الأربعاء، 9 فبراير 2011

ثورة اللوتس المصرية.. "أحبها من كل روحي ودمي"

2011-02-09
جريدة الشرق

فشل مواجهة عالم الفيس بوك بغزوة الجمال والحمير في ميدان التحرير
لم يعد بالإمكان الوقوف في وجه التغيير فهو خارج السيطرة الحكومية
القطار المصري السريع غادر المحطة.. فمن يكون القطار القادم؟

حاولت بكل ما استطعت من قوة وجلد، لكني فشلت في وقف الدموع من أن تنهمر من عيني وبغزارة، وعلى عجل كفكفتها، فالوقت ليس للدموع بل لكتابة تاريخ. لقد كان موقفا فريدا من نوعه لم أشاهد مثله من قبل في جميع المظاهرات التي قدر لي مشاهدتها أو حضورها. كنت حاضرا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي جلبت الرجل الأسود للبيت الأبيض (2008)، وشهدت المظاهرات المناوئة لسياسة المحافظين الجدد والحزب الجمهوري التي استخدم فيها الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين، الأمر الذي أصابنا بالتهييج في العين والأنف والفم لعدة أيام وما زالت حية في الذاكرة. وكنت حاملا آلة التصوير الخاصة بي لتسجيل وقائع المظاهرات الطلابية والنقابية قبل عدة أشهر في لندن (2010) احتجاجا على رفع الرسوم الجامعية وخفض الإنفاق الذي يطول قطاع التعليم العالي وقطاعات أخرى، وهي بدورها شهدت أعمال عنف وتكسير وتراشقا وضربا ومهاجمة سيارة ولي العهد البريطاني حيث تم كسر نافذة سيارته الرولز رويس ورشقها بالدهان، لكن منظر المتظاهرين في شوارع القاهرة وهم يستقبلون القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه بالركوع والسجود في (2011)، لهو مشهد رهيب وجليل في الوصف والتحليل، لقد دقت ساعة التغيير في مصر بعد تونس وهاهو تأثير أحجار نظرية الدومينو (Domino Theory) تقوم بصناعة تاريخ جديد في المنطقة التي اعتقد الجميع أنها كانت عصية على الحراك والتغيير في الوقت الحالي وانأ احدهم!
الكل كان يعتقد أنها سحابة صيفية تشابه سابقاتها من السحب العابرة لا تحمل في طياتها لا برقا ولا مطرا، وكانت المفاجأة صادمة ومدوية احتلت قلوب وعقول العالم، تراجعت خلفها كل الأخبار العالمية بلا استثناء. وحاول العديد من العربان ولا يزال من خلال وسائل الإعلام الحكومية المتخلفة والصحف البائدة أن يقلل من تأثيرها ومفعولها وانتشارها والهجوم عليها والطعن في شرعيتها مستخدما حتى الدين والفتاوى الأزهرية من قبل علماء السلاطين والمتاجرين بالدنيا والآخرة، ولم يزدهم ذلك إلا خسارا. لقد تطرقت صحيفة "إيلاف" إلى أهم عشرة مكاسب تحققت خلال أيام معدودة من عمر الثورة الشبابية المصرية منها استعادة المصريين الثقة في أنفسهم، وكسر حاجز الخوف من الأجهزة الأمنية القاسية، إلغاء تمديد الحكم للرئيس، القضاء نهائياً على سيناريو توريث الحكم لابن الرئيس، إقالة الحكومة الحالية، تخفيف قبضة الحزب الوطني على السلطة وتفكيكه، فك الارتباط بين رأس المال والسلطة، قبول الطعون على انتخابات مجلس الشعب، استمرار الدعم على السلع الغذائية والمواد البترولية، احترام أجهزة الأمن للمواطنين، وعودة شعار الشرطة في خدمة الشعب، محاكمة بعض رموز الفساد والقمع ومنهم رجال الأعمال ووزراء سابقون.
العديد من الرؤساء العرب وصلوا إلى الحكم في بلدانهم لا يملكون إلا رواتبهم العسكرية المتواضعة وهم الآن يحصدون ثمار استمرارهم في السلطة لعدة عقود بعد أن حولوها الى "جمهولكيات" وراثية. صحيفة الغارديان البريطانية (The Guardian) قدرت بأن ثروة عائلة الرئيس المصري، يمكن أن تصل إلى 70 مليار دولار أمريكي (أو ما يعادل 43.5 مليار جنيه إسترليني) فيما يعيش نصف الشعب المصري تحت خط الفقر، وأن جزءا كبيراً من ثروته يوجد الآن في بنوك بريطانية وسويسرية أو في صورة عقارات يملكها في كلٍ من لندن، ونيويورك، ولوس أنجلوس، وكذلك على امتداد مساحات باهظة الثمن من ساحل البحر الأحمر. يذكر أن الرئيس المصري عاصر 9 رؤساء اسرائيليين، 3 فرنسيين، 5 أمريكان، 12 رئيس وزراء بريطاني، 4 مستشارين ألمان، 3 ملوك سعوديين، أميرين قطريين، ملكين بحرينيين، رئيسين إماراتيين، ملكين أردنيين، رئيسين سوريين، رئيسين فلسطينيين، رئيسين جزائريين، و8 بطولات كأس عالم و28 بطولة دوري ممتاز مصري وهو لا يزال يطمح الى أن يكمل ولايته إلى آخر يوم!
شعارات مدوية حضارية رفعت في الشوارع المصرية "ارحل"، "الشعب يريد إسقاط النظام" "التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية"، واختفت الشعارات الأيديولوجية القومية والدينية المستهلكة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، "الموت لإسرائيل وأمريكا والإمبريالية العالمية"، "معاً لتحرير فلسطين والعراق"، ولم تشاهد حتى اليافطات التقليدية المسجلة باسم جماعات الإخوان المسلمين "الإسلام هو الحل" أو شعارات "القرآن دستورنا". مما دل على الوعي المغاير في استيعاب القضايا الوطنية المصيرية والشأن العام والظروف الحياتية ومشاركة اكبر عدد من الناس في التظاهر بغض النظر عن هوياتهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والمذهبية. القادة الحقيقيون في هذا التغيير هم الشباب غير المنظمين حركياً الذين شكلوا الكتلة الأكبر بين صفوف المحتجات والمحتجين وهم استطاعوا أن ينقلوا الوعي والتعبئة والحشد والتجمع الذي تشكل في العالم الافتراضي في مواقع البلوجز، والفيس بوك، والتويتر، واليوتيوب، الى أرصفة الشوارع ووسائل الإعلام وهواتف المواطنين على شكل رسائل يومية. واعتقد النظام الفرعوني انه قادر في زمن العولمة على أن يمنع الماء والهواء حتى تموت الثورة في مهدها من خلال قطع الانترنت والبريد الالكتروني وتعطيل شبكة الهواتف والرسائل النقالة ومنع القنوات الإخبارية ومنها الجزيرة من عرض الحقائق والوقائع على الأرض، وهو الأمر الذي فهمه الرئيس التونسي قبل هربه بدقائق بعد فوات الأوان، وهي الحقيقة الكبرى التي لم يستوعبها بعد معظم القادة العرب في العالم العربي أنه لم يعد بإمكانهم الوقوف في وجه التغيير فهو خارج سيطرتهم، كانت أكثر اللحظات سخرية في المشهد (الغزوة الكبرى للنظام) مواجهة عالم (السوفتوير) متمثلا بشباب الفيس بوك، بالبلطجية الذين يعيشون عالم الجمال والبغال والحمير وكانت المواجهة في موقعة ساحة الوطيس في ميدان التحرير وكانت الجحافل تلوح بالسيف والكرباج والشوم تبتغي النصر المبين وما هي الا دقائق حتى انهزمت شر هزيمة وتراجعت حاملة أذيال الخيبة وحيواناتها! لقد كانت الحادثة معبرة مثلت حجم الهوة التي تفصل بين عالم مستر جونز في مزرعة الحيوان (Animal Farm) التي عبر عنها جورج اورويل (George Orwell) وبين العالم الحديث والحضارة والعولمة ووسائل التكنولوجيا.
حكاية طريفة تروى عن الجنرال فرانسيسكو فرانكو (Francisco Franco) الذي تولى حكم اسبانيا بنظام ديكتاتوري أتاح له حكم البلد بيد من حديد، وأطلق على نفسه لقب "الكوريللو"؛ ومعناه القائد، وهو وصل إلى السلطة بعد الحرب الأهلية الإسبانية حيث قام بانقلاب عسكري ضد حكم الجبهة الشعبية الذي كانت إسبانيا تحت حكمه وكانت تتكون من حكم الديمقراطيين والاشتراكيين وقد قاومت الجمهورية الإسبانية الثانية هذا الانقلاب ومن هنا بدأت الحرب الأهلية الإسبانية، وبلغ عدد ضحاياها مليونا من البشر. وانتهت هذه الحرب بانتصار الجنرال فرانكو بمساعدة أساسية من هتلر وموسوليني. وهو مشهور عنه انه كان يعين كل أعضاء البرلمان الاسباني "الكارتز" وهو اقامه كمجرد ديكور حتى يقال عنه انه يمارس الديمقراطية واشتهر أيضا بتكميم الأفواه، وملأ السجون بالمعتقلين وكان لا يطيق أن يسمع كلمة (لا). وتحكي الرواية انه حين دخل (فرانكو) في غيبوبة الموت، تجمّع عدد كبير من الشعب الاسباني أمام قصره، وأخذوا يهتفون بحياته. وتصادف أن أفاق الجنرال من الغيبوبة، وسمع ضجّة الناس، فسأل طبيبه هامساً:"ما أسباب هذه الضجّة في الخارج؟" فقال الطبيب: "لقد جاء الشعب الإسباني ليودّعك ياسيدي!". ففتح فرانكو جفنيه في استغراب، وسأل الطبيب: — "ولكنْ إلى أين ينوي الشعب الإسباني أن يسافر؟".
القطار المصري غادر المحطة ولم يعد بالإمكان إرجاع ساعة الزمن إلى الوراء! فمن يكون يا ترى القطار القادم "رقم ثلاثة" الذي سيأتي عليه الدور في التحرك والانطلاق في العالم العربي؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق