الأربعاء، 31 مارس 2010

حقوق المرأة في الخليج... صراع بين تيارين

حصول أول قطرية على منصب قاض.. خطوة مهمة في مسيرة المرأة الخليجية
2010-03-31

وضع الخليجيات تغير إلى الأبد.. وعقارب الساعة لا تعود للوراء
إدخال حقوق المرأة في المناهج الدراسية ضروري للخروج من حالة الانفصام
التمييز المنظم في المنطقة لا يزال ينزل بالمرأة إلى مكانة تابعة
البعض يسعى لتأخير التغيير وينتظر عودة المرأة إلى زمن "العلف والخلف"
حصول أول امرأة قطرية في السلطة القضائية على منصب قاض يعد خطوة مهمة في مسيرة مطالبة المرأة في الخليج والعالم العربي بالحصول على حقوقها المشروعة المستحقة. قبل عشر سنوات مضت كنا نخجل ولا يزال الكثير منا اليوم أيضا من ذكر أسماء أمهاتنا، ومنع ظهور الأخوات والبنات في الصحف ووسائل الإعلام وعدم ذكر أسمائهن، خصوصا إذا اقترنت بلقب الأسرة، العائلة، القبيلة الأمر الذي جعل البعض من الأديبات والكاتبات والمثقفات يكتفين باستخدام حروف رمزية أو جزء من الاسم وليس كله أو اختيار الأسماء المستعارة للتعريف بإنتاجهن وإبداعاتهن وإسهاماتهن في الساحة أو التوقف عن الكتابة في بعض الأحيان إذا كشف سرهن؟!.. كنا وما زال العديد منا يعيش ازدواجية وتناقضاً فاضحاً بين التاريخ والجغرافيا، الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، في الوقت الذي نشيد به بالمكانة التي يكفلها الدين والعقيدة للمرأة: (ألا استوصوا بالنساء خيرا)، (رفقا بالقوارير)، (اتقوا الله في نسائكم فإنما هن عوان عندكم)، والقصص والشواهد من النساء العربيات والمسلمات (بلقيس، خديجة، عائشة، فاطمة، زينب، رفيدة) وما تعكسه من مساواة وتكافل وتكامل بين الرجل والمرأة، في حين نرى في واقعنا ألوانا من التخلف والتردي والتجاهل عند الحديث عن حقوق المرأة ووضعها وحاضرها ومستقبلها والتعامل والتعاطي مع مشاكلها وهمومها وقضاياها.. لذا بات من الضروري أن يتم تدريس حقوق المرأة في المقررات الدراسية في جميع الدول العربية وخصوصا دول الخليج لكي نستطيع أن نخرج من حالة الانفصام التاريخية التي تصاحبنا وتؤرق مضاجعنا وتمنعنا من التقدم والسير إلى الأمام.
منذ ما يزيد على العقد كان من الصعب التفكير — ناهيك عن التنفيذ — في أن تكون هناك امرأة خليجية وزيرة أو وكيلة وزارة أو قاضية أو مرشحة برلمانية، كانت الرؤية السلبية المعادية التي يحملها غالبية الناس في الشارع، والكثير من المسؤولين وصناع القرار، ومن أدعياء العلم الثقافة، وأصحاب الفتوى الدينية المتشددة، والقوانين والتشريعات المجحفة، هي التي سيطرت على المشهد وتحكمت به وأمسكت برقبته، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحاول حتى التفكير أو طرح الأسئلة فالتهم والأحكام جاهزة فهو إما عميل، غربي، امبريالي، شيوعي، متحرر، علماني، فاسق، منحل، أو إنسان غافل جاهل ضال خرج عن جادة الصوب وأصبح بحاجة إلى إعادة تأهيل وتذكير وتحذير واستتابه وتكفير عن الذنب (وإلا)!، لكن رغم المحاولات المستميتة التي سعت بقدر المستطاع ولا تزال إلى عرقلة خطوات الدخول في عصر التغيير، فانه لم يكن بإمكانهم أن يمنعوا نور الشمس من الدخول إلى البيت واقتحام حتى اشد الغرف المعتمة والمظلمة، فقد تغير الوضع اليوم والى الأبد وعقارب الساعة لا تعود للوراء.
في السنة الماضية (2009) تم تعيين أول امرأة سعودية في منصب وكيلة وزارة تعليم المرأة، قبلها بعام (2008) شهدت الانتخابات الكويتية حصول المرأة الكويتية على أربعة مقاعد في مجلس الأمة الكويتي، فرغم العقود الطويلة من تهميش الحقوق السياسية تمكنت المرأة الكويتية من الحصول على حقوقها السياسية المشروعة ممثلة بحق الترشيح والانتخاب للمجلس البلدي ومجلس الأمة كأعلى سلطة تشريعية في البلاد. وفي الإمارات أيضا ارتفع في عام (2008) عدد الوزيرات في الحكومة الاتحادية إلى أربع من أصل 22 وزيرا، قبلها تم تعين ثماني نساء أعضاء في الهيئة البرلمانية من النواب العشرين المعينين، ليصبح المجلس الوطني الاتحادي الحالي يضم تسع نساء من بين أربعين عضواً. وفي عمان شهد عام (2007) دخول أربع عشرة امرأة في مجلس الدولة العماني، كما تم في السنوات الخمس الأخيرة تعيين أربع نساء على المستوى الوزاري، ثلاث منهن يحملن حقائب وزارات التعليم العالي، والسياحة والتنمية الاجتماعية، وواحدة هي رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية. وفي المناصب السياسية المهمة الأخرى، توجد في عُمان امرأة واحدة في منصب وكيل وزارة وهي وكيلة وزارة التربية والتعليم، كما تمثل عُمان في هولندا وفي الولايات المتحدة سفيرتان. وبشكل عام فإن النساء في عُمان يشغلن حوالي 5 % من المناصب القيادية، ويمثّلن ما نسبته 18 % تقريبا من القوى العاملة في البلاد. وفي تطور ملحوظ في السنتين الماضيتين، حصلت المرأة العمانية على حقوق مساوية للرجل، وعلى هبات من أراضي الدولة، وتم اعتبار شهادتها مساوية لشهادة الرجل حسب قانون القرائن الجديد. وفي البحرين تعزز الدور الكبير الذي تقوم به المرأة البحرينية في الحياة الاجتماعية والسياسية كوزيرة وعضو بمجلس الشورى من عام (2007)، ويحسب للحركة النسائية البحرينية من (2003 إلى 2010)، ممثلة في المجلس الأعلى للمرأة العمل المستمر بالحملة الوطنية المطالبة بمنح الجنسية لأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي، كما هو الحال مع الرجل البحريني المتزوج من أجنبية الذي يمنح أبناؤه بشكل تلقائي الجنسية كما تحصل زوجته بعد خمس سنوات بشكل تلقائي أيضا على الجنسية.
تشير التقارير الدولية المختلفة إلى أن المرأة في البحرين تتمتع بأكبر درجة من الحرية في منطقة الخليج تليها المرأة في الكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان؛ وتأتي المرأة السعودية بعد ذلك بفارق كبير، حيث تخضع المرأة هناك لقيود كثيرة هي من بين القيود الأشد في العالم. وتكون المرأة قادرة على ممارسة حقوقها الاقتصادية والسياسية على الأرجح، مع التحاق عدد من النساء بقوة العمل والتخرج من الجامعات والمشاركة في المجتمع. وكان تزايد الحقوق السياسية للمرأة أكبر ما يكون في الكويت والإمارات وسلطنة عمان. وأظهرت ثلاثة بلدان تحسنا في كل المجالات وهي الكويت والإمارات وقطر. ومع هذا، لا يزال التمييز المنظم في المنطقة الخليجية ينزل بالمرأة إلى مكانة تابعة.
تبين الدراسات والتقارير الدولية أيضا ان مجموعة من المعوقات والعقبات الرئيسية التي تمنع المرأة في دول الخليج والشرق الأوسط وشمال افريقيا من التمتع بكامل حقوقها القانونية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن بينها (1) التمييز القانوني الذي يضعها في منزلة أقل من الرجل: رغم أن 16 من بين الدول السبع عشرة الخاضعة للدراسة تقر مفهوم المساواة في الحقوق ضمن دساتيرها (باستثناء المملكة العربية السعودية)، كما تواجه المرأة أشكالا مختلفة من التمييز القانوني المنتظم الذي يتخلل كل مناحي الحياة. وتتعرض المرأة في بعض الدول لعقوبات أشد قسوة من العقوبات التي يتعرض لها الرجل في بعض الجرائم. (2) التمييز في قوانين الجنسية والمواطنة: لا تتمتع المرأة بنفس حقوق المواطنة والجنسية التي يتمتع بها الرجل في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. ولا تستطيع المرأة التي تتزوج من أجنبي أن تمنح مواطنتها وجنسيتها إلى زوجها ولا تستطيع أيضا في معظم الدول أن تمنح مواطنتها إلى أبنائها. (3) العنف المنزلي: لا توجد لدى أي دولة بالإقليم قوانين تحظر بوضوح جميع أنماط العنف المنزلي. ويتم إلقاء عبء إثبات ممارسة العنف على عاتق المرأة الضحية بالكامل في حالات العنف المرتكز على النوع الاجتماعي والذي يحد من قدرة المرأة على الإبلاغ عن الجرائم. كما أن هناك قوانين تساند بعض أنواع العنف الموجه ضد المرأة مثل تلك القوانين التي تلغي العقوبة على الرجل الذي يتزوج من المرأة التي اغتصبها. (4) الافتقار إلى المعلومات وغياب الصوت: لا تكون المرأة في الإقليم على دراية بحقوقها إلى حد كبير ويرجع ذلك بصفة جزئية إلى ضعف التعليم وإخفاق الحكومات في المشاركة في حملات التوعية العامة. ولا يتم توعية الطلاب — وخاصة الفتيات — بحقوق المواطنة. وتخفق وسائل الإعلام أيضا إلى حد كبير في تغطية أوجه الظلم التي تعاني منها المرأة. وترى الاتجاهات الثقافية مطالب واحتجاجات المرأة بصفة عامة أيضا على أنها تتعارض مع دور المرأة التقليدي الخانع. (5) التمييز في قانون الأسرة الذي يضعها في منزلة أقل من الرجل: تواجه المرأة في جميع الدول العربية تقريبا تمييزا قائما على النوع الاجتماعي في قوانين الأسرة. وباستثناء بعض الدول، تحيل قوانين الأسرة المرأة إلى منزلة أدنى في إطار الزواج والحياة الأسرية. ويحظى الزوج بالسلطة على حق زوجته في العمل والسفر ويستطيع أن يطلق زوجته في أي وقت من الأوقات دون أي سبب وبدون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم. ويتطلب القانون من المرأة أن تفي بشروط محددة من أجل المطالبة بالطلاق من خلال المحاكم. (6) الافتقار إلى آليات الشكوى: بخلاف مصر، لا توفر حكومات دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا آليات تتقدم المرأة من خلالها بالشكوى ضد التمييز بين الجنسين.
صراع الزمن هو الذي يحكم التغيير في الخليج اليوم ما بين التيار الذي يدفع بمسيرة التغيير ويطالب بحصول المرأة على حقوقها المشروعة التي كفلها لها الدستور والشريعة والقوانين الدولية، وبين تيار الرافض المتشدد المعارض الذي يلجأ لكل الأساليب والحيل لكي يؤخر عملية التغيير بأكبر قدر ممكن من الوقت وينتظر معجزة تعود فيها المرأة إلى زمن العصور الوسطى العربية القديمة الجديدة والي تعيد سبب خلق المرأة إلى (العلف والخلف).
Aljaberzoon@gmail.com

الأربعاء، 24 مارس 2010

حقوق الإنسان في الخليج.. انطباع سلبي ومخيب للآمال

عالم اليوم- الكويت
24-3-2010

لا بد لنا في البداية أن نشيد بالنجاح الذي توصل إليه المسؤولون في قطر والإمارات في التعامل مع أهم ملف تتناوله تقارير حقوق الإنسان في دول الخليج خلال السنوات الأخيرة، من خلال إصدار قوانين صارمة تحظر مشاركة الأطفال في سباقات الهجن “كركّيبة” (Child Camel Jockeys)، وكان أحد الحلول المميزة في اللجوء إلى التكنولوجيا من خلال استخدام إنسان آلي له ذراع يقوم بتحفيز الجمال على الجري بسرعة بدلا من وضع حمولة ليست ثقيلة كانت تتمثل في استخدام (الأطفال) الذين تم جلبهم من بعض الدول في جنوب آسيا وفي شمال وجنوب أفريقيا. بل وحسنا فعل المسؤولون حين تعاونوا مع بعض المؤسسات والجمعيات التي تتبع منظمة الأمم المتحدة أو بعض المؤسسات والجمعيات الخاصة لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال في بلدانهم، ودفع تعويضات لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الاساسية في التعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني والتوعية ليعودوا لاستئناف حياتهم من جديد.
ولقد لعبت الجهود التي بذلتها منظمة اليونيسيف أيضا دورا أساسيا في حل مأساة هؤلاء الأطفال الذين حرموا من طفولتهم من خلال إرجاع المئات منهم إلى بلدانهم الأصلية ، وأظهرت المنظمة في تقاريرها أن معظم الذين شاركوا في سباقات الهجن تم جلبهم بطرق غالبيتها غير شرعية، من دول مثل بنغلادش وباكستان والسودان وموريتانيا، ووفقا لتقارير المنظمة، فقد كانت حال هؤلاء الأولاد في مزارع الجمال سيئة للغاية، إذ كانوا يمنعون من الأكل بكثرة، وذلك للحفاظ على معدل معين لوزنهم، ولتسهيل حركة الجمال في السباق. علاوة على إمكانية سقوط هؤلاء الأطفال من على ظهر الجمل، مما قد يعرضهم لخطر الإصابة أو الموت أو الأمراض ذات العاهات المستديمة، خاصة تلك التي تصيب الظهر والعمود الفقري نتيجة ربط الطفل بحبل على ظهر الناقة حتى لايسقط وهي تجري. والمفارقة أنه بعد أن حلت الأزمة في دول الخليج عادت لتظهر في مصر وبالتحديد في محافظات الشرقية والإسماعيلية وسيناء من خلال استخدام الأطفال والصغار في سباقات الهجن بل هاجم المنظمون في مهرجانها الأخير الذي اختتم قبل مدة منظمات حقوق الإنسان لرفضها مشاركة الأطفال في السباق؟!
والتحدي الذي يطرح نفسه اليوم بقوة ويدعونا إلى التعامل معه بنفس الطريقة يتمثل في إزالة الصفحات السوداء في التقارير الدولية السنوية التي تتناول أوضاع حقوق الإنسان في دول الخليج، سواء تلك الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، أو عن وزارات خارجية بعض الدول. وعلى الرغم من الإشادة بالتحسن الذي طرأ في التعامل مع قضايا الاتجار بالبشر و استغلال العمالة أو الإساءة لها، مثل فرض بعض الغرامات أو إغلاق شركات التوظيف أو إصدار الأوامر لأرباب العمل بإعادة جوازات السفر المحجوزة أو دفع الأجور المستحقة، إلا أن بعض دول الخليج والدول العربية أيضا مازالت موجودة في القائمة السوداء الخاصة بالاتجار في البشر. كما أن الانتقادات لا تزال توجه أيضا لبعض الحكومات في ما يتعلق بتعزيز الرقابة على الجمعيات والهيئات الخيرية إضافة إلى عدم تفعيل قوانين وتشريعات صارمة لجهة مكافحة وتمويل عمليات غسيل الأموال. وبالرغم من المساهمات السخية التي تقدمها بعض حكومات دول الخليج للمنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل (مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين) إلا أن التناقض يكمن في ان هذه الحكومات لم تتعاون مع معظم جهود المفوضية لتوفير الحماية والمساعدة للاجئين واللاجئين العائدين وطالبي اللجوء ومن ليست لديهم دولة أو غير محددي الجنسية أو ما يطلق عليهم بـ «البدون» وغيرهم. وقد أشارت تقارير مثل تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير إلى أن استمرار مشكلة غير محددي الجنسية “البدون” (الذين تتجاوز إعدادهم المائة ألفاً موزعين على دول الخليج واغلبهم يعيش في الكويت)، دون حل يجعلهم عرضة للتجنيد الإرهابي من قبل المتطرفين.
من جهة أخرى فإن القانون ينص على عقوبات جنائية للفساد الرسمي في دول الخليج، غير أن الكثير من المسؤولين لا يقومون بتنفيذ القانون بكفاءة، ويقوم المسؤولون أحيانا بممارسة الفساد من دون التعرض للعقوبة. وهنالك نسبة تعادل 20 في المائة من المشاركين في استطلاع قامت به مؤسسة الشفافية الدولية في بعض دول الخليج، ادعت أنها دفعت رشوة أو اعتمدت على معرفة شخص ما في حدود الأسرة أو العائلة والقبلية خلال العام الماضي؟!
وعن المجتمع المدني تشير التقارير إلى أن بعض الدول الخليجية تسمح بوجود المنظمات والجمعيات غير الحكومية (جمعيات النفع العام)، ولكنها مازالت ترفض الترخيص بتأسيس مثل هذه الجمعيات، كما أنها تحظر على هذه الجمعيات ممارسة العمل السياسي العلني. كما تسمح تلك الحكومات لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بزيارة البلاد وإقامة مكاتب لها، ولكن لا توجد من بينها منظمة تعمل في الداخل وتقوم بنشر تقارير دورية داخلية أو إقليمية عن أوضاع حقوق الإنسان؟! ومع أن القوانين تحظر التمييز على أساس العنصر أو الدين أو الإعاقة أو اللغة، ولكن في واقع الأمر فان بعض الدول الخليجية لا تنفذ القوانين في مجال التمييز بصورة متوازنة وثابتة، وهنالك عدد من القوانين واللوائح تميز ضد المرأة وغير المواطنين والعمالة المنزلية. ومازال العنف الموجه ضد المرأة يمثل مشكلة خطيرة لا يتم الإبلاغ عنها. وقد وجدت المئات من حالات الاغتصاب، والعديد من الضحايا من خادمات المنازل، وتعتقل الشرطة بين الحين والآخر من يتهمون بارتكاب الاغتصاب، ويقدم العديد منهم للمحكمة، غير أن القوانين الخاصة بالاغتصاب لا تنفذ دائماً بكفاءة. وعلى الرغم من أن المرأة الخليجية تمثل نصف المجتمع وتتمتع ببعض الحقوق السياسية والاجتماعية، ولكنها لا تتمتع بالحقوق ذاتها، كالرجل في ما يتعلق بقوانين الأسرة والملكية أو في النظام العدلي، كما أنها ما زالت تواجه التمييز في العديد من المجالات.
إن المراقب للتقارير الدولية المختلفة التي تتناول رصد الأوضاع في المنطقة العربية والخليجية بشكل خاص سيلاحظ أن المشهد الذي تطرقنا إلى جزء منه يكاد يتكرر كل عام، وإذا أضفنا إلى المشهد رصد الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية لخرجنا بانطباع سلبي وباهت ومترد ومخيب للآمال عن الوضع الذي يعيشه الإنسان في هذه البقعة من العالم إذا ما قارناه مع أوضاع الدول الأخرى المتقدمة التي يتشارك معها في مستوى المعيشة المادية والرفاهية (luxury) والدخل السنوي (Annual Income). لذلك فإن المطالبة بالإصلاح والتغيير في أوضاع حقوق الإنسان لم تعد دعوة ترف بل باتت ضرورة ملحة يجب وضعها على سلم الأولويات الوطنية، وهي لم تعد شأنا داخليا بل غدت شأنا دوليا عالميا. إن العرف الدولي الذي بات يترسخ والمفهوم العالمي عن حقوق الإنسان أعطى الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية المعنية حق التدخل في هذه القضايا الإنسانية المختلفة، ويجب على دول الخليج أن تعالج المشاكل والقضايا العالقة من الداخل وعدم الانتظار والتأجيل وترحيل الملفات وتجاهل الملاحظات والانتقادات حتى لا يأتي اليوم الذي قد يفرض فيه عليها التغيير من الخارج. وعلى دول الخليج أن تقبل وتتعامل مع الاتجاهات والمفاهيم والممارسات الحقوقية الدولية إذا أرادت أن يكون لها موطئ قدم وقيمة حقيقة في هذا العالم.

الأربعاء، 17 مارس 2010

بطولة العالم للمناظرات

2010-03-17
المناظرات تسهم في الخروج من عقلية التفكير بالقرون الوسطى ودخول عصر التنوير
واقع دول العالم العربي مزرٍ ومتأخر ومتخلف كثيراً عن نظيره في الدول الأخرى
التحدي يكمن في استخدام اللغة العربية وتفعيل آليات التنظير بها
رغم خروج الدول العربية مبكرة من المنافسة في بطولة العالم لمناظرات المدارس التي احتضنتها الدوحة منذ مدة بمشاركة "57" دولة، حيث جاءت الإمارات في المركز الـ"27"، وقطر"32"، والكويت "34"، والسودان "38"، وفلسطين في المركز قبل الأخير "56" وهو المتوقع أصلا، لم أتوقع أكثر من ذلك في ظل معاناة زرع بذور الديمقراطية في الصحراء العربية؟! مع ذلك لم أتحمس إلى مشروع في
السنوات الأخيرة في مجتمعنا القطري، بقدر حماستي اليوم إلى مشروع نشر المناظرات في المدارس والجامعات وفي قطاعات المجتمع المختلفة. للأسف أن أغلب المشاريع المطروحة اليوم على الساحة السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية وبالأخص الاجتماعية تعتمد على التهويل والإثارة والترويج الزائف الذي تسمع طنطنته في وسائل الإعلام (التي تحولت إلى وسائل إعلان) ولا نرى طحينة، لذلك أنصح القائمين على المشروع في مركز مناظرات قطر من بعدم الانجراف نحو التلميع والظهور في وسائل الإعلام دون رسالة واضحة وهدف محدد، حتى لا يحرقوا أنفسهم، ويفقدوا مصداقيتهم، ويزيدوا من أعداد المتصيدين لأخطائهم؟! من الأفضل أن يجعلوا ثمار إعمالهم تدل عليهم، وبها يتعرف البعيد قبل القريب على مدى أهميتها وقيمتها في الحاضر والمستقبل، وحسنا فعلوا أن قاموا في التعامل مع التحدي الأكبر وهو اللغة العربية من خلال خلق قاعدة بيانات لمساعدة مدربي المناظرات باللغة العربية، للخروج بأساليب وطرق جديدة للتدريب على فن التناظر، فالواقع في دول العالم العربي مزرٍ ومتأخر ومتخلف كثيراً عن نظيره في الدول الأخرى، والتحدي يكمن في استخدام اللغة العربية وتفعيل آليات التنظير بها، وتحقيق التغيير التدريجي في البنية العقلية الداخلية في المجتمعات العربية، وعدم الركون إلى استخدام اللغة الانجليزية فقط، الذي قد يؤدي إلى غاية التلميع في الخارج والتزلف إلى الآخر؟!
تعود بي الذاكرة إلى الوراء إلى سنوات الدراسة في الغربة ودخولنا عالم المناظرات الساحر، الذي تعلمنا منه الكثير، وكان له الفضل في بناء وعينا وتشكيل ملامح شخصياتنا، وما زالت أذكر حصة مدرسة الأدب الانجليزي التي كانت تعتمد فنون المناظرات في توصيل المعلومات والاستيعاب للدروس التي تبدو جافة وصعبة على الفهم والإدراك، وكانت المواضيع كثيرة ومتعددة الجوانب، وليست مقتصرة على الأدب في المواضيع السياسية والفكرية والدينية والثقافية والاجتماعية، ولقد لاحظت على بعض التلاميذ (وكنت واحداً منهم) وخصوصا الذين يأتون من خلفيات شرق أوسطية وشمال إفريقية، أنهم يحملون أفكارا مسبقة، وإجابات جاهزة ومعلبة لم تنفض وتغربل، وتوضع في ميزان التمحيص والتفكيك والنقد، بل ويصدق عليها وصف الآية (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون)، لذلك عمدت بذكاء أن تجعلنا نقوم بطرح القضية والدفاع عنها بالأدلة والبراهين والحجج في الأسبوع الأول، ونعود في الأسبوع الذي بعده لنقوم بمهاجمة القضية نفسها والنيل من المؤيدين لها بالأدلة والبراهين والحجج، ويا له من أسلوب في التعلم لم نعرف قيمته إلا بعد أن كبرنا، فلقد كنا دائما ننتقد أسلوبها ذاك، ونطلق عليها لقب (المتناقضة)، مر علينا الكثير من المدرسين بعدها، لكنها ظلت هي المتربعة في الصدر والمحفورة في الذاكرة، لقد علمنا أسلوبها الطريقة السليمة في معرفة وتفهم الرأي الآخر، وعرفنا معنى التسامح والقبول للمخالف وضرورة عدم الحكم على الأمور من الخارج بل التأني في النظر إليها ودراستها والتوصل إلى حلول وعلاج للمشاكل والأزمات بدل إصدار الأحكام الجاهزة والحلول السريعة، أو محاولة التهكم على الآخرين والسخرية من أفكارهم ومعتقداتهم، واتباع سياسة العزل والتهميش والنفي والتكفير لرأي الآخر المختلف؟! والتعرف بحق عن المعنى العميق الذي تحمله مقولة فولتير "قد أختلف معـك بالرأي، ولكنني أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعـبير عـن رأيك"، وحكمة الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". أو في المقولة الحديثة عندما ننظر للكأس هل نرى النصف الممتلئ أو النصف الفارغ (Glass Half Full or Half Empty)؟.
كان عندما يطرح موضوع الأديان أناصر إنا المسلم، المسيحية ورسالتها، ويناصر زميلي المسيحي رسالة الإسلام وسماحته، والزملاء الآخرون يتحدثون عن اليهودية، والبوذية، والهندوسية، لنعود في الأسبوع الثاني ونتبادل الأدوار، وعندما نتطرق إلى المذاهب والطوائف والملل والنحل، البعض يأخذ البعض جانب السنة، والبعض يتناول الشيعة، ويتوزع الآخرون مابين الكاثوليك ، والبروتستانت، والمورمن، وهكذا في المسائل الآخرة التي تدور حول الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والتربية والفلسفة والأدب والإعلام ؟!
يشير تقرير (بان أراب ميديا)، إلى أنه وقبل قرن ونصف، جرت في سنة 1860، أول وأشهر مناظرة في التاريخ الحديث بين عضو الكونجرس "إبراهام لنكولن" الجمهوري، والسناتور "ستيفن دوجلاس" الديمقراطي، وقد كانت سبع مناظرات، بعضها في انتخابات الكونجرس، وبعضها في انتخابات الرئاسة، لكنها وضعت أسس مناظرات الانتخابات الرئاسية، لكن أهمها كان الموضوع الرئيسي الذي تناول تجارة وامتلاك الرقيق، وحسب مناظرات ذلك الوقت، تحدث كل واحد ساعة، ثم نصف ساعة ليرد أحدهما على الآخر، ففي البداية تحدث "دوجلاس" وأثار حماس المستمعين بأسئلته التعبوية مثل: "هل تريدون زنجياً يكون مواطناً متساوياً معكم؟"، وهتف بعضهم: "لا"، وسأل: "هل تريدون زنجياً يملك مزارع مثل مزارعكم وثروات مثل ثرواتكم؟"، وهتف بعضهم: "لا"، ليأتي بعدها "لنكولن" ويركز على بنود حقوق الإنسان والمساواة والحرية في الدستور، وعلى إعلان الاستقلال الذي لم يهضم من الغالبية في بداياته، وسأل: "ألم يخلق الله الناس متساوين؟"، وهتف بعضهم: "نعم"، وسأل: "لماذا لا نلتزم بالدستور وحقوق الإنسان؟"، وهتف بعضهم بخجل: "نقدر على ذلك، نقدر على ذلك (Yes We Can)" وهو الشعار نفسه الذي استعان به اوباما ليكون أول رجل اسود يصل إلى البيت الأبيض؟!، ظل "لنكولن" سنتين ـ قبل أن يفوز برئاسة الجمهورية ـ يدخل في مناظرات بالحجج والبراهين ويخسر بعضها ويكسب الآخر في محاولة بناء مفهوم جديد للمواطنة والمساواة وحقوق الإنسان، بغض النظر عن أصله وفصله وعرقه ومعتقداته، ثم بعدها بسنتين قبل أن يأخذ قراره التاريخي في صدور إعلان تحرير العبيد، ثم ثلاث سنوات أخرى قبل أن يعلن الحرب على ولايات الجنوب الكونفدرالية، التي رفضت تحرير العبيد حتى انتصر عليها..
إن استضافة قطر لبطولة العالم لمناظرات المدارس (2010) التي اختتمت منذ عدة أيام تدعو إلى الاعتزاز، ورغم عدم تأهل أي فريق عربي، إلا أن المشاركة بحد ذاتها من قبل الفرق التي قدمت من بعض الدول العربية تعد إنجازاً ورصيداً داعما في الدفع إلى الإمام، أتمنى أن يأتي ذاك اليوم الذي تدخل فيه فنون المناظرات المناهج الدراسية العربية وتدرس في الصفوف والمعاهد وتنتشر في مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام العربية، وتصل إلى العقول والقلوب، وتشكل ثقافة المجتمع العربي ليخرج من ثقافة الرأي الواحد والفكر الواحد والحزب الواحد والزعيم الواحد إلى الأبد؟! ويخرج من التفكير بعقلية بالقرون الوسطى في الغرب ويدخل عصر التنوير، لينقل بعده إلى الحداثة، ويلحق بركب العالم الذي تجاوزه منذ 200 سنة؟!
Aljaberzoon@gmail.com

الأربعاء، 10 مارس 2010

المشايخ..الكنيسة.. وفوضى الفتاوى الدينية

عالم اليوم - الكويت - 10 مارس , 2010

ما يميز شخصيه فولتير (Voltaire)، منذ طفولته القدرة على طرح الأسئلة واستخدام العقل في التفكير وعدم الاعتماد على الإجابات الجاهزة والمعلبة، ويذكر في حادثة انه كان يستمع بإنصات لدروس في عقيدة التثليث على يد أحد القساوسة الذي كان يشرح لتلاميذ الصف الذي يدرس فيه أن الثلاثة هي واحد، وعندما ينتهي مدرس الدين من درسه يأتي الدور على مدرس الحساب ، الذي يبدأ بتدربهم على جمع الأعداد وطرحها، ثم يقوم باختبارهم من خلال طرح الأسئلة، ولما جاء الدور على فولتير سأله المدرس، ما هو حاصل جمع واحد زائد واحد، فأجاب فولتير: إنهما اثنان، فقال الأستاذ حسنا فإذا أضفنا إليهما ثالثا، أجاب فولتير: يصبح الثلاثة واحدا.. ويستغرب الأستاذ من الإجابة ويكرر السؤال عليه مستعينا بوسائل الإيضاح، فلا يغير فولتير من جوابه، وحينئذ لم يجد المدرس بدا من توبيخه، فصرخ فيه قائلا: أنت يا حمار ألا تفهم!، ولكن فولتير الصغير رد بقوة: الحمار هو مدرس الدين يا أستاذ فهو الذي أرادنا أن نؤمن بأن مجموع الثلاثة واحد؟! ليكبر فولتير ويدشن مقولته المشهورة (ان أومن بوجود إله واحد مبني على العقل) وان (إن الذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل، قادرون على جعلك ترتكب الفظائع)؟!
إنها الفظائع نفسها التي نعاني منها في عالمنا اليوم من تكفير وهرطقة وإخراج من الملة وفتوى تخالف مقاصد الدين ومفاهيم العقل وتحظ على التطرف والعنف، وتبيح القتل وإهدار دم الإنسان، مرورا من فتوى زواج الرضيعة، إلى رضاع الكبير، وتحريم تعلم اللغة الانكليزية، وجواز الكذب وشهادة الزور، وجواز نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم وسبي نسائهم، وجواز الدسيسة ضد الشيعة وأصحاب الأفكار المنحرفة لإبعادهم عن التأثير على المسلمين، وقتل أصحاب القنوات الفضائية، وقتل من يبيح الاختلاط في ميادين العمل والتعليم؟!
لفد حدثت صرخة فولتير دويها الكبير في رسائله المشهورة (اسحقوا العار)، ودفعت الكنيسة في القرن الثامن عشر إلى إتباع منهج الإصلاح والتغيير (بروستريكا)، وفتحت الباب لمراجعة 4500 وثيقة من أقبية الفاتيكان تعود إلى عصر محاكم التفتيش، ونفي وقتل الأخر (كوبرنيكوس، جيوردانو برونو)، ومن إصدار (صكوك الغفران) والحكم على الناس من هو الهالك في النار ومن هو الناجي في الجنة (الفرقة الناجية)، وحرق الكتب والمخطوطات بتهمة الهرطقة (الكفر)، وتغيير الفتاوى الدينية في محاربة العلم والفكر مثل دوران الشمس حول الأرض؟! فهل جاء الدور على ديار العربان في القرن الواحد والعشرين أن يراجعوا أنفسهم ويتعلموا من الدرس و(يسحقوا العار).

حل هيئة الأعمال الخيرية انتكاسة لتجربة رائدة

2010-03-10
القرار أثار استغراباً خليجياً وعربياً وإسلامياً في مؤتمر المنظمات الإنسانية بالدوحة
الوفود فوجئت بغياب الهيئة عن مؤتمر تبنته ورعته وبذلت الجهود لنجاحه واستمراره
المجتمع المدني القطري شهد تغييراً سريعاً وفاعلاً خلال السنوات الأخيرة.. فلماذا التراجع؟
لماذا حُولت الهيئة إلى إدارة بدل تحويلها إلى قطاع شامل مستقل؟!

أين الهيئة القطرية للأعمال الخيرية؟!.. كان هذا هو محور التساؤلات التي دارت على ألسنة الوفود العربية والإسلامية، التي اجتمعت على هامش أعمال المؤتمر الثالث للمنظمات الإنسانية بالدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي في الدوحة. وقد كان من المأمول أن يحضر المؤتمر الذي يعقد تحت شعار "معاً من أجل تضامن فعال" الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم اعتذاره فقد حضر ممثلون عن حوالي 70 منظمة إنسانية وخيرية من 35 دولة من الدول الأعضاء في المنظمة. وركز المؤتمر (الثالث) على محورين أساسيين يتعلق الأول بالتعاون بين المنظمات الإنسانية في مجال التأهب والاستجابة للكوارث في العالم الإسلامي، فيما ركز المحور الآخر على تعزيز التعاون بين المنظمات الإنسانية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
المؤتمر يعد أبرز المشاريع التي قامت الهيئة القطرية للأعمال الخيرية برعايتها وتبنيها وبذل الجهود في نجاحها واستمرارها، وهي شهادة جاءت من الرئيس السنغالي الذي استضافت عاصمة بلاده دكار أعمال المؤتمر الأول للمنظمات الخيرية والإنسانية في عام (2008) واعتبر بداية ظهور نظام جامع لمؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية والإسلامية، ليكمل المسيرة بعدها إلى طرابلس (2009) بمؤتمر تشارك فيه أكثر من ثلاثين منظمة يمثلها أكثر من خمسين مشاركاً من نحو خمس عشرة دولة من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتحضره وفود من المنظمة الدولية للهجرة واتحاد الأطباء العرب، ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ليصل الركب إلى الدوحة (2010) ويجد أن العراب (The Godfather) لم يكن موجوداً في حفل بلوغ المولود عامه الثالث، وهو الذي اختير لتعهده منذ ولادته؟!.
لقد أثار غياب الهيئة القطرية للأعمال الخيرية كتجربة قطرية أحدثت أثرا بارزا على المستوى العربي والإسلامي، استغراب وتعجب المشاركين، خصوصا في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتحديد وفود السعودية والكويت والإمارات، وهي الدول التي اطلعت على التجربة القطرية بعمق ودرست واسترشدت بخطواتها، خاصة في تنظيم الأعمال الخيرية والإنسانية التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وبناء الشراكات مع المنظمات والمؤسسات الدولية. وبينما تنتظر بعض الدول الخليجية قرار الموافقة على إنشاء هيئات مستقلة إشرافية وتنظيمية لعمل جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في بلدانها في الأيام المقبلة، إذا بها تفاجأ اليوم بخبر حل الهيئة القطرية وتوزيع اختصاصاتها بما يشبه انتكاسة وارتدادا عن التجربة التي كانت قطر الرائدة في إطلاقها؟! لقد تعاقدت الكويت في الشهر الماضي (فبراير 2010) مع المفوضية البريطانية (Charity Commission)، التي تقوم بالإشراف والمراقبة على أكثر من 200 ألف جمعية خيرية بريطانية وتقوم بإشهار ما يقرب من 15 ألف جمعية خيرية سنوياً، بالإضافة إلى تعاقدها مع مؤسسة الانتراك (INTRAC)، وهي مؤسسة أهلية تدريبية غير حكومية متخصصة بالعمل الخيري والتدريب والتأهيل وبناء القدرات، والمفارقة أن أول توقيع شراكة فاعلة تمت ما بين مؤسسة عربية وإسلامية وبين المفوضية والمؤسسة الأهلية البريطانية قامت بها الهيئة القطرية للأعمال الخيرية؟!.
يعود عمل المنظمات والمؤسسات الإنسانية الأهلية غير النفعيةNGO) (Non - governmental organization) في المجتمع المدني إلى مفهوم مجموعة التنظيمات التطوعية التي تملأ المجال العام بين الأسرة والمجتمع لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف. ومن أهم السمات التي تتمتع بها الثقة والتسامح، والحوار السلمي، والثقافة، والمرونة، ويعتبر تبني هذه القيم واتباع السلوك الأمثل الذي يتوافق معها محور التقدم والتطور الاجتماعي، وهو ما يوفر في النهاية الفعالية في صناعة المجتمع الحضاري المدني. ولايخفى أن مفهوم المجتمع المدني بالعالم العربي، قد بدأ يتبلور كمفهوم استيعابي، سواء على المستوى الفكري والاجتماعي، لدى شريحة واسعة من المهتمين منذ ما يقرب من العقود ثلاثة مضت، وأدى إلى ظهور حراك اجتماعي في البنية الأساسية في المجتمع ينمو يوما بعد يوم، وقبل مدة قصيرة مضت دشنت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، التي يرأس مجلس إدارتها الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود "الموسوعة العربية للمجتمع المدني". والموسوعة التي تعد عملا رائدا ومميزا، تنقسم إلى تسعة فصول، حاول الفصل الأول فيها تحليل المجتمع المدني في إطار الخريطة المعرفية للعالم، واهتمت باقي الفصول بدراسة جذور مفهوم المجتمع المدني، وتحديد المفهوم ذاته، والمفاهيم التنموية والقيمية، التي ترتبط بالمجتمع المدني، والمجتمع المدني العالمي والشبكات، ومكونات الحكم الرشيد، ومفاهيم رئيسية في تشريعات المجتمع المدني والمواثيق الأخلاقية، ومفاهيم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجتمع المدني، وأخيراً تقييم منظمات المجتمع المدني. واكتسب المجتمع المدني مع العولمة أبعاداً دولية واسعة المدى، أدت إلى بروز أدوار مهمة وفاعلة للمؤسسات والهيئات المدنية العالمية، حيث أصبحت تأثيراتها وأدوارها الإنسانية والاجتماعية عابرة للدول والقارات، وحققت إنجازات كبيرة واحتراما عميقا وثقلا تحسدها عليها المنظمات الحكومية وشبه الحكومية الأخرى.
لقد كان التغيير في السنوات العشر الأخيرة في بنية المجتمع المدني القطري سريعا وفاعلا وواسعا، ولم يشهد معوقات أو حواجز مثل الذي تعرضت له المجتمعات العربية الأخرى تحت حجة الهوية والخصوصية والانفرادية، بل على العكس كان الاستيعاب والهضم والمطالبة بالمزيد من الانفتاح على التجارب العالمية الناجحة رغبة رأسية هرمية متوافقة مع الرغبة الشعبية القاعدية، إلا أن المستجدات الأخيرة مثلت انتكاسة وردة إلى الخلف بدل التقدم إلى الإمام والتعلم من الأخطاء وتصحيح المسار، بدءا من فرض القوانين المعوقة والمكبلة والمقيدة لإنشاء الجمعيات مثل القانون رقم (12) لسنه 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة، مرورا بالتعديل على القانون المذكور منذ عدة أيام من خلال زيادة رأس المال المطلوب في التأسيس بحيث لا يقل رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخاصة عن 10 ملايين ريال، وانتهاء بحل الهيئة المسؤولة عن تنظيم وتطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وتحويلها إلى إدارة، بدل أن تتحول إلى قطاع كامل شامل مستقل، وهو ما يعرف بعالم اليوم بالقطاع الثالث (Third Sector)؟!
Aljaberzoon@gmail.com

الجمعة، 5 مارس 2010

المجتمع المدني الخليجي


المجتمع المدني الخليجي: مفارقات سعودية وقطرية
2010-03-03

المملكة تساهم في دعم وتأهيل 500 جمعية.. وجمعياتنا محدودة العدد ومقطعة الأوصال بنص القانون
"الشورى" "غرق الغرقان أكثر" بموافقته على رفع مبلغ تأسيس الجمعيات إلى 10 ملايين ريال!
أين الإشكالية في خريطة الطريق القطرية؟
نطالب بصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخولنا عصر المجتمع المدني ومؤسساته
من الأخبار الخليجية التي شدت انتباهي في الأيام الماضية إعلان صحفي وإعلامي سعودي عن تقديمه بشكل رسمي طلباً لتشكيل جمعية "الرفق بالرجال من تسلط النساء" لوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية، وعن أسباب ذلك أشار إلى أن ما يلقاه الرجال من إهمال الزوجات تحت مظلّة مشاغل المرأة الموظفة أو تحت عذر الاهتمام بالأبناء هو إهمال غير مقبول من فئات كثيرة من الرجال، مشيراً إلى أنّ تهرّب النساء من واجباتهنّ تجاه الرجل لم يعد شأناً فردياً بل أصبح ظاهرة عامة، خصوصاً لما في الاعتماد على الخادمات في تصريف أمور المنزل من سلبيات بالغة. وأضاف أنّ استقلال المرأة مالياً انعكس سلباً على العلاقات الزوجية، حيث لا تساهم الزوجة في مصروفات المنزل في حين أنها تأخذ من وقت منزلها في سبيل عملها، كما أن النساء اللواتي لا يعملن أصبحن يطالبن بخدمات رفاهية لقضاء وقت الفراغ المنزلي كتأمين سائق وسيارة ومصروفات تسوّق، في حين تؤدي الخادمات واجبات الزوجات المنزليّة. كما أشار إلى أنّ العضوية ستقتصر على الرجال بطبيعة الحال، وستكون مجّانية شرط مساهمة العضو الرجل معنوياً وتنظيمياً في رفع التسلط الذي تمارسه النساء على الرجال؟!
وربما جاء التحرك النسائي السعودي بعد هذه الحادثة أكثر نضجاً وقبولا في التعامل مع القضايا المعقدة في المجتمع حين تقدمت مجموعة من السيدات للحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء جمعية اجتماعية جديدة تحت مسمى "مودة" لعلاج قضايا الطلاق. وتهدف الجمعية إلى استباق وقوع الطلاق بعلاج المشكلات المسببة له من خلال لجان تضم31 سيدة ولجنة رجالية تضم محامين وعلماء دين ورجال أعمال وحقوقيين. وقد حصلت الجمعية على موافقة الشؤون الاجتماعية في 17 فبراير 2010 لتكون بذلك أول جمعية سعودية تعنى بقضايا الطلاق قبل وأثناء وبعد وقوعه. وستكون للجمعية النسائية لجنة مساندة من الرجال، وذلك لأن الوزارة لا تمنح ترخيصا لجمعية مختلطة. اللافت في هذه الأخبار وغيرها أنها تدل على أصالة الحيوية والحراك الاجتماعي السريع الذي بدأ يدب في أوصال المجتمع السعودي في مختلف المجالات وخصوصا في مجال المجتمع المدني والمؤسسات المرتبطة، ورغم أنها جاءت متأخرة عن المجتمعات الخليجية الأخرى ومنها مجتمعنا القطري؟!، إلا أنها بدأت تتجذر أكثر في الأرض وتأتي ثمارها وبدأت تسابق الآخرين وقد تسبقهم إذا بقى الحال كما هو عليه دون حراك حقيقي في المؤسسات المدنية في المجتمعات الخليجية الأخرى.
يوجد في السعودية حاليا أكثر من خمسمائة جمعية تساهم الدولة في دعمها وتأهيلها، منها جمعيات للطب والهندسة والجيولوجيا والمحاسبة والاقتصاد والإدارة والصحفيين والأدباء. وكذلك الجمعيات الخيرية وجمعية حقوق الإنسان، وهي جمعيات فاعلة في واقع الحياة، ونشاطاتها بارزة وفوائدها جمة، وقد أقر أعضاء مجلس الشورى السعودي مشروع النظام الجديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية منذ مدة وهو ينتظر موافقة مجلس الوزراء في الأيام القادمة، وهو الأمر الذي يبشر بنقلة نوعية ومهمة تساهم في تطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي المدني السعودي في التنمية الوطنية، لا سيما وأن المشروع يسعى إلى تنظيم وتطوير العمل الأهلي، ويهدف إلى إشراك المواطن في إدارة المجتمع وتطويره، كما ورد في مادته الأولى. وقد عمد المشروع إلى تكوين هيئة مستقلة باسم الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية هدفها تنظيم العمل الأهلي وتطويره وتسهيل مهام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وحمايتها وتذليل الصعاب التي قد تواجهها،
وصنف المشروع الجمعيات إلى جمعيات أهلية، وعلمية، ومهنية، ومؤسسات أهلية، وينشأ لها صندوق باسم (الصندوق الوطني لدعم الجمعيات الأهلية) موارده المالية تأتي مما تخصصه له الدولة في ميزانيتها العامة، وما يمكن أن تخصصه الدولة من دخل مصلحة الزكاة، والصدقات، والزكوات، والهبات، والأوقاف التي تخصص للعمل التطوعي، وأموال التخلص لدى البنوك، وما يحققه الصندوق من عوائد استثمار أمواله، وطبقاً لأحكام مشروع هذا النظام، الذي يتألف من (43) مادة فقد تحددت مهام الهيئة في: وضع السياسة العامة، التي تضمن تنمية وتطوير الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتحقيق أغراضها، والإشراف على نشاطاتها، وتقويمها، وإجراء الدراسات والبحوث في مجال العمل الأهلي، وإضفاء صفة النفع العام على ما تنطبق عليه شروط هذه الصفة، وتتألف الهيئة من: مجلس إدارتها والأمانة العامة، وأعضاء ممثلين عن القطاعات الحكومية هم وزراء: الشؤون الاجتماعية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، والعمل، والمالية، إلى جانب القطاع الخاص، والقطاع الأهلي، والقطاع الأكاديمي والعلمي.
وفي جانب آخر من على محيط الخليج صدمتنا الأخبار الصحفية في مجتمعنا بنقلها موافقة أعضاء مجلس الشورى على بعض أحكام القانون رقم (12) لسنه 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة خاصة ما يتعلق بزيادة رأس المال المطلوب في التأسيس، حيث لا يقل رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخاصة عن 10 ملايين ريال، وهي مفارقة فعلا تدعو إلى الاستغراب، فالقانون الذي ولد شبه عاقر، لم تخرج من رحمه إلا عدة جمعيات تعد على أصابع اليد الواحدة، ليس لها أي دور أو نشاط أو ثقل يذكر في المجتمع، وقد جردت من كل شيء تقريبا وقطعت أوصالها وأطرافها بنص القانون. ومع ذلك يتم الإجهاز على البقية الباقية منه من خلال الموافقة على وضع مبلغ خرافي كشرط للتأسيس "لتغرق الغرقان أكثر"؟، حتى أن التقدم للحصول على سجل إشهار المؤسسات التجارية والاقتصادية التي استنزفت خيرات المجتمع وقت الطفرة وانكشف معظمها في الأزمة الاقتصادية الأخيرة ويواجه أغلبها اليوم قضايا ودعوى أمام المحاكم القطرية لا تصل رسومه إلى خمس هذا المبلغ الخيالي، هل يعلم أعضاء الشورى حقا أن هذه المؤسسات التي أطلق عليها اسم مؤسسات المجتمع المدني أو جمعيات النفع العام أو المؤسسات غير الربحية أو الأهلية تهدف إلى خدمة المجتمع بلا جزاء ولا شكور، وهل يعلم الأعضاء أن نجاحها بدأ ينتشر كالنار في الهشيم من الأقربين في دول الخليج حيث يقدر عددها بالمئات خصوصا في (الكويت والبحرين والإمارات والسعودية)، الى الغرباء الأباعد، حيث أصبحت جزءاً رئيسياً من العمود الفقري في مجتمعات ودول العالم (يبلغ عددها في بريطانيا أكثر من 200.000 وفي أمريكا أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف مؤسسة أهلية (American Non — Profit Organizations).
كيف انقلبت الآية بهذا الصورة الدراماتيكية؟! فبعد أن كنا من أولى الدول الخليجية التي استوعبت ضرورة التغيير في بنية المجتمع وصياغة قوانين حضارية تدفع عجلة الإبداع وتؤصل مبدأ المشاركة، تحولنا إلى مجتمع يصوغ القوانين والأنظمة التي تضع العصي في وسط العجلة وتوقف المسيرة. وبينما يتقدم الآخرون القريبون منهم والبعيدون نصاب نحن بالتراجع والتقهقر، والأدهى والأمرّ أن نضع الحصان خلف العربة ونقوم بجرها إلى الخلف بدل اللحاق بهم.. هل حان الوقت لأن نتصارح، ونتساءل: ما الذي يجري هنا؟ وإلى أين نحن متجهون! وما ذا حدث لمؤشرات البوصلة، وهل هناك إشكالية في خريطة الطريق القطرية؟! هل نخاف من شيء ولذلك نمنعه في الوقت الحاضر قبل أن ينتقل إلى المستقبل؟! والله إنها دعوة غيور على مستقبل البلد، أدعو من خلالها مجلس الوزراء اليوم إلى عدم إقرار اقتراح مجلس الشورى، بل أدعوه إلى وقف العمل بأحكام القانون الحالي العقيم الخاص بالجمعيات والمؤسسات، وصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخول عصر المجتمع المدني ومؤسساته، ما سنقوم بزرعه اليوم سنجنيه غدا، والسؤال هو ما هي طبيعة الثمرة التي نريدها في المستقبل؟!
Aljaberzoon@gmail.com

المجتمع المدني الخليجي

المجتمع المدني الخليجي: مفارقات سعودية وقطرية
2010-03-03

المملكة تساهم في دعم وتأهيل 500 جمعية.. وجمعياتنا محدودة العدد ومقطعة الأوصال بنص القانون
"الشورى" "غرق الغرقان أكثر" بموافقته على رفع مبلغ تأسيس الجمعيات إلى 10 ملايين ريال!
أين الإشكالية في خريطة الطريق القطرية؟
نطالب بصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخولنا عصر المجتمع المدني ومؤسساته
من الأخبار الخليجية التي شدت انتباهي في الأيام الماضية إعلان صحفي وإعلامي سعودي عن تقديمه بشكل رسمي طلباً لتشكيل جمعية "الرفق بالرجال من تسلط النساء" لوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية، وعن أسباب ذلك أشار إلى أن ما يلقاه الرجال من إهمال الزوجات تحت مظلّة مشاغل المرأة الموظفة أو تحت عذر الاهتمام بالأبناء هو إهمال غير مقبول من فئات كثيرة من الرجال، مشيراً إلى أنّ تهرّب النساء من واجباتهنّ تجاه الرجل لم يعد شأناً فردياً بل أصبح ظاهرة عامة، خصوصاً لما في الاعتماد على الخادمات في تصريف أمور المنزل من سلبيات بالغة. وأضاف أنّ استقلال المرأة مالياً انعكس سلباً على العلاقات الزوجية، حيث لا تساهم الزوجة في مصروفات المنزل في حين أنها تأخذ من وقت منزلها في سبيل عملها، كما أن النساء اللواتي لا يعملن أصبحن يطالبن بخدمات رفاهية لقضاء وقت الفراغ المنزلي كتأمين سائق وسيارة ومصروفات تسوّق، في حين تؤدي الخادمات واجبات الزوجات المنزليّة. كما أشار إلى أنّ العضوية ستقتصر على الرجال بطبيعة الحال، وستكون مجّانية شرط مساهمة العضو الرجل معنوياً وتنظيمياً في رفع التسلط الذي تمارسه النساء على الرجال؟!
وربما جاء التحرك النسائي السعودي بعد هذه الحادثة أكثر نضجاً وقبولا في التعامل مع القضايا المعقدة في المجتمع حين تقدمت مجموعة من السيدات للحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء جمعية اجتماعية جديدة تحت مسمى "مودة" لعلاج قضايا الطلاق. وتهدف الجمعية إلى استباق وقوع الطلاق بعلاج المشكلات المسببة له من خلال لجان تضم31 سيدة ولجنة رجالية تضم محامين وعلماء دين ورجال أعمال وحقوقيين. وقد حصلت الجمعية على موافقة الشؤون الاجتماعية في 17 فبراير 2010 لتكون بذلك أول جمعية سعودية تعنى بقضايا الطلاق قبل وأثناء وبعد وقوعه. وستكون للجمعية النسائية لجنة مساندة من الرجال، وذلك لأن الوزارة لا تمنح ترخيصا لجمعية مختلطة. اللافت في هذه الأخبار وغيرها أنها تدل على أصالة الحيوية والحراك الاجتماعي السريع الذي بدأ يدب في أوصال المجتمع السعودي في مختلف المجالات وخصوصا في مجال المجتمع المدني والمؤسسات المرتبطة، ورغم أنها جاءت متأخرة عن المجتمعات الخليجية الأخرى ومنها مجتمعنا القطري؟!، إلا أنها بدأت تتجذر أكثر في الأرض وتأتي ثمارها وبدأت تسابق الآخرين وقد تسبقهم إذا بقى الحال كما هو عليه دون حراك حقيقي في المؤسسات المدنية في المجتمعات الخليجية الأخرى.
يوجد في السعودية حاليا أكثر من خمسمائة جمعية تساهم الدولة في دعمها وتأهيلها، منها جمعيات للطب والهندسة والجيولوجيا والمحاسبة والاقتصاد والإدارة والصحفيين والأدباء. وكذلك الجمعيات الخيرية وجمعية حقوق الإنسان، وهي جمعيات فاعلة في واقع الحياة، ونشاطاتها بارزة وفوائدها جمة، وقد أقر أعضاء مجلس الشورى السعودي مشروع النظام الجديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية منذ مدة وهو ينتظر موافقة مجلس الوزراء في الأيام القادمة، وهو الأمر الذي يبشر بنقلة نوعية ومهمة تساهم في تطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي المدني السعودي في التنمية الوطنية، لا سيما وأن المشروع يسعى إلى تنظيم وتطوير العمل الأهلي، ويهدف إلى إشراك المواطن في إدارة المجتمع وتطويره، كما ورد في مادته الأولى. وقد عمد المشروع إلى تكوين هيئة مستقلة باسم الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية هدفها تنظيم العمل الأهلي وتطويره وتسهيل مهام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وحمايتها وتذليل الصعاب التي قد تواجهها،
وصنف المشروع الجمعيات إلى جمعيات أهلية، وعلمية، ومهنية، ومؤسسات أهلية، وينشأ لها صندوق باسم (الصندوق الوطني لدعم الجمعيات الأهلية) موارده المالية تأتي مما تخصصه له الدولة في ميزانيتها العامة، وما يمكن أن تخصصه الدولة من دخل مصلحة الزكاة، والصدقات، والزكوات، والهبات، والأوقاف التي تخصص للعمل التطوعي، وأموال التخلص لدى البنوك، وما يحققه الصندوق من عوائد استثمار أمواله، وطبقاً لأحكام مشروع هذا النظام، الذي يتألف من (43) مادة فقد تحددت مهام الهيئة في: وضع السياسة العامة، التي تضمن تنمية وتطوير الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتحقيق أغراضها، والإشراف على نشاطاتها، وتقويمها، وإجراء الدراسات والبحوث في مجال العمل الأهلي، وإضفاء صفة النفع العام على ما تنطبق عليه شروط هذه الصفة، وتتألف الهيئة من: مجلس إدارتها والأمانة العامة، وأعضاء ممثلين عن القطاعات الحكومية هم وزراء: الشؤون الاجتماعية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، والعمل، والمالية، إلى جانب القطاع الخاص، والقطاع الأهلي، والقطاع الأكاديمي والعلمي.
وفي جانب آخر من على محيط الخليج صدمتنا الأخبار الصحفية في مجتمعنا بنقلها موافقة أعضاء مجلس الشورى على بعض أحكام القانون رقم (12) لسنه 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة خاصة ما يتعلق بزيادة رأس المال المطلوب في التأسيس، حيث لا يقل رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخاصة عن 10 ملايين ريال، وهي مفارقة فعلا تدعو إلى الاستغراب، فالقانون الذي ولد شبه عاقر، لم تخرج من رحمه إلا عدة جمعيات تعد على أصابع اليد الواحدة، ليس لها أي دور أو نشاط أو ثقل يذكر في المجتمع، وقد جردت من كل شيء تقريبا وقطعت أوصالها وأطرافها بنص القانون. ومع ذلك يتم الإجهاز على البقية الباقية منه من خلال الموافقة على وضع مبلغ خرافي كشرط للتأسيس "لتغرق الغرقان أكثر"؟، حتى أن التقدم للحصول على سجل إشهار المؤسسات التجارية والاقتصادية التي استنزفت خيرات المجتمع وقت الطفرة وانكشف معظمها في الأزمة الاقتصادية الأخيرة ويواجه أغلبها اليوم قضايا ودعوى أمام المحاكم القطرية لا تصل رسومه إلى خمس هذا المبلغ الخيالي، هل يعلم أعضاء الشورى حقا أن هذه المؤسسات التي أطلق عليها اسم مؤسسات المجتمع المدني أو جمعيات النفع العام أو المؤسسات غير الربحية أو الأهلية تهدف إلى خدمة المجتمع بلا جزاء ولا شكور، وهل يعلم الأعضاء أن نجاحها بدأ ينتشر كالنار في الهشيم من الأقربين في دول الخليج حيث يقدر عددها بالمئات خصوصا في (الكويت والبحرين والإمارات والسعودية)، الى الغرباء الأباعد، حيث أصبحت جزءاً رئيسياً من العمود الفقري في مجتمعات ودول العالم (يبلغ عددها في بريطانيا أكثر من 200.000 وفي أمريكا أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف مؤسسة أهلية (American Non — Profit Organizations).
كيف انقلبت الآية بهذا الصورة الدراماتيكية؟! فبعد أن كنا من أولى الدول الخليجية التي استوعبت ضرورة التغيير في بنية المجتمع وصياغة قوانين حضارية تدفع عجلة الإبداع وتؤصل مبدأ المشاركة، تحولنا إلى مجتمع يصوغ القوانين والأنظمة التي تضع العصي في وسط العجلة وتوقف المسيرة. وبينما يتقدم الآخرون القريبون منهم والبعيدون نصاب نحن بالتراجع والتقهقر، والأدهى والأمرّ أن نضع الحصان خلف العربة ونقوم بجرها إلى الخلف بدل اللحاق بهم.. هل حان الوقت لأن نتصارح، ونتساءل: ما الذي يجري هنا؟ وإلى أين نحن متجهون! وما ذا حدث لمؤشرات البوصلة، وهل هناك إشكالية في خريطة الطريق القطرية؟! هل نخاف من شيء ولذلك نمنعه في الوقت الحاضر قبل أن ينتقل إلى المستقبل؟! والله إنها دعوة غيور على مستقبل البلد، أدعو من خلالها مجلس الوزراء اليوم إلى عدم إقرار اقتراح مجلس الشورى، بل أدعوه إلى وقف العمل بأحكام القانون الحالي العقيم الخاص بالجمعيات والمؤسسات، وصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخول عصر المجتمع المدني ومؤسساته، ما سنقوم بزرعه اليوم سنجنيه غدا، والسؤال هو ما هي طبيعة الثمرة التي نريدها في المستقبل؟!
Aljaberzoon@gmail.com