الجمعة، 6 أغسطس 2010

علاقة وثيقة تربط بين الفساد والفقر في العالم العربي

2010-08-04
جريدة الشرق
قطر تتصدر قائمة الدول العربية من حيث مستوى الشفافية
المنطقة العربية أضاعت ألف مليار دولار في عمليات فساد مالي!
الفساد في المؤسسات التعليمية يشمل الرشوة والشهادات المزورة والجامعات الأهلية

الإشادة بالجهود الحكومية المبذولة في محاربة الفساد وتطبيق مبدأ الشفافية مطلوبة وواجبة، فحسب الإحصائية الأخيرة في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تصدرت دولة قطر قائمة الدول الأفضل من حيث مستوى الشفافية، تلتها دولة الإمارات فإسرائيل، أما بالنسبة لترتيب الدول العربية على المستوى الدولي فتأتي قطر في المرتبة 22 عالميا بسبع نقاط، تليها الإمارات (30)، والبحرين (46)، والسعودية (63). وفي المقابل احتلت مصر والجزائر المرتبة (111)، وهي واحدة من الرتب المتأخرة عالميا من حيث الشفافية، وفي ذيل القائمة كل من اليمن والعراق والسودان والصومال، أما على الصعيد الدولي فقد احتلت الدنمارك والسويد وسنغافورة وسويسرا المراتب الأولى من حيث الشفافية المالية والإدارية.
الملاحظ أن ترتيب الدول العربية والإسلامية شهد تراجعا كبيرا على مقياس الشفافية العالمي في 2010، الذي تُصدره منظمة الشفافية الدولية سنويا، وذكر التقرير السنوي للمنظمة أن مشكلة الفساد تنامت في هذه البلدان العام الحالي؛ بسبب ارتفاع نسب الفقر ومستويات النزاعات المسلحة في بلدان عالمنا العربي والإسلامي، كما في العراق والصومال وأفغانستان، وأشار التقرير الى أن هناك علاقة وثيقة بين الفساد والفقر، حيث تركزت مجموعة من الدول الفقيرة في قاع الترتيب، وقد سجلت المنطقة العربية إضاعة ألف مليار دولار، في عمليات فساد مالي وإهدار للأموال خلال النصف الثاني من القرن الماضي تمثل ثلث مجموع الدخل القومي للدول العربية.
اصدر الخبير القانوني محمد صالح آميدي دراسة ميدانية قيمة حول الفساد، وتناول الباحث أنواع الفساد المختلفة، بداية في الفساد السياسي ومظاهره ويتمثل في أصحاب المصالح السياسية وأجهزتها الأمنية وما تقوم به من مراقبة المكالمات الهاتفية وشبكات الانترنت، والاستحواذ على التجارة والمضاربات المالية والاحتكار الاقتصادي، وتزوير الانتخابات، واستثمار المال العام في حملاتها الانتخابية والتدخل في شؤون الجامعات والمؤسسات العلمية والتصرف بالأموال العامة لصالح القيادات. وبعدها الفساد الإداري ومظاهره بدءا من المحسوبية والمنسوبية والتسيب الإداري والوظيفي وإطفاء الأراضي الزراعية وتخصيصها وتمليكها للشركات الخاصة والعائلية، وانتهاء بتزوير الشهادات والوثائق الرسمية. يليهما الفساد المالي بمظاهره المعروفة والخفية سواء الفساد المالي في الميزانية أو الرشوة في المؤسسات أو الاختلاس وطرقه المتبعة، ثم الفساد القضائي ومظاهر السلطة القضائية ومنها تعيين أعضاء الهيئات القضائية على أساس التزكية، والرشاوى القضائية والتدخل في شؤون القضاء. وأيضا الفساد في المؤسسات التعليمية ومنها الرشوة بين المدرسين والشهادات المزورة وظاهرة الجامعات الأهلية.
دراسة مميزة أخرى أعدها د. عبد اللطيف الرعود عن الفساد جاء فيها أن الفساد بمفهومه اللغوي هو مصدر للفعل فسد، وقد عرفه لسان العرب بأنه نقيض الصلاح. ويعرف بمعجم أكسفورد الإنجليزي الفساد بأنه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة". ويعرف البنك الدولي الفساد بأنه "إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص". أما صندوق النقد الدولي فيعرف الفساد من حيث انه علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين، وتعرفه منظمة الشفافية الدولية بأنه "استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة"، ويعرف أيضا بأنه الانحراف الأخلاقي لبعض المسؤولين العموميين، ومع بروز العولمة وما رافقها من خصخصة مؤسسات القطاع العام ظهر تعريف جديد للفساد بأنه بيع أملاك الدولة بواسطة المسؤولين الحكوميين لتحقيق المصالح الشخصية.
ويشير الدكتور الرعود إلى أدوات الفساد السياسي وعلى رأسها أولا (السلطة) وهي من أهم الأدوات التي تكون بيئة ملاءمة تحتضن الفساد، وتحمي الفاسدين وتكون الراعية لبؤرة الفساد فمنها يستشري وينطلق ويتوسع ويصبح للمفسدين تنظيم يحتوي عل شبكات قوية وضاغطة تتمترس خلف لوائح وتشريعات قانونية قابلة للتأويل ليتوغل كبار الفاسدين في قلب النظام بل يصبحون قيمين على الدولة برمتها إلى درجة أنهم يستطيعون التحكم في التشريع والملاحقة والمساءلة واستئثارهم بالسلطة وتحكمهم بالقوانين وفي مرحلة الانهيار السياسي والقيمي والوطني تنشئ مؤسسة الفساد التي يستقطب في صفوفها ضعاف النفوس وعديمو الضمير من قدوة سيئة يتمتع رجالها من حكام ومسؤولين وأصحاب جاه ونعيم ساعدتهم ظروف بيئية خاصة نشأ معها اهتزاز القيم والوعي والمعرفة وعم الفقر والجهل من الباحثين عن الثراء بشتى وسائله من سلب ونهب وتطاول وسرقه ورشى وغير ذلك من وسائل الكسب الحرام.
ثانيا (المال) حيث تعد الصفقات العمومية موطنا خصبا بكل أوجه الفساد من محسوبية وواسطة ورشوة ويتعدى الأمر بأن تتكون منظومة فساد قوية عندما يحدث التحالف بين رجل الأعمال (الرأسمالي) ورجل السياسة وبداعي المصلحة المشتركة يخدم كل منهما الآخر وبما يسمى بظاهرة الفساد السياسي الذي يؤدي إلى تبعية القوة السياسية للقوه الاقتصادية لتصبح أداة بيد أصحاب الأموال والطبقات الغنية القادرة على الدفع لتحقيق المنافع الشخصية، ويعملون على استبعاد الفئات الأخرى التي تمثل المثقفين الحقيقيين والعلماء والمفكرين والمبدعين، ثالثا (المنصب) وفيه يصبح المنصب تشريفا وليس تكليفا، وفيه أيضا يتعطش الشخص الراغب في الوصول بأي طريقة وبأي ثمن إلى مركز عال فإنه يسهل على الطبقة الحاكمة استعمال هذه الأصناف كدروع وخنادق تحتمي خلفها في تسيير أعمالهم ضمن أدوار محددة ومنسقة وعند انتهاء هذا الدور لسبب ما يستدعي التضحية بأحدهم ككبش فداء يضحى به عندما يلزم لتجميل الصورة محليا ودوليا وإرضاء للرأي العام وطوي صفحة قضية أصبحت مثارا للجدل.
رابعا (فساد المنظومة الديمقراطية) عندما تصبح الديمقراطية رهينة للمتنفذين وأصحاب رؤوس الأموال تظهر معها ظاهرة المال السياسي وذلك بشراء الذمم واستغلال الفقراء وضعاف النفوس من أجل الوصول إلى البرلمان، وتستغل الأحزاب الحاكمة هذه الطريقة لتصبح الديمقراطية عرجاء يسيرها المال السياسي وتحد من التعددية الحزبية والتناوب على الحكم وذلك باحتكاره أطول وقت ممكن، وهناك ظاهرة معكوسة قلبها نواب البرلمان وهي ظاهرة التسول البرلماني عندما يستجدي النائب الطبقة الحاكمة لتنفيذ خدمات أو مشاريع عامة تخص النائب وقاعدته الانتخابية مؤثراً بذلك على دوره كسلطة رقابية، والتداول لا يقصد به على سلطة الحكومة بل إنه يشمل التداول على المناصب والوظائف العامة لكي لا يصبح المنصب شأنا خاصا بالشخص أو ملحقا بشؤونه الخاصة والتناوب والتداول يعتبران ضمانة أساسية تسيير أمور الشأن العام بطريقة صحيحة ومجدية. خامسا (وسائل الإعلام) عندما تصبح هذه الوسائل كالطبل والمزمار للزمر الفاسدة المتنفذة يصبح إعلاما منحطاً بكل المقاييس لأنها تصبح المسوق للأفكار والمشروعات الفاسدة وتضلل وتخدر العقول وتزيف الوعي وتروج لانتصارات وانجازات وهمية وتدعو للالتفاف حول الفاسدين من أجل محاربة العدو (الوهمي) المتربص دائما بوحدة البلد واستقلاله وبأنهم هم من يحافظ على البلد واستقلاله!
وعن محاربة الفساد يذكر الدكتور الرعود انه يجب أن يكون هناك مشروع وطني شامل ولكي ينجح يجب التركيز على الحاكمية الرشيدة والحكومة الصالحة لأنها كفيلة بتقليص ممارسات الفساد، وتحكيم العقلانية في اتخاذ القرارات والالتزام بقواعد القانون والحد من احتكار السلطة، وتمكين المساءلة والشفافية والتي من دونها لا يمكن الحديث عن الديمقراطية وغيرها من عوامل إنجاح المشروع الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق