الأربعاء، 10 مارس 2010

حل هيئة الأعمال الخيرية انتكاسة لتجربة رائدة

2010-03-10
القرار أثار استغراباً خليجياً وعربياً وإسلامياً في مؤتمر المنظمات الإنسانية بالدوحة
الوفود فوجئت بغياب الهيئة عن مؤتمر تبنته ورعته وبذلت الجهود لنجاحه واستمراره
المجتمع المدني القطري شهد تغييراً سريعاً وفاعلاً خلال السنوات الأخيرة.. فلماذا التراجع؟
لماذا حُولت الهيئة إلى إدارة بدل تحويلها إلى قطاع شامل مستقل؟!

أين الهيئة القطرية للأعمال الخيرية؟!.. كان هذا هو محور التساؤلات التي دارت على ألسنة الوفود العربية والإسلامية، التي اجتمعت على هامش أعمال المؤتمر الثالث للمنظمات الإنسانية بالدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي في الدوحة. وقد كان من المأمول أن يحضر المؤتمر الذي يعقد تحت شعار "معاً من أجل تضامن فعال" الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم اعتذاره فقد حضر ممثلون عن حوالي 70 منظمة إنسانية وخيرية من 35 دولة من الدول الأعضاء في المنظمة. وركز المؤتمر (الثالث) على محورين أساسيين يتعلق الأول بالتعاون بين المنظمات الإنسانية في مجال التأهب والاستجابة للكوارث في العالم الإسلامي، فيما ركز المحور الآخر على تعزيز التعاون بين المنظمات الإنسانية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
المؤتمر يعد أبرز المشاريع التي قامت الهيئة القطرية للأعمال الخيرية برعايتها وتبنيها وبذل الجهود في نجاحها واستمرارها، وهي شهادة جاءت من الرئيس السنغالي الذي استضافت عاصمة بلاده دكار أعمال المؤتمر الأول للمنظمات الخيرية والإنسانية في عام (2008) واعتبر بداية ظهور نظام جامع لمؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية والإسلامية، ليكمل المسيرة بعدها إلى طرابلس (2009) بمؤتمر تشارك فيه أكثر من ثلاثين منظمة يمثلها أكثر من خمسين مشاركاً من نحو خمس عشرة دولة من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتحضره وفود من المنظمة الدولية للهجرة واتحاد الأطباء العرب، ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ليصل الركب إلى الدوحة (2010) ويجد أن العراب (The Godfather) لم يكن موجوداً في حفل بلوغ المولود عامه الثالث، وهو الذي اختير لتعهده منذ ولادته؟!.
لقد أثار غياب الهيئة القطرية للأعمال الخيرية كتجربة قطرية أحدثت أثرا بارزا على المستوى العربي والإسلامي، استغراب وتعجب المشاركين، خصوصا في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتحديد وفود السعودية والكويت والإمارات، وهي الدول التي اطلعت على التجربة القطرية بعمق ودرست واسترشدت بخطواتها، خاصة في تنظيم الأعمال الخيرية والإنسانية التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وبناء الشراكات مع المنظمات والمؤسسات الدولية. وبينما تنتظر بعض الدول الخليجية قرار الموافقة على إنشاء هيئات مستقلة إشرافية وتنظيمية لعمل جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في بلدانها في الأيام المقبلة، إذا بها تفاجأ اليوم بخبر حل الهيئة القطرية وتوزيع اختصاصاتها بما يشبه انتكاسة وارتدادا عن التجربة التي كانت قطر الرائدة في إطلاقها؟! لقد تعاقدت الكويت في الشهر الماضي (فبراير 2010) مع المفوضية البريطانية (Charity Commission)، التي تقوم بالإشراف والمراقبة على أكثر من 200 ألف جمعية خيرية بريطانية وتقوم بإشهار ما يقرب من 15 ألف جمعية خيرية سنوياً، بالإضافة إلى تعاقدها مع مؤسسة الانتراك (INTRAC)، وهي مؤسسة أهلية تدريبية غير حكومية متخصصة بالعمل الخيري والتدريب والتأهيل وبناء القدرات، والمفارقة أن أول توقيع شراكة فاعلة تمت ما بين مؤسسة عربية وإسلامية وبين المفوضية والمؤسسة الأهلية البريطانية قامت بها الهيئة القطرية للأعمال الخيرية؟!.
يعود عمل المنظمات والمؤسسات الإنسانية الأهلية غير النفعيةNGO) (Non - governmental organization) في المجتمع المدني إلى مفهوم مجموعة التنظيمات التطوعية التي تملأ المجال العام بين الأسرة والمجتمع لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف. ومن أهم السمات التي تتمتع بها الثقة والتسامح، والحوار السلمي، والثقافة، والمرونة، ويعتبر تبني هذه القيم واتباع السلوك الأمثل الذي يتوافق معها محور التقدم والتطور الاجتماعي، وهو ما يوفر في النهاية الفعالية في صناعة المجتمع الحضاري المدني. ولايخفى أن مفهوم المجتمع المدني بالعالم العربي، قد بدأ يتبلور كمفهوم استيعابي، سواء على المستوى الفكري والاجتماعي، لدى شريحة واسعة من المهتمين منذ ما يقرب من العقود ثلاثة مضت، وأدى إلى ظهور حراك اجتماعي في البنية الأساسية في المجتمع ينمو يوما بعد يوم، وقبل مدة قصيرة مضت دشنت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، التي يرأس مجلس إدارتها الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود "الموسوعة العربية للمجتمع المدني". والموسوعة التي تعد عملا رائدا ومميزا، تنقسم إلى تسعة فصول، حاول الفصل الأول فيها تحليل المجتمع المدني في إطار الخريطة المعرفية للعالم، واهتمت باقي الفصول بدراسة جذور مفهوم المجتمع المدني، وتحديد المفهوم ذاته، والمفاهيم التنموية والقيمية، التي ترتبط بالمجتمع المدني، والمجتمع المدني العالمي والشبكات، ومكونات الحكم الرشيد، ومفاهيم رئيسية في تشريعات المجتمع المدني والمواثيق الأخلاقية، ومفاهيم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجتمع المدني، وأخيراً تقييم منظمات المجتمع المدني. واكتسب المجتمع المدني مع العولمة أبعاداً دولية واسعة المدى، أدت إلى بروز أدوار مهمة وفاعلة للمؤسسات والهيئات المدنية العالمية، حيث أصبحت تأثيراتها وأدوارها الإنسانية والاجتماعية عابرة للدول والقارات، وحققت إنجازات كبيرة واحتراما عميقا وثقلا تحسدها عليها المنظمات الحكومية وشبه الحكومية الأخرى.
لقد كان التغيير في السنوات العشر الأخيرة في بنية المجتمع المدني القطري سريعا وفاعلا وواسعا، ولم يشهد معوقات أو حواجز مثل الذي تعرضت له المجتمعات العربية الأخرى تحت حجة الهوية والخصوصية والانفرادية، بل على العكس كان الاستيعاب والهضم والمطالبة بالمزيد من الانفتاح على التجارب العالمية الناجحة رغبة رأسية هرمية متوافقة مع الرغبة الشعبية القاعدية، إلا أن المستجدات الأخيرة مثلت انتكاسة وردة إلى الخلف بدل التقدم إلى الإمام والتعلم من الأخطاء وتصحيح المسار، بدءا من فرض القوانين المعوقة والمكبلة والمقيدة لإنشاء الجمعيات مثل القانون رقم (12) لسنه 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة، مرورا بالتعديل على القانون المذكور منذ عدة أيام من خلال زيادة رأس المال المطلوب في التأسيس بحيث لا يقل رأس مال الجمعيات والمؤسسات الخاصة عن 10 ملايين ريال، وانتهاء بحل الهيئة المسؤولة عن تنظيم وتطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وتحويلها إلى إدارة، بدل أن تتحول إلى قطاع كامل شامل مستقل، وهو ما يعرف بعالم اليوم بالقطاع الثالث (Third Sector)؟!
Aljaberzoon@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق