الأربعاء، 16 فبراير 2011

الحمد الله على السلامة يا مصر "بحبك وحشتيني"؟!

جريدة الشرق
2011-02-16

اختلفت مواقفنا في الأزمة: البعض مع النظام والآخر مع نبض الشارع!
هل يتم سرقة النصر من قبل أصحاب الأجندات والمصالح الضيقة؟
مصر على مشارف تحديات كبيرة فالثورة هي الخطوة الأولى نحو الانطلاقة
ضرورة ربط الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والتعامل معها كوجهين لعملة واحدة

سيف الله مصطفى (16) سنة، حسين طه 19 سنة، كريم أحمد رجب: 20 سنة، عمرو غريب: 25 سنة، حمادة لبيب30 سنة، وسالي زهران، وأكثر من ثلاثمائة شهيد ونحو أربعة آلاف جريح، يعود لهم الفضل الأكبر في تحقيق هذا النصر الكبير الذي حققته الثورة المصرية، التي انطلقت في ميدان التحرير سابقاً ميدان الشهداء حاليا! هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين خطفوا أبصارنا واستولوا على قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وعواطفنا من المحيط إلى الخليج. كنا ننام على آخر خبر يأتي من ميدان الثورة، ونصْحوا في اليوم التالي على أول صورة تحدثنا عنهم وعن أوضاعهم في القنوات الإخبارية العربية والأجنبية، كان الجانب الخاسر يخاف منهم، ونحن كنا نخاف عليهم وندعو لهم بالأمس أن تنتصر الثورة بهم. وها نحن اليوم ندعو أن ترقد أرواحهم الطاهرة بسلام فدماؤهم النقية لم تذهب هباء منثوراً، لقد أعادت الأوطان إلى شعوبها وحررتنا من قيود خوفنا الأزلي في العالم العربي والإسلامي؟!
اختلفت مواقفنا في الأزمة، منا من وقف مع رأس النظام بشكل صريح وقاطع وهاجم الثورة، وطالبه بالبقاء في السلطة وعدم الرحيل، لأن النظام كان يسانده في المواقف السياسية والأمنية والمخابراتية التي تخدم مصالحه الخاصة، وتجعله يستمر في السلطة إلى اجل غير مسمى. والبعض كان يخاطب وده نتيجة المصالح الاقتصادية التي مهدت له بناء الشركات والدخول في اتفاقيات مشتركة اقتصادية وتجارية حصلوا فيها على أراضي الدولة لبناء المجمعات والعمارات والفلل بأرخص الأثمان. والبعض الآخر تعود على قضاء إجازته بين رفقائه في النظام والمحسوبين عليه في تبادل لحظات (الأنس والفرفشة). بينما تبنت شريحة المواقف الأخرى.. نبض الشارع.. ومطالب المتظاهرين بالحرية والديمقراطية.. وضد محاولة كسرهم وقمعهم بالحرب الإعلامية التي شنها النظام وأزلامه في نشر الأكاذيب والادعاءات والافتراءات، وللأسف انضمت لهذه الجوقة الخاسرة بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية وفي بعض الدول الخليجية.. في محاولة بائسة لتصفيه حسابات وأجندات رخيصة والنيل من الثورة والقضاء عليها، ولكنه لا يفلح الماكرون؟! وهنيئا لكل أصحاب المواقف الشريفة الصادقة التي رفضت أن تمسك العصا من المنتصف، واتخذت موقفها المساند كليا للثورة وشبابها، وتعرضت للوقف والطرد كما حدث لبعض القنوات الفضائية العربية والعالمية ومراسليها، وفي الهجوم والنقد والتجريح للكتاب والمثقفين وأصحاب الرأي في الصحف والمنتديات الالكترونية.
من ناحية لا أخفي توجسي من المحاولات العديدة التي بذلت وستبذل لسرقة الثورة الشعبية من قبل أصحاب الأجندات والمصالح الضيقة التي ترفع الشعارات الوطنية المزيفة والقومية البائدة والحزبية الضيقة والدينية المضللة. لقد كانت ثورة ميدان تحرير الشارع بلا قيادات ولا رموز ولا حسابات. حتى الذين حاولوا ركبوا الموجة من القيادات التقليدية والحزبية كانوا يتركون هامشاً لمعاودة النظر في أي ردة فعل تنطلق من وسط الميدان، الكل كان ينظر ويترقب الخطوة القادمة من الشباب الثائر في الشارع لكي يطرح موقفه سواء في السلطة والحكومة المعينة، وحتى مناصرو الثورة ومؤسسة الجيش. رغم ذلك فإن إيماننا بإرادة الشعب المصري كبيرة، فهناك وعي يتدفق في عروق جيل جديد أدى.. أشعل الثورة والتحمت به الجماهير والنخب المؤمنة بالتغيير.. وهو قادر على صناعة المستقبل والتدخل في الوقت المناسب لوقف أي محاولات تهدف إلى تجيير أو اختطاف هذا الإنجاز الكبير.
مصر على مشارف تحديات كبيرة، فالثورة هي الخطوة الأولى نحو الانطلاقة، والخطوة الأكبر هي مرحلة إعادة بناء كيان الدولة ومؤسساتها التي تضعضعت مع النظام العسكري الذي شكل طوقاً نارياً حول عنق البلاد لأكثر من 60 سنة، ومع الانفتاح الاقتصادي الهش في عهد الرئيس السابق الذي أدى إلى تجزئة الاقتصاد المصري. فالديون المصرية تبلغ تريليون ومائة مليون جنيه، وتخسر مصر أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً نتيجة للنشاطات المالية غير القانونية والفساد الحكومي، وبلغت الخسائر 57 مليار دولار بين عامي 2000 و2008، وفقاً لمؤسسة النزاهة المالية العالمية (Global Financial Integrity — GFI). قناة السويس شركة خاصة لا أحد يعلم كيف تدار وأين مواردها، ومن الذي كان يحصل على هذه الموارد، رغم أنها في أقل التقديرات تحقق موارد قدرها 3 مليارات دولار سنوياً، وفى تقديرات أخرى أنها 6 مليارات دولار. ولا توجد معلومات كافية حول حجم صادرات البترول المصري، والمخزون الاحتياطي، والأراضي الزراعية، والمصانع التي تم تخصيصها. وتخسر مصر مليارات الدولارات سنويا بسبب تصدير الغاز لإسرائيل وعقد اتفاقية الكويز التجارية معها. يوجد فيها 180 ألف قضية فساد إداري سنوياً وأكثر نسبة أمراض الفشل الكلوي والكبد الوبائي والسرطان في العالم، ويتم ري أراضيها الزراعية بمياه الصرف الصحي والمجاري ويأكلها الشعب ويصاب بالأمراض الفتاكة. لا يزال في أم الدنيا 1179 منطقة عشوائية، يوجد بها 25 مليون فرد يعيشون في مجاعة، ويعاملون بشكل غير إنساني، بلا خدمات أو مرافق أو أمن أو استقرار. ويكثر فيها ضحايا حوادث الطرق بنسبة تفوق ضحايا الحروب، إضافة إلى انتشار الفقر المرض والتطرف والأمية. والخوف أنه بعد نجاح الثورة وفرضها واقعاً جديداً على الأرض، أن يفر عدد كبير من رجال الأعمال إلى الخارج بثرواتهم التي بنوها من بيع الاقتصاد المصري، والتربح من عرق المواطن المصري البسيط؟!
الثورتان المصرية والتونسية قبلها رسختا ضرورة ربط الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والتعامل معها كوجهين لعملة واحدة في العالم العربي من المحيط الخاثر إلى الخليج الخادر، فهي تعتبر العامل الرئيسي في جلب السلام والاستقرار. على الرؤساء والحكام والأمراء والأنظمة السياسية العربية القيام بإصلاحات جذرية الآن وليس أمس، أهمها رفض التوريث ووضع مدة زمنية محددة للأشخاص الذين يتولون الحكم.. والعمل على وضع آلية في التداول السلمي على السلطة، وفصل حقيقي بين السلطات ورفض السيطرة عليها من سلطة واحدة، وهي التنفيذية. وتعزيز ثقافة العدل والمساواة والشفافية والمساءلة والمحاسبة، واحترام كرامة المواطن وحقوقه وعلى الأخص حرية الرأي والتعبير وتشكيل الجمعيات والأحزاب والمشاركة السياسية، إن التأخير في الدخول في طريق الإصلاحات الجدية يولد احتقانات قابلة للانفجار في أي لحظة، شاهدناها انفجرت في اقل من شهر في تونس بعد 23 سنة قمع وسجون وتضيق، وفي أقل من أسبوعين في مصر بعد (30) سنة سيطرة أمنية محكومة بقانون الطوارئ العسكري. وحتى المجتمعات الخليجية المعتمدة على مصادر الريع النفطي والغاز ليست بعيدة عن الانفجار نتيجة الاحتقانات الكبيرة التي تعيشها من تهديدات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية تمس المواطن ومستقبله، وتهديدات خارجية من قبيل الدخول في مواجهات عسكرية مع المفاعلات النووية الإيرانية لإعادة صياغة الأوضاع الأمنية في المنطقة والتعرض لخطر الإرهاب وخلاياه المنتشرة في شبه الجزيرة العربية. في الختام نقول: عليكم بالإصلاح والإصلاح والإصلاح يا أولي "الألباب" أو يا من تملكون القليل منه، لعلكم تفلحون؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق