الجمعة، 5 مارس 2010

المجتمع المدني الخليجي


المجتمع المدني الخليجي: مفارقات سعودية وقطرية
2010-03-03

المملكة تساهم في دعم وتأهيل 500 جمعية.. وجمعياتنا محدودة العدد ومقطعة الأوصال بنص القانون
"الشورى" "غرق الغرقان أكثر" بموافقته على رفع مبلغ تأسيس الجمعيات إلى 10 ملايين ريال!
أين الإشكالية في خريطة الطريق القطرية؟
نطالب بصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخولنا عصر المجتمع المدني ومؤسساته
من الأخبار الخليجية التي شدت انتباهي في الأيام الماضية إعلان صحفي وإعلامي سعودي عن تقديمه بشكل رسمي طلباً لتشكيل جمعية "الرفق بالرجال من تسلط النساء" لوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية، وعن أسباب ذلك أشار إلى أن ما يلقاه الرجال من إهمال الزوجات تحت مظلّة مشاغل المرأة الموظفة أو تحت عذر الاهتمام بالأبناء هو إهمال غير مقبول من فئات كثيرة من الرجال، مشيراً إلى أنّ تهرّب النساء من واجباتهنّ تجاه الرجل لم يعد شأناً فردياً بل أصبح ظاهرة عامة، خصوصاً لما في الاعتماد على الخادمات في تصريف أمور المنزل من سلبيات بالغة. وأضاف أنّ استقلال المرأة مالياً انعكس سلباً على العلاقات الزوجية، حيث لا تساهم الزوجة في مصروفات المنزل في حين أنها تأخذ من وقت منزلها في سبيل عملها، كما أن النساء اللواتي لا يعملن أصبحن يطالبن بخدمات رفاهية لقضاء وقت الفراغ المنزلي كتأمين سائق وسيارة ومصروفات تسوّق، في حين تؤدي الخادمات واجبات الزوجات المنزليّة. كما أشار إلى أنّ العضوية ستقتصر على الرجال بطبيعة الحال، وستكون مجّانية شرط مساهمة العضو الرجل معنوياً وتنظيمياً في رفع التسلط الذي تمارسه النساء على الرجال؟!
وربما جاء التحرك النسائي السعودي بعد هذه الحادثة أكثر نضجاً وقبولا في التعامل مع القضايا المعقدة في المجتمع حين تقدمت مجموعة من السيدات للحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية لإنشاء جمعية اجتماعية جديدة تحت مسمى "مودة" لعلاج قضايا الطلاق. وتهدف الجمعية إلى استباق وقوع الطلاق بعلاج المشكلات المسببة له من خلال لجان تضم31 سيدة ولجنة رجالية تضم محامين وعلماء دين ورجال أعمال وحقوقيين. وقد حصلت الجمعية على موافقة الشؤون الاجتماعية في 17 فبراير 2010 لتكون بذلك أول جمعية سعودية تعنى بقضايا الطلاق قبل وأثناء وبعد وقوعه. وستكون للجمعية النسائية لجنة مساندة من الرجال، وذلك لأن الوزارة لا تمنح ترخيصا لجمعية مختلطة. اللافت في هذه الأخبار وغيرها أنها تدل على أصالة الحيوية والحراك الاجتماعي السريع الذي بدأ يدب في أوصال المجتمع السعودي في مختلف المجالات وخصوصا في مجال المجتمع المدني والمؤسسات المرتبطة، ورغم أنها جاءت متأخرة عن المجتمعات الخليجية الأخرى ومنها مجتمعنا القطري؟!، إلا أنها بدأت تتجذر أكثر في الأرض وتأتي ثمارها وبدأت تسابق الآخرين وقد تسبقهم إذا بقى الحال كما هو عليه دون حراك حقيقي في المؤسسات المدنية في المجتمعات الخليجية الأخرى.
يوجد في السعودية حاليا أكثر من خمسمائة جمعية تساهم الدولة في دعمها وتأهيلها، منها جمعيات للطب والهندسة والجيولوجيا والمحاسبة والاقتصاد والإدارة والصحفيين والأدباء. وكذلك الجمعيات الخيرية وجمعية حقوق الإنسان، وهي جمعيات فاعلة في واقع الحياة، ونشاطاتها بارزة وفوائدها جمة، وقد أقر أعضاء مجلس الشورى السعودي مشروع النظام الجديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية منذ مدة وهو ينتظر موافقة مجلس الوزراء في الأيام القادمة، وهو الأمر الذي يبشر بنقلة نوعية ومهمة تساهم في تطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي المدني السعودي في التنمية الوطنية، لا سيما وأن المشروع يسعى إلى تنظيم وتطوير العمل الأهلي، ويهدف إلى إشراك المواطن في إدارة المجتمع وتطويره، كما ورد في مادته الأولى. وقد عمد المشروع إلى تكوين هيئة مستقلة باسم الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية هدفها تنظيم العمل الأهلي وتطويره وتسهيل مهام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وحمايتها وتذليل الصعاب التي قد تواجهها،
وصنف المشروع الجمعيات إلى جمعيات أهلية، وعلمية، ومهنية، ومؤسسات أهلية، وينشأ لها صندوق باسم (الصندوق الوطني لدعم الجمعيات الأهلية) موارده المالية تأتي مما تخصصه له الدولة في ميزانيتها العامة، وما يمكن أن تخصصه الدولة من دخل مصلحة الزكاة، والصدقات، والزكوات، والهبات، والأوقاف التي تخصص للعمل التطوعي، وأموال التخلص لدى البنوك، وما يحققه الصندوق من عوائد استثمار أمواله، وطبقاً لأحكام مشروع هذا النظام، الذي يتألف من (43) مادة فقد تحددت مهام الهيئة في: وضع السياسة العامة، التي تضمن تنمية وتطوير الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتحقيق أغراضها، والإشراف على نشاطاتها، وتقويمها، وإجراء الدراسات والبحوث في مجال العمل الأهلي، وإضفاء صفة النفع العام على ما تنطبق عليه شروط هذه الصفة، وتتألف الهيئة من: مجلس إدارتها والأمانة العامة، وأعضاء ممثلين عن القطاعات الحكومية هم وزراء: الشؤون الاجتماعية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، والعمل، والمالية، إلى جانب القطاع الخاص، والقطاع الأهلي، والقطاع الأكاديمي والعلمي.
وفي جانب آخر من على محيط الخليج صدمتنا الأخبار الصحفية في مجتمعنا بنقلها موافقة أعضاء مجلس الشورى على بعض أحكام القانون رقم (12) لسنه 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة خاصة ما يتعلق بزيادة رأس المال المطلوب في التأسيس، حيث لا يقل رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخاصة عن 10 ملايين ريال، وهي مفارقة فعلا تدعو إلى الاستغراب، فالقانون الذي ولد شبه عاقر، لم تخرج من رحمه إلا عدة جمعيات تعد على أصابع اليد الواحدة، ليس لها أي دور أو نشاط أو ثقل يذكر في المجتمع، وقد جردت من كل شيء تقريبا وقطعت أوصالها وأطرافها بنص القانون. ومع ذلك يتم الإجهاز على البقية الباقية منه من خلال الموافقة على وضع مبلغ خرافي كشرط للتأسيس "لتغرق الغرقان أكثر"؟، حتى أن التقدم للحصول على سجل إشهار المؤسسات التجارية والاقتصادية التي استنزفت خيرات المجتمع وقت الطفرة وانكشف معظمها في الأزمة الاقتصادية الأخيرة ويواجه أغلبها اليوم قضايا ودعوى أمام المحاكم القطرية لا تصل رسومه إلى خمس هذا المبلغ الخيالي، هل يعلم أعضاء الشورى حقا أن هذه المؤسسات التي أطلق عليها اسم مؤسسات المجتمع المدني أو جمعيات النفع العام أو المؤسسات غير الربحية أو الأهلية تهدف إلى خدمة المجتمع بلا جزاء ولا شكور، وهل يعلم الأعضاء أن نجاحها بدأ ينتشر كالنار في الهشيم من الأقربين في دول الخليج حيث يقدر عددها بالمئات خصوصا في (الكويت والبحرين والإمارات والسعودية)، الى الغرباء الأباعد، حيث أصبحت جزءاً رئيسياً من العمود الفقري في مجتمعات ودول العالم (يبلغ عددها في بريطانيا أكثر من 200.000 وفي أمريكا أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف مؤسسة أهلية (American Non — Profit Organizations).
كيف انقلبت الآية بهذا الصورة الدراماتيكية؟! فبعد أن كنا من أولى الدول الخليجية التي استوعبت ضرورة التغيير في بنية المجتمع وصياغة قوانين حضارية تدفع عجلة الإبداع وتؤصل مبدأ المشاركة، تحولنا إلى مجتمع يصوغ القوانين والأنظمة التي تضع العصي في وسط العجلة وتوقف المسيرة. وبينما يتقدم الآخرون القريبون منهم والبعيدون نصاب نحن بالتراجع والتقهقر، والأدهى والأمرّ أن نضع الحصان خلف العربة ونقوم بجرها إلى الخلف بدل اللحاق بهم.. هل حان الوقت لأن نتصارح، ونتساءل: ما الذي يجري هنا؟ وإلى أين نحن متجهون! وما ذا حدث لمؤشرات البوصلة، وهل هناك إشكالية في خريطة الطريق القطرية؟! هل نخاف من شيء ولذلك نمنعه في الوقت الحاضر قبل أن ينتقل إلى المستقبل؟! والله إنها دعوة غيور على مستقبل البلد، أدعو من خلالها مجلس الوزراء اليوم إلى عدم إقرار اقتراح مجلس الشورى، بل أدعوه إلى وقف العمل بأحكام القانون الحالي العقيم الخاص بالجمعيات والمؤسسات، وصياغة قانون حضاري جديد يفتح الباب لدخول عصر المجتمع المدني ومؤسساته، ما سنقوم بزرعه اليوم سنجنيه غدا، والسؤال هو ما هي طبيعة الثمرة التي نريدها في المستقبل؟!
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق