الأربعاء، 28 أبريل 2010

قوانيننا بين المواطن والمواطنة في حق منح الجنسية للأبناء

2010-04-28

الشرق القطرية

الجنسية تمنح لابن المواطن المتزوج من أجنبية دون شرط.. ولا ينالها ابن المواطنة إلا في حالات استثنائية
القانون لا يقف في صف المواطنة المتزوجة من أجنبي ولا يساعدها في حضانة أبنائها!
81 % يؤيدون حصول أبناء القطرية على كامل حقوقهم
مصر والإمارات تسمحان لأبناء المواطنات بالحصول على الجنسية فهل تفعل الدول العربية الأخرى؟
لا يوجد مفهوم مدني وديمقراطي واضح لمفهوم المواطنة في دول الخليج!
من الضروري صياغة عقد اجتماعي جديد للمواطنة يقوم على مبادئ حقوق الإنسان.

لا نعرف السبب في تأخير بعض الدول العربية تبني التغيير والإصلاح في منظوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية خصوصا رغم المطالبات الداخلية، والتحديات الخارجية المتسارعة، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذه الجوانب وموافقتها على الالتزامات الواردة فيها. في الندوة التي عقدت بجامعة قطر الأسبوع الماضي، أشار رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن قطر قد انضمت لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز، والاتفاقية الدولية لمعاقبة جريمة الفصل العنصري والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والبروتوكول الاختياري الأول الملحق باتفاقية الطفل وغيرها من الاتفاقيات وهي معلومات يجهلها الكثير، ربما أن المشكلة لم تكن في الانضمام إلى الاتفاقيات بل في ترجمتها إلى سياسات تنفيذية على أرض الواقع وهو الدور الذي يجب أن تقوم عليه مؤسسات المجتمع المدني والتي نراها شبه معدومة في حالة المشهد القطري؟!.
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أشار إلى أن قطر تدرس في الوقت الراهن الانضمام إلى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وارجو أن يتحول ذلك التفكير إلى قرار استراتيجي بأسرع وقت ممكن فهو التحدي الأكبر ولنطلق عليه (الجهاد الأكبر) الذي قد يحدث نقلة نوعية في بنية المجتمع القطري نحو المستقبل، والمفارقة أن المجتمع القطري بدأ بالتحرك منذ عدة سنوات قبل غيره، سابقا العديد من دول الخليج ودول الجوار ولكنه لم يتقدم إلى الأمام وظل يراوح مكانه في تقديم خطوة وتأخير أخرى؟!. وحسنا فعلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في التعامل مع ملف أبناء القطرية، حيث صرح رئيس اللجنة بأن الموضوع يتم التعامل معه بجدية لإعطاء المزيد من الحقوق لأبناء القطرية وصولا إلى المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات للجميع، موضحا أن هناك دراسة قامت بها اللجنة بالتعاون مع المجلس الأعلى للأسرة سوف ترفع إلى مجلس الوزراء لاتخاذ التوصيات اللازمة بشأنها، وكم نتمنى أن تتم مشاركة الرأي العام في هذه المواضيع لصناعة الوعي الوطني وبناء الإجماع حولها وعدم الاعتماد فقط على حصرها على قرارات تفرض من قمة الهرم، فالوعي والإدراك للواقع وتحدياته هو الذي يصنع المجتمع القادر على تحمل مسؤوليته والقيام بواجباته، علينا أن نطلع على هذه الدراسات والتقارير ونعرف بالتحديد أهم الإشكاليات التي تحيط بها، وكيفية التعامل معها، وأعداد الحالات التي أفرزتها هذه الظاهرة، وما هي أهم التوصيات المقترحة لحلها.
في الاستبيان الذي قامت به الزميلة (الوطن) قبل مدة قصيرة وسألت فيه المشاركين عن مدى تأييدهم لاعتبار أبناء القطرية، قطريين، مع منحهم كامل الحقوق التي تتمتع بها أمهم إذا حافظت على جنسيتها القطرية، أعرب 81 % عن موافقتهم وتأييدهم في إجماع مميز أثار انتباهي وخاصة إذا قارنا ذلك باستطلاعات مماثلة حدثت في بعض دول الخليج حيث لعبت الحزازيات الاجتماعية، والنعرات العصبية الطائفية والمذهبية والقبلية دورا كبيرا في ارتفاع نسبة الرفض وعدم التأييد والموافقة. وعلى الرغم من أن المواد الدستورية في الدول الخليجية تشير إلى أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، إلا أن المشّرع القانوني قد ميز بين الرجل والمرأة في مجال حق الجنسية فهو يقرر الجنسية لمن يولد لأب متزوج من أجنبية دون قيد أو شرط، أما من يولد لأم فهو لا يكتسب الجنسية إلا في حالات ضيقة واستثناءات أشبه بولوج الجمل في سم الخياط؟! وهو الأمر الذي التفت إليه وتعاملت معه بموقف حضاري وإنساني دول عربية أخرى مثل مصر حيث نص قانون الجنسية المصرية المعدل رقم 154 لسنة 2004 — على انه "يكون مصريا من ولد لأب مصري أو أم مصرية". الأدهى والأمر أن المواطنة الخليجية تحرم أحيانا من أبنائها من أب غير مواطن أو أجنبي في حالة الطلاق لان القانون لا يقف بصفها ويساعدها في ضمان حضانة أبنائها لها؟! الخبر السعيد الذي ينتظر أن يعلن بشكل رسمي جاء من دولة الإمارات في تعديل القانون الخاص بالجنسية والذي سيسمح لأبناء المواطنات المتزوجات من الأجانب بالحصول على الجنسية الإماراتية وهي خطوة ريادية سيكون على الدول الخليجية الأخرى التأسي بها.
هناك إشكاليات في فهم المواطنة في الدول العربية وخصوصا دول الخليج إذا ما قسناها وفق المفاهيم العالمية المتعارف عليه، ولا يوجد مفهوم مدني وديمقراطي واضح ودقيق لمفهوم المواطنة، كما يشير إلى ذلك د. فارس الوقيان في دراسة أعدها عن المواطنة، واهم اشكالياتها أنها تتجسد على هيئة ثنائيات الواحدة منها أعلى مرتبة والأخرى أقل مرتبة، فمنها مواطنة نوعية تمنح للرجل حقوقاً أكثر من المرأة، مواطنة قانونية تمنح مواليد التأسيس حقوقاً أكثر من مواليد التجنيس، ومواطنة دينية تفتح أبواب التجنيس لبعض الفئات والمذاهب وتغلق الأبواب بوجه الآخرين، ومواطنة مدنية إقصائية تعترف بحقوق مواليد في المجتمع في حين تجرد شريحة أخرى تكون مستحقة للتجنيس والمقيمة مع مواليد منذ عقود طويلة من أبسط حقوقها المدنية والقانونية؟! وللأسف ليست هناك رؤية مؤسساتية واستراتيجية لما يعرف بالاندماج المجتمعي والوطني، فالحصول على المواطنة الكاملة لا يرتبط بمفهوم الانتماء للأمة والوعي بتاريخها وثقافتها، كما أنها غير مرتبطة بالتضحية لأجل الوطن أو باحترام القانون وقيم المجتمع الدستورية، بل تبنى على روابط علائقية ومصلحية صرفة في إطار سياسي محض، كما لا توجد هناك مؤسسات ووسائل فاعلة (إعلامية، تربوية، تشريعية) لتكريس مفهوم الاندماج المجتمعي على أرض الواقع. وأي جهود من أجل مواطنة مدنية ومتساوية وفاعلة، لن يكتب لها النجاح ما لم تعمل على توحيد وتلاحم التشريعات والأنظمة والقوانين التي تعتبر بمثابة (موزاييك) تشريعي يحكمه التعارض، فقوانين الجنسية، والإقامة، وقانون الانتخاب، والموقف القانوني من الاتفاقيات الدولية، كل منها يبني توجهاً متناقضاً مع بنود الدستور التي تدعو إلى مواطنة لا تميز فيها، لذا بات من الضروري العمل على صياغة عقد اجتماعي جديد للمواطنة والاندماج المجتمعي والمدني يقوم على تشكيل مجتمع مواطنين مدنيين يتبنى قيم ومبادئ حقوق الإنسان، وتقدير الكرامة البشرية، والتعلق بالمساواة والحرية، وبهذا فإن مجتمع المواطنين يختلف عن مجتمع الطوائف والفئات، ومن أجل تحقيق هذا التحول المدني لابد من الفهم بأن الانتماء والولاء الوطني والقناعة بالمواطنة المتساوية ليس حالة بيولوجية أو فطرية بل هي مقرونة بمطلبي التربية والتدريب بصورة مكثفة عبر مراكز التأهيل والتعليم والمعرفة، كما أنها تسعى لإشراك المواطنين في اتخاذ القرارات.
الخطوات الأساسية التي من الضروري تبنيها والمطالبة بتنفيذها لتعزيز المواقف الوطنية والإنسانية في هذا الملف الذي تم تأجيل حسمه لسنوات طويلة وبدأ يكبر ويتفاقم يوما بعد الآخر، هي منح الأم القطرية المواطنة حق كفالة أبنائها من زوجها غير المواطن لحين إيجاد وظيفة لهم دون تحديد لعمر الأبناء، ومنح الموظفة المواطنة المتزوجة من أجنبي العلاوات الوظيفة التي تمنح لغيرها من الموظفين المواطنين وأهمها العلاوة الاجتماعية في كفالة الأولاد، ومنح زوج المواطنة من غير محددي الجنسية أو أصحاب الوثائق جواز سفر لمرافقة زوجته في العلاج أو الدراسة بالخارج، ومنح أبناء المواطنة المتزوجة من أجنبي حق التملك والعلاج على نفقة الدولة والتعليم المجاني حتى بعد المرحلة الثانوية والجامعية والدراسات العليا، بالإضافة إلى التأكيد على أحقية أولوية العمل والتوظيف لأبناء المواطنة على الأجانب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق