الاثنين، 14 فبراير 2011

المنظومة التعليمية الكلمة السحرية في النهضة اليابانية

اليابان بعيون عربية (3)
جريدة الشرق
61-2-2011

التعليم هو الكلمة السحرية التي نتعرف بها على أسرار النهضة اليابانية. التعليم ومنظومته وجودته وكفاءته وتطوره، أحدثت النقلة النوعية في المجتمع الياباني منذ بداية القرن السادس الميلادي (كان العرب ساعتها منشغلون بتحريم العلوم غير الدينية وخصوصا الفلسفة)، ولكن القفزة الكبيرة جاءت مع عصر الإمبراطور ميجي (Meiji) وهي (باليابانية: 明治天皇 ميجي تينُّو‏). وتمتد من الفترة ( 1868 إلى 1912) ويعود له الفضل في اخرج اليابان من عزلتنها النسبية إلى الانفتاح على الآخر والتفاعل مع العالم أجمع. وضعت حكومة ميجي نظام للتعليم لتساعد اليابان على اللحاق بركب الغرب، حيث أرسلت بعثات للغرب لدراسة النظم التعليمية في الدول الغربية كما تشير موسوعة ويكيبيديا العالمية، ورجعت بأفكار مثل اللامركزية ومجالس التعليم المحلية، وبعد عدة محاولات لتعديل نظام التعليم توصلت اليابان إلى وضع نظام تعليم مناسب لها. وارتفعت نسبة التحاق الأطفال بالمدارسة من 40%-50% في عام 1870 إلى 90% في عام 1900. إستراتيجية ميجي قامت على عاملين: ابتعاث مئات الطلاب اليابانيين الشباب إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية ، وانجلترا ، و فرنسا ، وألمانيا ، بهدف تعلم أسرار التكنولوجيا الغربية والإنتاج. ودعوة آلاف العلماء والخبراء الأجانب إلى اليابان بمرتبات عالية لمساعدة اليابانيين في إنشاء المعاهد والمؤسسات والمصانع بالإضافة إلى بناء شبكات للسكك الحديدية ،والاستفادة من خبراتهم في وسائل وأساليب الزراعة الحديثة. لقد قمنا بزيارة عدة متاحف في طوكيو وشاهدنا عن قرب مدى التحول الكبير الذي حدث في عهد ميجي من تقدم وازدهار، مما أطلق عليه عصر التنوير الياباني، تشبه بعصر التنوير الأوروبي.
قصة رمزية يقال أنها حدثت في عهد ميجي تروي عن الطالب الياباني الذي ابتعث مع مجموعة من الطلبة اليابانيين للدراسة في جامعة هامبورج بألمانيا، وحين بدأ دراسته الجامعية فوجئ بالدراسة النظرية وبالكتب الكثيرة التي عليه أن يدرسها، وكان يشغله هوس أسرار صناعة المحرك وكيف يتعلمها ويعود بها الى اليابان، وفي يوما ما اطلع على إعلان في الصحف عن معرض لمحركات، أخذ الطالب مكافأته ليشتري بها محركاً صغيراً قوة "حصانين" ودفع ما عنده وحمل "محركه" وعاد به إلى حيث يسكن ويدرس، وقرر أن يقوم بتفكيك هذا المحرك ثم يعيد تركيبه، ثم يحاول تشغيله، لكنه خاف إن فككه أن لا يعرف كيف يعيده، فأحضر حزمة من الورق، وكلما فك قطعة رسمها على الورق وأعطاها رقماً خاصاً، فلما انتهى من التفكيك، عمل على إعادة التركيب، ثم شغل المحرك واشتغل. قابل بعدها رئيس البعثة واخبره بحكايته، فمكان منه إلا أن جلب له بمحرك متعطل، وطلبة بتفكيكه، والكشف عن مكان العطل، و إصلاحه وتشغيله، وعمل على المهمة لمدة عشرة أيام حتى حدد مكان العطل، مستخرجاً ثلاث قطع تالفة، ثم صنع بيديه قطعاً جديدة، وكلفه ذلك : الالتحاق بمصانع صهر الحديد، مما جعله يترك رسالته والدراسة، ليتحول إلى عامل في صهر المعادن. وهنا كتب المشرف على البعثة رسالة إلى إمبراطور اليابان يخبره، بما فعله ويفعله طالب البعثة، فقدم له الإمبراطور خمسة آلاف جنيه ذهب، أنفقها كلها في شراء محركات وأدوات صناعية، ثم قرر العودة لبلاده، تاركاً الدكتوراه خلف ظهره. وحين وصل أول ميناء قيل له : إن الإمبراطور يريد أن يراك، فكان رده: لا أستحق هذا الشرف إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات في بلدي. في ظرف ( 9 ) سنوات أنجز صنع ( 10 ) محركات، خصص لها الإمبراطور قاعة في قصره، ثم قام تاكيو بتشغيلها، وعندما دخل الإمبراطور وسمع صوت المحركات قال: ( هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي)؟!
في عقد مقارنة بسيطة بين الإحصائيات العلمية نلاحظ أن القراءة عند الطفل العربي لا تزيد عن 6 دقائق في السنة، وأن متوسط القراءة لكل فرد في المنطقة العربية يساوي 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للفرد الواحد في اليابان والدول المتقدمة. و أن عدد الكتب المتوفرة للطفل العربي لا تزيد عن 400 كتاباً في السنة مقارنة بالطفل والياباني المتوفر له 13260 كتاباً في السنة. و أن كل 20 طفلاً عربياً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة بينما يقرأ كل طفل ياباني 7 كتب تعادل 140 ضعف عدد الكتب التي يقرؤها الطفل العربي. ويوجد في اليابان 5000 عالم لكل مليون ياباني، ولا يتجاوز عددهم 230 عالماً لكل مليون مسلم اغلبهم بمجال دراسات أدبية غير علمية؟! ومع أن ثروات العالم الإسلامي الطبيعية تشكل 65% فلا يزيد إنتاجه عن 12% من تقنية المعلومات والاتصالات في العالم بينما يرتفع نصيب اليابان من هذه السلع والخدمات إلى 23%.
في دراسها علمية مقارنة أعدها شبل بدران، وفاروق البوهي، عن (نظم التعليم في دول العالم)، واعتمدنا عليها في عرض لمحة تاريخية عن التعليم في اليابان، تذكر أن أول نظام تعليمي في اليابان وضع في عام 701، وتتالت بعدها التعليم في طبقات عشائر النبلاء و الساموراي. وبدأ التعليم لعامة الشعب في ما يشبه الكتاتيب والتي تدعى "تيراكويا" وفي فترة الإمبراطور ميجي وضع النظام الحديث في التعليم الذي يقسمه لعدة مراحل يشابه ما هو معمول فيه في العصر الحالي. ونظام التعليم المطبق حاليا بدء بالعمل به في ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي وضع وفقا لدستور اليابان وقانون التعليم الأساسي في اليابان. وقد نصت المادة رقم (4) من القانون الأساسي للتعليم ، بأن التعليم العام والأساسي إلزامي لمدة تسع سنوات ، ولا تتقاضى المؤسسات التعليمية أية رسوم لهذا التعليم.التعليم في ايابان يبدأ في مراحله الأولى في المنزل، حيث هناك عدد كبير من الكتب التعليمية الموجهة للأطفال للأعمار دون سن المدرسة بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية التعليمية المخصصة للأطفال والتي تساعد الآباء على تعليم أطفالهم. غالبا ما ينصب التعليم المنزلي على تعليم الآداب والسلوك الاجتماعي المناسب واللعب المنظم، بالإضافة إلى المهارات الأساسية في قراءة الحروف والأرقام وبعض الأناشيد الشهيرة.وعادة ما يضع الآباء العاملين أطفالهم في رياض للأطفال تدعى "يوتشي-إن" يعمل فيها على الغالب شابات صغيرات يكن في معظمهم طالبات معاهد أو جامعات في أوقات فراغهن وتكون تحت إشراف وزارة التعليم.
تبلغ نسبة الأطفال الذين يذهبون إلى رياض الأطفال قبل المدرسة الابتدائية حوالي 90% وغالبا ما يعلم فيها المهارات الاجتماعية الأساسية، قراءة الحروف والأرقام والتعرف على البيئة والعلاقات الإنسانية.ويعد التعليم الياباني متعدد ومتنوع يفي بحاجات مجتمعه ، ويخرج اليد الماهرة للشركات والصناعات .فبعد التعليم الأساسي والإلزامي والذي مدته تسع سنوات من (6+15) يأتي التعليم الثانوي، والذي يتكون من عدة مسارات (1) مسار التعليم الثانوي الأكاديمي العام ، ويأخذ نظام الساعات المعتمدة . (2) مسار التعليم الثانوي الفني ، ويتكون هذا المسار من ثلاث سنوات ، وبعد التخرج يلتحق الطلاب بالكليات التقنية ، وهناك مايقدر (20%) يذهبون للكليات التقنية ، والباقس يتجهون لسوق العمل . (3) مسار التربية الخاصة ، ويتكون هذا المسار من ثلاث سنوات ، ويعنى بتعليم الطلاب الذين يعانون من إعاقات سمعية وبصرية ، ومن ذوي الحاجات الخاصة الذين لا يستطيعون الالتحاق بالتعليم (4) مسار التعليم الثانوي بالمراسلة ، يتكون التعليم في هذه المرحلة من أربعة سنوات ، ويلتحق به الطلاب بشكل غير مفرغ ، ويعادل في مجمله السنوات الثلاث المكونة للتعليم الثانوي العام .
التعليم ما بعد الثانوي فهو موزع على الجامعات والمعاهد، حيث بلغ عدد طلاب الجامعات في اليابان 2.8 مليون طالب مسجلون في 726 جامعة في إحصائية (2005). وهناك ثلاث أنواع من الجامعات، وطنية و يبلغ عددها 96 جامعة. محلية وتشرف عليها حكومات المحافظات والمدن المحلية يبلغ عددها (39). وخاصة و يبلغ عددها (372) جامعة. كما ويبلغ متوسط كلفة الدراسة الجامعة للعام الواحد حوالي 1.4 مليون ين ياباني، ويعتبر من أعلى المصاريف التي تقل كاهل الآباء ، لذلك غالبا ما يعمل الأبناء أعمال إضافية مؤقتة بالإضافة إلى دروسهم الجامعية لتحصيل مصروفهم.
تتسم إدارة التعليم اليابانية بالتكامل بين المركزية واللامركزية وذلك من خلال توفير ميزانيات مضاعفة للنهوض بالتعليم ، حتى أن السلطات المحلية تساهم تقريباً بنصف نفقات التعليم ، وذلك على الرغم من الحجم الكبير للإنفاق الحكومي على التعليم الياباني بالنسبة للدخل القومي ، والذي يتجاوز 20% من مجموع الدخل القومي. ويتم المشاركة في التخطيط للتعليم عن طريق التواصل مع خبرات الآلاف المعلمين والنظار وغيرهم من خلال الندوات والمؤتمرات الإقليمية والمحلية التي لها دور فعال في التخطيط للتعليم، وقد حضيت فكرة الدوائر النوعية والتي تعتمد عليها اليابان في الإدارة اعتماداً كبيراً بقبول عالمي ، وتعرف الدوائر النوعية على أنها مجموعة من الأفراد يتقابلون بانتظام لتحديد موضوعات وتحليل المشكلات واقتراح أفعال. ويهدف التعليم الياباني بمحاولة الوصول بقدرات وأداء الطالب إلى أقصى حد ممكن ، وذلك من خلال: تعاون الأفراد . (2) و تحديد الأولويات. (3) والعمليات والخطوات التي يتم فيها مراعاة المتفوقين ، وذوي القدرات المتميزة مثل (الجوكو) هو نوع من الأنشطة اللاصفية ، يهدف إلى إثراء الفرد فوق ما هو مقرر عليه في المواد الدراسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق