الأربعاء، 2 فبراير 2011

المجلس البلدي بعد 12 سنة.. محلك سر؟!

جريدة الشرق

2011-02-02

هل يتم حل المجلس البلدي وتحويله إلى مجالس محافظات؟
غابت سلطة القرار وتحولت توصيات الأعضاء إلى حبر على ورق
وعود كثيرة وكبيرة وإنجازات مفقودة ومعدومة

ندوة هزيلة متواضعة جمعتنا للحديث حول جدوى تعديل قانون انتخابات المجلس البلدي. ولم تكن مفاجئة في غياب الحضور الجماهيري العام وأعضاء المجلس البلدي، وهو ما يشكل إحجاما شبه كامل عن تجربة تقارب 12 سنة من الحديث عن المشاركة في الانتخابات البلدية! ولو أنني لم اتسلم رسالة من الزميل الدكتور حسن السيد الكاتب والقاضي والخبير القانوني القطري المعروف، لمقابلته في فندق شرق مكان انعقاد الندوة، لما فكرت في الحضور ناهيك عن المشاركة، وفضلت البقاء في المجلس ومشاهدة الأخبار عن انتفاضة الشارع المصري، بعد انتشار عبق ثورة الياسمين التونسية في أرجاء العالم العربي، خاصة أنني في إجازة قصيرة معدودة أيامها على الأصابع؟!
إذا عدنا إلى الوراء قليلا سنلاحظ أن التقارير الإعلامية الدولية (AFP)، التي تناولت تغطية انتخابات المجلس البلدي الأخيرة في عام (2007)، أشارت إلى أن انتخابات المجلس البلدي الوحيد في قطر لا تثير الكثير من الاهتمام والحماس بين الناخبين القطريين الذين لا يزالون ينتظرون تحديد موعد أول انتخابات تشريعية جزئية مقررة. وبرغم انتشار الخيم الانتخابية وحتى مواقع الانترنت للتعريف ببرامج المرشحين للانتخابات البلدية فان الإقبال على متابعة الحملة الانتخابية بدا ضعيفا إلى درجة دفعت بعض الصحف للتحذير من ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع واعتباره مجرد "يوم عطلة"؟! ويعود ذلك إلى "انعدام الثقة في المجلس البلدي الذي لا يملك سلطة القرار فتظل توصياته غالبا حبرا على ورق". واعتبر بعض المراقبين أن "الحالة في مجملها تعبر عن توق لممارسة ادوار سياسية متقدمة" تفوق صلاحيات مجلس بلدي. كان هذا التعليق قبل أربعة أعوام والى اليوم لم يتغير الحال كثيرا، بل يبدو أن عامل الزمن توقف عند تلك اللحظة ولم يتقدم ويصل إلينا بعد؟!
تجربة 12 سنة من عمر المجلس البلدي مخيبة للآمال، وعود كثيرة وكبيرة وإنجازات مفقودة ومعدومة. الإشكالية الأساسية للمواطنين كانت هي مدى التطابق بين ما يُطرح في الحملات الانتخابية الدعائية وما يتحقق على الأرض، وهو ما أشاع نوعا من فقدان الثقة بين الناخب والمنتخَب، وانعدام المصداقية بين المواطن والقائم على تمثيله وإيصال صوته. وكانت المحصلة الختامية هي مجرد أصفار على الشمال، فلا صوت وصل ولا تغيير حدث. والمثير للضحك انه حتى الدوافع والمصالح الشخصية واستخدام النفوذ للعضو المنتخب لم يطرأ عليها الكثير من الحراك والتغيير حتى بعد انتخابه، مما جعل الناس تتندر على الكثير منهم وتطلق عليهم المثال الخليجي الشهير (لا يهشون ولا ينشون، ولا يحلون ولا يربطون). بالإضافة إلى الانقسامات والصراعات بين أعضاء المجلس، وحتى لا نظلم الأعضاء ونحملهم الفشل كليا من الضروري الإشارة إلى أنه لا يوجد تعاون حقيقي مع بين المجلس البلدي والجهاز التنفيذي المتمثل في وزارة البلدية والأجهزة المشابهة ذات العلاقة التي استقلت ثم حلت ومنها من عاد إلى الوزارة ومنها من لم يعد وما بدلوا تبديلا؟! كما أن القانون حجم الدور المنوط من المجلس البلدي أن يلعبه من رسم السياسات ووضع الخطط وتقرير المشروعات والمراقبة. استطلاع الزميلة "العرب" بين أن %42 منهم يرون أن أداء المجلس البلدي المركزي في دورته الأخيرة يعد ضعيفاً، فيما اعتبره %34 متوسطاً، ونسبة قليلة منهم اعتبرت أداء المجلس جيداً وذلك بواقع %6، فيما وصلت نسبة من لا يعلمون مستوى أداء المجلس في دورته الأخيرة %18.
لكن هل صحيح أن ضعف أداء المجلس البلدي مسؤولية المواطنين أولا لأنهم من ينتخب الأعضاء؟ هل هي انتكاسة لتجربة هدفت إلى إن تضعنا على الطريق الصحيح في المسارات الديمقراطية! لكن ما هي الديمقراطية؟ الديمقراطية ليست مجرد ورقة تُلقى في صندوق الانتخاب أو مقعد يحتلة نائب مُنتَخَب، كما يشير احمد الديين، وإنما الديمقراطية بالأساس هي مبادئ، تتمثل في الحرية والمساواة وهي قيم التسامح، والحوار، والتنوع، والتعددية. وتتمثّل في آليات من بينها: نظام انتخابي سليم يضمن للفرد المشاركة في صنع القرار ومراقبته، والتصويت، واعتماد قرار الغالبية، وحماية مصالح الأقلية، والتعددية السياسية، والتداول الديمقراطي للسلطة. كما أنها ضمانات دستورية تقرر مبدأ سيادة الأمة وكونها مصدر السلطات جميعاً وصاحبة الولاية على نفسها، وانفصال الدولة عن أشخاص الحاكمين، وضمان حقوق الإنسان، والعدالة، وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون، والمساواة أمامه، وإنصافه وعدله وضمانه التوازن بين المصالح المتعارضة، وامتثال السلطة للقانون، ومسؤوليتها أمام ممثلي الأمة ومساءلتها، والرقابة عليها، وفصل السلطات مع تعاونها.
هل نحن بحاجة إلى جرعة اكبر من الديمقراطية في مجتمعنا؟! بالتأكيد نعم. تقارير التنمية البشرية الدولية تشير إلى انه كلما ازدادت جرعة الديمقراطية في دولة ما ارتفع معدل سعادة الشعب. نحن بحاجة أيضا إلى زيادة مساحة صناعة القرارات الجماعية في مؤسسات المجتمع المختلفة من خلال حرية الطرح والنقاش المكشوف والشفاف والتسليم بحق الاختلاف والتعددية المحميّة بسلطة القانون الذي يوفّر حماية الحقوق الفردية من طغيان الاستبداد وتغوّل السلطة التنفيذية على حقوق الأفراد. ربما احد المآخذ الرئيسية في تجربتنا اعتمادها على القرارات الفردية الهرمية وتهميش القاعدية المؤسساتية، الأمر الذي يؤثر على عملية الحراك والتغيير في المجتمع ويحرمها من النضج والنمو، بل وينتج وضعا شائكا لا يهدف إلى الإقناع بل إلى الإخضاع، ينحدر من الأعلى إلى الأسفل، وقد تصبح العلاقة مع تعابير المجتمع المختلفة علاقة أمر ونهي وامتثال وقبول؟! التعبير عن الرأي والاختلاف لا يمكن أن يتم بدون تمكين الناس من الحريات المدنية والسياسية وضمان حرية التعبير والاجتماع على أرضية الاختلاف والائتلاف في الحجة والدليل والبرهان. ولكي تنجح التجربة الديمقراطية فإنها بحاجة إلى إعادة تعريف وتنمية دائمة وعقلنة وإدارة اختلاف.
عودة إلى موضوعنا، يقول أر سطو (إن آكل الطعام لا طاهيه هو خير من يحكم على المأدبة)، بعد كل هذه السنوات من التجربة الطويلة مع المجلس البلدي نستطيع أن نؤكد أن العملية أصبحت معوقة، محبطة، غير مجدية، ومعطلة للحراك والتغير على كل المستويات، وهي بحاجة إلى تفكيك وإعادة التركيب من جديد. بدوري أدعو إلى مقترح حل وتفكيك المجلس البلدي وتحويله إلى مجالس محافظات. بحيث يتم تقسيمها إلى عدد من المحافظات (خمس محافظات)، وتكون لكل محافظة الشخصية الاعتبارية، ويرأسها المحافظ (The Mayor) الذي يدير شؤونها ويمثل السلطة التنفيذية فيها. ويتم وضع نظام يضمن لكل بلدية في المحافظات أن تعمل على تطوير مناطقها ومراقبة مرافقها بشكل مباشر ووضع خطة خمسية لكل محافظة وان تخرج هذه الخطة من إدارة البلدية في المحافظة وتتضمن الرقابة المرفقية، وكذلك الرقابة التنظيمية والمعمارية وتجميل مناطق المحافظة مما يترتب عليه أن تكون هناك منافسة بين المحافظات. ويقوم القانون على منح كل سكان المحافظة الحق في اختيار ممثليهم الذين تكون صلاحياتهم فقط وضع الخطط التنموية لمحافظتهم ومراقبة تنفيذها.
قد يكون هذا الاقتراح إحدى المشاركات القابلة للطرح والتداول والنقاش في الساحة ولكن السؤال متى يأتي الدور على البرلمان الذي ما زلنا نسمع الجعجعة من حوله ولم نر طحينه؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق