الأربعاء، 5 يناير 2011

العرب وأمريكا والتصورات الخاطئة نحو الآخر

العرب وأمريكا والتصورات الخاطئة نحو الآخر!
جريدة الشرق
2011-01-05

الأمريكيون هل أصبحوا أكثر تعصباً تجاه المسلمين والعرب؟!
لم نفعل سوى القليل لمحاربة الصورة الشائعة المتعلقة بالإرهاب أو شيوخ النفط
تضخيم الدور الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة

المحاولات التي بذلت ولا تزال في تغيير الصورة النمطية المتعلقة بالعرب والمسلمين تصطدم دائما بالواقع المزري الذي تعيشه المنطقة من صراعات وحروب ومعارك دينية ومذهبية وغياب للديمقراطية والتداول على السلطة وحرية الرأي والتعبير والعدل في توزيع الثروة وغياب المجتمع المدني وقضايا حقوق الإنسان، بالإضاقة إلى قضايا تعثر التنمية والفقر والجهل والأمية. والإنسان الذي قدر له العيش في هذه الأجواء لابد أن يحاصر نفسه بسياج سميك من نظرية المؤامرة (Conspiracy Theory)، والتصورات السلبية عن نفسه ومجتمعه ومنطقته وبقية أنحاء العالم، وعوضاً من أن ينهض ويعمل ويتحرك ويغير من وضعه ويفرض واقعاً جديداً لحاضره ومستقبله، يصنع شماعة يعلق عليها خيبته وأخطاءه وعجزه وجهله وكسله؟! شماعة يزداد حملها يوماً بعد الآخر يضع من فوقها وتحتها وعن يمينها وعن شمالها، تراجعه وفشله السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعسكري، والديني، والفكري، والثقافي، والتنموي، والزراعي، والإداري، والتربوي، والقائمة طويلة ولا تنتهي!! في هذا العالم المريض يصبح من الصعب التفكير والتأمل وطرح الأسئلة والإجابة العلمية عليها، أبسطها لماذا تنجح المؤامرات في هذه المنطقة مقارنة بغيرها، وما مدى القابلية في الإيمان بالمؤامرة وتمكينها ونشرها وإقناع الآخرين بها؟! ماذا عن المسؤولية وتحمل الأخطاء والنقد الذاتي والقدر على المواجهة والمجابهة والتغيير؟!.
الدكتور جيمس زغبي الناشط العربي الأمريكي ورئيس المعهد العربي الأمريكي اصدر كتابا حديثا أثار الجدل من جديد حول صورة العرب بعنوان "أصوات عربية" وقد اعتمد فيه على استطلاعات الرأي للوقوف على جوانب العلاقة المتأزمة والمتفاقمة بين العرب وأمريكا. واتفق مع الدكتور محمد عرفة في تحفظه على استخدم كلمة أساطير التي استعان بها زغبي في كتابه ومقالاته فهي لا تقدم المصطلح العلمي المطلوب في وصف الحالة في نظرة أمريكا للعرب أو العكس والتعويض عنها بمصطلح أوهام أو التصورات الخاطئة في النظر كل منهما إلى الآخر. لا شك في أن هناك العديد من الجهل وافتقاد المعلومات الضرورية في الحكم على التصرفات والمواقف الظواهر المختلفة التي تبرز على السطح من وقت إلى آخر، وعن أسباب الجهل في النظرة الأمريكية يشير زغبي إلى أن أمريكا تعيش في عالم من الصور النمطية فهي قارة تفصل بينها وبين العوالم الأخرى محيطات ونتج عن ذلك نظرة اختزالية للآخرين، حيث يتم وضع صور الآخر في قوالب نمطية سواء (اللاتينو) القادمون من أمريكا الجنوبية أو الأفارقة أو الفرنسيون أو الأيرلنديون في صور نمطية، وصورة العربي وكذلك المسلم أيضا. ولقد نجح الكثير من الجاليات الأمريكية المهاجرة في كسر معظم تلك الصور النمطية السلبية مثل إن كل الأيرلنديين ليسوا مخمورين، أو أن (اللاتينو) ليسوا كلهم كسالى أو السود ليسوا مجرمين وغيرهم ولكن صورة العرب لم تتغير لأن العرب لم يفعلوا سوى القليل لمحاربة الصورة، بالإضافة إلى ذلك هناك مجموعة معروفة وهي جماعات المصالح "اللوبي"، التي نجحت في ترسيخ ونشر تلك الصورة وهي عالقة في الأذهان فإذا نظرت إلى الثقافة الشعبية تجد أن العربي هو إما الإرهابي أو من شيوخ النفط، نحن نسأل الأمريكيين في استطلاعاتنا ما هو أول شيء يخطر ببالكم عندما تفكرون في عربي؟ إجابتان طاغيتان، النفط والعنف. وهناك تصور آخر يشير إلى إنهم كلهم غاضبون ويكرهوننا فهم ينامون الليل ويستيقظون في الصباح وهم يكرهون أمريكا وإسرائيل ويقضون يومهم في الكراهية، يشاهدون الأخبار في التلفزيون أو يذهبون إلى الجوامع ليستمعوا إلى الوعاظ الدينيين الذين يؤججون ذلك الغضب. ويشاهد الأمريكي في الأخبار شخصاً ملتحياً يرسل شريطاً صوتياً من كهف في أفغانستان ويستمع إليه الأمريكيون ويقولون يا إلهي أنهم العرب! انه شخص يعيش في كهف ويرسل شريط كاسيت؟!
ولكن ماذا عن التصورات النمطية التي تحكمنا في عالمنا أيضا؟! من الأفكار التي عرضها زغبي انه بنفس الطريقة التي تظلل فيها تصورات خاطئة الفهم الأمريكي تجاه العرب، توجد تصورات كثيرة تشوه فهم العرب لأمريكا والشعب الأمريكي. ومنها الاعتقاد السائد لدى العرب بأن عملية صياغة السياسة الأمريكية إنما تتم على نحو تشاوري بالاعتماد على فهم عقلاني للمشاكل المطروحة وإدراك جيد للنتائج المترتبة عليها، والحال أن هذا من الأساطير المضللة التي تفسح المجال أمام ازدهار نظريات المؤامرة. أما الأخرى التي تحظى بانتشار واسع في الأوساط العربية فهي المتمثلة في الدور المبالغ فيه للوبي الإسرائيلي أو الطائفة اليهودية في أمريكا وسيطرتها على جميع مفاصل القوة والنفوذ في الولايات المتحدة، والحال أن الجزء الأكبر من الثروة والنجاح والنفوذ الموجود في أمريكا، حتى وإن كان اليهود قد حققوا بالفعل نجاحات مهمة في جميع مناحي الحياة، تبقى في أيدي الشرائح التقليدية في أمريكا من البروتستانت البيض الأنجلو - ساكسونيين. وهناك تصور أخرى يرى العرب أن الأمريكيين أصبحوا أكثر تعصباً تجاه المسلمين والعرب، وأن أمريكا لم تعد المكان المتسامح الذي يستطيعون فيه ممارسة حريتهم الدينية، والحقيقة عكس ذلك تماماً، فرغم التصاعد الملحوظ في جرائم الكراهية تجاه المسلمين في السنوات الأخيرة، فإن ذلك يبهت مقارنة بتلك التي تستهدف اليهود ومعاداة السامية.
النصيحة التي يقدمها زغبي للعرب والمسلمين هي التأهب والمواجهة، ورفع الأصوات عالياً، وضرورة أن التنظيم والتخطيط وتغيير الواقع وليس التذمر فقط، فالتذمر والشكوى ليسا استراتيجية، الاستراتيجية هي التنظيم من أجل الفوز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق