الأربعاء، 21 أبريل 2010

قطر خالية من التدخين... حلم جميل وشعار تم وأده في المهد

2010-04-21

لماذا نتجرأ على كسر قرار الحظر في الأماكن العامة وحتى في حمامات الطائرات؟
المدخنون في تزايد.. والمدخنات يكتسحن المقاهي والأسواق والمجمعات..
"المعسّل" حول سوق واقف من واحة نقية عطرة إلى بيئة ملوثة قاتلة
هل يرد الاعتبار للقانون بتفعيل دور فرق التفتيش التابعة للمجلس الأعلى للصحة؟
نسبة التدخين في قطر وصلت إلى 40 % بين البالغين و22 % بين الشباب
(التدخين ممنوع في الطائرة)
طلبت من القائم على الخدمة أن أتحدث مع الشخص المسؤول عن المقهى، وبعد غياب طويل جاء متعذرا عن التأخير، فقلت له اعرف انك من جنسية غير جنسية هذا البلد، لكن هذا لا يمنع معرفتك بالقوانين، فهل تعرف أن التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة وبالذات المجمعات التجارية بقرار صادر من مجلس الوزراء، وإذا كنت تعرف ذلك كيف تسمح بالتدخين لهؤلاء الأشخاص في كل زاوية من زوايا المحل الذي يكاد يختنق كل من فيه؟! فأطرق برأسه إلى الأرض خجلا وقال بنبرة منخفضة نعم أعرف أن التدخين ممنوع يا سيدي، وفي كل مرة يأتي إلينا الزبائن المدخنون ونخبرهم بأن التدخين ممنوع وهناك لافته تشير إلى ذلك، يقول معظمهم إننا مواطنون ولا يسري علينا القانون، أو أن "عندهم واسطة"، وحتى إذا تم تطبيق القانون عليهم في يوم ما فسيقومون بدفع الغرامة، أما الأجانب فيحتجون قائلين: لماذا يسمح للمواطن أو الذي يلبس الزى الرسمي بالتدخين، رغم قرار المنع، ولا يسمح لنا، فعندما يتم تطبيق القانون عليهم سنتوقف نحن عن التدخين في الأماكن المغلقة؟!.. وقبل أن نغادر قلت له بغضب يالها من وقاحة وقلة أدب ونقص في الحياء، ليس فقط في عدم مراعاة الآخرين غير المدخنين والتأثير السلبي على صحتهم (Secondhand smoke)، بل في كسر القانون وتجاوزه والاستهزاء به، وقديما قالوا من أمن العقوبة أساء الأدب، والقضية مسؤولية مشتركة بينكما، فذاك يكسر القانون بالتدخين وأنتم كذلك حين تتسترون عليه ولا تتخذون موقفا بل وتقدمون له خدماتكم وكأن ذلك تكريم له على فعلته، فهل يأتي رد الاعتبار للقانون المطعون في ظهره عن طريق تفعيل دور فرق التفتيش التابعة للمجلس الأعلى للصحة للمجمعات التجارية بالدولة في إطار حملة مكافحة التبغ ومشتقاته بدولة قطر.. أرجو ذلك، وأشد بدوري على أيدي القائمين على هذه الحملة وعلى رأسهم وزير الصحة مع أننا لا نزال ننتظر منه (الاستراتيجية الخاصة بوزارته)، ونطالب بتكثيف الحملات وزيادة التوعية في وسائل الإعلام والشوارع والأماكن العامة فربما نعيد ذاك الشعار الذي اغتيل في مهده "قطر خالية من التدخين في عام (2000)" وهو أشبه بالفيلم الذي يتناول أحداث يوم القيامة ونهاية العالم (2012) الذي كان شعاره لقد تم تحذيركم؟!. المفارقة أن قطر كانت حديث الساعة في وسائل الإعلام العالمية خلال الأيام الماضية والسبب هو (التدخين) في حمام الطائرة الأمريكية حيث أطلق بعد ذلك نظام الإنذار الوطني لكل طائرات المسافرين، وتم استدعاء طائرات مقاتلة، وتحذير من قبل الرئيس الأمريكي بشأن تهديد إرهابي محتمل.
(أعداد المدخنين في ازدياد)
برغم الفتاوى الدينية التي دخلت على خط المواجهة وحرمت التدخين بشكل قطعي، ومنها فتوى الدكتور يوسف القرضاوي، إلا أن أعداد المدخنين في ازدياد وليس في تناقص، ورغم أن الظاهرة غالبا ما كانت مقتصرة على الرجال والشباب وخصوصا المراهقين منهم، إلا أن أفواجا من النساء والفتيات والبنات بدأن بغزوات مماثلة على المقاهي والأسواق والمجمعات التجارية والنوادي العامة وصالات الفنادق المغلقة في السنوات الأخيرة، وتفاقمت الظاهرة أيضا بسبب اجتياح الأجانب والزوار والسياح الأماكن ذاتها، وتحولت التحفة الفنية المتمثلة بسوق واقف الذي يعيدنا إلى زمن الماضي الجميل وذكرياته العطرة وتاريخ الآباء والأجداد، إلى بيئة ملوثة قاتلة، ومصنع لانبعاث السموم والغازات السامة في الهواء، والدخان الضار الذي يزيد من ضبابية المكان، ويرفع نسبة الاحتباس الحراري، بسبب انتشار المقاهي التي تقدم (الشيشة والمعسل) والذي تحول بقدرة قادر كنوع من البرستيج، وأحد "أعمدة الأصالة والتراث" في المجتمع، وبات التفنن في طلب أنواع النكهات هو عامل الموضة والتقدم سواء بنكهة التفاح أو العنب أو الشمام، أو الكوكتيل الفرنسي أو الأمريكي، أو بالخلطة السرية الخاصة.
(نسبة التدخين في دولة قطر)
التقارير الصحية تشير إلى أن التدخين يعد أهم عوامل الخطر على الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي في الفئة العمرية (25 — 65)، ويمثل نسبة 16 — 46 %، يأتي بعده ارتفاع ضغط الدم 15 — 35 %، والدهون والشحوم 20 — 45 %، والخمول البدني 80 — 90 %، والسكري 12 — 25 %، وزيادة الوزن والبدانة 40 — 70 % وهي عوامل يساهم التدخين أيضا في حدوثها أو تفاقمها، وفي تقرير نشرته صحيفة (العرب) القطرية عن دراسة إحصائية لمرضى الأزمات القلبية الحادة في الخليج، شملت عينة من 8200 مريض خلال 6 أشهر شملت كل الدول الخليجية أشارت الى أن مرضى القلب يعانون من حالات أهمها التدخين، حيث تبلغ نسبة المدخنين منهم 45 %، قياسا بالمرضى في أوروبا وأمريكا، حيث لا تتعدى نسبة مرضى القلب المدخنين 20 %، أما آخر إحصائية لدي نشرت عام 2008 م، واعرف أنها قديمة ولا تعكس الوضع الصحي المتردي بسبب التدخين فهي تشير إلى أن نسبة التدخين في دولة قطر وصلت إلى 40 % بين البالغين و22 % بين الشباب، وهي نسبة مرتفعة، وتبلغ ضعف نسبة التدخين في أوروبا. الدراسات الطبية الأخيرة التي قام بها عدد من الأطباء والخبراء في مجال الأمراض الصدرية والقلبية في مختلف أنحاء العالم تشير إلى ضرورة التعامل مع آفة التدخين على أنها مرض وبالتالي معاملة المدخنين على أنهم مرضى مطالبون بوضع آلية واضحة لمعالجته لمدى الخطورة الكامنة في التدخين وتخطي مرحلة النظر إليه على انه عادة اجتماعية فقط.
(التدخين من ميزانية الدولة )
خطوة طيبة أقدمت عليها لجنة الخدمات والمرافق العامة بالمجلس البلدي في رفع توصياتها لعدد من الجهات الحكومية بخصوص اقتراح بشأن تشديد الرقابة على التدخين في المحلات التجارية والأماكن العامة، فالوضع بات خطيرا ولا يمكن السكوت عليه وهذه هي المعركة القادمة التي يجب ان نخوضها على جميع الأصعدة. إن النجاح الذي حققته بريطانيا في خفض معدلات أضرار التدخين السلبية من خلال حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة في عام (2007 )، جعلها تخوض معركة أخرى اليوم في محاولة إصدار قانون منع التدخين في جميع السيارات الخاصة في إطار قوانين أكثر صرامة لحماية الأطفال من التدخين السلبي أسوة بالولايات المتحدة وكندا واستراليا، كما يشمل القانون أيضا المنتزهات والشواطئ والفنادق والسجون والنزل والساحات الرياضية المفتوحة أو أماكن إقامة الحفلات. إن التدخين في بريطانيا يكلف هيئة الخدمات الصحية الوطنية أكثر من 23 مليون جنيه إسترليني سنويا ويؤدي إلى 300 ألف زيارة إضافية للأطباء من أجل أمراض مثل التهابات الصدر والربو. والسؤال: كم كلف التدخين عندنا ميزانية الدولة خلال السنوات العشر الماضية؟.. ومن يستطيع أن يزودنا بالمعلومة الصحيحة.. هل هو وزير المالية أم وزير الصحة أم المجلس البلدي؟.. وبمناسبة الحديث عن الوزراء، فهل يقوم الوزراء المدخنون بالتدخين داخل مباني وزاراتهم أم خارجها؟ فنحن لم نر أي وزير مدخن أو حتى مسؤول كبير في الوزارة يقوم بالخروج من مبنى الوزارة ليشعل سيجارته وبعد أن ينتهي يعود إلى مكتبه عملا بقانون مجلس الوزراء! قبل عدة أيام تم تغريم وزير كرواتي لمخالفته قانون حظر التدخين في الأمكنة المغلقة حيث التقطت له صور وهو يدخن خلال اجتماع، فكم من مسؤول مواطن أو مقيم مدخن تم تغريمه خلال السنوات الماضية من عمر القانون الذي صدر عام 2002م.؟
(قطر خالية من التدخين)
التجربة التي أقدمت عليها ولاية كاليفورنيا في محاربة آفة التدخين تعد من ابرز التجارب العالمية وما زالت، فعلى عكس البرامج الكثيرة التي تركز على المراهقين فإن برنامج كاليفورنيا يركز على جهود مكافحة التدخين بين البالغين من خلال حملة إعلامية نشطة وتغييرات في السياسة العامة منها الترويج لبيئات خالية من التدخين. وحسب التقارير المنشورة فان البرنامج حال دون بيع 3.6 مليار رزمة من السجائر تقدر قيمتها بحوالي 9.2 مليار دولار، وذلك بين عامي 1989 و2004، وقد وفرت هذه البرامج ما قيمته 86 مليار دولار من نفقات الرعاية الصحية في أعوامها الخمسة عشر الأولى. وبدورنا ننتظر من التحركات والبرامج التي بدأت هيئة الصحة في تنفيذها أن تؤتي ثمارها اليوم قبل الغد ونطالب الجميع بأن يساهم فيها ولو بكلمة (لا) للتدخين فربما نستطيع أن نحقق جزءا من الشعار الذي رفعناه من عشر سنوات مضت "قطر خالية من التدخين" قبل نهاية العالم؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق