الأحد، 30 يناير 2011

اليابان بعيون عربية (2)

من العزلة إلى الانفتاح.. ومن الهزيمة والانكسار إلى النهوض والتقدم
جريدة الشرق

2011-01-30

لم نذق طعم راحة من اليوم الأول فلقد بدا نهارنا بعرض فلم وثائقي لمدة 45 دقيقة شامل عن اليابان يستعرض بالمعلومات والأرقام التاريخ القديم والحديث، والجغرافية الطبيعية والسياسية، والبيئة، والاقتصاد، وعادات وتقاليد والأعراف والمعتقدات، وطباع الإنسان في بلاد الشمس المشرقة. بعدها تم أخذنا في جولة سياحية ثقافية لتعرف على المدن اليابانية، ليس بواسطة السيارة أو الباص السياحي بل عن طريق برنامج كمبيوتر ثلاثي الأبعاد (3D Virtual Tourism) ويالها من رحلة ثقافية تعليمية مدهشة؟! التطرق إلى المعلومات التاريخية الموجزة التي سنتناولها في الحديث في هذه السطور يجيرنا إلى النهل من الموسوعات العالمية. حيث تذكر الموسوعة العالمية ويكيبيديا (wikipedia) انه يعيش في اليابان حوالي 126,472,000، مما يجعلها سابعة أكبر دولة في العالم من حيث حجم السكان. وفي خلال الفترة من 1870-1970م تضاعف سكان اليابان أكثر من ثلاث مرات. وتزايد عددهم من 30 مليونًا إلى ما يزيد على 100 ميلون نسمة. ومنذ عام 1970م، أدى انخفاض معدل المواليد إلى خفض معدل النمو السكاني الذي يبلغ الآن أقل من 0,5% سنويًا. ويعيش حوالي 90% من السكان في السهول الساحلية التي تشغل 20% من مساحة اليابان. ويزدحم ملايين اليابانيين في طوكيو العاصمة التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين وثلث المليون نسمة. ويعيش في كل من يوكوهاما وأوساكا وناغويا أكثر من مليوني نسمة. وهناك سبع مدن أخرى يتجاوز سكانها المليون نسمة.
ينحدر اليابانيين من شعوب عدة هاجرت إلى جزر اليابان من مناطق مختلفة من آسيا. فمعظمهم جاء عبر موجات من شمال شرقي البر الآسيوي عبر شبه الجزيرة الكورية. والآخر جاء من جزر تقع جنوبي اليابان. اليابانية هي اللغة الرسمية، ويتم التحدث بها بعدة لهجات محلية، تختلف كثيرًا بعضها عن بعض في لفظها. وتمثل لهجة سكان طوكيو الشكل الرسمي للتحدث باليابانية، فجميع اليابانيين تقريبًا يفهمونها، لذا فهي تستخدم في المدارس وفي الإذاعة والتلفاز. كما يجيد الكثير من اليابانيين اللغة الإنجليزية، إذ إن بعض الكلمات اليابانية مأخوذة من الأصل الإنجليزي. تعتبر كتابة اللغة اليابانية من أصعب أنظمة الكتابة في العالم، حيث إن كل حرف يمثل رمزًا. كما أن المدارس اليابانية تُعلم التلاميذ كتابة اليابانية بحروف رومانية.
وتنتشر في اليابان الديانة البوذية (يعتنقها حوالي 75%)، وديانة الشنتو وهي أقدم الديانات التي تعني طريق الآلهة. ويعبد أتباعها عدة آلهة تدعى (كامي) وتوجد في الجبال والأنهار والصخور والأشجار وغيرها من عناصر الطبيعة. في عام 1868م، وضعت الحكومة اليابانية ديانة رسمية أسمتها شنتو الدولة، وهي تؤكد الوطنية وتقديس الإمبراطور كإله. وقد تم إلغاء هذه الديانة رسميًا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. يعلن الأكثرية من اليابانيين أنهم لا يتبعون أي ديانة معينة. العديد من الفئات، و خاصة الشباب تعتقد أنه يجب إبعاد الديانات و المعتقدات عن الإيحاءات التاريخية. يرجع هذا الحذر إلى الدور الذي لعبته الديانة التقليدية للبلاد لعقيدة (الشنتو) في تجنيد الشعب أثناء الحرب العالمية الثانية باسم الدين لمحاربة الآخرين. و رغم ذلك تبقى تعاليم الشنتو و البوذية، مرسخة في كل جانب من جوانب الحياة اليابانية اليومية.
تاريخ اليابان كما تشير موسوعة المعرفة يبدأ منذ القرن الخامس بعد الميلاد للميلاد، عندما شرع اليابانيون في استعمال نظام الكتابة (المدونات)، و حسب هذه المدونات فإن "جينمو" ليس إلا سليلاً لآلهة الشمس "أماتيراسو أو مي-كامي" (天照大神). كما تمضى المدونتان بعدها في سرد وقائع و أحداث التاريخ السياسي للبلاد، كقصة قيام البلاد كوحدة مستقلة و غيرها. ولقد تأثرت اليابان القديمة بدرجة كبيرة بالحضارة الصينية إلا أنها في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وهي بدايات شرارة ثورة التنوير الغربي، بدأت بالانفتاح على العالم والقيام بعلاقات تجارية مع عدد من البلدان الأوروبية، وقد وصل البلاد تُجّار من البرتغال وهولندا وإنجلترا وإسبانيا, كما بدأ نشاط الدعاة المسيحيّون في نفس الفترة. أثناء النصف الأوّل من القرن السّابع عشر، وارتاب حكام اليابان( الشوغونات) من هؤلاء الدعاة فنظروا إليهم على أنهم طلائع لغزو عسكريّ أوربّيّ، فتم قطعّ كلّ العلاقات مع العالم الخارجيّ (ودخلوا في عزلة طويلة). واستمرت هذه العزلة إلى سنة 1853م حينما جاء القائد البحري ماثيو بيري بسفنه الحربية إلى خليج طوكيو. وأدّى استعراض القوة هذا إلى فتح اليابان لاثنين من موانئها سنة 1854م في وجه التجارة الأمريكية.
وعبر الاتصال والانفتاح المتجدّد على الغرب تغيير المجتمع اليابانيّ جذرياً وبدأت الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع وصول الإمبراطور "ميجي" (The Meiji) حيث تم إلغاء النظام الإقطاعي القديم، وتبني العديد من مظاهر المؤسسات الغربيّة، كنظامي القانون و نظام الحكم، قامت الحكومة الجديدة بأولى الإصلاحات في المجال الاقتصادي. إلا أن الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعيّة و العسكريّة اليابان حولتها إلى قوّة عظمى وحاولت التوسع فاصطدمت مع جيرانها المباشرين في الحرب اليابانيّة-الصينيّة ثم الحرب الروسية-اليابانية، استولت اليابان بعدها على تايوان، ساخالين، وجزر كوريل، وأخيرا كوريا في عام 1910.
واخذ نفوذ اليابان يتزايد في بدايات القرن العشرين عن طريق التوسّعّ العسكريّ، و قيام الحرب اليابانيّة-الصّينيّة الثانية (1937-1945 م) . شعر الزّعماء اليابانيّون بوجوب مهاجمة القاعدة البحريّة الأمريكيّة في بيرل هاربور سنة 1941 م لضمان السّيادة اليابانيّة على المحيط الهادئ. إلا أنه و بعد دخول الـولايات المتّحدة في الحرب العالميّة الثّانية بدا أن التّوازن في المحيط الهادئ أخذ يميل ضدّ مصلحة اليابانيّن. بعد حملات طويلة في المحيط الهادئ، خسرت اليابان أوكيناوا في جزر ريوكيو و تراجعت حدودها الإمبراطورية حتى الجزر الأربعة الرّئيسيّة. وقامت الولايات المتحدة بشن حملة من القصف الجوي على طوكيو، أوساكا, و المدن الأخرى، سميت الخطة باسم الـقصف الاستراتيجي، تم فيها قصف هيروشيما و ناغاساكي بالقنبلة الذرية لأول مرة. استسلمت اليابان أخيرا ووقعت المعاهدة النهائية في 15 أغسطس 1945 م.
بقيت اليابان بعد الحرب تحت الاحتلال الأميركي وحتى 1952 م. بدأت بعدها فترة نقاهة اقتصادية استعادت البلاد فيها عافيتها و عم الرخاء الأرخبيل الياباني. بقيت جزيرة ريوكو تحت السيطرة الأمريكية حتى 1972 م. ولا زالت تحتفظ ببعض من قواتها في البلاد حتى اليوم. مع نهاية الحرب العالمية الثانية قام الإتحاد السوفياتي بالاستيلاء على جزر الكوريل، و إلى اليوم، ترفض روسيا إعادتها إلى اليابان.
تركت تلك الحرب اليابان مهزومة شر هزيمة؛ فالكثير من المدن اليابانية تحولت إلى أنقاض، والصناعات اليابانية تحطمت، واحتلت قوات الحلفاء اليابان. غير أن مهارة الإنسان الياباني عملت بشكل دؤوب للتغلب على آثار الحرب. واستطاع الاقتصاد الياباني أن يحقق تقدمًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، فمع منتصف الخمسينيات، عاد الإنتاج الصناعي إلى مستواه قبيل الحرب، وأثناء الفترة من 1960 إلى1970م، كان الإنتاج الاقتصادي ينمو بمعدل 10% سنويًا. ويعود الفضل في هذا النجاح السريع إلى عدة أسباب منها: استيراد اليابان للتقنية الغربية بأسعار رخيصة نسبيًا، والاستثمار الكبير في الآلات والمعدات، وتركيز اليابانيين على إنتاج سلع للسوق العالمية، وتمتع اليابان بقوى عاملة مدربة بشكل جيد، وتعمل بجدية متناهية. علاوة على ذلك، فقد نمت التجارة الدولية بشكل متسارع بعد الحرب مما مكن اليابان من استيراد الخامات التي تحتاجها، وتصدير السلع الصناعية المتنوعة. كما ارتفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان بعد الحرب، فزاد استهلاكهم من الأجهزة الكهربائية.
مع نهاية الستينيات من القرن العشرين الميلادي، أصبحت اليابان قوة صناعية عظمى. وغدت تتمتع بأعلى معدل نمو اقتصادي بين الدول الصناعية الرئيسية في العالم. وقد لفت النجاح الاقتصادي الياباني أنظار العالم إليه. فخلال ما يزيد على قرن من الزمن، واليابان تتعلم من الغرب الأفكار والتكنولوجيا. وفي الثمانينيات من القرن العشرين، أصبحت الدول الأوروبية تطمح في أن تتعلم من اليابان لتحسين اقتصادياتها. وبالرغم من النجاح الاقتصادي، إلا أن اليابان تعاني من بعض المشكلات منها: النقص الكبير بالمساكن، وتلوث البيئة الحضرية. كما يضغط الحلفاء الغربيون على اليابان لتزيد من إنفاقها العسكري، ولتؤدي دورًا أكبر في الترتيبات الأمنية في المنطقة. يستند الازدهار الاقتصادي لليابان على تصدير السلع المصنعة مقابل استيراد الخامات. ومنذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وشركاء اليابان ينتقدون سياستها التجارية، لما تلحقه من أضرار باقتصادياتهم. ولتحسين علاقاتها التجارية بهم، وافقت اليابان عام 1981م على الحد من صادراتها من السيارات لكل من كندا، والولايات المتحدة وألمانيا، وخفضت من بعض قيودها على الواردات. وفي سبتمبر 1992م، أرسلت اليابان وحدات من قواتها لتنضم لبعثة الأمم المتحدة التي عملت على حفظ السلام في كمبوديا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق