الأربعاء، 11 أغسطس 2010

لماذا يتم تشويه صورة الوطن في الخارج؟!

2010-08-11

صورة نمطية جديدة لمواطنين خليجيين وقطريين في شوارع لندن
التصرفات غير المسئولة والبذخ والثراء الفاحش ترتبط بالسياح من دول الخليج
جهود متواصلة ترسم صورة مشوهة في وسائل الإعلام الغربية
لسنا على استعداد لإضافة المزيد من التصورات السلبية إلى القائمة الطويلة

لم نكن نبرأ من السمعة السيئة التي خلفها الفيلم الدرامي "اختطاف " "Taken"، في عام "2008"، من إنتاج شركة يوروبا "EuropaCorp"، التي أسسها الفرنسيون لمنافسة أفلام هوليود على مستوى عالمي، لنصحوا على الصورة النمطية الجديدة التي تناولتها الصحف البريطانية عن مواطنين خليجيين وقطريين في شوارع لندن وخصوصا في شارع العرب اجور رود "Edgware Road"، وشارع بارك لين "Park Lane" القريب من حديقة لندن الشهيرة الهيد بارك "Hyde Park"، وشارع نايتس بريدج "nightsbridge"، والشوارع المحاذية من متجر هارودز "Harrods" والذي اشترته شركة قطر القابضة في صفقة تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار جنيه إسترليني "2.3 مليار دولار".
دعونا ننشط الذاكرة قليلا عن الفيلم " اختطاف " "Taken"، الذي حقق إيرادات تتجاوز 126 مليون دولار "مايعادل ميزانية مجموعة من الدول الإفريقية"، وهو من إخراج الفرنسي "بيري موريل" "Pierre Morel"، ومن بطولة ليام نيسون "Liam Neeson"، وهو من أبرز الممثلين في هوليود ومن افلامه العالمية "قائمة شيندلر" "Schindler's List"، لستيفن سبيلبرغ عن المحرقة اليهودية، وفي فيلم "مملكة السماء" "Kingdom of Heaven"، وهو في فيلم "اختطاف " يمثل دور عميل السي أي إيه متقاعد، عندما تذهب ابنته في رحلة سياحية من لوس أنجلوس إلى فرنسا، وهناك تتعرض لعملية اختطاف على يد مجموعة البانية الجنسية مهاجرة إلى فرنسا تشكل مجموعة إجرام منظم، تعمل على خطف الفتيات والإيقاع بهن مستخدمة المخدرات والدعارة والبيع لمن هن عذراوات، وتقوم هذه المجموعة المهاجرة ببيع الابنة المختطفة لشخص من اصول عربية قادر على شرائها ويعمل "ليام نسون" عبر خبرته التي اكتسبها من عمله في الاستخبارات الأمريكية على تحرير ابنته من خلال قتل العشرات منهم، وفي النهاية يطلق بطل الفيلم رصاصة الرحمة على رأس الشيخ الكهل "رحمن" الذي اشترى ابنته المراهقة؟!
الفيلم الذي صادف وشاهدته في نيويورك في دورة تدريبية، يوضح في أحد مشاهده مطاردات في شوارع باريس مع سيارة عليها أرقام مرسومة باللغة العربية، يتم تركيز الكاميرا بسرعة عليها بشكل متكرر، ليتبين للمشاهد أن الأرقام تعود إلى سيارة تحمل لوحة رخصة قطرية؟! والغريب انه لم يقدم أحد أسفه أو اعتذاره على التشويه المتعمد للسمعة من قبل المسئولين عن العمل أو الشركة المنتجة؟! بل الأدهى أن الفيلم عرض في قطر كما علمت بعد حذف اللقطات المسيئة مما يشير إلى أن العالم كله شاهد وسمع وتحدث عن الفضيحة إلا أصحاب القضية المعنية "وياغافلين لكم الله"؟! لقد بينت التعليقات النقدية للفيلم في وسائل الإعلام المختلفة عن محاولة مقصودة لتشويه صورة العرب والمسلمين بتعمد إظهارهم في صورة عصابات إجرامية تتاجر في البشر وتدعو للبغاء؟!
خلال الأسبوع الماضي من زيارتي إلى لندن لحضور مؤتمر إعلامي، راودتني اطغاث ذكريات هذه الصورة السيئة في تقرير نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية "Daily Mail" عن أسلوب المعيشة والتصرفات غير المسئولة والبذخ والثراء الفاحش التي يتباهى بها السياح القادمون من دول الخليج في العاصمة البريطانية لندن، ولقد نشرت الصحيفة على صدر صفحتها صور مجموعة من السيارات «فيراري» و«بوغاتي» و«لامبرغيني» و«بينتلي» تحمل جميعها لوحات باللغة العربية تم شحنها من قطر والسعودية والإمارات بأرقام مميزة جدا يزيد سعر البعض منها على 80 ألف جنيه إسترليني والبعض منها مصنوع من المعدن المطلي بالذهب؟! قبلها كان هناك تقرير آخر نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" ونقلته معظم الصحف اليومية بالإضافة إلى المجلات الصفراء في بريطانيا، وهو يشير إلى مخالفات الشرطة البريطانية لعدد من السيارات التي تحمل لوحة أرقام قطرية، وقد ذكرت "بي بي سي" أن سيارة تبلغ قيمتها 1.2 مليون جنيه إسترليني "نحو 1.88 مليون دولار"، والأخرى قيمتها 350 ألف جنيه إسترليني "نحو 550 ألف دولار" قد كبلتا لارتكابهما مخالفة صريحة لقوانين مواقف السيارات. كما أن هناك عدة تقارير أوردتها صحيفة التلغراف "Telegraph" منها التقرير الذي جاء تحت عنوان "الترجمة بتصرف" "سكان نايت برج لا يستطيعون النوم" "Sleepless Knightsbridge residents"، وكانت الإشارة الأكبر فيه إلى قطر، وهو يشير إلى تقدم مجموعة من السكان في العاصمة لندن بشكوى إلى عمدة المدينة "بوريس جونسون" مطالبين بالوصول إلى حل للضجة والإزعاج المتواصل الذي يحدثه السياح من دول الخليج بالتحديد قطر السعودية والإمارات باستعمالهم السيارات الفارهة ذات الصوت العالي، وقد أشاروا إلى أن النوم أصبح شبه مستحيل بفعل هدير هذه السيارات خاصة حول متجر "هارودز" الذي اشترته قطر مؤخرا؟! كما تقدموا بشكوى إلى سفارات دول الخليج الثلاث. في البحث في أرشيف صحيفة التلغراف وجدت أنها نشرت تقريرا في صيف "2008" عن مواطن قطري قام بشحن سيارته الرياضية الفاخرة والتي تحمل لوحة أرقام قطرية من طراز "لامبرغيني" "جواً" إلى بريطانيا لتغيير زيتها ومن ثم إعادتها إلى قطر. وذكرت الصحيفة أن كلفة الرحلة مع تغيير الزيت وصلت إلى نحو 20 ألف جنيه إسترليني، أي حوالى "140 ألف ريال"؟!
الملاحظ من كثرة التغطيات والتقارير والأحاديث الجانبية المختلقة التي كانت مستترة وبدأت تظهر على السطح بقوة، أن المسألة تحولت إلى جهود متواصلة تحاول أن ترسم صورة سلبية مشوهة للوطن في الخارج تصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية والعالمية! وصياغة قوالب نمطية للمواطن الذي يعيش فيه وكل ذلك بسبب تصرفات لم تعد مقتصرة على بذخ وتبذير بل تحولت إلى سلوكيات ضارة وأفعال غير مقبولة وغير مسئولة ومخالفة للقوانين والأعراف والأنظمة يقوم بها بضعة "أفراد" في خارج محسوبين علينا؟! إن التحديات المتمثلة في مواجهة الصورة السلبية للعرب والمسلمين لا تكاد تحقق نجاحا يذكر؟! ولسنا على استعداد لإضافة المزيد من التصورات السلبية إلى القائمة الطويلة، فنحن مازلنا نعاني من صعوبة تعديلها وتغييرها أو صياغة صورة جديدة في ظل حالة التراجع في الإسهام الحضاري للعرب والمسلمين ومن المشاركة في ارتقاء الإنسانية وتقدمها، وانتكاسة ثقافة التعايش السلمي والتسامح بين الأديان والمذاهب والطوائف والفكر، وتشويه الحركات الراديكالية الإرهابية المتطرفة رسالة الإسلام السمحة، وهذه الحركات لا تعترف بالحجة والحوار بل بالتكفير والتدمير والعنف، وانتشار جرائم الكراهية الاهانات والاعتداءات في دول غربية ضد العرب والمسلمين والأجانب من العالم الثالث وأحيانا يستخدم العنف معهم، بالإضافة إلى التركيز على إبراز الصورة السلبية المرتبطة العرب والمسلمين من قبل بعض وسائل الإعلام والصحف الغربية وتقاريرها التي قد تكون في كثير من الأحيان تروج للصور النمطية "الفردية" وأبطالها مجموعة أفراد محسوبين على الأصابع ولكنها تعمم، الأمر الذي من شأنه تكريس الرؤية المرسومة سلفا عن العرب والمسلمين وهو ما يطلق عليه إسلاموفوبيا (Islamophobia)؟!
الأخبار الأخيرة التي وردت في وسائل الإعلام أشارت إلى استعداد منتجو فيلم " اختطاف " لإطلاق جزء ثانٍ له بعنوان "Taken — 2" ولا أعلام لدي من تحول المطاردة إلى لندن هذه المرة بدلا من باريس، ويكون فيه الأشرار من العرب أو المسلمين، بحيث يمكن التعرف عليهم من خلال لوحات سيارتهم المرسومة بحروف عربية تشير إلى اسم البلد الذي جاءوا منه وبالطبع لن يكون غير بلد خليجي، والسؤال البديهي هل سيكون قطر مرة أخرى؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق