الأربعاء، 25 أغسطس 2010

هل تهدد المسلسلات الرمضانية حياتنا الاجتماعية والثقافية؟!

2010-08-25
جريدة الشرق

عدنا إلى ديارنا وغدونا نفتقد ليالي رمضان في الغربة؟!
الشهر الفضيل تحول إلى لهو وإهدار للوقت وانخفاض الإنتاجية في العمل.
مسلسلات درامية أثارت ضجة سياسية وإعلامية ودينية وشعبية.
شركات الإنتاج أنتجت نحو 50 مسلسلاً بزيادة أكثر من 15 مسلسلاً عن العام الماضي

ونحن في الغربة كنا نحن إلى أجواء رمضان في ديارنا العامرة، ولما عدنا إلى ديارنا غدونا نفتقد ليالي رمضان في الغربة؟! لقد تحول رمضان في بلادنا إلى شهر تسلية ولهو وإهدار ومضيعة للوقت وانخفاض الإنتاجية في العمل، ووسيلة للنوم والكسل والهروب من المسؤوليات، وتوقف للحياة والشلل التام الذي يصيب المؤسسات والهيئات الحكومية. أشارت بعض التقارير في دول الخليج إلى أن الإنتاجية تتراجع بنسبة تصل إلى 20 في المائة لدى الموظفين الملتزمين وتصل أكثر من ضعف هذا الرقم لدى الفئة التي اعتادت على عدم الالتزام بساعات العمل الرسمية في رمضان أو غيره، والغريب أن المرأة "الخادمة" هي الأكثر إنتاجا عبر وجودها معظم النهار في المطبخ ولكن للأسف يذهب معظم انتاجها إلى بطون حاويات القمامة؟!
أصبح التلفزيون البطل الأوحد في رمضان بلا منافس من خلال الحجم المأهول لكمية البرامج والمسلسلات الرمضانية التي أثار بعضها ضجة مدوية هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية، فالمسلسل الكويتي الكرتوني "أبو قتادة وبونبيل" الذي يعرض على قناة الوطن كاد أن يتسبب في وقوع أزمة سياسية وإعلامية وشعبية بين الكويت والمغرب وجاءت ردود الأفعال حادة من فئات مختلفة من المغاربة، من مثقفين وطلبة ورجال الفن والسياسة ضد المسلسل الذي صور في حلقاته نساء المغرب على أنهن "مشعوذات وساحرات"، يسعين إلى خطف رجال الخليج وتزويجهم لبناتهن، وفي الحقيقة لم أشاهد الحلقة إلا بعد عدة أيام من عرضها عندما وصلتني رسالة من احد الزملاء إلى بريدي برابط للحلقة المذكورة على موقع "اليوتيوب"، واضطرت لمشاهدة الحلقة بعد أن سمعت أن مجموعة من الحقوقيين المغاربة أشاروا إلى أن المسلسل الكويتي استهدف الإساءة إلى كرامة المرأة المغربية، وصور حالات شاذة، قد تكون موجودة في الواقع، لكنه لم يُراعِ مشاعر أكثر من 30 مليون مغربي، من جانبي استغربت أن تثير حلقة واحدة "سخيفة" كل هذه الردود الغاضبة ولو لم تعط كل هذه الأهمية لما كان عرف عنها احد لا في الخليج ولا في المغرب العربي! واعتقد أن هناك ما هو أبعد من الحلقة الكرتونية، يكمن في بعض التصورات النمطية للآخر في الدول العربية ومابين الشعوب بعضها البعض، وهو يظهر وقت المشاكل الأزمات المختلفة شاهدنا بعضا منها بعد أحداث مباراة مصر والجزائر، ورغم أنها هدأت ولكنها لم تنته وربما تعود في أوقات عصيبة وأزمات أخرى؟!
مسلسل "السيد المسيح" وهو من إنتاج إيراني يعرض على قناتي المنار، و"إن بي إن"، كاد أن يحدث فتنة دينية في لبنان البلد الصغير الذي يعيش فوق عشرات القنابل الموقوتة ولا يعلم أي منها سينفجر قبل الأخر؟! والمسلسل حسب بعض مراقبين يتضمن مغالطات مسيئة ومساسا بسر المسيح والعقيدة المسيحية في الجوهر والمضمون، وهو يستقي معلوماته من إنجيل برنابا المنحول والمرفوض من الكنيسة الكاثوليكية ويتضمن تحريفا لشخص المسيح وهو يهدم فكرة المسيحية من أساسها، ويعارض الأناجيل الأربعة المعتمدة. تقرير محطة الجزيرة أشار إلى أن اللغة المستخدمة في رفض المسلسل أفرزت حركة اعتراض قوية تمثلت باعتصام حشود في المركز الكاثوليكي للإعلام أثناء عرض الملاحظات، وذكرت إلى حد بعيد بمشاهد شبيهة في الحرب الأهلية الطائفية التي اندلعت عام ١٩٧٥؟! المسلسل بالطبع أثار الكثير من اللغط في وسائل الإعلام إلا أن تم وقفه. المؤسف انه بعد كل المؤتمرات والندوات من احترام العقائد وبناء جسور الثقة وحوارات الأديان التي عقدت في أكثر من عاصمة عربية خلال السنوات الماضية يأتي مسلسل أو حلقة واحدة لكي تهدم كل ما تم بناؤه وتعيدنا إلى نقطة الصفر؟!
لم يسلم مسلسل "القعقاع بن عمرو التميمي" من الاتهامات العربية المختلفة من تغذية لخلافات الطائفية والقبلية والذي يتناول عرض حقبة الجاهلية والإسلام وظهور النبي محمد ووفاته بميزانية بلغت أربعة عشر مليون ريال. الاعتراضات على المسلسل التاريخي وصلت إلى تخصيص برامج في الجزيرة لتناولها والتعليق عليها. الاتهامات ركزت على أن بطل المسلسل التاريخي هو أصلا صحابي مختلق لا وجود له؟ وان المسلسل يسعى إلى تكريس الرواية الشيعية على الرواية السنية في بعض الحوادث التي تتناول التاريخ الإسلامي! التعجب يزول عندما نعرف أنّ اللجنة التي أشرفت على نصوص المسلسل ضمت مجموعة من المختصين منهم سلمان العودة ويوسف القرضاوي وهما من أبرز العلماء المحسوبين على جماعة السنة؟! هناك من يتعمد تشويه الحقائق والطعن في أي اعمال تقارب بين الأديان والمذاهب، ويسعى في كل مناسبة لخلق أزمة بين السنة والشيعة والفرق والمذاهب الدينية، لم يستثن من ذلك الأعمال الدرامية وكأن السياسة وكوارثها لا تروي غليله؟!.
مسلسلات أخرى تم رفع دعوى عليها في المحاكم تتناول بعض التوجهات الفكرية والجماعات والأحزاب المحسوبة عليها، مسلسل "الجماعة" تكلف إنتاجه 35 مليون جنيه مصري "6.15 مليون دولار" وأظهر أعضاء الجماعة الإسلامية في بداية الحلقات على أنهم يتسمون بالعنف، ويستغلون الدين لتحقيق أهدافهم الشخصية، ولا يكترثون كثيراً بالشعب. ونحن نعرف أن التاريخ يدين الجميع بلا استثناء في تبني واستخدام العنف واستغلال الدين ولبس عباءته، منذ بداية عصر الثورة العربية إلى وقتنا الحاضر وربما إلى المستقبل؟!
في صحف "أهل كايرو" تقرير نشر عن وكالة الأنباء الألمانية أشار أن شركات الإنتاج التلفزيوني أنفقت حوالي 750 مليون جنيها، في إنتاج مسلسلات تلفزيونية بدأ عرضها أول شهر رمضان الكريم. وتقول شركات الإنتاج أنها أنتجت نحو 50 مسلسلاً بزيادة أكثر من 15 مسلسلاً عن العام الماضي. ويتعرض إنتاج هذا العدد الكبير من المسلسلات هذا العام بالذات إلى انتقادات شديدة لأسباب عديدة منها أن ارتفاع الكلفة يؤدي إلى زيادة المساحات الإعلانية أثناء العرض على حساب وقت المشاهد والإغراءات التي يتعرض لها من قبل الشركات المعلنة. ووفقاً للبيانات المنشورة فان بعض القنوات العربية دفعت مبالغ تصل إلى 35 مليون جنيها، لشراء حق العرض في حين تصعب معرفة المبالغ التي تدفعها المحطات العربية خارج مصر والتي تبلغ عشرات الملايين من الدولارات. أن الإنتاج الدرامي المصري أصبح لا يمثل أكثر من ثلث الإنتاج الدرامي العربي، خاصة فى ظل وجود الدراما السورية واللبنانية والكويتية والسعودية والإماراتية والقطرية، والتمويل الخليجي لأعمال متنوعة، مما يعنى أن العرب أنفقوا ما يزيد على ثلاثة مليارات جنيه لشهر واحد من المسلسلات. ولقد أدى هذا التنافس المحموم وارتفاع التكلفة إلى وقف إنتاج بعض المسلسلات. كما أن عرض هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية هو من أعمال اللهو التي تأتي على حساب إظهار التقوى والأعمال الخيرية التي يفترض أن يتفرغ لها المسلمون في شهر الصوم.
كنا نغبط العالم العربي على الأجواء الإيمانية عندما كنا نعيش في الغربة، ولكن اليوم نتمنى أن نقضي رمضان هناك بعيدا عن الأجواء الملغومة هنا؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق