، المساواة، والباحثين عن المصالح والمنافع والرغبات، بين من يعيشون وهم الماضي وخرافاته، والذين ينظرون إلى المستقبل ويصنعون التاريخ؟! إلا أن ثمارها أينعت في إعلان انتهاء العبودية للإنسان الذي يعيش فوق ارض العالم الجديد والى الأبد.
المعركة لم تنته ساعتها، بل كانت بدايتها الحقيقة في الداخل بعد الانتصار في اكبر جولاتها في الخارج! هُزم الجنوبيون في أمريكا، لكنهم لم يستسلموا ولم يتعلموا من دروس التاريخ، فبعد عام 1890 تبنت سياساتهم بعد انتهاء نظام العبودية المقيت قوانين التمييز والفصل العنصري (Racial Segregation)، التي تفرض فصل العرقين الأبيض والأسود في المجتمع الواحد، واستمر إلى ما يقارب 100 سنة. فصل في المعاهد والمدارس والجامعات، في الباصات والحافلات وعربات القطار، في المطاعم والفنادق والمكتبات العامة، وحتى في شراب الماء صنعت نوافير مياه منفصلة! أطلق على هذا النظام جيم كرو (Jim Crow)، وهي عبارة مأخوذة من أغنية ظهرت عام (1828) في عرض موسيقي وتقول “اقفز يا جيم كرو” (Jump Jim Crow)، وكان يؤديها عادة ممثلون ذوو بشرة بيضاء يظهرون على المسرح بطلاء أسود على وجوههم بشكل تهريجي تمثل شخصية الإنسان الأسود (Negro) الذي كان يمثل الآخر، العبد، الغريب، المختلف، غير الأصيل، الأعجمي، البيسري، الصلخ، المجهول الهوية، غير المعروف النسب، البدون، صاحب العرق الأدنى، والدرجة السفلى، الخادم، الصبي، العالة، الجاهل، المتخلف، المنبوذ!
الكل كان يشارك في حفلة (الزار العنصرية) بدرجات متفاوتة، من عازف، ومطبل، ومزمر، ومردد، وراقص، في (السلطة التنفيذية) متمثلة في القوانين والأنظمة الحكومية، و(التشريعية) في النواب والمشرعين، و(القضائية) في المحاكم ودور القضاء، ولعبت (السلطة الرابعة) “الصحافة” الدور الأبرز في الترويج، والتهليل، والتصفيق، وحرق البخور، والدفاع عن الشياطين والتبرير لهم، وتغييب المعلومات، وتزييف الحقائق، وضرب حقوق الإنسان ومبادئ العدل والمساواة والحرية بعرض الحائط؟!
ووسط هذا الأجواء الموبوءة، الملوثة، المتطرفة، الهمجية، العنصرية، الغوغائية، كان هناك بضعة نفر (وهم الشموع المضيئة في كل أمة) لا يملكون الحول والقوة، ولا يكاد يساندهم احد أو يقف بجانبهم، وتخلى عنهم وأنكرهم حتى اقرب الناس، وتعرضوا للظلم والقهر، والعدوان، والضرب، والتشريد، والتهجير من ديارهم، كما تعرض بعضهم إلى الطعن في الظهر والقتل عن طريق إطلاق النار عليهم في وضح النهار في الشوارع العامة، لكنهم لم ينكسروا، يستسلموا، ييأسوا ولم يتوقفوا، من أبرزهم تشارلز هاملتون هيوستون (Charles Hamilton Houston)، الذي أطلق عليه الرجل الذي قتل نظام جيم كرو (The Man Who Killed Jim Crow)، وهو من مواليد عام (1895)، وكانت الإستراتيجية التي اتبعها وأطلق عليها إستراتيجية المساواة (Equalization Strategy)، آتت ثمارها في عام (1935) وبدايته كانت عبارة عن القيام بجولة في الجنوب، مسلحاً بآلة تصوير وآلة طباعة محمولة، يصور ويكتب وينشر عن غياب المودة والرحمة والعدل والحق والإنصاف والمساواة (للآخر) الذي يعيش محروما من حقوقه الإنسانية الأساسية، والدور الذي قام به (هيوستن) في الأمس، يعيدني إلى الدور الذي تلعبه الشيخة أوراد جابر الأحمد الصباح وغيرها من مناصري حقوق الإنسان في الكويت والخليج والعالم العربي اليوم في الدفاع عن الإنسان في مجتمعاتنا الذي جعله نظام (كرو العربي) يعيش كمواطن درجة سفلى. والله لا اعرف هذه السيدة الجليلة التي أُطلق عليها (أم البدون) بشكل شخصي ولم التقيها يوما، واجزم أنها لم تسمع بي ولا تعرفني، ومسافة الأميال التي تفصلنا عن بعضنا واسعة، رغم ذلك يجمعنا معها ومع كل من يحمل القضايا الإنسانية على كاهله، ويحاول بكل ما أوتي من عزم وقوة وإيمان بالقضية أن يطلق النار على (كرو) ويسقطه أرضا رباط لا ينفصم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق