الأربعاء، 24 مارس 2010

حقوق الإنسان في الخليج.. انطباع سلبي ومخيب للآمال

عالم اليوم- الكويت
24-3-2010

لا بد لنا في البداية أن نشيد بالنجاح الذي توصل إليه المسؤولون في قطر والإمارات في التعامل مع أهم ملف تتناوله تقارير حقوق الإنسان في دول الخليج خلال السنوات الأخيرة، من خلال إصدار قوانين صارمة تحظر مشاركة الأطفال في سباقات الهجن “كركّيبة” (Child Camel Jockeys)، وكان أحد الحلول المميزة في اللجوء إلى التكنولوجيا من خلال استخدام إنسان آلي له ذراع يقوم بتحفيز الجمال على الجري بسرعة بدلا من وضع حمولة ليست ثقيلة كانت تتمثل في استخدام (الأطفال) الذين تم جلبهم من بعض الدول في جنوب آسيا وفي شمال وجنوب أفريقيا. بل وحسنا فعل المسؤولون حين تعاونوا مع بعض المؤسسات والجمعيات التي تتبع منظمة الأمم المتحدة أو بعض المؤسسات والجمعيات الخاصة لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال في بلدانهم، ودفع تعويضات لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الاساسية في التعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني والتوعية ليعودوا لاستئناف حياتهم من جديد.
ولقد لعبت الجهود التي بذلتها منظمة اليونيسيف أيضا دورا أساسيا في حل مأساة هؤلاء الأطفال الذين حرموا من طفولتهم من خلال إرجاع المئات منهم إلى بلدانهم الأصلية ، وأظهرت المنظمة في تقاريرها أن معظم الذين شاركوا في سباقات الهجن تم جلبهم بطرق غالبيتها غير شرعية، من دول مثل بنغلادش وباكستان والسودان وموريتانيا، ووفقا لتقارير المنظمة، فقد كانت حال هؤلاء الأولاد في مزارع الجمال سيئة للغاية، إذ كانوا يمنعون من الأكل بكثرة، وذلك للحفاظ على معدل معين لوزنهم، ولتسهيل حركة الجمال في السباق. علاوة على إمكانية سقوط هؤلاء الأطفال من على ظهر الجمل، مما قد يعرضهم لخطر الإصابة أو الموت أو الأمراض ذات العاهات المستديمة، خاصة تلك التي تصيب الظهر والعمود الفقري نتيجة ربط الطفل بحبل على ظهر الناقة حتى لايسقط وهي تجري. والمفارقة أنه بعد أن حلت الأزمة في دول الخليج عادت لتظهر في مصر وبالتحديد في محافظات الشرقية والإسماعيلية وسيناء من خلال استخدام الأطفال والصغار في سباقات الهجن بل هاجم المنظمون في مهرجانها الأخير الذي اختتم قبل مدة منظمات حقوق الإنسان لرفضها مشاركة الأطفال في السباق؟!
والتحدي الذي يطرح نفسه اليوم بقوة ويدعونا إلى التعامل معه بنفس الطريقة يتمثل في إزالة الصفحات السوداء في التقارير الدولية السنوية التي تتناول أوضاع حقوق الإنسان في دول الخليج، سواء تلك الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، أو عن وزارات خارجية بعض الدول. وعلى الرغم من الإشادة بالتحسن الذي طرأ في التعامل مع قضايا الاتجار بالبشر و استغلال العمالة أو الإساءة لها، مثل فرض بعض الغرامات أو إغلاق شركات التوظيف أو إصدار الأوامر لأرباب العمل بإعادة جوازات السفر المحجوزة أو دفع الأجور المستحقة، إلا أن بعض دول الخليج والدول العربية أيضا مازالت موجودة في القائمة السوداء الخاصة بالاتجار في البشر. كما أن الانتقادات لا تزال توجه أيضا لبعض الحكومات في ما يتعلق بتعزيز الرقابة على الجمعيات والهيئات الخيرية إضافة إلى عدم تفعيل قوانين وتشريعات صارمة لجهة مكافحة وتمويل عمليات غسيل الأموال. وبالرغم من المساهمات السخية التي تقدمها بعض حكومات دول الخليج للمنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل (مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين) إلا أن التناقض يكمن في ان هذه الحكومات لم تتعاون مع معظم جهود المفوضية لتوفير الحماية والمساعدة للاجئين واللاجئين العائدين وطالبي اللجوء ومن ليست لديهم دولة أو غير محددي الجنسية أو ما يطلق عليهم بـ «البدون» وغيرهم. وقد أشارت تقارير مثل تقرير وزارة الخارجية الأميركية الأخير إلى أن استمرار مشكلة غير محددي الجنسية “البدون” (الذين تتجاوز إعدادهم المائة ألفاً موزعين على دول الخليج واغلبهم يعيش في الكويت)، دون حل يجعلهم عرضة للتجنيد الإرهابي من قبل المتطرفين.
من جهة أخرى فإن القانون ينص على عقوبات جنائية للفساد الرسمي في دول الخليج، غير أن الكثير من المسؤولين لا يقومون بتنفيذ القانون بكفاءة، ويقوم المسؤولون أحيانا بممارسة الفساد من دون التعرض للعقوبة. وهنالك نسبة تعادل 20 في المائة من المشاركين في استطلاع قامت به مؤسسة الشفافية الدولية في بعض دول الخليج، ادعت أنها دفعت رشوة أو اعتمدت على معرفة شخص ما في حدود الأسرة أو العائلة والقبلية خلال العام الماضي؟!
وعن المجتمع المدني تشير التقارير إلى أن بعض الدول الخليجية تسمح بوجود المنظمات والجمعيات غير الحكومية (جمعيات النفع العام)، ولكنها مازالت ترفض الترخيص بتأسيس مثل هذه الجمعيات، كما أنها تحظر على هذه الجمعيات ممارسة العمل السياسي العلني. كما تسمح تلك الحكومات لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بزيارة البلاد وإقامة مكاتب لها، ولكن لا توجد من بينها منظمة تعمل في الداخل وتقوم بنشر تقارير دورية داخلية أو إقليمية عن أوضاع حقوق الإنسان؟! ومع أن القوانين تحظر التمييز على أساس العنصر أو الدين أو الإعاقة أو اللغة، ولكن في واقع الأمر فان بعض الدول الخليجية لا تنفذ القوانين في مجال التمييز بصورة متوازنة وثابتة، وهنالك عدد من القوانين واللوائح تميز ضد المرأة وغير المواطنين والعمالة المنزلية. ومازال العنف الموجه ضد المرأة يمثل مشكلة خطيرة لا يتم الإبلاغ عنها. وقد وجدت المئات من حالات الاغتصاب، والعديد من الضحايا من خادمات المنازل، وتعتقل الشرطة بين الحين والآخر من يتهمون بارتكاب الاغتصاب، ويقدم العديد منهم للمحكمة، غير أن القوانين الخاصة بالاغتصاب لا تنفذ دائماً بكفاءة. وعلى الرغم من أن المرأة الخليجية تمثل نصف المجتمع وتتمتع ببعض الحقوق السياسية والاجتماعية، ولكنها لا تتمتع بالحقوق ذاتها، كالرجل في ما يتعلق بقوانين الأسرة والملكية أو في النظام العدلي، كما أنها ما زالت تواجه التمييز في العديد من المجالات.
إن المراقب للتقارير الدولية المختلفة التي تتناول رصد الأوضاع في المنطقة العربية والخليجية بشكل خاص سيلاحظ أن المشهد الذي تطرقنا إلى جزء منه يكاد يتكرر كل عام، وإذا أضفنا إلى المشهد رصد الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية لخرجنا بانطباع سلبي وباهت ومترد ومخيب للآمال عن الوضع الذي يعيشه الإنسان في هذه البقعة من العالم إذا ما قارناه مع أوضاع الدول الأخرى المتقدمة التي يتشارك معها في مستوى المعيشة المادية والرفاهية (luxury) والدخل السنوي (Annual Income). لذلك فإن المطالبة بالإصلاح والتغيير في أوضاع حقوق الإنسان لم تعد دعوة ترف بل باتت ضرورة ملحة يجب وضعها على سلم الأولويات الوطنية، وهي لم تعد شأنا داخليا بل غدت شأنا دوليا عالميا. إن العرف الدولي الذي بات يترسخ والمفهوم العالمي عن حقوق الإنسان أعطى الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية المعنية حق التدخل في هذه القضايا الإنسانية المختلفة، ويجب على دول الخليج أن تعالج المشاكل والقضايا العالقة من الداخل وعدم الانتظار والتأجيل وترحيل الملفات وتجاهل الملاحظات والانتقادات حتى لا يأتي اليوم الذي قد يفرض فيه عليها التغيير من الخارج. وعلى دول الخليج أن تقبل وتتعامل مع الاتجاهات والمفاهيم والممارسات الحقوقية الدولية إذا أرادت أن يكون لها موطئ قدم وقيمة حقيقة في هذا العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق